بقلم : حسن الأنباري
في البدء أتقدّم بأسمى التهاني وأبهى التبريكات لإمام زماننا وصاحب عصرنا بقيّة الله الحجّة بن الحسن العسكري وللاُمّة الإسلاميّة ولحضرتكم يا محبّي النبّي وآله ، وأسعد الله أيّامكم وجعل الله أوقاتكم ترفل في كلّ خير وبركة ورحمة . فيا طيّبين نزفّ لكم أزكى التهاني وأسماها وأطيب التبريكات وأحلاها بمناسبة حلول الأيّام الشريفة التالية ؛ ميلاد سبط النّبي الأكرم الإمام الحسين بن علي (عليه السّلام) ـ الذي بَعث بجهاده الروح في دين جدّه ـ في اليوم الثالث من شهر شعبان المعظّم في السّنة الرابعة للهجرة .
وميلاد أخ الحسين (عليه السّلام) قمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس بن علي (عليه السّلام) ، ناصر الحقّ ، في الرابع من شعبان سنة 26 للهجرة .
وميلاد الإمام السجّاد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) في الخامس من شعبان سنة 38 للهجرة المباركة . صلوات الله وسلامه عليهم وعلى آلهم أجمعين .
فهنيئاً لمحبّي نبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وحشرنا الله معهم في الدنيا والآخرة . ورحم الله مَن قال : آمين .
وبحلول هذه الأيّام السّعيدة لهذه المناسبات الغرر ، وعَودة هذه الأيام المباركة نقدّم لمحبّي الإنسانيّة والقِيَم العالية إعادة موقع موسوعة صحف الطيّبين لساحة الحياة النّابضة الانترنيت بعد توقّف دام عدّة سنوات ، و على العناوين التالية . ونسأل الله التوفيق لنا ولكم إنّه ولي التوفيق .
وأمّا في معرفتي بالإمام الحسين (عليه السّلام) فيها مواطن للذكر :
الذكر الأول
اسم الإمام الحسين (عليه السّلام) ونسبه الطاهر الطيّب المجيد
فاسمه الكريم ( الحسين ) يكفي للموعظة والعبرة لدارسي تأريخ الدِّين ومعرفة إيمان الأقوام والملل ، ومعرفة النّفس وإطاعتها لله وحده لا شريك له ، والحثّ على نشر علوم الله , والسّعي بجدّ لإقامة العدل والإنصاف ونصرة المظلومين ، وتعليم الإباء والفخر بمقاومة الفسق والفجور ودحر الظالمين ، بل إخلاص الطاعة والعبوديّة بكلّ الوجود لله ربّ العالمين وبكلّ تعاليم الدِّين ؛ إذ هو إمام الحقّ وولي الهدى ، ووارث علم الأنبياء وأمين الله ونوره وحجّته وخليفته على العالمين ، والوصي الثالث لجدّه نبي الرحمة بعد أبيه وأخيه ، وقد ضحّى بكلّ ما كرّمه الله من أجل نشر راية هدى الله وتعريفها لكلّ الطيّبين الذين يطلبون قدوة واُسوة في توجهّهم لله ربّ العالمين في كلّ الأحوال ، مع البيان الصافي لتعاليم الدِّين والخالصة من كلّ رأي وغشّ وضلال لأئمّة الكفر ووساوس الشيطان والطمع بالدنيا وزينتها .
أمّا في المناقب فاسمه ( الحسين ) ، وفي التوراة ( شُبَير ) ، وفي الإنجيل ( طاب )(1) .
ذكر اسم جدّه لاُمّه : هو حبيب ربّ العالمين ، نبيّ الرحمة وشفيق الاُمّة ، سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، المصطفى المختار ، البشير النّذير والسراج المنير ، محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) .
ذكر اسم أبيه : خليفة الله ، ووصي النّبي الكريم بالحقّ بلا فصل ، المدافع عن الإسلام وحامي رسول الله ، وحجّة الله على خلقه بعده ، الإمام الأول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله ، وأخيه عند المؤاخاة بين المسلمين ، ونفسه بنصّ القرآن حَسَب آية المباهلة .
ذكر اسم اُمّه : بضعة المصطفى سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، أشرف وأطهر وأنقى امرأة في الوجود ، اُمّ الأئمّة ، فاطمة الزهراء البتول بنت محمّد المصطفى (صلّى الله عليهم أجمعين) .
ذكر اسم أخيه الأكبر : سبط نبي الرحمة وأمين الله وخليفته ، وإمام الحقّ والهدى ، الثاني بعد رسول الله وأبيه ، الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) .
ذكر اسم أخواته وإخوته : العالمة الغير معلّمة ، المجاهدة الصابرة ، الحليمة الكريمة ، عقيلة بني هاشم زينب ، واُمّ كلثوم . كما أنّ هناك إخوة وأخوات للحسين (عليه السّلام) من أبيه غير هؤلاء ، أعلاهم نقيبةً قمر بن هاشم العبّاس بن علي ، ومحمّد بن الحنفيّة وغيرهما .
ذكر اسم جدّه لأبيه : عمّ النّبي وكفيله ، وحامي دينه وناصر رسالته ، والمدافع عنه ، أبو طالب بن عبد المطّلب ، وهما سيّدا قريش ، وأبو طالب أخو عبد الله ـ أبو النّبي ـ وأبوهما عبد المطّلب أشرف بيت في العرب والعجم ، وأنقى وأفضل عائلة في قريش والدنيا كلّها ، وأمجد نسب في الوجود ، وأكرم آل بيت عند الله تعالى ، مطهّر ومصطفى ، ومختار لهداية النّاس لعبوديّته وتعليم طاعته ونشر معارفه على طول الزمان من آدم حتّى قائم آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) ، ولهم أعلى نعيم ومقام في الجنّة ، وهكذا كلّ مَن يلتحق بهم عن ودّ وحبّ ، واقتدى بهم وأصبح من شيعتهم ، ونصرهم في الدِّين والقَول والعمل .
ذكر اسم جدّته لاُمّه : اُمّ المؤمنين وسيّدة الإسلام الاُولى ، أول مَن أسلمت على يد رسول الله ، والمضحّية بنفسها ومالها وكلّ كيانها في سبيل إعلاء دين الله وكلمته ، الخيّرة الفاضلة المكرّمة الشريفة اُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد (سلام الله عليها) .
ذكر جدّته لأبيه : اُمّ النّبي الذي ربى في بيتها سبعة عشر سنة ، بل كلّ عمره الشريف ، وأكرمتْه على ولدها ، وهي اُمّ علي ، فاطمة بنت أسد ، زوجة عمّه أبو طالب ، النّبيلة الكريمة المجاهدة الصابرة المهاجرة العابدة التي حفّها النبي بالكرامة والسّعادة حتّى يوم وفاتها ، وكفّنها بثيابه ونزل في قبرها ؛ ليقيها ـ بتشريف الله له ـ أهوال يوم الدّفن ووحشة القبر ومصاعب البرزخ وكلّ مراتب القيامة ؛ ولتكون معهم في الجنّة في أعلى مراتب المجد والنّعيم والكرامة .
الذكر الثاني
ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام)
أولاً : ذكر ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) المشهورة :
ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) يطول المقام معها وخصوصاً شرحها ، فإنّه يمكن معرفة معناها وشرحها من خلال التدبّر في صحيفة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ويمكن تحصيل كثير منها من زياراته المأثورة الواردة عن الأئمّة (عليهم السّلام) ، وممّا ذكرت الأحاديث من مناقبه ومكارمه وفضائله ، حيث إنّ اللقب هو اسم يقرن بالاسم الأول ، وهي كلّ أسماء الإمام (عليه السّلام) الخاصّة أو المضافة للتعريف والتشريف ، وهي المعدّة لبيان صفاته ومناقبه ، أو خلق من أخلاقه وأفعاله وتضحيته وفداءه (عليه السّلام) وما يترتّب عليهم من الكرامة والعزّ والفخر ، وبها يعرف بحقّ محلّ المجد والشرف ، ونجملها فنذكر قسم منها المتداول والمعروفة المشهورة . فنقول هو (عليه السّلام) : الشهيد ، سيّد الشهداء ، السيّد ، الزكي ، السّبط ، السّبط الثاني ، الولي والوصي والإمام الثالث ، المعصوم الخامس ، الرشيد ، الطيّب ، الطاهر ، السّعيد ، الوفي ، المبارك ، التابع لمرضاة الله ، الدليل على ذات الله ، سيّد شباب أهل الجنّة .
ثانياً : ذكر ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) من القرآن المجيد :
ويمكن تحصيل كثير من ألقابه (عليه السّلام) من القرآن المجيد ، وبالخصوص من الآيات النّازلة والمفسّرة به أو كونه كأحد آله ، أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) والتي منها :
المطهّر والطاهر ؛ لآية التطهير ، والمباهَل به أو مباهِل ؛ لآية المباهلة ، المنعَم عليه والهادي والصراط المستقيم كما في سورة الفاتحة ، أو الكوثر كما في سورة الكوثر ، الوارث والوارث للكتاب كما في آية أورثنا الكتاب ، الذكر لآية اسألوا أهل الذكر ، البر لسورة الدهر أو لآية توفّنا مع الأبرار ، الراضي والمرضيّ كما في سورة الفجر ، المرجان لآيات سورة الرحمن . واجب المودّة المودود القريب ذو القربى ؛ لآية المودّة ، الصادق ؛ لآية كونوا مع الصادقين ، الولي لأية اُولي الأمر ، الشهيد ؛ لآية أخذ الشهادة على الاُمّة ، الإمام لآيات الدعاء ويوم ندعو كلّ اُناس بإمامهم .
وهكذا غيرها من الآيات النازلة في شأنهم (عليهم الصلاة والسّلام) : العروة الوثقى ، وحبل الله ، والسبيل إلى الله ، ونور الله ، وهدى الله ، وصاحب أو رجل البيت المرفوع ، والشجرة الطيبة ، والآية ، والبيّنة ، وباب الله .
ثالثاً : ذكر ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) في زياراته :
كما توجد كثير من ألقابه في زياراته الخاصة عليه السلام ، أو في الزيارات العامة مع أهل بيت النبوة الكرام والتي نزورهم بها كلهم ، ونذكر شيء من ألقابه الكريمة في زياراته الخاصة عليه السلام مثل :
حجّة الله ، صفي الله ، حبيب الله ، سفير الله ، باب حكمة الله ، خازن علم الله ، قتيل الله ، الوتر ، الموتور ، وتر الله ، ثار الله ، الساكن دمه في الخلد ، المقشعرّة له أظلّة العرش ، الباكية عليه الأرض والسّماء ، المبلّغ ، النّاصح ، النّور ، الزكي ، الهادي ، المهدي ، الوفي ، المجاهد ، الصابر ، الداعي ، المخلص ، المصلح ، العبد الصالح ، الآمر بالمعروف ، الناهي عن المنكر ، ركن المؤمنين ، دعامة الدِّين ، الوصي ، التقي ، أمين الرحمن ، أمين الله ، شريك القرآن ، موضع سرّ الله ، باب حطّة ، مصباح الهدى ، سفينة النجاة ، الدليل على الله ، برهان الله ، الآمر بالقسط والعدل ، المبلّغ عن الله ورسوله ، المظلوم ، قتيل العبرات ، أسير الكربات ، صريخ العبرة الساكبة ، قرين المصيبة الراتبة ، السيّد ، القائد ، الطيّب ، وارث الأنبياء ، مستنقذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة ، الباذل في الله مهجته ، مانح النصح لعباد الله ، المُعذر في الدعاء ، حجّة الخصام ، ناصر دين الله ، باب الهدى ، إمام التقى ، خامس أصحاب الكساء ، المغذى بيد الرحمة ، الراضع من ثدي الإيمان ، المربّى في حِجر الإسلام .
فهذه كانت بعض أسمائه وألقابه الكريمة والشريفة كي نناديه بها ونذكره بها مع اليقين بأنّه هو المصداق الواقعي لها ، وأحسن مَن تنطبق عليه بالوجود بحق ، ولا يمكن لأحد غير الإمام الحسين (عليه السّلام) أو آله الكرام أن يدّعيها لنفسه أو يدعوها له أحد وهو صادق ، وهي عرّفنا بها الله ورسوله وآله الكرام ، وهي المذكورة في زياراته أو ما تنطبق عليه من الآيات الكريمة التي تُعرّف أئمّة الحقّ وولاة الدِّين والهدى لربِّ العالمين . وغيرها الكثير يمكن تحصيلها من زيارات الإمام الخاصّة أو العامّة كزيارة الجامعة الكبيرة .
وهذه الألقاب الشريفة والأسماء الكريمة كلّها لها معنى واسع يمكن للمؤمنين تتبّعها وتحصيلها من الزيارات والأحاديث الشريفة .
رابعاً : ذكر أسماء وألقاب وكنى الإمام الحسين وآله (عليهم السّلام) عقيدةً وديناً :
كما إنّ ما ذكرنا من الألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) ، بعضها عامّة لكلّ أهل البيت (عليهم السّلام) ، وبعضها خاصّ به (عليه السّلام) ؛ لكونه هو المتجسّد بها ، بل هو روحها وباعث الحياة الخالدة فيها وهو معناها الحقيقي الذي لا يَصدِق إلاّ عليه بالأصالة وعلى غيره ـ من غير جدّه وأبيه وأخيه ـ إلاّ بالتبعيّة له ولهم ، وهي إمّا مواصفاته ومواصفات تضحيته أو مواصفات إمامته وولايته (عليه السّلام) ، أو إنّها أوصاف لخلقه الكريم ووجوده الشريف بانتسابه لرسول الله كالسّبط أو خُلُق له ، وهي مواصفات كرّمه الله بها في نفسه وفي آله وتشريفه له بكلّ معنى العزّ والمجد والفضيلة .
والمراد بذكر هذه الألقاب الشريفة لأبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) أو زيارته بها ليس فقط تسطير ألفاظ ونضد جمل وترتيب عبارات ، كلاّ وألف لا ، بل يراد معناها الحقيقي ووجوب الاعتقاد بها عن إيمان راسخ ويقين محكم إنّها من مواصفات الدِّين التي دعا لها الإمام الحقّ أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) ، والمراد معرفة حقائقها و التخلّق بالممكن منها والعمل بها والدعوة إليها وتعريفها للنّاس ؛ وذلك لكونها كلمات لها معاني عميقة وواسعة المغزى والمراد ، وهي تبيّن جهاده وصفاته ونسبه وكرامات الله عليه ومناقبه الشريفة وأسمائه الكريمة ؛ فلذا يجب تعلّمها ومعرفتها والعمل بها والدعوة لها وبيانها للمؤمنين ؛ لتؤخذ عقيدةً وجهاداً وديناً وطلباً للوصول بها لرضى ربّ العالمين .
كما إن شاء الله سنعقد بحثاً مفصّلاً في الأجزاء المتأخّرة من صحيفة الإمام الحسين (عليه السّلام) في بيان الكمال الإنساني وجماله في التأسّي بألقاب الحسين وآله الأطهار ، إن مدّ الله في عمرنا ، وقوّانا على طاعته في بيان كيفيّة التأسّي بالحسين والإقتداء به ، واتّخاذه لنا حياةً وديناً وهدىً لليقين في كلّ أحواله من أسمائه وألقابه وكناه ، حتّى خُلُقه الكريم وسيرته وتضحيته وفدائه وكيفيّة الإستفادة من ذكره ومجالسه فضلاً عن أسمائه الكريمة ، والله وليّ التّوفيق .
وألقاب وأسماء وكنى الإمام الحسين بل وآله (عليهم السّلام) هي أسماء وألقاب وكنى كرامة وشرف وعزّ لهم (عليهم السّلام) ، وحقيقية صادقة عليهم كأسمائهم الأوليّة ، وبها كمؤمنين نتعلّم منهم معنى الأسماء الجميلة ، التي تنبض بالكمال والخير وتدلّ على الشرف والكرامة ، ونتسمّى بها مقتدين ومتأسّين بهم ؛ لنتخلّص من التنابز بالألقاب ، بل للفخر بها والشموخ عند النداء لنا بها ، وننتقل بها لمعاني الجمال والكمال والشرف والخير والفضيلة والعزّ والمجد ، كما تحلّى بها صاحبها الأصلي ونحاول أن نتحقّق بها روح ومعنى ، وليس اسم لفظ لا حقيقة له ولا يدلّ على شيء حقيقي من الفخر والمجد الإلهي والشرف الربّاني .
وأسماء وكنى وألقاب الإمام الحسين وآله أهل البيت (عليهم السّلام) هي اسم على مسمّى حقيقةً وروحاً ومعنىً ، وليس كما ينادى أتباع غيرهم باللفظ من غير حقيقة له ولا لهم روحه ولا معناه ، بل هو اسم سرقوه فيكون مذمّة له ولهم ، ويكون للسخريّة ولو كان اسماً ولقباً جميلاً ؛ لأنّه ينتقل لمكره وخداعه وظلمه وكيف تسمّى بأسماء ليس له حقّ بها ولم يتحلّى بمعناها ، وإنّه اسم ولقب غصبه كما غصبوا منصب الخلافة لرسول الله والولاية والإمامة وتسمّوا بأسماء أهل البيت (عليهم السّلام) الكريمة ؛ ولذا كان حتّى التلفّظ بأسماء أعدائهم ومَن حرم النّاس معرفتَهم ، وإن كان باسم جميل سرقوه منهم ننتقل لمعناه عند آل الحسين آل البيت المحمّدي الكرام دونهم ، وإن كان اسماً قبيحاً لهم فهم أولى به ؛ ولذا كان كلّ اسم جميل حقّاً للمؤمن أن يعرج به لمعارف الله من خلال مَن تسمّى به من آل محمّد (صلّى الله عليهم) ، وبالخصوص الأسماء الجميلة والألقاب الفاضلة لهم والكنى الشريفة التي اختصّوا بها ، والتي بحقّ تفرّح المؤمن حين ينادى بها وتسرّ الطيّب حين يذكرها ، سواء نداء صديق له أو أحد من آله ومعارفه فيحترمه ؛ لأنّه له أصل في الكرامة والمجد والفضيلة عند صاحبه الأصلي من آل محمّد (عليهم السّلام) ، وبهذا كرّمنا الله بهم وشرّفنا وعرّفنا مجدنا ، وبهم فضّلنا الله حتّى باسمائنا المطابقة لأسماء وألقاب أهل البيت النّبوي الطاهر من آله ، وليخزى أعداءهم ، ويموتوا بكذبهم وضلالهم وغيضهم حتّى في أسمائهم فضلاً عن دينهم .
وبالخصوص يوم ينادى كلّ اُناس بإمامهم ، أنّى لهم مثل أئمّة الحقّ من آل محمّد الذين هم سفن النّجاة ومصابيح الهدى ، وهذا الفخر الحقّ والمجد الصادق لأتباع الحسين (عليه السّلام) وأنصاره أنصار الله تعالى ؛ ولذا نجوا وهدوا للطيب من القول والعمل الصالح والإيمان الواقعي المرضي لله والذي يقبل التعبّد له به ؛ ولذا نال أنصار الحسين (عليه السّلام) وشيعته محلّ الرفعة والكرامة والفضيلة عند الله بكلّ شيء لهم تعلّموه وتأدّبوا به من تعاليم الدِّين المحمّدي بسبب ركوب سبيل نهج الحسين (عليه السّلام) وسفينته حتّى في أسمائهم وألقابهم وكناهم وأنّى لغيرهم مثلهم .
وبالخصوص شيعته الكرام عندما يعرفون خصائص الإمام الحسين (عليه السّلام) وخصاله وأسمائه وألقابه وكناه في مجالس ذكره وذكر آله الكرام الطيّبين الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ، فينتقلون بها ديناً وتعاليم عزٍّ وكرامة ، فيتسمّون بها ويتحقّقون بمعناها بكلّ وجودهم وأرواحهم حتّى حبّ النّداء بها وذكرها لهم أو لمَن يحبّون ، وبحقّ يكون اسم الحسين (عليه السّلام) وآله الكرام أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك معنىً حقيقيّاً ، ولفظ كيفما تدين تدان به ، ويطلب رضى الله بذكره ، ويحصل لمَن يذكره على حبّ التوجّه لله ؛ لأنّها أسماء شريفة كريمة فيها معاني القرب من الله حين التحقّق بمعناها والعمل بما توحي إليه مضامينها .
خامساً : ذكر ألقاب الإمام الحسين (عليه السّلام) في كتب المؤمنين :
قال في المناقب : وألقابه ؛ الشهيد ، السّعيد ، السّبط الثاني ، الإمام الثالث(2) .
وفي كشف الغمّة : عن كمال الدِّين بن طلحة : الرشيد ، والطيّب ، والوفيّ ، والسيّد ، والزكي ، والمبارَك ، والتابع لمرضاة الله ، والسّبط ، وأشهرها الزكي ولكن أعلاها رتبةً ما لقّبه به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قوله عنه وعن أخيه : (( إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة )) . فيكون السيّد أشرفها ، وكذلك السّبط فإنّه صحّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( حسين سبط من الأسباط )) .
وقال ابن الخشّاب : لقبه ؛ الرشيد ، والطيّب ، والوفيّ ، والسيّد ، والمبارك ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله عزّ وجلّ ، والسّبط(3) .
وإذا عرفنا كرامات الله علينا بمعرفتنا ألقاب الفضيلة والمجد والشرف للحسين (عليه السّلام) وأسماءها ، ننتقل لمعنىً آخر من فضله علينا ، بمعرفة كناه في الذكر الآتي ، فنتدبّرها معاً فإنّها تعاليم الدِّين من أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السّلام) .
الذكر الثالث
كنى الإمام الحسين (عليه السّلام)
عرفت أنّ كنى الإمام وألقابه من أرقى التعاليم الشريفة والكريمة التي نتعلّمها من ذكر الإمام الحسين (عليه السّلام) وألقابه وكناه ، وبها يتمّ التذكّر والرجوع لتعاليم الدِّين ومن ثَمّ التفكّر بها والتحقّق بمعناها الشريف ، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) ما ذكره أحد إلاّ وناداه : يا أبا عبد الله ؛ ليعلّمنا إنّ إطاعته (عليه السّلام) والإقتداء به هي الموصلة لمعرفة الله تعالى وحقيقة تعاليمه ودينه وهداه ، ومن ثمّ إقامة العبوديّة المفروضة الصحيحة له تعالى .
أو ينادي المؤمنُ الحسينَ (عليه السّلام) : يا أبا المساكين . وكلّنا مساكين للحسين (عليه السّلام) نحتاج لهداه والإقتداء والتأسّي به لتعلّم معالم الدِّين ، ونخلص أنفسنا من المسكنة في المادّة أو الخنوع لظلم الظالمين والمتعدين وأئمّة الكفر والخضوع لضلالهم ولشهواتهم ، والارتفاع عن هوى النّفس والانتكاس في الفسق والفجور وعصيان ربّ العالمين .
فمن الإمام الحسين (عليه السّلام) نتعلّم الانتفاض لتعلّم معارف الدِّين ودروس العزّة والكرامة والسَّير في هداه ، ولننتقل من نداء الحسين بـ ( أبي المساكين ) إلى معرفة شريفة ، وهي أن نكون من الساكنين والمتمسكنين في المعارف الإلهيّة والعلوم الربّانيّة الفاضلة الكريمة والمتمسّكين به وبآله أئمّة الحقّ للوصول إليها .
وقد ذكر الحرّ العاملي (رحمه الله) في الوسائل أحاديث في استحباب وضع الكنية للولد في صغره ، ووضع الكبير الكنية لنفسه وإن لَم يكن له ولد ، وأن يكنّى الرجل باسم ولده(4) .
كما ذكر في الباب 29 كراهة كون الكنية أبا مرّة و أبا عيسى و أبا الحكم و أبا مالك و أبا القاسم للذي اسمه محمّد ، وذكر في الباب 30 كراهة ذكر اللقب والكنية اللذَّين يكرههما صاحبهما أو يحتمل كراهته لهما .
وهذه من سنن التعاليم الإسلاميّة ومعارف أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ ولذا ترى لهم كنى وألقاباً جميلةً تعلًمنا الاقتداء بهم في التسمية وذكر الكنية للطيّبين من أتباعهم وأوليائهم ، وهذه من المسائل الفقهيّة والآداب الدينيّة التي شرّفونا بها وكرّمونا بمعرفتها والتحقّق بها ، ويجدها مَن يحبّ المعرفة الواسعة الرجوع لها في الرسائل العمليّة للمجتهدين وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) .
والكنية هي من الأسماء ، ينادى بها الإنسان باسم الابن أو البنت له على نحو الحقيقة أو التقدير والفرض ، أو كنية تأتيه من عمل له شريف وفاضل قام به ، وغير أهل البيت لهم كنى مثل أبو جهل و أبو مرة و أبو معاوية ـ جرواً ـ وغيرها أبعدنا الله منهم ، وللسنّة الحسنة التي دعت لها تعاليم الدِّين اعتاد المؤمنون عندنا في العراق أن يكنّوا مَن اسمه علي ينادى أبو حسين ؛ لكون مرقدي الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السّلام) في العراق وفي قلوب المؤمنين ، يزورها ويجددون العهد معهم وعقد العزم على الإقتداء بهم والسير على صراطهم الموصل لله وطاعته كلّما سنحت الفرصة وغنمت ، كما أنّ بعض البلاد يكنّون مَن كان اسمه عليّاً بأبي حسن أو أبو الحسنيين ، وإمّا في ذكر أحاديثه فيقال مثلاً قال أمير المؤمنين وهو لقبه الخاصّ أو يقال : أبو الحسن وهذا الغالب في ندائه بالكنية (عليه السّلام) .
وإمّا مَن كان اسمه حسين فإن يكنّى : أبو علي ؛ لكون ثلاثة من أولاد الإمام الحسين (عليه السّلام) اسمهم علي ؛ علي الأكبر وعلي الأصغر استشهدا معه في يوم الفاجعة الكبرى في كربلاء ، وعلي الأوسط وهو إمام الحقّ الرابع ، علي بن الحسين السجّاد (عليه السّلام) ، وفي كنيته (عليه السّلام) إشارة وتعليم لمعنى العلوّ والمجد والعزّة والكرامة والفضيلة والشرف والسعادة والخير ، وهكذا نتكنى ونتلقب بألقاب آل الحسين الكرام صادق وكاظم وجواد وهادي ومنتظر وغيرهن .
فالإمام الحسين بل وآله الكرام قدوة لنا وأسوة في اسمهم وكنيتهم ولقبهم وكل ما يوصلنا لسلوك هدى الله وتعاليمه ، كما إن اسم الحسين عليه السلام ولقبه وكنيته فيها معاني شريفة لتعاليم المؤمنين السنة الحسنة من المفروض فيها باستحباب التكني بالأسماء الحسنة والجميلة ، وجعل كنية للابن قبل زواجه فضلاً عن تسمي الإنسان ونداءه بأسماء أطفاله ، ولا يقتصر التكني بكنى الحسين عليه السلام كما عرفت .
إذ يمكن من الإمام الحسين عليه السلام الانتقال للتكني والتعلم من كل آله الكرام آل البيت النبوي الطاهر ، ومن خواص صحبهم الكرام أو الأسماء الجميلة التي تدل على الكرامة والشرف والعز والخير والفضيلة ، والتي فيها تعاليم الدين ، ولكل منها جماله ولا أجمل من كنى أهل البيت عليهم السلام ، وهذا مذكور في تعاليمهم الشريفة وأخلاقهم الكريمة .
وأمّا كنى الإمام الحسين (عليه السّلام) حَسَب ما ذُكر في الكتب فهي :
كنيته أبو عبد الله ، وأبو الأئمة ، أبو المساكين .
وفي المناقب : وكنيته أبو عبد الله ، والخاصّ أبو علي .
وفي كشف الغمّة : قال كمال الدِّين بن طلحة : كنية الحسين (عليه السّلام) أبو عبد الله لا غير . وقال ابن الخشاب : يكنى بأبي عبد الله(5) .
وفي الإرشاد : وكنية الحسين : أبو عبد الله(6) .
أقول : ويكنّى الإمام الحسين (عليه السّلام) عند بعض الثوّار الطيّبين والمؤمنين بكنى إمّا جاءت في أحاديثه الشريفة أو في معنى متجدّد مستفاد من ثورته وتضحيته (عليه السّلام) وهي مثل : أبو الأحرار ؛ لحديثه يوم عاشوراء : (( كونوا أحراراً في دنياكم )) . أبو الثوّار ؛ لكون من يقتدي بثورته يكون مصلح وتابع له في طلب إقامة الحقّ والهدى والعدل والخير والفضيلة والعزّ . وهكذا مثل أبو المؤمنين ، أبو المصلحين ، أبو المجاهدين ، أبو المعصومين .
وهذا مختصر في مدّة عمره وزمانه في هذه الدنيا :
العمر قصير ، فليكن كعمر الحسين (عليه السّلام) في تقوى الله ورضاه والتضحية والفداء بكلّ شيء في سبيل الله تعالى ، وإن لم نكن مثل الحسين (عليه السّلام) ولا نستطيع فلنشارك بما نقدر بنصر الحسين (عليه السّلام) ، فإنّ نداء الحسين (عليه السّلام) هو نداء الدِّين الذي يوجب علينا العمل بالواجبات والانتهاء عن المحرّمات .
وهو (عليه السّلام) صرخة العزّ والكرامة والهدى الرافض للظلم والعدوان ، سواء ظلم النّفس أو الأهل أو المجتمع أو أي إنسان ، فالإمام الحسين (عليه السّلام) رمز العدالة وفخر الحريّة وقدوة الحياة واُسوة في المال والأهل والولد .
فيا طيب إلى الحسين (عليه السّلام) في المعنى والدِّين والروح والرواح ؛ لتذكّر ربّ العالمين في كلّ زمان وحين ، ولكي لا نكون لعهد الله وميثاقه من الغافلين والنّاسين .
عرفنا اسمه الحسين بن علي بن أبي طالب ، اُمّه فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، جدّه رسول الله ، أخوه الحسن ، وهو أبو الأئمّة الأطهار والهداة الأبرار وأب روحي وحياة دين لكلّ المؤمنين الأحرار .
وُلِد (عليه السّلام) في المدينة المنوّرة في يوم الثلاثاء الثالث من شهر شعبان سنة ثلاث من الهجرة . واستشهد (عليه السّلام) في يوم الجمعة العاشر من شهر محرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ؛ وعلى هذا يكون عمره الشريف 57 سنة .
سني عمر الإمام الحسين (عليه السّلام) الشريف في الدنيا :
يتقسّم عمر الإمام الحسين (عليه السّلام) هكذا : مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبع سنين .
وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثلاثين سنة .
وفي عهد أخيه الحسن (عليه السّلام) عشر سنين .
وكانت مدّة إمامته عشر سنين وأشهراً .
فأتمّ (عليه السّلام) سبعة وخمسون سنة وما يقارب النّصف ، من 3/8/3 هـ إلى 10/1/61 هـ ، أي : سبعة وخمسون سنة وخمسة أشهر وسبعة أيّام .
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً .
ما أقلّ العمر في الدنيا ، عدّة أيّام في عدّة أسطر ، وإن عمّرها (عليه السّلام) بوجوده الكريم وبعث فيها الحياة الكريمة .
وما أطول العمر في الآخرة في رضى ربّ العالمين مع جدّه رسول الله وأبيه وآله كلّهم في المقام المحمود ، ونعيم الله الخالد في الطيّبات من قصور الدرّ واللؤلؤ والمرجان والذهب والفضّة والزعفران والمسك ، وحور العين والولدان المخلّدون وماء معين لذّة للشاربين ، ولحم طير ممّا يشتهون ، ومن كلّ شجر وثمر ونمارق مصفوفة ، وكلّ ما تلذّ به النّفس وتقرّ به الأعين ، ولله المزيد ورضى الله أكبر ، له ولحزبه المفلحون خالصاً وكلّ مَن تَبع منهجه القويم إلى يوم القيامة وانتسب له (عليه السّلام) وأخذه سبب موصل لتعاليم الله وطاعته ومعرفة دينه وعبوديّته .
فسلام الله عليه يوم وُلد ويوم بَعث الحياة في دين الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً ، حشرنا الله معه وسلك بنا سبيله في الدنيا والآخرة . ورحم الله مَن قال : آمين .
اللهمّ بالحسين الوجيه وجدّه وأبيه واُمه وأخيه والمعصومين من بنيه اجعلني مع الحسين وآله الطاهرين وأصحابه الطيّبين .