من الآداب القلبية في العبادات – وخصوصاً العبادات الذكرية – التفهيم، وهو يعني تهيئة القلب لفهم الأذكار الصلاتيّة، حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي.
إن من أسرار تكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة انفتاح لسان القلب ليتفهم معانيها ويتأثّر بمضامينها.
وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقته ويحصل النشاط والفرح ويرتفع الملل والألم.
وقد أشير إلى هذا الأدب في الأحاديث الشريفة ومنها: عن الصادق عليه السلام قال لأبي أسامة: "يا أبا أسامة أوعوا قلوبكم بذكر الله واحذروا النكت".
وعن الصادق عليه السلام، عن علي عليه السلام في بيان بعض آداب القراءة: "ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة".
وقد كان الأئمة عليهم السلام يراعون هذا الأدب كما في الحديث أن الصادق عليه السلام كان في صلاته فغشي عليه فلمّا أفاق سئل عن سببه فقال عليه السلام: "ما زلت أردد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها..".
إذن الذكر اللساني مهم ولكن الذكر القلبي هو الأهم، تأثر القلب هو المطلوب، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه".
* حضور القلب:
من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات.
وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة تشيرإلى هذا الأدب ومنها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر وإن منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " وإن "مالك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبلك".
إن من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوّى إرادة النفس، وهذا لا يحصل إلا بالحضور القلبي في العبادة، وإذا كان القلب وقت العبادة غافلا وساهيا ولاهيا فحينئذ لا أثر للعبادة على النفس وإرادتها، ولذا ترون أنه بعد مضي أربعين أو خمسين سنة لا يحصل أثر في أنفسنا بل تزداد يوما فيوما ظلمة القلب وتزداد معصية الله، في حين أننا نرى كتاب الله سبحانه قد نص على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
* موانع حضور القلب:
الأسباب المانعة من حضور القلب في العبادة، تارة تكون من أمور خارجية ومن طريق الحواس الظاهرية، مثل أن يسمع السمع في حال العبادة شئيا يتعلق القلب به فيسهو ويغفل، أو أن ترى العين شيئا فيشتت ويصرف القلب عن حقيقة ومعنى العبادة.
وقد ذكر العلماء علاجا لرفع هذا المانع مثل أن يصلي الإنسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغضّ عينيه ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر.
ولكن هذا العلاج ليس علاجا جذريا، والعلاج الجذري يكون بالقضاء على السبب الأساسي لتشتت القلب وهما أمران باطنيان:
الأول: عدم السيطرة على الخيال.
الثانية: حب الدنيا.
* السيطرة على الخيال:
إن الخيال هو بنفسه فرّار ينتقل من فكرة إلى أخرى، والسيطرة عليه من الأمور المهمّة لتحقيق المطلوب من العبادة بل لتحقيق صلاح النفس والقرب من الله تعالى. وقوة الخيال قابلة للتربية وليست السيطرة عليه مستحيلة، وعليك ألا تيأس لأنه منبع الضعف والوهن، فعليك حال الصلاة أن تحفظ خيالك، وهذا أول الأمر ربما يبدو صعبا، ولكنه بعد تكرار المحاولة تصل إلى النتيجة المرجوة.
ولعله في بداية الأمر لا تستطيع السيطرة على خيالك في تمام الصلاة ولكن بالتدريج تصل إلى نتيجة أكثر إن من الأمور المساعدة على السيطرة على الخيال معرفة أهمية الشيء الذي أنت بصدد التفكير فيه، فإذا عرفت أهمية الصلاة وأحببتها لحبّك للمعبود استقرّ خيالك على معانيها واستغرق في التفكر بالمعبود الإله العظيم وجماله وكماله وقوته.
* حب الدنيا:
كما عرفت إن الإنسان إذا أحبّ شيئا واهتم به انشغل تفكيره وخياله فيه، وبما أن كثيرا من الناس أحبّوا الدنيا وجعلوها همّهم الأساس فإن خيالهم مشغول فيها وبهمومها وغافل عن المحبوب الحقيقي وهو الله تعالى.
فحب الدنيا منشأ لتشتت الخيال ومانع من حضور القلب.
فعلينا لتغيير اتجاه خيالنا أن نبدل حب الدنيا بحبّ الله تعالى كما كان الأئمة العظام عليهم السلام: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه".
وعلاج هذا المرض (حب الدنيا) هو بالعلم والعمل:
أما العلم:
وهو أن تعرف مدى خطورته على النفس الإنسانية وعلى مصيرها النهائي، من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
ومن الأحاديث: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "رأس كل خطيئة حب الدنيا".
وعن الصادق عليه السلام: "الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر وعينها الحرص وأذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وشجونها الفناء حاصلها الزوال فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته الحرص ومن طلبها أوردته إلى الطمع ومن مدحها ألبسته الرياء ومن أرداها مكّنته من العجب ومن اطمأن إليها أولته الغفلة ومن أعجبته متاعها أفنته ومن جمعها بخل بها ردّته إلى مستقرها وهي النار".
فإذا علم أن حب الدنيا هو منشأ جميع المفاسد، فعلى الإنسان العاقل قلع هذه الشجرة من قلبه.
أما العلاج العملي:
فهو أن يجاهد نفسه للتخّلص من حبّ الدنيا، فإذا كان تعلقه بمال فإنه يقطع جذوره عن القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبة، وإن من أسرار الصدقات تقليل العلاقة بالدنيا، ولهذا يستحب للإنسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلق قلبه به، كما قل تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"(1).
وإن كانت علاقته بفخر وتقدّم ورئاسة فليعمل ضدّها ويرغم نفسه حتى تصير إلى العلاج.
من فقه الاسلام
س: هل يصدق على القراءة القلبية في الصلاة – أي ترديد الكلمات في القلب دون التلفظ بها- إنها قراءة أم لا؟
ج: لا يصدق عليها عنوان القراءة، ولا يجزي في الصلاة إلا التلفظ بها بحيث يصدق عليها القراءة.
س: إذا غفل شخص في أثناء الصلاة فقرأ مثلا في الركعة الثانية من صلاة الظهر الحمد والسورة، ثم انتبه إلى ذلك بعد الفراغ من الصلاة، فهل تجب عليه الإعادة؟ وإذا لم ينتبه، فهل صلاته صحيحة أم لا؟
ج: تصح صلاته في مفروض السؤال ولا شيء عليه.
س: يرى سماحة الإمام قدس سره أن ملاك الإخفات في صلاة الظهر والعصر عدم الجهر، ونحن نعلم أنه باستثناء عشرة أحرف فإن بقيّة الحروف جهرية، وعلى هذا فإذا صلينا الظهر والعصر من دون جهر فماذا سيكون حق الثمانية عشر حرفا الجهرية، نرجو توضيح هذه المسألة؟
ج: ليس الميزان في الإخفات هو ترك جوهر الصوت. بل هو عدم إظهار جوهر الصوت في مقابل الجهر الذي ميزانه هو إظهار جوهر الصوت.
س: الأشخاص الأجانب، سواء كانوا رجالا أو نساءا، الذين يدخلون في الإسلام وليس لديهم معرفة باللغة العربية، كيف يستطيعون أداء واجباتهم الدينية الأعم من الصلاة وغيرها؟ وأساسا هل هناك حاجة إلى تعلّم اللغة العربية في هذا المجال أم لا؟
ج: يجب تعلم التكبيرة، والحمد والسورة، والتشهد والتسليم، في الصلاة، وهكذا كل ما يشترط فيه اللفظ العربي.
س: هل يجب في الصلاة، وبعد الحمد تلاوة سورة كاملة أم يكفي تلاوة مقدار من القرآن الكريم؟ وفي الحالة الأولى هل يجوز بعد قراءة بعض الآيات القرآنية؟
ج: لا تجزي في الفرائض اليومية قراءة آيات من القرآن الكريم عن قراءة سورة كاملة، ولكن قراءة بعض الآيات بعنوان القرآن بعد قراءة سورة كاملة، لا إشكال فيها(2).
خلاصة
- من الآداب العامة للعبادات: التفهيم، وهو يعني تهيئة القلب لفهم الأذكار, حتى يتفتح لسان القلب .
- من أسرار تكرار الأذكار والأدعية تحصيل التفهيم .
- ومن الآداب العامة: حضور القلب، والعبادة بدونه لا روح لها .
- موانع حضور القلب، تارة خارجية متعلقة بالحواس الظاهرة كالسمع والبصر, وأخرى باطنية وهما: تشتت الخيال، وحب الدنيا .
- ليس مستحيلاً السيطرة على الخيال، وعلاج حب الدنيا بالعلم والعمل .
يقول العالم الفيض الكاشاني رحمه الله: اعلم أن المعاني الباطنة التي بها يتم حياة الصلاة ست جمل وهي: حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء.
فالأول حضور القلب، ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس به ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل مقرونا بهما ولا يكون الفكر جاريا في غيرهما، ومهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عنه فقد حصل حضور القلب.
ثم التفهم لمعنى الكلام وهو أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ ولا يكون حاضرا مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردنا بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت فيه الناس إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيجات، وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك، ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أمورا، تلك الأمور تمنع من الفحشاء والمنكر لا محالة.
ثم التعظيم، وهو أمر وراء حضور القلب والفهم، إذ الرجل. ريما يخاطب غيره بكلام هو حاضر القلب فيه متفهم لمعناه ولا يكون معظماً له.
ثم الهيبة: وهي زائدة على التعظيم، إذ هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الإجلال.
ثم الرجاء: فالعبد ينبغي أن يكون راجبا بصلاته ثواب الله كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله.
ثم الحياء: ومبدؤه استشعار تقصير وتوهّم ذنب.
ولنذكر أسباب هذه المعاني الستة:
فاعلم أن حضور القلب سببه الهمّة، فإن قلبك تابع لهمّك فلا يحضر إلا فيما يهمّك،
... فلا حيلة ولا علاج لاحضار القلب إلا بصرف الهمّة إلى الصلاة، والهمّة لا ينصرف إليها ما لم يتبيّن أن الغرض المطلوب منوط بها، وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليه، فإذا أضيف هذاإلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهانتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة.
وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وحرف الذهن إلى إدراك المعنى, وعلاجه... التشمّر لرفع الخواطر الشاغلة، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب... فمن أحب شيئا أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى من أحب غير الله لا تصفو صلاته عن الخواطر.
وأما التعظي فهي حالة للقلب تتولد بين معرفتين، إحداهما: معرفة جلالة الله وعظمته...
الثانية: معرفة حقارة النفس وخسّتها وكونها عبداً ومستخّراً...
وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس يتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وأنه لو أهلك الأولين والآخرين، لم تنقص من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع قدرة الله على الدفع.
وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.
وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة...
وأما الحياء، فباستشعار التقصير في العبادة. وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله، ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها...والعلم بأنه مطّلع على السريرة وخطرات القلب، وإن دقّت وخفيت...
المصادر :
1- ال عمران:92
2- مستدرک الوسائل / ص:137-138
source : rasekhoon