على كل حكومة تدّعي قيادة العالم وهدايته أن تقدّم ما يتناسب مع هذه الدعوى من برامج ومناهج ومدى التزامها بها. من المشكلات الأساسية للعولمة هي عدم الاطمئنان والثقة بالبرامج والمناهج المطروحة فيها، وقد أظهرت الامم المتحدة ومسؤولو النظام العالمي والمؤسسات الدولية الأخرى عجزها وعدم أهليّتها لتطبيق هذه البرامج، والحكومات والشركات متعدّدة الجنسيات بصدد الاستثمار وكسب المزيد من الأرباح والمنفعة من هذه الظاهرة. في حين تكون البرامج والمناهج المطروحة في (حكومة العدالة الإسلامية) ذات ضمانات تنفيذية قوية، ويكون قائدها (مديراً صالحاً وعادلاً وواعياً وشجاعاً وعالماً). وتتّجه جميع برامجه باتّجاه توفير السعادة والحياة الأفضل للناس ونيل رضاهم. وفيما يلي مجموعة من خصائص هذه الحكومة العالمية:
أ ـ تأسيس الحكومة العالمية الشاملة
إن حكومة الإمام المهدي عليه السلام ودولته ستكون شاملة وعالمية، وإنّ سلطانه سيمتدّ من الشرق إلى الغرب في العالم، كما يكتب المحدث النوري(ره): (من صفات المهدي عليه السلام وخصائصه أن يمتدّ سلطانه إلى جميع الأرض من الشرق إلى الغرب والبرّ والبحر والمعمورة والخربة والجبل والسهل، ولا يبقى موضع لا يكون حكمه فيه جارياً وأمره نافذاً، والأخبار بهذا الشأن متواترة).
أجل، إن أهمّ خصيصة لحكومة الإمام المهدي العالمية هي خضوع العالم لإدارة فاعلة واحدة، حيث تضمحلّ فيها الآراء الخاصة وحبّ الجاه والاستبداد، وسيتّفق الجميع على طاعة حاكم عالمي مقتدر واحد.
1 ـ رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (ويبلغ سلطانُه المشرق والمغرب).(7)
2 ـ (ولا يكون مُلك إلاّ للإسلام).(8)
3 ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام : (إنّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهلُ الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها).(9)
4 ـ وعنه عليه السلام : (إذا قام القائم (بعث) في أقاليم الارض في كلّ إقليم رجلاً...).(10)
5 ـ وعن علي بن الحسين عليه السلام قال:
إذا قام قائمُنا أذهب اللهُ عزّوجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزُبر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حكّام الأرض وسِنامها).(11)
ب ـ الدين والعقيدة العالمية الواحدة
سيكون الدين الإسلامي هو الدين الأعلى والعقيدة المقبولة لدى الناس في الحكومة العالمية الواحدة، ممّا يدلّ على أن منهج الإمام المهدي عليه السلام يعمّ العالم، وسينتخب الناس الإسلام عن رغبة وانجذاب، ويعتقدون بأنّ نجاتهم وسعادتهم تكون في اتّباعه، وبالتالي ستسود الفضائل الخلقية والمكارم الإنسانية المجتمعات، ويزول الفساد والالحاد واللا تديّن.
1ـ عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام حول انحسار الكفر والإلحاد في العالم وقبول العقيدة الواحدة من قبل الناس: يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلبٍ من الدهر وجهلٍ من الناس، يؤيّده الله بملائكته... ويُظهره على الأرض حتّى يدينوا طوعاً أو كرهاً، يملأ الارض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرضُ البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلا آمن، ولا طالح الاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع..).(12)
2 ـ سُمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (.. حتّى لا تبقى قرية الاّ ويُنادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بُكرة وعشيّاً).(13)
وهذه الروايات تدلّ بوضوح على تحقّق فكرة الدين العالمي الواحد في عصر الظهور وستتحقّق البشارة والوعد الالهي.
ج ـ العدالة العالمية الشاملة
إن (العدالة) ـ العدالة الاقتصادية والقضائية والأخلاقية والسياسية ـ من الغايات والمقاصد والآمال التي أولاها بنو آدم اهتمامهم على مدى التاريخ واحتاجوا اليها في مجالات الحياة الاجتماعية كافّة. هذه الحاجة الانسانية الدائمة ستتحقّق في (الحكومة المهدوية العالمية)، وهكذا (العدالة) بظهور (المنقذ الموعود) فقط، وسيكون العدل والقسط والمساواة الظاهرة الأُولى لحكومته عليه السلام .
1 ـ في رواية شهيرة يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أحوال الأرض بعد ظهور الإمام ولي العصر عليه السلام : (فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً).(14)
2 ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (يسعهم عدلُه)(15).
3 ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام :
(أما والله ليدخلنّ عليهم عدلُه جوفَ بُيوتهم كما يدخل الحرُّ والقرّ).(16)
4 ـ (إذا قام قائمُنا فإنّه يقسم بالسويّة ويعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله).(17)
5 ـ وعن الامام الرضا عليه السلام :
(فإذا خرج أشرقت الأرضُ بنور ربّها، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً).(18)
د ـ الأمن والسلام العالمي
إن الأمن والسلام الواقعي والاستقرار ـ وهي الجوهرة النادرة في حياة بني الانسان ـ من الخصائص العالمية والشاملة لإمام العصر عليه السلام ، حيث يزول الخوف في ذلك العصر ويأمن الافراد على أنفسهم وأموالهم وكرامتهم، ويسود الأمن ربوع العالم، ويجتث الكبت والاستبداد والاستكبار والاستضعاف ـ وجميعها من آثار الحكومات غير الإلهية ـ من العالم وتندثر حكومة الطغاة ـ مهما كانت صورتها وعنوانها ـ والمستفاد من الروايات والأخبار.
1ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام حول اختفاء الأحقاد والعداوات:
(ولو قد قام قائمُنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الارض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد).(19)
2 ـ وعنه عليه السلام أيضاً:
(ولو قد قام قائمُنا... لذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام... لا يهيجها سبع..).(20)
هـ ـ الأمة العالمية الواحدة
في الظروف التي يعيشها العالم يعتبر التضامن والاتّحاد بين أفراد الانسان وتقارب رؤاهم وأفكارهم وآمالهم مقصداً وأملاً بعيداً عن التناول، ولكن بظهور المصلح الأعظم وارتقاء رؤية الناس ووعيهم، واختفاء (الانا) والأنانية سيوجد تضامن واتّحاد راسخ بين أفراد الانسان. حينما تتكون الأمة العالمية الواحدة ستختفي الاختلافات والأحقاد والخصومات والاعتداءات و... كلها، وسيتّخذ الجميع ـ متّحدين قلباً وقالباً ـ ذلك الإمام قائداً. وحينما يظهر الإمام المهدي عليه السلام يتوجّه الخطاب والنداء إلى جميع سكان الأرض ويدعون إلى طاعته عليه السلام .
و ـ التقدّم والرفاه العالمي
سيكون الاقتصاد والحياة العامة في أبهى صورة في الدولة الكريمة للمهدي الموعود عليه السلام ، وستنظّم الشؤون الاقتصادية والمالية للناس. في ذلك العصر تتكاثر النعم الإلهية، وتضبط المياه، وتكون الأرض خصبة، وتظهر المعادن، ولا يبقى أي فقير كي يستلم إعانة مالية من بيت المال..
وسيؤدي الازدهار الاقتصادي إلى تمتع الجميع ببركات حكومته وآثارها، وسيختفي الوجه القبيح للفقر واللا مساواة والفساد المالي و... من العالم.
1 ـ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (وبه يفرّج الله عن الأمّة).(21)
2 ـ رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (... ويقسم المال بالسويّة).(22)
3 ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
(تتنعّم أمّتي في زمن المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعّموا مثلها قط).(23)
ز ـ كمال العلم والعقل
من الغايات البشرية الأخرى: الوصول إلى قمّة الكمال العلمي والعقلي، الأمر المهم الذي لا يتحقّق إلا في الحكومة المهدوية. إن العلم البشري سيصل الى حدّه النهائي والكامل، وستُفتح للبشرية أبواب الحكمة والعلوم. يكتب العالم المفكّر السيد جعفر كشفي: (اعلم أنّ عصر ظهور ذلك الإمام عليه السلام ـ وهو عصر ظهور دولة الحق الثانية ـ هو عصر ظهور العقل وغلبته من حيث الباطن، وهو مقام الولاية وبمثابة الروح بالنسبة للروح الظاهرية وهو مقام النبوة).(24)
في ذلك العصر لا تبقى قضية مجهولة تأبى الحلّ، وسيسمو مستوى الوعي والعلم والفكر لدى الناس، وستتضاعف قدراتهم العقلية، وستصل الاختراعات والاكتشافات والاتّصالات والتقنية كمالها النهائي، وسيعيش أهل ذلك العصر في أحب الأزمان وأفضلها.
1 ـ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت أحلامهم).(25)
2 ـ وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الذي يملأ الله عزوجل به الارض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جَورها، وعلماً بعد جهلها).(26)
3 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام : (.. وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).(27)
ح ـ التنمية والإعمار
من العلوم الجديرة بالاهتمام في (العلوم السياسية) هو التنمية والإعمار، وهذا العلم بصدد تقويم مناهج التنمية والتقدّم في البلدان المختلفة والعالم الثالث والتي ليس لها نتائج وآثار جديرة بالاهتمام. من البرامج والمناهج المهتمة في حكومة المهدي عليه السلام العالمية هو الإحياء والإعمار والتغيير في الكثير من الأمور الاقتصادية والثقافية والسياسية في العالم.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إذا خرج (القائم) يقوم بأمرٍ جديد وكتابٍ جديد وسنّة جديدة وقضاءٍ جديد...).(28)
والكتاب الجديد لا يعني الإتيان بقرآن جديد، بل أن الإمام سيطبّق الأهداف والبرامج القرآنية الأصيلة، وسيقدّم التفسير الحقيقي لآياته.
1 ـ وقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام إجابة عن سؤال أحد الأصحاب عن سيرة المهدي عليه السلام .
أنه يفعل ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيُبطل المناهج السابقة (غير الصحيحة) كما أبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجاهلية وأحيا الإسلام.
2 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام : (واللهِ لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد).(29)
ط ـ الرضا والارتياح العام
من الخصائص المهمة للحكومة المهدوية هو توفير الشعور بالارتياح والرضا لدى سكان الارض والسماء، وبما أن حكومته تكون حكومة العدالة العامة المحاربة للفقر والناشرة للعلم والموفّرة للرفاه والمكافحة للظلم والمحبّة للناس، سيكون الجميع راضين عنها وسيعيشون الاستقرار والأفراح. جاء في الروايات0