إنّ ما تقضي به الإرادة الوجودية وما يدل عليه العقل ينقسم حين يكتسب صيغة النظم والقوانين، إلى قسمين متمايزين، هما:
1- أحكام وقوانين ثابتة تحافظ على المنافع الحياتية للإنسان من زاوية كونه إنساناً يعيش حياة جماعية بغضّ النظر عن المكان والزمان والعوامل الطارئة الأخرى.
من أمثال ذلك بعض العقائد والنظم التي تعكس عبودية الإنسان لخالقه، والقواعد العامة التي ترتبط بحياة الإنسان بدءاً من قضايا الغذاء والسكن والزواج حتى الدفاع عن أصل الحياة الاجتماعية، فكل هذه أمور ثابتة يحتاجها الإنسان دائماً ولا يمكن تصوّر زوالها.
2- أحكام وقوانين تكتسب صفة موقتة أو طارئة لارتباطها بظروف محلية خاصة بحيث تتغير باختلاف طراز الحياة. إنّ مثل هذه الأحكام يكون قابلاً للتبدل والتغيير تبعاً لتغيّر الحالات الاجتماعية والتطوّر التدريجي للحضارة والمدنية وما يستتبعه من زوال القديم وظهور الوسائل والمناهج الجديدة.
على سبيل المثال لم تكن البشرية بحاجة إلى أكثر من طرق عادية بسيطة يوم كان الإنسان يعتمد في وسائل النقل على وسائط بدائية، أما مع التقدّم المدهش الذي حلّ في العالم المعاصر، فقد غدا الإنسان بحاجة إلى آلاف القوانين التفصيلية الدقيقة والنظم المعقدة التي تنظم الحركة في البر والبحر والجو.
والإنسان في عصوره الأولى كان يتعامل مع الطبيعة والمواد الأولية بشكل بسيط فيومن عن هذا الطريق احتياجاته للغذاء واللباس والسكن، ويشبع ميوله الجنسية، رغم أنّه كان يجهد نفسه بأعمال شاقة تستغرق كلّ وقته ولا يجني من خلالها سوى مكاسب متواضعة. أما اليوم فإنّ الحياة تتقدم بسرعة واطراد، بحيث أفضى تراكم الأعمال وتعقيدها إلى فتح آلاف الآفاق والاختصاصات المتنوعة، مما يعكس حاجة الإنسان في موازاة ذلك إلى آلاف القوانين والنظم.
وحين نصل إلى الإسلام نجد أنّه يعتمد الأفكار النقية التي تنهض بها فطرة «الإنسان الفطري» وما تدل عليه في العقيدة والعمل فيجعلها ضرورية التنفيذ.
لذلك نجد أنّ منهجه التربوي يتجه نحو الإنسان الفطري بحيث يهدف من خلال دعوته تحويل المجتمع البشري إلى مجتمع يطفح فيه نقاء الفطرة وما تهدي إليه في العقيدة والعمل والمقصد.
من هنا فإنّ أحكام الإسلام ونظمه تنقسم هي الأخرى إلى قسمين: ثابت ومتغيّر. فالثابت يقوم على أساس ما جبل عليه الإنسان وجودياً وما تقضي به خصوصيته في الخلق، وهذه تسمى الدين والشريعة الإسلامية التي تقود الإنسان لو تحرك في إطار هداها نحو السعادة الإنسانية: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
أما القسم الثاني فهي الأحكام القابلة للتغيير بحسب اختلاف المصالح والأزمنة والأمكنة. وهذا النمط من الأحكام هو من آثار الولاية العامة، وهي منوطة برأي نبي الإسلام وأولي الأمر المنصوبين من قبله، وتشخص في إطار الأحكام الدينية الثابتة وبحسب المصالح المتغيرة زمانياً ومكانياً.
المصدر: رسالة الإسلام واحتياجات الإنسان المعاصر- العلامه الطباطبائي
source : www.tebyan.net