* جاسم المطوع
إن ظاهرة الإسراف في الإنفاق بين الزوجين هي ظاهرة خطيرة ، وللأسف الشديد فهي متفشية داخل مجتمعاتنا وذلك لأسباب عدة ....
منها نقص التربية والتنشئة السليمة أو انعدام الوازع الديني لدي أحد الزوجين أو كليهما ، مما يدعو للإسراف والتبذير من دون سبب ، متناسين بذلك قول الله تعالي : ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) .
الإسراف يعني عدم نضوج الشخصية
وقد يكون السبب الجري وراء المظاهر الاجتماعية التي تؤدي إلي الترف والبذخ دون قيد أو حساب أو بسبب عدم كفاءة للمسؤولية ، مما يجعله يتصرف بالمال تصرفاً غير سليم ، فيقدم المهم قبل الأهم وبذلك يكون عدم نضوج الشخصية لأحد الزوجين سبباً من أسباب الفشل الزوجي .
ولأن ظاهرة الإسراف في الأموال تجسيد لعدم اكتمال في الشخصية ، فيترتب عليه العيش في أدوار متضاربة للحياة الزوجية تؤثر علي حقوق كل من الزوجين وواجباته .
وقد يكون السبب في ذلك هو الغيرة والشك من جانب الزوجة ، حيث تعمد إلي تبذير وصرف أموال زوجها لأقصي ما تستطيع صرفه ، مخافة أن يتزوج بغيرها أو أن يطلقها .. وبهذا تكون قد جنت علي نفسها وزوجها بسبب الظن لا أكثر ولا أقل ..
وقد يكون السبب مقروناً في بدايته بسوء الاختيار ، حيث يكون اختيار أحد الأطراف للآخر مرتبطاً بطمعه في أمواله فيستيقظ شعوره بعد فترة من الزواج ، ويعلم أن ما فعله كان يجب أن لا يفعله حيث إن كثيراً من الفتيات يرتبطن برجال أكبر منهن سناً ، وذلك لمركزهم أو لثرائهم لتكتشف بعد الزواج أن المال وحده لا يكفي لأن يجلب السعادة لها ، فتحاول جاهدة أن تنفي خسارتها وتبرر فشلها بالإسراف في زينتها والترفيه علي نفسها وبيتها ، لتشعر بأن هناك نجاحاً وهمياً قد حققته ، وما ينطبق علي هذه الفتاة علي غيرها من الشباب الذين يجرون وراء المال بالزواج من مسنات ، فتكون نهاية زواجهم الفشل والإحباط والتحسر والندم .. وما زلنا نقول بأن حسن الانتهاء من حسن الابتداء ، ولكن ما يجب علينا أن نعرفه هو أن علماء النفس العائلي وعلماء الإسلام لم يغفلوا دور
المال كسبب من أسباب الاختيار ،فقد قال رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ،فاظفر بذات الدين تربت يداك ..
ولكنه أيضاً قال في موضع آخر : من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً ، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوج امرأة ليغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه ، بارك الله له فيها وبارك لها فيه . وقال أيضاً : لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسي حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسي أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن علي الدين .
الغاية من الزواج
والقصد من التحذير هنا هو أن لا يكون الهدف والغاية من الزواج هو المقاصد الدنيوية فقط ، لأن من ابتغي بزواجه غير ما يقصد منه ولتكوين الأسرة ورعاية شؤونها وتحقيق التكامل الإنساني بين الرجل والمرأة لعمارة الأرض وإيجاد أجيال تحقق هذه الرسالة وعبادة الله عز وجل ، فإنه يعامل بعكس مقصوده .
لذا أقول أنه يجب توفر الدين أولاً لأنه المرشد للعقل والضمير ،ثم تأتي الصفات الأخري التي يرغب بها الإنسان بطبعه وبغريزته ويميل إليها في نفسه حتي ينجح في حياته ويكون أسرة تؤسس في بنائها علي المودة والتعاطف والاختيار الصحيح ، والتدين والصراحة والتقدير والاحترام والثقة والحب ، لكي يصلا في زواجهما الناجح إلي الأمن النفسي ..
فمن الواجب علي كل من المتقدمين للزواج أن يضعا في اعتبارهما أنه ليس شرطاً أن يكون الشخص ثرياً أو غنياً ، بل أن يكون أهلاً للزواج ، لأنه ربما كان لديه له من النقائص والعيوب ما يجعله غير صالح للزواج مطلقاً ، وإن هناك الكثير ممن يملكون الكفاءة المطلقة ولكنهم ليسوا أثرياء.
يقول تعالي : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ، والله واسع عليم ) . وهنا يلفت الإسلام انتباه المتزوجين إلي أن الله عز وجل سيجعل الزواج برحمته سبيلاً للغني ويمد الزوجين بالقوة التي تجعلها قادرين علي التغلب علي أسباب الفقر.
الاختيار السليم
فلذلك يجب علي الفتيات أو الشباب مراعاة الاختيار المتأني السليم ، وعدم الانقياد وراء الشهوات والأموال التي قد تحكم علي الزوجين بالفشل بسبب عدم التفاهم وعدم الثقة وعدم الأمانة والكذب ، وعدم الاحترام أو الخيانة ، مما يؤدي في النهاية إلي الانفصال أو الطلاق ..
وعليه فإن الأسرة يجب أن تكون واعية في تصرفاتها بأموالها ، محافظة بذلك علي كيان الأسرة فلا إفراط ولا تفريط عند الإنفاق علي البيت والزوجة ، وأن يقوم كل من الزوجين بمساعدة الآخر علي تعديل مفهوم الذات ومفهوم الطرف الآخر مما يجعله يحسن الظن به ، ويتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً
فيتعرفان علي أسباب المشكلة وينمو الدافع لديهما لحلها ، وذلك يعزز القيم الأسرية الإيجابية ويزيل السلبية منها والعمل علي تحقيق نمو الشخصية وأدائها لوظائفها في جو أسري مشبع بالحنان والحب وتخفيف التوتر والقلق والعداوة ، أما بالنسبة لدور المجتمع في تخفيف الظاهرة وتحجيمها والحد منها ،فهو نشر التوعية المناسبة عن طريق وسائل الإعلام لبيان آثار المشكلة السيئة علي بناء الأسرة وانعدام الأمن النفسي فيها , وتعميم التربية الأسرية في كافة المراحل التعليمية ، وكذلك إعطاء الأزواج حديثي العهد مقررات في التربية الأسرية وتوفير عيادات الاستشارات الزوجية ، وتعميم وكالات الخدمة الأسرية لمعالجة المشكلات الأسرية ، وذلك من أجل حل هذه المشكلة علي أساس كونها وحدة تخص هذه المشكلة لتحقيق الانسجام والتوازن في العلاقات الأسرية .