عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

الإنسان ومقام الخلافة

الإنسان ومقام الخلافة :
المسالة الأخرى المطروحة في هذا البحث هي ان أرفع مقام يفرض للإنسان هو مقام الخلافة ، أي خلافة الله . إذا وصل في الخلافة إلى مقام رفيع ، فهناك إلى جانب ذلك مسألة الولاية والرسالة والنبوة ، وأمثالها . وإذا دخل إلى المراحل الوسطى أو النازلة فهو الإيمان وأمثاله ، ويمكن ان لا ترافقه الرسالة أو النبوة .
والسؤال المطروح هو : هل ان الخلافة الإلهية هي للرجل والذكورة شرط والأنوثة مانع ؟ أم ان الخلافة ليست للرجل ، ولكن الرجال استطاعوا النجاح في تحصيل الخلافة ولم تنجح النساء ؟ أم أنها غير مشروطة بالذكورة ولا ممنوعة بالأنوثة ، والذين نجحوا في أن يصبحوا خليفة الله إنسانيتهم أدت إلى ذلك ذكورتهم ، الرجل لم يصبح خليفة ، بل الذي أصبح خليفة الله ، إنسان له بدن رجل .
توضيح المسألة أنه جاء في القرآن الكريم كلام عن خلافة آدم :
( إني جاعل في الأرض خليفة ) (1) .
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .


(97)


ثم قال الملائكة :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) (1) .
فأوضح الله تعالى لهم بأنه معلمهم وخليفته عن طريق تعليم الاسماء لآدم . وقد توضح في بحوث الخلافة ان آدم ، ليس ( قضية شخصية ) وشخصاً معيناً خليفة الله ، بل أن مقام الإنسانية هو خليفة الله . لذا جميع الأنبياء ، خاصة خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم هم خلفاء الله ، هذه ليست ( قضية في واقعة ) بل هي تشير إلى مقام الإنسانية ، فكيف يكون آدم خليفة الله ، مع انه ليس من الأنبياء أولي العزم ، ولا يكون الأنبياء الآخرون خاصة أولوا العزم وبالأخص خاتمهم ـ عليهم السلام ـ خليفة الله ؟ بل المقصود هو الإنسان الكامل ، فالفرض ليس شخص آدم ، بل شخصيته الإنسانية .
وفي هذه المسألة ( ان خليفة الله هو مقام الانسانية لا الذكورة ) شهد آخر على أن سر كون مقام الإنسانية خليفة الله ، هو بسبب تعليم الاسماء . قال تعالى :
( وعلّم وآدم الاسماء كلها ) (2) .
إن م حور التعليم والتعلم كما مر في البحوث السابقة هي روح الإنسان ، لا البدن ولا مجموع الروح والبدن . ان الذي يصبح عالماً هي الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً . بناء على هذا فان العالم بالاسماء الإلهية هي الروح وليس الجسم ، والنتيجة : أن معلم الملائكمة هي روح الإنسان وليس البدن . وثمرة البحث هي ان خليفة الله هي روح الإنسان وليس
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 31 .


(98)


الجسم .

مقام الإنسانية ، مسجود الملائكة :
من البحث السابق يستنتج ان مسجود الملائكة هي روح الإنسان وليس الجسم ، حيث أن الملائكة خاضعة لروح الإنسان و الشياطين أعداء لروح الإنسان .
فالشيطان ليس شيئاً مع الرجال لأنه كان سيئاً مع آدم . وإنما هو مسيء للإنسانية وعدو للناس ( سواء كانوا رجالاً رجالاً أو نساءً ) ، لذا نجد الله تعالى يخاطب المجتمع البشري بأن عدوكم المبين هو الشيطان بناء على هذا ، فان مسجود الملائكة هو مقام الإنسانية ، ولأن معلم الملائكة هو مقام الإنسانية ، فالعالم بالاسماء هو مقام الإنسانية ، ومقام الإنسانية العالم بالاسماء ، منزه عن الذكورة والأنوثة ، فارفع مقام وهو مقام الخلافة ، هو لإنسانية الإنسان ولا بختص بالمرأة أو الرجل ، وما ورد في سورة الأعراف يؤيد هذه المسالة أحياناً ، جاء في أوائل سورة الأعراف :
(
و لقد خالقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) (1) .
أي انه ذكر خلاصة الناس وهو مقام الإنسانية بعنوان آدم وقال للملائكة ان يكونوا خاضعين لمقام المعلم ، ورغم ان البعض يظنون انه يمكن الاستفادة من هذه الآية وجود أناس كانوا قبل آدم ، ولكن آيات سورة آل عمران وأمثالها توضح جيداً أن هؤلاء الناس هم نسل آدم عليه السلام وآدم من ( تراب ) ، رغم انه طبقاً لبعض الروايات قد وجد بشر كثيرون جاؤوا قبل آدم ، ولكنهم رحلوا والنسل الفعلي للبشر ينتهي إلى آدم ، حيث قال تعالى :
( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن
____________
(1) سورة الأعراف ، الآية : 11 .


فيكون ) (1) .
يقول تعالى بانه لماذا الغلوّ بشأن عيسى ، تعتبرونه ( ابن الله ) وتقولون بشأن الله ( ثالث ثلاثة ) ؟ قضية عيسى مثل قضية آدم . لو كان آدم ابنا لأبوين لما أصبحت قضية عيسى شبيهة بقضية آدم وحواء أبداً .
الخلاصة انه يستنبط من آية سورة الأعراف أن خلاصة الإنسانية ظهرت بصورة آدم ، وهذه الخلاصة صارت خليفة الله ومسجود ومعلم الملائكة . إنسان وكلما زاد سهم من خلاصة الإنسانية حصل على حظ وافر من الخلافة ونصيب أكثر من التعليم وحصة أهم من المسجود ، لذا يكثر تعرض الشياطين له إلا أن ييأسوا .

استفهام الملائكة واعتراض الشيطان :
عندما أراد الله تعالى خلق الخليفة كان الملائكة والشيطان غافلين عن هذا الأمر ، لذا فكلاهما سأل الله تعالى ، ولكن لياقة الملائكة كانت تقتضي ان يطرحوا هذا السؤال بصفة استفهام ، وشيطنة الشيطان دفعنه إلى طرح هذا السؤال بصفة اعتراض ، كلاهما سأل ، ولكن أحدهما مستفهما والآخر متعنتاً ـ جاء في الجوامع الروائية في مسألة آداب التعلم .
( سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً ، فغن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم وان العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت ) (2) أي ان السؤال مفتاح العلم وكثير من الفضائل مترتبة على السؤال ، كما ورد أن العلم مخزون في كنز ومفتاحه السؤال وبأن جماعة كثيرة تؤجر بسؤالكم . فالذي يجيب يحصل على أجر وكذلك المستمع يحصل على أجر ، أي ان السامع يحصل على أجر
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 59 .
(2) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الحكمة 320 .


(100)


والسائل أيضاً مأجور ، ولكن كما هو مشخص ان مراد مضمون الرواية هو انه يجب السؤال لأجل الفهم ، لا لأجل العناد ـ لذا حين قال تعالى :
( اني جاعل في الأرض خليفة ) (1) .
قال الملائكة :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) .
وذكروا سرّ أولويتهم هكذا :
( ونحن نسبحّ بحمدك ونقدس لك ) .
تلك الجهة رجحان خلافة الملائكة وهذه الجهة مرجوحية خلافه الإنسان ، إحداهما سلبية والأخرى إثباتية ، ولكن الملائكة بدأوا جميع هذه الاحتجاجات في سؤالهم الأول ، بالتسبيح وقالوا : ( سبحانك ) ، أي انك منزه عن كل نقص وعيب ، ومبرأ من كل نقد واعتراض ، ونحن الذين لا معلم ن وأنهم بعد الفهم سبحوا أيضاً وقالوا :
( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علمتنا ) (2) .
أما اعتراض الشيطان عند الأمر بالسجدة فكان هكذا :
( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) (3) .
ولأن سؤال الشيطان كان ممزوجاً بالنقد والاعتراض ، لذا عبر القرآن الكريم عن شيطنة الشيطان ، بهذا التعبير :
( أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 32 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 12 .


(101)


أقسام الإباء والامتناع :
الإباء على نوعين : 1 ـ إباء اشفاقي ، وهذا النوع من الإباء ليس مذموماً ، فالشخص العاجز عن تحمل تكليف يأبى ، ولكن إباءه ، هو إباء إشفاقي وليس له مذمة ، كما في قوله تعالى :
( إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها ) (1) .
هنا ليس في الأمر ذم ، لأنهما لم تكونا قادرتين فأبين .
2 ـ إباء استبكاري : يكون الإباء استكبارياً عندما توجد قدرة على الفعل ، ولكن في نفس الوقت يتمرد ، لذا تعبير القرآن عن إباء الشيطان ممزوج بالاستكبار ( أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .
من هنا يتضح أن محور نقد الشيطان ومحور سؤال الملائكة هو في رؤيتهم البدن ، وإلا لا الملائكة أدركت روح الإنسان ، ولا الشيطان كان عالماً بروحه . الملائكة رأت الجنبة ، المادية والبدن ، لذا سألوا :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) .
كما ان الشيطان رأى البدن وقال :
( خلقتني من نار وخلقته من طين ) .

آدم ، معلم ، الاسماء :
وقد رفع الله ، في مقام الجواب ، الحاجب ، بحيث أطلع الملائكة وعلمهم ، وعلم الشيطان أيضاً مع هذا الفرق وهو أن تعليم الشيطان رفقه
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 72 .


(102)


طرد ، وتعليم الملائكة امتزج بالتقرب ، قال تعالى للملائكة :
( إني أعلم ما لا تعلموم ) (1) .
ثم بين الأمر للملائكة هكذا وقال :
( وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ) (2) .
قال للملائكة : إن خليفته ليس مصداق ( من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ، بل خلفيته العارف بحقائق العالم ومتعلم الاسماء ، والذي يسفك الدماء ، على أساس ( اثّاقلتم إلى الأرض ) (3) ، ويقبل بمسألة سفك دماء البدن أو يقبل بالفساد ، فالإنسان من ناحية ان لديه روحاً عالمة طبق ( وعلم آدم الاسماء ) هو خليفته ، حيث انه تعالى ذكر أن آدم ليس مسجوداً من ناحية أنه خلق من طين ، وخرج من تراب ، بل من ناحية أنه يمر من الأفلاك .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حجابك وعفتك دليل محبتك لله تعالى
ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
الانسان وباقي المخلوقات
الأخلاق دلیل الشخصيّة
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية

 
user comment