* د. عادل صادق
تفوق المرأة على الرجل اقتصادياً أو علمياً أو مهنياً أو اجتماعياً من الموضوعات الحساسة التي تحتاج إلى تناول دقيق ورقيق وبحساسية خاصة، حيث إن هناك زيجات ناضجة (بمعنى أن الطرفين سعيدان) رغم تفوق المرأة هناك زيجات فاشلة (بمعنى تعاسة الطرفين) برغم تفوق الرجل. إذن نجاح أو فشل الزواج لا يتوقف بالدرجة الأولى على تفوق المرأة أو تواضع إمكانيتها أمام إمكانيات زوجها، وخاصة أننا نتحدث هنا عن الإمكانيات المادية فسنجد أنها لا تؤثر كثيراً على التوافق الزوجي، وأن الزيجات التي تفشل بسبب التفوق المادي للزوجة يرجل الفشل في النهاية إلى أسباب نفسية متعلقة بالتكوين النفسي للزوج ويكون التفوق المادي هو القشة التي قصمت ظهر البعير أو هو السبب في تفجير الصراعات النفسية التي يعاني منها الرجل وخروجها إلى السطح وإطاحتها بسعادة الزوجين.
أما إذا تطرقنا إلى مجالات التفوق في الذكاء والشخصية والثقافة، فإننا سنجد حالات خلل حقيقية وخاصة إذا كان التفوق والتميز في صالح الزوجة. إذن التفوق المادي يحتمل مرتبة ثانوية في الأهمية، وتأثيره على الزواج محدود، وهذا التأثير راجع لمشكلة عند الزوج. فأحاسيس النقص ليس بالضرورة أن تكون حقيقية، ويمكن أن يكون مبالغاً فيها. وهذا الشعور بالنقص هو الذي يتحكم في سلوكه تجاه زوجته وموقفه منها. يحدد أفعاله وردود أفعاله ويجعله حساساً إلى درجة تجعل التعامل التلقائي معه صعباً. والحساسية بمعنى التأثر بدرجة عالية لا تتناسب مع حجم أو موضوع المؤثر أو المثير، وكذلك رد الفعل الحاد المبالغ فيه، والذي لا يتناسب مع الموقف.
والسؤال الذي يقفز إلى الأذهان منذ البداية هو: لماذا يقدم الرجل على الزواج من امرأة أكثر تفوقاً وتميزاً منه ... ؟
ولكن قبل هذا السؤال، أتصور أنه يجب أن يكون هناك سؤال آخر وهو: من أين جاء الافتراض أو التصور أن الوضع الصحيح هو أن يكون التفوق والتميز لحساب وصالح الرجل؟ أي أن الوضع الطبيعي هو أن يكون الزوج متميزاً على زوجته في كل أو معظم المجالات. أي يأتي هو في المرتبة الأولى وتأتي هي في المرتبة الثانية .. ولماذا الافتراض؟ .. إنه إذا حدث العكس، أي تفوقت المرأة فإن المتوقع لهذا الزواج أن يفشل أو أن تواجهه صعوبات شديدة.
وإجابة على السؤال الثاني قبل السؤال الأول نقول إن هذا تراث، تراث من الصعب أن نرجع إلى أصله وبداياته. ولا نستطيع أن نرجع إلى أسبابه، تراث يملي ويفرض أن يكون الرجل متفوقاً أو على الأقل مساوياً لإمكانيات زوجته. ولا ندري هل هذا التراث بسبب أن الرجل كان متفوقاً منذ البداية، أي أن هذا هو أصل الحكاية أصل الخلق. وذلك لأن للرجل دوراً معيناً يجب أن يؤديه في الحياة وأن يؤديه تجاه أسرته وتجاه زوجته، وانه لا يتاح له أن يؤدي هذا الدور بكفاءة وفاعلية إلا إذا كان متفوقاً ومتميزاً في مجالات معينة وأن خللاً شديداً يحدث في الحياة، ويحدث في العلاقة الزوجية إذا كان التفوق في هذه المجالات كان لصالح المرأة!!
ليس أمامنا إلا أن نقبل هذا الافتراض الذي يتعلق في معظم المخلوقات وأن الدور الأنثوي متشابه أيضاً في معظم المخلوقات.
نعود إلى السؤال الأول: إذا كان هذا هو التراث المورث فلماذا يقدم الرجل وبإرادته على الزواج من امرأة تفوقه مالاً أو جاهاً أو علماً أو ثقافة .. ؟
في البداية قلنا إنه يجب أن نفرق بين الإمكانات المادية المحضة وبين الإمكانات الذكائية العلمية الثقافية .. ؟
قبول الرجل أو إقباله على الزواج من امرأة تفوقه مادياً يرجع أحياناً إلى أسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية التي نعيشها. فالمرأة بإمكانيتها الاقتصادية الأفضل تستطيع أن تتيح لهذا الزواج أن يتم وتستطيع أن توفر حياة أفضل وأمتع على المستوى المادي الحسي. وبعض الرجال لا يمانعون في هذا، وبعض الرجال لا يستطيعون إلا هذا.
والتفوق المادي للمرأة قد لا يسبب عقبة في توازن العلاقة بين الزوجين وخاصة إذا كان الزوج واثقاً بنفسه وإذا كان يملك إمكانيات أخرى تجعله أكثر تفوقاً، وبالتالي أكثر سيطرة على مجريات الحياة، كأن يكون متفوقاً في علمه وذكائه وثقافته ووظيفته. والنقص المادي في هذه الحالة لا يجعله يشعر بأي عجز. إذن الأمر يعتمد على ثقة الرجل بنفسه. وبالتالي قدرته على أداء دوره الرجولي بالكامل. ويعتمد أيضاً على مدى إدراك هذه الزوجة لزوجها وإحساسها بأنوثتها الحقيقية أمام رجولته الحقيقية. وبالتالي فهي لا تشعر بتفوقها المادي، فالتفوق أو الإحساس بالعجز أحاسيس ليست مرتبطة بصورة مباشرة بالواقع.
ولكن الخلل في العلاقة يحدث إذا شعر الرجل بعجزه وإذا شعرت المرأة بتفوقها. هذه الأحاسيس السلبية ستؤثر على إدراك كل منهما للآخر وستخلق درجة معينة من الحساسية تؤثر على موقف كل منهما على الآخر.
حين يتزوج الرجل امرأة تفوقه علماً وثقافة وذكاء أو تفوقه في مكانته الاجتماعية، فهو يحتاج إلى هذه المرأة المتفوقة، يحتاج إلى أفضل منه، يحتاج إلى امرأة أقوى منه، يحتاج إلى احتواء هذه المرأة له. إنه رجل يحب أن يكون في الوضع الأدنى، الأضعف، يحتاج أن يكون في الظل، يحتاج إلى أن يشير الناس إلى زوجته، يحتاج إلى أن ينتسب هو إلى زوجته لا أن ينسب زوجته إليه. وهو نفس الرجل الذي يتزوج من امرأة مشهورة. فهو يحب أن يقال عنه إنه زوج فلانة، أي يُعرَفُ بزوجته. هذه احتياجات نفسية وفنية في الرجل تتعلق بطفولته وتنشئته وتتعلق بعلاقته بأمه .. ويلعب مثل هذا الرجل دوراً ثانوياً وهامشياً في حياة الأسرة .. فزوجته تتقدم عليه في كل شيء. تسبقه في التفكير وفي الرأي وفي التنفيذ. وهو لا يشكو، بل هو سعيد ومتوافق وهو الذي اختار منذ البداية.
وقد تكون الفروق بسيطة في البداية بين الرجل والمرأة لحساب المرأة في تفوقها وتميزها في بعض المجالات. ولكن الظروف تشاء أن تتقدم المرأة بسرعة وتتفوق لذكائها وقدراتها الشخصية أو لموهبتها في مجال معين. فتبرز علمياً واجتماعياً وبالتالي اقتصادياً. بينما يظل الرجل في موقعه أو يتقدم ببطء حسب قانون التطور الزمني بينهما. فيشعر هو بضعفه، وتشعر هي بقوتها. وتشعر أيضاً بضعف زوجها. وهنا يحدث خلل شديد في العلاقة. يحدث اضطراب في إحساس الرجل بذاته، إحساسه كرجل، إحساسه كزوج. يفقد تدريجياً قدرته على السيطرة وقدرته على التحكم في الأمور وتسييرها. تختل في يده عجلة القيادة، يعقب ذلك خلل في مشاعره تجاه زوجته، تختل صورتها الأنثوية، وبالتالي يتباعدان نفسياً، ويتباعدان عاطفياً. فالفراش الحقيقي لا يكون إلا الرجل حقيقي وامرأة حقيقية. وقد يفقد هذا الرجل قدرته الجنسية تماماً تجاه هذه المرأة بالذات. وقد تعمق وتدعم وتعزز الزوجة هذه الأحاسيس السلبية نتيجة لحالة الزهو والقوة والسلطة والتفوق والشهرة التي تعيشها في الخارج، أي خارج البيت. وقد يبو زوجها في عينيها ضئيلاً باهتاً محدوداً، فتتأثر مشاعرها هي نحوه. تفقد مشاعرها الأنثوية إزاءه، وتسيء معاملته، فيمتلئ البيت بالهوام السام، فينفصلان، أو يستمران تظلهما التعاسة والرفض والغضب والعداء الخفي أو الظاهر .. ويحاول الرجل أن ينتقم من زوجته ويعذبها بشتى الوسائل. وعدوانيته تكون بسبب إحباطاته، وتتعذب هي، ويتعذب هو أكثر، ويتشتت الأبناء لهذه الصورة الزوجية الأسرية الاجتماعية المهزوزة، ليتشتت ولاؤهم وليتشتت توجههم ويتشتت إعجابهم. إنها حالة من الفوضى النفسية. الرجل رافض ولا يستطيع أن يقبل أو يتقبل وأيضاً لا يستطيع أن ينهض بنفسه ولا يستطيع أن يفعل شيئاً. والمرأة لا تستطيع أن تطلب منها أن تتراجع وتتنازل وتتخلى عن إنجازات التي حققتها بذكائها وعلمها وثقافتها وموهبتها.
إنه وضع صعب وشائك ولا حل له، إنه خلل في النظام، والنظام جاءنا من التراث، والتراث له أصل من الحقيقة. وربما هو تعبير عن كل الحقيقة، حقيقة الرجل والمرأة ودور كل منهما في الحياة وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بينهما. والتوازن لا يأتي من تفوق أحدهما بالكامل وفي كل المجالات على الآخر. وإنما بأن يفضل الرجل المرأة في مجالات متعلقة بأداء دوره وتفضل المرأة الرجل في مجالات متعلقة بأداء دوره وتفضل المرأة الرجل في مجالات تتعلق بأداء دورها.
فضل الله المرأة في أشياء وفضل الرجل في أشياء أخرى. وبذلك لا يتعارضان وإنهما يتكاملان. وبذلك لا يشعر أحدهما بالنقص إزاء الآخر. وبذلك لا يتولى أحدهما الزهو إزاء الآخر. وإنما يشعر كل منهما بالاحتياج الصحي والطبيعي للآخر. هكذا فضل الله بعضهم على بعض. إنه التفضيل الذي يجعل أحدهما يحتاج إلى الآخر ليتكامل معه وليكتمل به. إن كل واحد منهما وحده منفرد غير متكامل منقوص مهما ملك ومهما اكتسب، ضعيف وحده، محدود وحده، ولا معنى لحياته وحده. فقط يكتمل ويشعر بالرضا والسعادة إذا التقى بالآخر وتزوج منه وعاش معه. وهذه حكمة الخالق عزوجل في التفضيل، وهذا هو معنى الزواج. وهذا هو الهدف من الزواج، الزواج هو أن نعيش معاً حياة مستقرة ثابتة مستمرة خالدة. كل منا يكمل الآخر، كل منا يحتاج لوجود الآخر، كل منا لا يستطيع أن يعيش بدون الآخر. كل منا يحترم دور الآخر في حياته. ولابد أن يقر في ضمير كل منهما ووجدانه أنه لا سعادة ولا إشباع ولا رضا ولا طمأنينة ولا استقرار إلا في وجود الآخر. ولا أن يشعر أحدهما أنه متميز على الآخر ولا يشعر أحدهما بالنقص عن الآخر. وينطبق هذا على الرجل وعلى المرأة اكتمالاً وتكاملاً لا مساواة.