قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق :
السؤال : لقد سمعت عن قصّة الإمام علي (عليه السلام) في معركة الخندق أنّه خرج إلى المسلمين أحد كبار أبطال الكفّار ، وخاف أن يبارزه أحد ، فخرج إليه الإمام علي (عليه السلام) ، فألقى إليه بأبيات شعرية ، وقتله .
الرجاء أُريد معرفة هذه القصّة بالتفصيل ، وما هي الأبيات الشعرية التي
|
الصفحة 30 |
|
قالها الإمام ؟
الجواب : لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامريّ في معركة الخندق ( الأحزاب ) ، ونادى هل من مبارز ؟ فلم يجبه أحد من المسلمين ، فقال الإمام علي (عليه السلام) : " أنا له يا رسول الله " ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " إنّه عمرو " ، فسكت ، فكرّر عمرو النداء ثانية ، وثالثة ، والإمام علي (عليه السلام) يقول : " أنا له يا رسول الله " ، والرسول(صلى الله عليه وآله) يجيبه : " إنّه عمرو " ، فيسكت ، وفي كلّ ذلك يقوم علي (عليه السلام) فيأمره النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالثبات ، انتظاراً لحركة غيره من المسلمين ، وكأن على رؤوسهم الطير لخوفهم من عمرو .
وطال نداء عمرو بطلب المبارزة ، وتتابع قيام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " يا علي امض لشأنك " ، ودعا له ، ثمّ قال : " برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه " (1) .
فسعى الإمام علي (عليه السلام) نحو عمرو حتّى انتهى إليه ، فقال له : " يا عمرو ، إنّك كنت تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلاّ قبلتها ، أو واحدة منها " ، قال : أجل ، قال (عليه السلام) : " إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأن تسلم لربّ العالمين " .
قال : يا بن أخي أخّر هذا عنّي ، فقال (عليه السلام) : " أما أنّها خير لك لو أخذتها " ، ثمّ قال (عليه السلام) : " ها هنا أُخرى " ، قال : وما هي ؟ قال (عليه السلام) : " ترجع من حيث أتيت " ، قال : لا ، تتحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبداً ، فقال (عليه السلام) : " فها هنا أُخرى " ، قال : وما هي ؟ قال (عليه السلام) : " أُبارزك وتبارزني " .
فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي ، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك نديماً لي ، فقال (عليه السلام) : " وأنا كذلك ، ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحقّ " .
____________
1- شرح نهج البلاغة 13 / 261 و 285 و 19 / 61 ، شواهد التنزيل 2 / 16 ، ينابيع المودّة 1 / 281 .
|
الصفحة 31 |
|
فحمى عمرو ، ونزل عن فرسه ، وضرب وجهه حتّى نفر ، وأقبل على أمير المؤمنين (عليه السلام) مصلتاً سيفه ، وبدره بضربة ، فنشب السيف في ترس الإمام (عليه السلام) ، فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) .
قال جابر الأنصاريّ (عليه السلام) : وتجاولا ، وثارت بينهما فترة ، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ، ولا سمعت لهما صوتاً ، ثمّ سمعنا التكبير ، فعلمنا أنّ علياً (عليه السلام) قد قتله ، وسرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سروراً عظيماً ، لمّا سمع صوت أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتكبير ، وكبّر وسجد لله تعالى شكراً ، وانكشف الغبار ، وعبر أصحاب عمرو الخندق ، وانهزم عكرمة بن أبي جهل ، وباقي المشركين ، فكانوا كما قال الله تعالى : { وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً } (1) .
ولمّا قتله الإمام علي (عليه السلام) احتزّ رأسه ، وأقبل نحو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلّل ، فألقى الرأس بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقبّل النبيّ رأس علي ووجهه ، وقال له عمر بن الخطّاب : هلاّ سلبته درعه ، فما لأحد درع مثلها ؟
فقال : " إنّي استحييت أن أكشف سوأة ابن عمّي " ، وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا : { وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ـ بعليّ ـ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } .
وذكر أنّ عمرواً قال في المعركة أبياتاً ، هي :
ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز |
ووقفت إذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز |
وكذاك إنّي لم أزل متترعاً قبل الهزاهز |
إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز |
____________
1- الأحزاب : 25 .
|
الصفحة 32 |
|
فأجابه علي (عليه السلام) :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز |
ذو نبهة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز |
إنّي لأرجو أن أُقيم عليك نائحة الجنائز |
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز (1) |
وقال صاحب مستدرك الصحيحين : لما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه ، فقالت :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله |
بكيته ما أقام الروح في جسدي |
لكن قاتله من لا يعاب به |
وكان يدعى قديماً بيضة البلد (2) |
( علي المنير . الأردن . ... )