ان يؤدي المرء دوره على اكمل وجه يطلب منه فهذا امر اعتيادي بل واجب ولكن ان يؤدي دوره ودور غيره فهو امر شاق وصعب وخاصة اذا كان هذا الدور هو دور الام والامومة، دور صانعة الرجال والمستقبل،
انه تدافع القدر الذي يلزم الانسان معايشة اوضاع صعبة تلزمه نمطا حياتيا قاسيا لا يوفق بالخروج عنه الا من اسعفته ظروفه في ذلك، وكثيرة هي الظروف التي قد توقع الانسان في مثل هذه الامور غير ان اصعبها أن يفترق الزوجان او تغادر الام الى مثواها الاخير ويبقى الاب مع الاولاد حائرا في امره، كيف له ان يتمثل ذلك الدور الذي عجزت عن ادائه الكثير من الامهات في الوقت الذي يتوجب عليه اداء دوره الاصلي كأب؟! فيبدأ بالبحث عن المعين وتنحصر الحلول في عدة طرق فاما الزواج مجددا للحفاظ على الاولاد او ارسالهم الى جدتهم او احد اقاربهم او احضار مربية تعينه على خدمتهم وكلها حلول صعبة محيرة ولا يتهيأ للجميع ظروف الاختيار بينها. وتصادف الرجل الذي انفصل عن زوجته وابقى على اولاده معه او توفيت زوجته او غير ذلك تحديات كثيرة واكثر الرجال الذين يصعب عليهم هذا الامر الذين لم تكن لديهم اية خبرة في مسائل تربية الاولاد بسبب مشاغلهم اليومية في العمل او غير ذلك وخاصة اذا كانوا من اصحاب الدخل المحدود لانهم لن يستطيعوا الاستعانة على قضاء حوائج اطفالهم بربات البيوت او بالحاضنات او ادخالهم دور الحضانة او رياض الاطفال بسبب عدم قدرتهم على دفع اجور من يقدم لهم تلك الرعاية فيجد الرجل نفسه محاصرا وقد يعينه في ذلك والدته او اخته او احد اقارب الزوجة او اقاربه ان كانوا بجانبه او قريبين منه اما اذا كانوا بعيدين فاما ان يستغني هو ايضا عن رؤية اولاده ويرسلهم الى جدتهم او عمتهم لتقوم بتربيتهم واما ان يقوم هو وحده بدور الام وبدور الاب وفي هذه الحالة يجب عليه مراجعة احد الباحثين الاجتماعيين والنفسيين ليزودوه بين الفترة والاخرى بالنصائح التي تساعده على اتمام مسئوليته الجديدة بطريقة جيدة وليرشدوه الى الاساليب التربوية والوظائف التي تقوم بها الام وادوارها في تربية الاولاد
من الصعوبة ان تستقيل الام من مهامها ليقوم الاب او الزوج بدورها فتربية الابناء امر يصعب على الامهات اصلا فكيف سيقوم به الاباء ولا اعتقد ان هنالك ابا يستطيع فعل ذلك بوجه كامل دون تقصير او اخلال بأداء دوره الاصلي ولابد ان يخل بأحد الادوار لانه اصلا لم يخلق لتربية الابناء ولم يعتد عليها حتى ان الكثير من الاباء يعجزون عن اداء ادوارهم كآباء ولا يعرفون فنون التربية المتوجب عليهم معرفتها فكيف سيعرفون فنون التربية التي تنهض بها النساء والمشكلة تظهر بشكل جلي اذا كان بين الاطفال فتاة لان معاملة الفتاة ورعايتها يختلفان عن رعاية الولد والمراحل التي تمر بها الفتاة تحتاج الى وجود أم بجانبها تعلمها وتوجهها وتكون ملجأ لها في طرح اسئلتها الغريبة بعض الشيء وخاصة في مرحلة المراهقة وارى ان الحل الافضل في حال تفرق الابوين وحصول الزوج على رعاية ابنائه ان يستعين بمربية او حاضنة تنوب عن الام جزئيا وتقدم لاولاده ما يحتاجونه من خدمات او ان يتزوج الاب من امرأة اخرى ويجب الانتباه الى انه عليه ان يحسن اختيارها بشكل جيد ويخبرها ان عنده أطفالا يجب عليها القيام برعايتهم وما الى ذلك علها تكون اما لهم.
ان يقوم الاب بدور الام هو امر بغاية الصعوبة لانه لم يهيأ لذلك ولانه مهما قدم لهم من خدمات يومية لن يستطيع ان يقدم لهم ما يفتقدونه من مشاعر أمومة لدى امهم التي رحلت اضف الى حاجاتهم النفسية لذلك وعدم سد هذا الفراغ الذي ستتركه الام في حال رحيلها، ولا اعتقد ان الكثير من الاباء يعرفون الاسس التربوية التي تعرفها الام كأن يقوم الاب بدور الام في تعويد طفله الصغير الذهاب الى الحمام وطريقة التخلي عن «الحفاضات» وكيفية توفير النظام المتوازن للاطفال وكيف سيواجه مرحلة البلوغ عند ابنته وشرح التغيرات الفزيولوجية التي ستمر بها الفتاة في تلك المرحلة وكيف سيعود الابناء على الحب والاحترام، انها فعلا تحديات كبيرة يواجهها هؤلاء الآباء ولا ننسى ان الاباء لهم نصيب لانفسهم ولهم اعمال يقومون بها في حياتهم لكسب الرزق وللترفيه عن النفس ايضا.
لا ينسى احتياجاته جاسم محمد المطوع ـ باحث في الشئون التربوية ـ يقول: ان رعاية الابناء بعد ان ينجح الاب في التكيف مع وضعه الجديد شيء رائع لان فيه فرصا كافية للاندماج والتعرف على الابناء عن قرب وهذا مالا يتحقق للكثير من الآباء في الاحوال الطبيعية ولكن هذا الاندماج يحتاج الى معرفة وعلم وثقافة بطبيعة الادوار التي تقدمها الام.
ولقد اثبتت التجارب الواقعية ان الرجل بحاجة لمن يساعده في تربية اطفاله لانه من الصعوبة ان يكون مسئولا عن رعاية الابناء واعالتهم في الوقت نفسه وهذا مالا يتحمله الكثيرون فعلى الاب الذي يرغب او يضطر لحضانة ابنائه ان يفكر اولا في كيفية التوفيق بين الرعاية والاعالة وفي من يساعده في رعاية المنزل والابناء لان هذا يحتاج الى قدرة جسدية ومادية ونفسية ليقوم بادواره بصورة جيدة. ويضيف المطوع: في البداية يجب ان يتكيف الاب مع نفسه في الظروف الجديدة لحماية نفسه من اية مشاكل نفسية او ضغوطات عصبية لذلك عليه بالتفكير في احتياجاته الشخصية ليعيش مرتاحا فتنعكس هذه الراحة النفسية على ابنائه فيوفر لهم المناخ الملائم للنمو والتربية فاذا كان احد الاطفال رضيعا لم يلتحق بالمدرسة بعد فان هذا الطفل يحتاج لمزيد من الرعاية والوقت لهذا يفضل توفير مربية او مديرة منزل مقيمة في المنزل ليس لمجرد ان تتولى احتياجات الاطفال الصغار ولكن لتعطيهم الاحساس بالامان لانهم في مثل هذه السن بحاجة للالتصاق بشخص يتواجد معهم على الدوام اما ان كان جميع الاطفال في سن المدرسة فان الاحتياج لهذا الشخص سيكون في فترة ما بعد الظهر فقط لاجل ترتيب المنزل ورقابة الابناء اثناء الدراسة خاصة ان كان الاب مضطرا للعمل صباحا ومساء لتوفير لقمة العيش.
ليعيشوا طفولتهم وقد يعتقد بعض الآباء ان بامكانهم وبمساعدة الاطفال الكبار او المراهقين وبدون الاعتماد على مساعدة خارجية القيام بالتزامات المنزل ولكن هذا غير سليم والسبب في ذلك ما اوضحه احد الشباب الذي مرضت والدته اثناء فترة مراهقته واضطر للعمل بدلا منها في اعمال المنزل بعد الساعات المدرسية بقوله اعلم جيدا ان الامر ليس خطأها وان مرضها ليس بارادتها ومع هذا لا استطيع ان اغفر لها ولوالدي سلب طفولتي مني في مرحلة مبكرة، اشعر انني كبرت بسرعة. وفتاة اخرى كانت كبرى اخوتها وتولت مسئولية عائلتها عندما توفيت والدتها تقول: لم ارغب في الزواج لفترة طويلة ولكن بعد ان تزوجت رفضت تحمل مسئولية المنزل والابناء لعشر سنوات وكان ذلك سبب انني تحملت تلك المسئولية من قبل في سن مبكرة. وهكذا نرى ان الاطفال يستحقون ان يعيشوا طفولتهم واذا رغب الاب بتحميلهم جزءا من المسئولية فلتكن في بعض الاعمال التي لا تفوق قدراتهم العمرية والجسدية ومن جانب آخر فان تحمل الاب للمسئولية كاملة يمكن ان يؤثر على عمله ولهذا فأفضل الحلول هو الحصول على مساعدة ولو من احد الاقارب كالجدة مثلا ولكن مع الانتباه الى عدم نقل الابناء الى منزل الجدة بعد الانفصال مباشرة فالابناء في هذه المرحلة يكونون مضطربين ولا يتحملون عوامل اخرى تزيد من اضطرابهم ويجب الانتظار حتى تأتي فرصة مواتية لذلك كعطلة نصف السنة او نهاية العام الدراسي. ارسال الابناء الى منزل الجدة في نهاية عطلة الاسبوع ليقضي الاب يوما مع اصدقائه فيجدد نشاطه وقدرته على مواصلة المسئولية تجاه ابنائه. ومن احدى المشاكل النفسية التي تظهر عند بعض الآباء في مرحلة ما بعد الطلاق هي انهم يستخدمون الابناء كمرساة عاطفية فهم بحاجة لاطفالهم من اجل استقرارهم العاطفي في تلك الفترة المضطربة وبالتدريج نجد انهم يزداد سلوكهم كأمهات اكثر من الامهات انفسهن حيث يشرفون على كل صغيرة وكبيرة ويكبرون كل مشكلة ويتشبثون بأطفالهم بدرجة غير صحية لعدم وجود شيء آخر في حياتهم وان كان ذلك يساعد الاب قليلا ليقف من جديد بعد الازمة الا ان الابناء يختلط عليهم الامر رغم حاجتهم لمن يسد فراغ الام الا انهم يبقون في حاجة الى أب ولكن اباهم تحول الى ام جيدة وهم يفتقدون الاب الآن وللاسف فان مثل هذه الحالات يكبر الابناء دون ان يستطيعوا التفريق بين دور الام ودور الاب وفي سن المراهقة يواجهون الكثير من المشاكل حول اي جنس هم ينتمون اليه، فلا تنسى ايها الاب ان ابناءك لا يزالون بحاجة الى أب.
عني الاسلام بالطفولة وجعل من مبادئه الكريمة رعايتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» فالاب راع والام راعية والاخ راع والاخت راعية وكل له دوره في تثبيت دعائم الاسرة وتتضاعف المهام في حال فقدت الام او فقد الاب وبقي احد الطرفين وحيدا مع اطفاله وقد تكون الام الاكثر جدارة في تحمل غياب الاب واخذ دوره من فقدان الام وتغيبها واخذ الاب دورها لان دور الام دور تخصصي حيث منحها الله الحنان وأسدى اليها مهمة انشاء الابناء وتربيتهم ومن الصعب على الاب ان يقوم بهذه المهمة دون الاخلال بها غير ان هنالك بعض الاسباب التي تعين الاب على تربية اولاده منها: ـ الاستعانة بالله على تربيتهم: فاذا اعان الله العبد على تربية اولاده وسدده ووفقه افلح ونجح وان خذل ووكل الى نفسه فانه سيخسر.
ـ الدعاء للاولاد وتجنب الدعاء عليهم: فان كانوا صالحين دعا لهم بالثبات والمزيد وان كانوا غير ذلك دعا لهم بالهداية والتسديد.
ـ غرس الايمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الاولاد منذ الصغر كأن يعلمهم النطق بالشهادتين وان يعلمهم قول ربي الله وديني الاسلام والى غير ذلك من امور العقيدة.
ـ غرس القيم الحميدة والاخلاق الفاضلة في نفوسهم: فيحرص الوالد على تربية اولاده على التقوى والصدق والامانة والعفة والبر وصلة الارحام والى غير ذلك من الاخلاق.
ـ ابعاد المنكرات واجهزة الفساد عنهم حتى يحافظوا على سلامة فطرتهم واخلاقهم.
ـ تشويقهم للذهاب للمسجد صغارا وحملهم على الصلاة فيه كبارا.
ـ الحرص على تربيتهم بالقدوة: فينبغي للوالد ان يكون قدوة للاولاد في الصدق والاستقامة وحسن المعاملة.
ـ ألا يفرق بين الذكور والاناث في المعاملة فاذا قبل الولد عليه ان يقبل الفتاة واذا اعطى الولد عليه ان يعطي الفتاة وغير ذلك وان يقدم الفتيات على الاولاد احيانا لاشعارهن بأهميتهن وبحبه لهن.
ـ وان يصبر على مصيبته ويحتسب الاجر عند الله وان يحاول صادقا البحث عن زوجة صالحة تقوم برعاية ابنائه وتربيتهم تربية سليمة فالامر عليه وحده شاق جدا وان يدعو الله في صلاته لتفريج همه