أهل البيت والتواضع
ومن صفات أهل البيت وخصالهم التواضع؛ فقد روى ابن مسعود أن رجلاً جاء إلى النبي’ فلما أراد أن يتكلم أخذته الرعدة فقال’ بأدب الأنبياء:
>هون عليك فلست بملك<([1]).
وكان النبي في جمع من أصحابه فقال له رجل:
ـ أنت سيدنا.
فقال×:
ـ السيد الله تبارك وتعالى([2]).
وروى أبو بصير: إن الإمام الصادق ذهب إلى الحمام فقال صاحب الحمام: أأخلي لك الحمام فقال×: لا حاجة لي في ذلك المؤمن أخف من ذلك([3]).
ودخل الإمام علي الرضا× الحمام فقال له بعض الناس: دلّكني، فجعل الإمام يدلكه فعرّفوه، فجعل الرجل يعتذر منه وهو يطيب قلبه ويدلكه.
ولقد كان تواضعهم أشبه ما يكون بإخفاء البذور تحت التراب سرعان ما تنبت وتنبع وتورق وتؤتي أكلها بعد حين.
ومن أجل تواضعهم رفعهم الله فقد كانوا مكرمين وكان الناس
ينحنون لهم إجلالاً لمجدهم الأخلاقي وصفاتهم الربّانية، كانوا انعكاساً لأخلاق الله سبحانه وتجسيد لأسمائه الحسنى.
لا تتقدموا عليهم ولا تتأخروا
ومن أجل اطلاعهم^ على الحقائق الكبرى وامتلاكهم الرؤية الواضحة وسيرهم على الصراط المستقيم فقد أمرنا رسول الله’ أن نواكبهم ونتبعهم ونخطوا على خطاهم ونسير في طريقهم لأن التأخر عنهم هلاك والتقدم عليهم ضلال، قال’:
>فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم أعلم منكم<([4]).
وقال الإمام الباقر× لرجلين من أصحابه: شرّقا وغرّبا فلن تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت^([5]).
وقال سيد الشهداء الحسين بن علي×: > ما ندري ما ينقم الناس منّا؟! إنّا لبيت الرحمة وشجرة النبوّة ومعدن العلم<([6]).
وعن الإمام الصادق×: >إن زين العابدين× إذا زالت الشمس صلّى ثم دعا ثم يصلّي على النبي فيقول: >اللهم صلِّ على محمد وآل محمد شجرة النبوّة موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي<([7]).
أهل البيت والقرآن الكريم
أهل البيت أساتذة القرآن الكريم
لا ريب أن فهم القرآن الكريم لا يمكن أن يكون مرهوناً بمعرفة معاني المفردات العربية أو من خلال الإحاطة بالأدب العربي فقط؛ ولو كان الأمر يتطلب إتقان اللغة العربية وقواعد هذه اللغة لم يكن من الضروري أن يقرن الله سبحانه وتعالى تفسير القرآن وتأويله بأهل الذكر ولقد تضافرت الروايات لدى الفريقين بأن أهل البيت^ هم من يمكنه تعليم القرآن وهم فقط من يستطيع تفسيره التفسير الحقيقي المطابق للحق وللحقيقة.
ومن أجل ذلك أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة ونوّه إلى وجود الذي يعلم القرآن فالقرآن الكريم ليس كتاباً آدمياً بشرياً وإنّما كتاب إلهي سماوي وهو كما أشار الإمام علي×: >ينطوي على الحلال والحرام والفرائض والفضائل، والناسخ والمنسوخ، والرخص والعزائم والخاصّ والعام، والمقيد والمطلق والمحكم والمتشابه»([8]).
ومن هنا يتعين على جميع شرائح المجتمع من حوزويين وجامعيين علماء وعامّة الناس، حكماء وعرفاء فقهاء وفلاسفة أن يراجعوا أحاديث أهل البيت^ الصحيحة من أجل فهم القرآن الكريم والغوص إلى دقائقه وسبر معانيه العميقة، وأن محاولات فهم القرآن الكريم من دون الاستعانة بعلوم أهل البيت^ وما صح من أخبارهم ورواياتهم هو مخاطرة في التورط بإفهام خاطئة وتصورات بعيدة عن الحقيقة وسيؤدي ذلك إلى خسائر لا يمكن التعويض عنها: يقول’ في القرآن الكريم:
>ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه<([9]).
ولهذا فإن فهم القرآن الكريم ومحاولات تفسيره تتطلب التوفر على أعلى درجات التخصص في الاطلاع على أحاديث أهل البيت وآرائهم وسبر مكنونات علومهم والتضلع بفنون وعلوم اللغة العربية، فهناك تصريح قرآني يشير بوضوح أنه لا يعلم تأويل القرآن إلا الراسخون في العلم وهم النبي’ وآل بيته الأطهار^.
فالمتشابه في القرآن لا يمكن فهمه إلا بالاستعانة بأهل البيت^ فهم الراسخون في العلم وهم وحدهم من اطلع على مكنونات القرآن وخزائنه وكنوزه.
وهكذا بالنسبة للناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والخاص لا يمكن التوصل إليه إلا من خلال أهل البيت فهم أقرب الناس إلى رسول الله الذي نزل عليه الوحي.
ولقد ظهرت تفاسير عديدة كان بعضها يعكس إفهاماً بشرية ناقصة خاضعة لتصورات ناقصة ومشوهة وقد تأثر بعضها بأهواء مادية وتأثيرات وقتية فهي مرفوضة من أهل البيت^.
معنى يد الله
إننا سوف نقف حيارى أمام النص القرآني من دون الاهتداء بفكر أهل البيت فهم مصابيح الدجى في فهم آيات القرآن الكريم
فعلى سبيل المثال كيف نفهم قوله تعالى:
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}([10]).
فإذا ما جمدنا على ظاهر الآية فإن معنى اليد سوف يقودنا إلى تجسيم الله سبحانه وتعالى عما يصفون وفي هذا كفر صريح. إن الوحي الإلهي هبط في بيوت آل البيت فهم مختلف الملائكة وهم أعرف الناس بما ترمي إليه الآية الكريمة حيث تعني اليد هنا أن قدرة الله عزّ وجلّ فوق قدرات الجميع وأن لا شيء يعلو قدرة الله والله اكبر.
ومن المؤسف أن نرى بعض المفسرين من أهل السنة وبخاصّة أتباع ابن تيمية والسلفيين اليوم في الحجاز من الذين انفصلوا عن أهل البيت وحرموا علومهم يجمدون على ظاهر النصّ، بل ويستدلون بهذه الآية على أن لله عزّ وجلّ جسم في حين أن هذا الفهم من دعايات بني أمية الذين شوهوا النص القرآني بهذه الآراء في حين يصرّح القرآن الكريم بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ}([11]) وهذه الآية بليغة في التعبير تفند جميع مزاعم المجسمة وآرائهم السطحية.
معنى العمى
وفي قوله تعالى: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآْخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}([12]).
فإذا ما نظرنا إلى المعنى الظاهري للعمى فإن كل من كان أعمى في هذه الدنيا بمعنى كفيف البصر فإنّ الله سبحانه يحشره يوم القيامة أعمى أيضاً!!.
في حين أن المعنى الحقيقي ليس عمى البصر وإنّما عمى البصيرة كما أن هناك من المؤمنين ممن فقدوا قدرة البصر وكانوا من أصحاب الأنبياء ومن أنصار الأوصياء فكيف يحشرون عمياناً والله سبحانه وعدهم الجنة: {وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأَْنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَْعْيُنُ}([13]).
من هنا فلا مناصّ من الإذعان بأن المقصود بالعمى هو عمى القلب لا عمى العين.
الراسخون في العلم
وانطلاقاً من ذلك فإن مسألة تأويل القرآن الكريم والتمييز بين محكمه ومتشابهه والاتجاه إلى ما هو خلاف الظاهر في نصّ الآية أمر لا يحيط به إلا الله عزّ وجلّ والراسخون في العلم قال عزّ وجلّ في محكم الكتاب:
{وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}([14]).
والراسخون في العلم هم أناس انطووا على مكنون العلم قد تلقوا الفيض الإلهي بقلوب صافية كالمرايا، وقد اختصهم الله بذلك واصطفاهم من بين خلقه وهم الأنبياء والأوصياء والأئمة لهذه قال الإمام الصادق×: >نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله<([15]).
أجل أنه العلم الوحيد الذي لا يقبل التغيير أنه علم بالحقيقة الثابتة المشرقة إنه علم الأنبياء والأئمة الأطهار وهو علم لدني إلهي يحصل من خلال المشاهدة القلبية الصادقة لأن القلب عندما يصبح صافياً فإنّه يكون قابلاً للإشراق يكون مستعداً لتلقي الإشراق وتلقي الحقائق.
وهكذا القلوب يمكنها استكشاف الحقيقة وسبر الأغوار والأعماق واكتشاف الحق.
المشاهدة القلبية
إن بعض أولياء الحق ممن تربوا في مدرسة أهل البيت^ وبلغوا درجات عليا في التقوى والخلوص آتاهم الله نصيباً من البصيرة.
فقد جاء في سيرة وحياة المرحوم آية الله العظمى الحاج نور الدين العراقي صاحب الكتاب القيّم الجليل >القرآن والعقل< أنه قيل له: فلان رحل عن الدنيا؟ فقال: كلا إنما هو حي، فقيل له: لقد مات ولا شك في ذلك! فقال: إن الأمر ليس كما تقولون، فقيل له: ماذا تعني؟ قال: لأنني لا أسمع صوته يأتي من البرزخ ...
فلما تحققوا من ذلك وجدوا إن فلاناً ما يزال حياً.
إن هذا علم حصل من خلال المشاهدات القلبية وإن هذه القلوب المفعمة بالإيمان المشرق بنور التقوى يمكنها اكتشاف الحقائق.
ولقد بلغ أهل البيت^ الذرى في الصفاء والنقاء والإخلاص والتقوى والورع والزهد في حب الدنيا فهم على الحقائق مطلعون وهم في العلم راسخون صلوات الله عليهم أجمعين.