أما الرافد الثاني للهجوم الثقافي المعاصر: فهو خط فكري مواز لتاريخوية فوكوياما وهو النهج الانتروبولوجي الثقافي الذي تبناه صموئيل هنتغنتون، ضمن كتابه الشهير (صراع الحضارات)، وحيث ان صموئيل قد تغذى من أفكار (برنارد لويس): المجاهر دائما بميوله الصهيونية، وعدائه للإسلام، باعتباره (خطرا على الحضارة اليهودية المسيحية)، فانه قد وقع في فخ منهجي، حكم على عمله بالسطحية كلما تعلق الأمر بالإسلام. فقد أوقعه مفهوم القرابة الثقافية في تبرير سياسة الغرب بالكيل بمكاييل متعددة لدى تعاملهم مع المسلمين وخصومهم (البوسنة وفلسطين مثلا …). فقد ذهب إلى تبرير هذا الجور المفضوح بعامل القرابة الثقافية.
مثل هذا التبرير يذكر بما كتبه (كارل ماركس) في حق مقاومة الأمير عبد القدر الجزائري للغزو الفرنسي للجزائر.[26]
فظاهرة العنف مثلا؛ كمثل أي ظاهرة استثنائية، تبرز طافية على السطح: لا تنطلق من أساس عقائدي ـ أي إنها ردود فعل انفعالية ـ، يستغلها رجال متخصصون في حماية مصالح أسياد المال في العالم، ولقد استفادوا من خاصية ارتباط هذه الظاهرة بالشعوب الإسلامية المقهورة، والمستلبة حقوقها، وبمطالب إسلامية وأفراد يدعون الإسلام، فوضفوا هذه الظاهرة لصالح صراعهم مع الإسلام، وعملوا على استغلالها باتجاهين خبيثين جدا:
الأول: تبناه فوكوياما الياباني الأصل الأمريكي الجنسية: كتيار ثقافي، بل كموضوع أساسي في الانتربولوجيا الثقافية: يدّعي إن العقيدة الإسلامية تبنى أساسا على فكر صراعي، لا يمكن التعايش معه: لأنه لا يمكن للمعتقد بالإسلام إن يكون مسالما وينسجم مع أجواء الأمن والدعة والاستقرار التي توفرها الحضارة الغربية!!
والثاني: تبنته دوائر المخابرات الغربية عموما والصهيونية خصوصا والـ (CIA) بالأخص: لبناء جماعات إسلامية متشددة جدا، أو دعمها بشكل أو بآخر: تكفّر ما عداها وتظهر الإرهاب بأجلى صوره البشعة المروعة: وهذا ليس سرا: فكثير من المجاميع المتشددة هم صنيعه أمريكا أبان الحكم الشيوعي لأفغانستان كما يعلم الجميع.
11. العقيدة المهدوية وحقيقة السياسة:
المهدوية ـ كما اصطلح عليها المحدثون ـ هي جزء العقيدة الإسلامية الخاص بالإمامة كسنة كونية لا تنقطع؛ متجسدة واقعا بوجود إمام العصر المعصوم (المهدي المنتظر(عج))، الذي هو من عترة النبي(ص) وامتداده؛ اسمه كاسمه وكنيته ككنيته، يخرج في أخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
إن هذه العقيدة في جوهرها ومضمونها ومرتكزها، وفيما تقرر وتؤكد، لا تخص المسلمين وحدهم، فهي عقيدة كل الأديان السماوية، بل هي عقيدة بعض العقائد الخارجة على الدين بشكل أو بآخر.
فالمسيحيون ينتظرون، وقبلهم اليهود ينتظرون المسيح المنقذ، ومنهم من ينتظر المخلص، ومنهم من ينتظر المصلح الأكبر، وآخرون ينتظرون الأخ الأكبر المقنع!.. الهابط من الفضاء أو المستنسخ في الأرحام!! حتى البوذية تتطلع إلى ناماسانجيتي (Namasangiti)، الذي يمثل عندهم صورة السيد المنتظر او بوذا القادم، صاحب الرحمة اللامتناهية[27]. مع ما في التفاصيل من توافق وتخالف.. في من هو؟ وأين ؟ ومتى؟ وكيف؟….
فالمهدوية؛ هي العقيدة الأساس أو الملحقة المكملة لكثير من العقائد، لاكثر سكان اهل الارض، وهي وان كانت في الظاهر مسلمات، إلا انه يمكن محاكمة تلك المسلمات علميا لنرى مقدار، جوهريتها في معاني الاعتقاد والعقيدة، والجمال والكمال.
الإنسان السوي الفطري: يحب السلام، ويميل إلى الدعة والاستقرار وينفر من أجواء الخوف والخصام والمغالبة.
ولذا فان الإنسان السوي متدين بالفطرة، مخلص لدينه محب لأهله وناسه، بل محب للناس أجمعين، وهذا ما يتطلبه الدين في: (أن لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
فالدين والمبدأ الإنساني عموما يتطلب أن يتحاب الناس ويتوحدون في نظام اجتماعي يضمن للجميع حقوقهم ويوزع عليهم واجباتهم، فهم جميعا سواسية كاسنان المشط كما يقول سيد الكائنات سيدنا محمد(ص).
ويصف القرآن الناس:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
المعيار الوحيد الذي يتمايز به الناس عند الله تعالى هو التقى، والذي هو ليس بمقدار ظاهر يتباهى به صاحبه على الناس.
أما المفسد في الأرض فلا دين له ولا مبدأ ينتظمه، فهو بما هو مفسد لا مبدأ بذاته يردعه عن أفعاله المشينة.
ولذا فان مفهوم الاستعلاء على أبناء الجنس ـكما عند سادة البياض، اوعند الصهاينة، هذا المفهوم كواقع لا يسوغ للإنسان عندما يكون في موقع اجتماعي مرموق، أو عندما يتولى موقعا سياسيا مرموقا، وهكذا نجد أن: دعاوى يرفعونها كشعارات تشير إلى مباديء، هي في الواقع خواء حيث يكذبها واقعهم المشين وفعلهم المخجل للإنسانية منذ بدء التاريخ: حيث قتل قابيل أخوه هابيل بذريعة واهية.
فالناس في الإسلام: كلهم أخوة: أبوهم ادم وأمهم حواء.. عالم لا ظلم فيه ولا عدوان، ولا جبروت ولا استغلال، ولا إكراه في الدين.. هكذا وعلى هذا الأساس يجب أن يساس الناس.
وأدعياء الوصاية على الناس من منظري السياسة الغربية وعمالهم فيها، إنما نهجهم عكس هذا النهج تماما، ولا يملكون من الحقيقة شيء كما يملكها الرسول(ص)، وتخطط له عقيدة السماء الكاملة، ثم فهم ظالمون بإعمالهم القاسية المشينة بما يقترفون بحق البشرية من مذابح تطال الأبرياء: والله تعالى لا يهدي القوم الظالمين.
إن السنن الكونية، والتي تدرك بشكل بديهيات كونية، إنما سرت ونفذت وتحكمت في الكيان الإنساني أيضا باعتباره مادة، حية، عاقلة، فهو يحوي أصناف الوجود كلها: