عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

عاشوراء في‌ خارطة‌ الولاء والبراءة‌

عاشوراء في‌ خارطة‌ الولاء والبراءة‌:

الحياة‌ ساحة‌ صراع‌، والصراع‌ هو العمود الفقري‌ للتاريخ‌.

ولا نستطيع‌ ان‌ نعرّف‌ التاريخ‌ بافضل‌ من‌ هذا التعريف‌. فاءن‌ّ التاريخ‌هو الصراع‌ وما عدا ذلك‌ فهو علي‌ هامش‌ التاريخ‌ وليس‌ من‌ صلب‌التاريخ‌.

ولا اقصد بالصراع‌، الصراع‌ الطبقي‌ كما يقول‌ ماركس‌، ولا نظرية‌التحدي‌ والاءستجابة‌ في‌ التنافس‌ العسكري‌ والاءقتصادي‌ والسياسي‌ واءنّمااقصد بالصراع‌ الصراع‌ بين‌ التوحيد والشرك‌، وهو صراع‌ الحق‌ّ والباطل‌،وهذا هو بالذات‌ جوهر التاريخ‌ والعمود الفقري‌ للتاريخ‌، وكل‌ صراع‌ ا´خرعدا هذا الصراع‌، فهو علي‌ هامش‌ التاريخ‌، وليس‌ من‌ صلب‌ التاريخ‌.

وهذا هو الصراع‌ الذي‌ به‌ نهض‌ باءمامته‌ اءبراهيم‌(ع) في‌ التاريخ‌ وتبعه‌في‌ ذلك‌ انبياء الله ورسله‌ والصالحون‌ من‌ عباده‌ وساحة‌ الحياة‌ يتقاسمهاهذا الصراع‌.

والناس‌، كل‌ّ الناس‌، بين‌ جبهتي‌ هذا الصراع‌ بدرجات‌ ومواقع‌مختلفة‌، وتتداخل‌ اطراف‌ هذا الصراع‌ وتتشابك‌ الخطوط‌ في‌ الساحة‌ حتّي‌يصعب‌ التمييز مَن‌ الحق‌ والباطل‌ في‌ ساحة‌ الصراع‌.

ولابدّ للاءنسان‌ الذي‌ يريد ان‌ يلتزم‌ جانب‌ الحق‌ّ في‌ هذا الصراع‌ من‌معرفة‌ دقيقة‌ لهذه‌ الساحة‌ ووعي‌ وبصيرة‌ نافذة‌ لفرز الحق‌ّ عن‌ الباطل‌ ولايستطيع‌ الاءنسان‌ ان‌ ياخذ موقعه‌ الصحيح‌ في‌ هذه‌ الساحة‌ المتشابكة‌ من‌غير هذا الوعي‌ والمعرفة‌.

والعامل‌ الاهم‌ في‌ هذا الوعي‌ هو التقوي‌.

(واتّقوا الله ويعلّمكم‌ الله).

(وَمَن‌ يَتَّق‌ِ اللَّه‌َ يَجْعَل‌ لَه‌ُ  مَخْرَجاً).

(يَا أَيُّهَا الَّذِين‌َ ا´مَنُوا اتَّقُوا اللَّه‌َ وَا´مِنُوا بِرَسُولِه‌ِ يُؤْتِكُم‌ْ كِفْلَيْن‌ِ مِن‌ رَحْمَتِه‌ِ وَيَجْعَل‌لَكُم‌ْ نُوراً تَمْشُون‌َ بِه‌ِ).

و«عاشوراء» عامل‌ دقيق‌ للفرز بين‌ الحق‌ّ والباطل‌ في‌ هذه‌ الساحة‌التي‌ طالما اختلط‌ فيها الحق‌ّ والباطل‌.

ولست‌ ادري‌ اي‌ سرّ اودع‌ الله تعالي‌ في‌ هذا اليوم‌ العجيب‌ من‌ ايام‌التاريخ‌، فقد كان‌ عاشوراء منذ سنة‌ 61 هجرية‌ عاملاً اساسياً يشطر الناس‌اءلي‌ شطرين‌ متميّزين‌ شطر مع‌ الحسين‌ (ع)، وشطر ضد الحسين‌(ع).

والشطر الاوّل‌ هو الشطر الذي‌ وقف‌ علي‌ اءمتداد التاريخ‌ مع‌ الانبياءوالمرسلين‌ وهو شطر الصالحين‌ من‌ الناس‌.

والشطر الثاني‌ هو الشطر الذي‌ تصدّي‌ لدعوة‌ الانبياء في‌ التاريخ‌وهو شطر المجرمين‌ والمفسدين‌ من‌ الناس‌.

ذلك‌ اءن‌ّ الحسين‌ وارث‌ الانبياء والمرسلين‌، ودعوة‌ الحسين‌(ع)اءمتداد لدعوة‌ الانبياء، ويزيد كان‌ علي‌ نهج‌ الطغاة‌ في‌ التاريخ‌، يرث‌ عنهم‌بطغيانهم‌ وطيشهم‌ وصدّهم‌ عن‌ سبيل‌ الله، وكبرياءهم‌ وخُيلاءهم‌.

وهذا الشطران‌ من‌ الناس‌ منتشران‌ علي‌ كل‌ مساحة‌ التاريخ‌، ولذلك‌فهما يصبغان‌ كل‌ التاريخ‌ بصبغتهما الخاصة‌، فكل‌ مَن‌ ورث‌ التوحيدوقِيَمه‌ وكان‌ مع‌ الحق‌ كان‌ راضياً بموقف‌ الحسين‌(ع)، وساخطاً علي‌موقف‌ بني‌ اُمية‌ في‌ عاشوراء. كان‌ مع‌ الحسين‌، وعلي‌ خط‌ الانبياءوالمرسلين‌.

وكل‌ مَن‌ ورث‌ بطر بني‌ اُمية‌ وثرائهم‌ واءستكبارهم‌ وخروجهم‌ علي‌حدود الله واحكامه‌ وصدّهم‌ عن‌ سبيل‌ الله، وسخطهم‌ علي‌ الحسين‌(ع) في‌عاشوراء فهو ضد الحسين‌(ع) وعلي‌ خط‌ الطغاة‌ والمستكبرين‌ في‌التاريخ‌.

وعاشوراء، علامة‌ فارقة‌ بين‌ هذين‌ الشطرين‌ من‌ التاريخ‌ والمجتمع‌،يشطر التاريخ‌ والمجتمع‌ اءلي‌ شطرين‌ متميّزين‌.

وكل‌ احداث‌ الصراع‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌ يمكن‌ ان‌ تكون‌ علاقة‌ فارقة‌بين‌ الحق‌ّ والباطل‌ في‌ التاريخ‌ والمجتمع‌، ولكن‌ّ الله تعالي‌ خص‌ّ عاشوراء،من‌ بين‌ احداث‌ كثيرة‌ بهذه‌ الميزة‌ العظيمة‌ الواضحة‌.

«الموقف‌» من‌ هذين‌ الشطرين‌ «الولاء» و «البراء»، الولاء للشرط‌الاول‌ والبراءة‌ للشطر الثاني‌ والحسين‌(ع) هو العلامة‌ الفارقة‌ والفاصلة‌بين‌ هذا الشطرين‌.

«اءنّي‌ سلم‌ لمن‌ سالمكم‌ وحرب‌ لمن‌ حاربكم‌ وولي‌ لم‌ والاكم‌ وعدوّلمن‌عاداكم‌».

وتمتد مساحة‌ كل‌ من‌ هذين‌ الشطرين‌ علي‌ اءمتداد التاريخ‌ والمجتمع‌،وهي‌ اوسع‌ المساحات‌ جمعاً في‌ حياة‌ الناس‌.

ذلك‌ ان‌ّ عامل‌ «الرضا» و«السخط‌» يدخل‌ في‌ تلوين‌ هذه‌ الساحة‌بلون‌ الولاء والبراءة‌ والاولياء والاعداء.

 

الولاء والبراءة‌ بالموقف‌ والعمل‌ وليس‌ بالنيّة‌:

و«الولاء» و «البراءة‌» ليس‌ بمعني‌ ان‌ يضمر الاءنسان‌ الحب‌ّوالبغض‌ والاءقبال‌ والاءدبار، واءنّما هما موقفان‌ بكل‌ّ ما في‌ الموقف‌من‌معني‌.

ولربّما يكون‌ اصدق كلمة‌ في‌ التعبير عن‌ هذين‌ الموقفين‌ هذه‌الجملة‌ القوية‌ والمؤثّرة‌ في‌ زيارة‌ عاشوراء: «اءنّي‌ سلم‌ لمن‌ سالمكم‌ وحرب‌لمن‌ حاربكم‌ وولي‌ لم‌ والاكم‌ وعدوّ لمن‌ عاداكم‌».

ومساحة‌ هذا «السلم‌» و «الحرب‌» من‌ اولياء الحسين‌(ع) واعداءالحسين‌(ع) ليست‌ عاشوراء او كربلاء فقط‌، واءنّما مساحة‌ التاريخ‌والمجتمع‌... وعامل‌ هذا البسط‌ والسعة‌ هو «الرضا» و«السخط‌»، فنفهم‌من‌ زيارة‌ عاشوراء، هذا الوعي‌ الدقيق‌ للموقف‌ من‌ التاريخ‌ والمجتمع‌.

«لعن‌ الله اُمّة‌ً قتلتكم‌ ولعن‌ اللهالممهّدين‌ لهم‌ بالتمكين‌».

وهاتان‌ طائفتان‌ تمتدان‌ علي‌ مساحة‌ واسعة‌ من‌ المجتمع‌. وتضيف‌زيارة‌ وارث‌ طائفة‌ ثالثة‌ اءلي‌ دائرة‌ اللعن‌ والبراءة‌.

«ولعن‌ الله اُمّة‌ سمعت‌ بذلك‌ فرضيت‌ به‌».

فلا يبقي‌ بعد هذه‌ التوسعة‌ مساحة‌ من‌ التاريخ‌ او المجتمع‌ لا يشملهاموقف‌ «السلم‌» و «الحرب‌» و «الولاء» و «البراءة‌» الذي‌ تحدثنا عنه‌.

«عاشوراء» اءذن‌ بطاقة‌ اءنتهاء اءلي‌ كل‌ّ من‌ هاتين‌ الجبهتين‌المتصارعين‌ علي‌ اءمتداد التاريخ‌، جبهة‌ الحق‌ّ وجبهة‌ الباطل‌، وجبهة‌التوحيد وجبهة‌ الشرك‌.

والاءنتهاء اءلي‌ كل‌ من‌ هاتين‌ الجهتين‌ يتم‌ّ من‌ خلال‌ عاملين‌، هما«العمل‌» و «الرضا».

 

 

 

الرضا الضحل‌ والرضا العميق‌:

هذا كل‌ّ اءذا كان‌ «الرضا» صادقاً، فان‌ الاُمنية‌ الكاذبة‌، والرغبة‌ الكاذبة‌،والحب‌ّ الضحل‌ لا يُدخل‌ الاءنسان‌ في‌ دائرة‌ الولاء ولا يخرجه‌ عن‌ دائرة‌البراءة‌.

ولا يكون‌ الرضا السخط‌ صادقين‌ اءلاّ اءذا اقترنا بالعزم‌ والعمل‌.

اما عند ما يكون‌ «الرضا» و «السخط‌» مجردين‌ عن‌ الموقف‌والعزم‌ والعمل‌ فلا قيمة‌ لمثل‌ هذا الرضا والسخط‌.

وكان‌ الشاعر الفرزدق‌ ؛ دقيقاً في‌ وعي‌ هذه‌ الحقيقة‌ عندما ساله‌الحسين‌(ع) عما وراءه‌ في‌ العراق‌ بعد ان‌ غادر الحسين‌(ع) الحجاز اءلي‌العراق‌ في‌ ذي‌ الحجة‌ سنة‌ ستين‌ هجرية‌، فاجابه‌ علي‌ الخير وقعت‌«قلوبهم‌ معك‌، وسيوفهم‌ عليك‌».

فان‌ القلوب‌ اءذا افترقت‌ عن‌ السيوف‌. فكانت‌ القلوب‌ في‌ جانب‌الحسين‌(ع) والسيوف‌ في‌ جانب‌ بني‌ اُمية‌ وخاضعة‌ لاءرادتهم‌ وسلطانهم‌..فسوف‌ لن‌ يكون‌ بوسع‌ هذه‌ القلوب‌.

ان‌ تُخرج‌ اصحابها من‌ دائرة‌ «اعداء الله» وتُدخلهم‌ في‌ دائرة‌«اولياءالله».

وقد وجدنا ان‌ّ هذا الحب‌ّ الضحل‌ والضعيف‌ الذي‌ كان‌ يضمره‌ الناس‌في‌ العراق‌ يومئذٍ للحسين‌(ع) لم‌ يخرجهم‌ من‌ جبهة‌ بني‌ اُمية‌ ولم‌ يُدخلهم‌يومئذٍ في‌ جبهة‌ الحسين‌(ع).

وليس‌ بوسعنا نحن‌ ان‌ نضع‌ (ولاءنا) في‌ التاريخ‌ والمجتمع‌ في‌ مثل‌هذا الموضع‌ الضحل‌ من‌ الرضا والسخط‌ والحب‌ّ والبغض‌، واءنّما نوالي‌الذين‌ صدقوا في‌ رضاهم‌ وحبّهم‌ لاولياء الله وصدقوا في‌ سخطهم‌ وبغضهم‌لاعداء الله.

نسال‌ الله تعالي‌ ان‌ يرزقنا حب‌ّ اوليائه‌ والرضا بمواقفهم‌ وبغض‌اعدائه‌، والسخط‌ عليهم‌، وان‌ يرزقنا الصدق‌ في‌ هذا الرضا والسخط‌والحب‌ّ والبغض‌ جميعاً.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه
كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصار

 
user comment