الحركة اءلاصلاحية في حياة الائمة:
نريد بالائمة خصوص الاءمام علي(ع) والاءمام الحسن(ع)؛ لانالحديث عنهما يرتبط بالاءمام الحسين (ع)، حيث كانت هذه الفترة فيهاعناصر مشتركة، ومعاصرتهم (ع) لها جعلت الاحداث التي جرت معهموالمواقف منهاذات صلة وثيقة بهم.
فعندما أخطأ أهل السقيفة الصواب وانتهي الامر الي اءقصاء الاءمامعلي(ع) والائمة من بعده، وأقصيت معهم مناهج بناء المجتمع العلميةوالمعنوية والعدل والحق بين افراده وتفعيل التنمية الاقتصادية، والقضاءعلي الفوارق الطبقية وتوفير العيش الحر الكريم، وتقوية البناء الداخليللمجتمع، وتهذيب العادات والتقاليد من الزوائد التي لا تتفق مع الاءسلام،ورفع المستوي الاخلاقي وغيرها من المسائل المهمة كانت من ضمنوظائف الاءمام وأهداف الاءسلام.
ومن جانب آخر عمل الحكام علي غير هدي ولا كتاب، فكانتالا´راء الارتجالية الفردية أحد مصادر التشريع؛ ومن هنا بدأت المخالفاتتزداد كلما تقدموا في الزمان وابتعدوا عن زمان الرسالة، وكلما استحدثتمسائل جديدة، واختلطوا مع مجتمعات غريبة عنهم بتاريخها الثقافي؛وهذه المسائل وتراكماتها وآثارها أدت الي نقل المجتمع الي ثقافةجديدة تتضاعف فيها مسؤولية المصلح الديني؛ ولذلك عندما جاء الاءمامعلي(ع) الي الخلاقة واجهته عقبات كثيرة مانعة من تحقق أداء رسالته فيالاءصلاح في مجالاته المختلفة، لكنّه (ع) استمر بمنهجه الاءصلاحي، وكانفي المجالات التالية:
1 - المجال الحقوقي
الغي الامتيازات الحقوقية التي جاءت نتيجة للتركيب الطبقي فيالمجتمع، وأقر المساواة في الحقوق والفرص والواجبات فكان يقول(ع):
«الذليل عنديعزيز حتي آخذ الحقّ له، والقوي عندي ضعيف حتي آخذ الحقمنه».
وقال: «أيها الناس، اعينوني علي أنفسكم، وأيم الله لانصفن المظلوم من ظالمه،ولاقودن الظالم بخزامته حتي اورده منهل الحق، وان كان كارها».
2 - المجال الاقتصادي
كان العطاء علي اساس الطبقة التي ينتمي اليها المواطن، امّا في دولةعلي (ع) فهو يقول: «وايّما رجل استجاب للّه وللرسول فصدّق ملتنا ودخل فيديننا،واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الاءسلام وحدوده فأنتم عباد الله، والمالمال الله، يقسم بينكم بالسوية لا فضل لاحد علي أحد، وللمتقين عند الله غدا أحسنالجزاء».
3 - المجال الاءداري
اتّخذ منهجاً يختلف عمّا سبقه في اختيار الولاة والعمّال ووضعشروطاً لذلك:
اـ الكفاءة علي أداء المسؤولية
«أيها الناس، اءن أحقّ الناس بهذا الامر اقواهم عليه، وأعملهم بأمر الله فيه».
ب ـ حسن السابقة والصلاح
«ثم الصق بذوي المروءات والاحساب، وأهل البيوت الصالحة والقدم فيالاءسلام فاءنهم اكرم اخلاقاً وأصح اعراضاً».
ج) العدالة والتقوي
«فاخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك وآس بينهم فياللحظة والنظرة؛ حتي لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا ييأس الضعفاء منعدلكعليهم».
د) حب المجتمع
«واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم».
وقد شكّلت خطب ورسائل الاءمام علي (ع) أروع تجسيد لتعاليمالقرآن ومنهجه في بناء الفرد والمجتمع الصالح، وهو بذلك قد وضعاسس الدولة الاءسلامية المبدئية والمجتمع الاءسلامي النموذجي بكلتشكيلاته، وأوضح الحقوق المتبادلة بين الاُمة، وقادها بطريقة تختلفعما سبقه ولحقه، وتتفق مع سيرة الرسول (ص) والقرآن الكريم.
واستمرّ الاءمام الحسن (ع) خلال فترة خلافته علي نفس المنهج الذيكان عليه الاءمام علي (ع)، ولكن جهل المجتمع وتفاعل الفتنة فرضاالصلح علي الاءمام الحسن (ع) حفظاً لطائفة مؤمنة، تتبّني المنهج الحق،ولاءيقاف المجتمع علي حقيقة بني اُمية عامة ومعاوية خاصة، وتحققذلك.
الاءمام الحسين محمدي وعلوي المنهج:
كان الاءمام الحسين (ع) يؤكّد نفس المنهج الذي كان عليه الاءمامعلي(ع)، والذي كان يمثل اصدق صورة للقرآن والسيرة النبوية، فالاءمامالحسين (ع) كان مشروعه الاءصلاحي صورة للقران والسيرة النبوية،فالاءمام الحسين (ع) كان مشروعه الاءصلاحي هو العمل بسيرة الرسول(ص)والاءمام علي(ع)؛ ولهذا قال في وصيته لاخيه محمدبن الحنفية:
«واءني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، واءنما خرجت لطلبالاءصلاح في اُمة جدي(ص) أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، وأسير بسيرةجدي وأبي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ، فاللّه أولي بالحقّ، ومن ردّعليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين».
فالاءمام الحسين (ع) سار علي نفس منهج الاءصلاح وباتجاه نفسالهدف واءن اختلف الموقف بشكل يتناسب مع الظروف الموضوعية،والدور الخطير الذي لعبه الاُمويون في تهديد الدين وحاجة الاُمة اليمواقف تهز وجدانها الديني والاءنساني، ويوقف هذا التدهور، ويعالجالانحراف ويرجع الاُمة الي موقعها الذي ينبغي ان تكون فيه، ويهزقواعد الحكم الاُموي ويكشف واقعه الحقيقي.
الانحدار الخطير:
نتيجة لتراكم الاخطاء السابقة والابتعاد عن الدين والاهتمامالحكومي بقضية الحكم والترف، والتعامل مع ممتلكات الاُمة باعتبارهاملكاً لقريش والاُمة تعمل لبني أُميّة، وكلّ ما تتملك الاُمة فهو ملك لهم،واضاف يزيد الي ذلك ان اشراف الاُمة عبيد له، وطلب البيعة علي ذلكوقتل من أبي'.
وكان الجهاز الحاكم يدير الاُمة بهذه الطريقة، ويتعامل معها بكل مالديه من انحراف فكري وسلوكي.
وهذا المستوي المتدني والانحراف الظاهري يهدّد اصل الدين ولهذالايمكن السكوت عليه حتي أذا ادي الي التضحيات الجسام. فلاينظر فيهذه المواقع الي المصلحة الشخصية وما يترتب علي التصدي لهذا الواقعالمنحرف. لانّ الدين ضرب من جميع الجهات وهوجم علي جميعالاتجاهات ولم يقف الاُمويون عند حدٍّ معين. وانما كانوا في حركة دائمةبالاتجاه المعاكس للدين، ولو قدّر لهذه النشاطات المعادية للاءسلام انتستمر لايبقي رجاء بسلامة الدين.ولنقضت حلقاته الواحدة بعدالاُخري، ولسيطرت مجموعة متهتكه علي مقدرات المجمتع ومقدساتهبلا مخالفة.
وقد أثار سلوك يزيد أشراف أهل المدينة المنوّرة عندما وفدوا عليه،حيث رجعوا يقولون: قدمنا من رجل ليس له دين يشرب الخمر،ويضرب بالطنابير، ويعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عندهالخراب - وهم اللصوص ـ واءنانشهدكم انا قد خلعناه». وقام عبد الله بنحنظلة الغسيل فقال:جئتكم من عند رجل لو لم أجد اءلاّ بني هؤلاءلجاهدته بهم. وقد أعطاني واكرمني وما قبلت منه عطاءه اءلاّ لاتقوّي' به،فخلعه الناس، وبايعوا عبدالله بن حنظلة الغسيل علي خلع يزيد وولوهعليهم.
وكان عمّال يزيد علي طريقته بالانحراف عن الدين والتظاهربمخالفة الشريعة وارتكاب المحرمات، وقد ذكر ابن عبد ربّه ذلك بقوله:
«(يزيد بن معاوية) صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة عليالشراب، وغلب علي اصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهرالغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب».
فاشتركت تركيبة حكومية كاملة بالفسق والاستهتار بقيم السماءوالعمل علي عزل احكام الاءسلام عن مسرح الحياة، ونشر ثقافة التهتكوالتحلل من الالتزامات الاءسلامية الظاهرية العامة فضلاً عن الالتزاماتالخاصة علي الولاة والخليفة؛ لانهم القائمون علي اءقامة الاءسلام واءجراءأحكامه.
اتفاق هذه التشكيلة الحكومية أدت الي السقوط والوصول الي أدنيمستوي من الاءنحطاط، وشكّلت اكبر خطراً علي الاءسلام والاُمة الاءسلامية،وأعظم حاجر عن تحقق غايات الشريعة، وأوسع ضوضاء في أجواءالعقيدة.
الحسين(ع) يحطّم الصمت:
عند ما هلك معاوية وخلّف يزيد علي الاُمة بما يتصف به من مجونوفسوق وجرأة علي ارتكاب المحرمات، عاشت الاُمة حالة قلق
ووجل من مستقبل هذه السلطة وخطرها علي الاءسلام عقيدة شريعة
واُمة.
وفي هذه الاجواء المملوءة بالارهاب والانحرافات الواسعة عنالاءسلام، والمخاطر المحدقة بالصالحين من ابناء الاُمة، كان الاءمامالحسين(ع) محط الانظار، والبقية الباقية من آل البيت: وهو اءمامالمسلمين وقدوتهم، والهادي لهم علي المستوي الفكري والعقائديوالسلوكي.
طلبت الحكومة الاُموية من الاءمام البيعة، وفعلها هذا خلاف لمعاهدةالصلح التي عقدت مع معاوية؛ حيث اشترط ان يكون الامر للاءمام الحسناءذا هلك معاوية واءذا حدث امر للاءمام الحسن(ع) فالاءمام الحسين(ع). ثم اءنولاية العهد بدعة لم يألفها المسلمون ولا تتفق مع ثقافتهم، واءضافة اليذلك لم يكن يزيد من الشخصيات المجهولة عند الاُمة واءنّما كان واضحاًومعروفاً جداً لسلوكه الشاذ عن المستوي الطبيعي، ولعدم تحفّظه من عملالمنكر والمجاهرة به.
في مثل هذه الظروف المتشنجة طلب الحكم الاُموي من الاءمام (ع)البيعة ليزيد، وكانت بطلب من يزيد مباشرة؛ اذ كتب الي الوليد بن عتبةابن ابي سفيان :
(امّا بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديداليس فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام).
في هذا الوقت أعلن الاءمام الحسين (ع) عن موقفه من حكومة يزيدومن شخصية يزيد بقوله وهو يخاطب والي المدينة:
«...اءنّا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الرحمة، بنافتح الله، وبنا يختم، ويزيد شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق،ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالخلافةوالبيعة».
وقال لمروان بن الحكم: «علي الاءسلام السلام اءذا ابتليت الاُمة براع مثليزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله(ص) يقول: الخلاقة محرّمة علي آل ابي سفيان؛فاءذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه، وقد رآه أهل المدينة علي المنبر فلم يبقروافابتلاهم الله بيزيد الفاسق».
بهذه المواقف الصريحة والمبدئية بدأ الاءمام الحسين (ع) حركته،وعيّن الموقف من حكومة يزيد؛ فتحطم الصمت وبدأ الكلام عن شرعيةوكفاءة يزيد لهذا المقام، فبدأ ولم ينته، وأسس مدرسته مواجهة مع يزيدالماضي وكلّ يزيدي السلوك علي طول التاريخ.