وقد يستغرب الاءنسان من هذه الكلمة، فهل يمكن ان يعادي الاءنساننفسه ويظلمها ويعتدي عليها؟ يجيب القرا´ن علي هذا السؤال بالاءيجاب:
(وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـ'كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
والذين يعاقبهم الله بظلمهم، لم يظلمهم الله، واءنّما كانوا هم الذيناقدموا علي ظلم انفسهم: (وَمَا ظَلَمْناهُمْ وَلَـ'كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
واخيراً اءن ما´ل الخير والشر هو النفس، واءنّ الذي يهتدي فاءنمايهتدي لنفسه، والذي يضلّ فاءنّما يضلّ علي نفسه.
(فَمَنِ اهْتَدَي' فَاءِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَاءِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).
اي يستقرّ الضلال والغيّ علي نفسه، هؤلاء يضلّون علي انفسهم،ويضلّ سعيهم وعملهم وتحركهم.
ذلك هو الخسارة والضياع الكبير: ان يضلّ الاءنسان علي نفسه،ويضلّ سعيه وعمله: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا).
(وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُم).
فاءن الاءنسان اءذا تنكّر لنفسه وظلمها وعاداها خسرها، وعندما يخسرالاءنسان نفسه يضلّ سعيه وعمله، ويذهب هباءً كل جهدٍ وعملٍ له.
والي هذه الخسارة يشير الاءمام الحسين(ع) فيخطابه الذي وجّهه الياصحاب الحرّ في منزل البيضة:
«فانا الحسين بن عليواُمي فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع انفسكم، واهلي معاهلكم، ولكم فيَّ اُسوة... واءن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من اعناقكمفحظّكم اخطاتم ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فاءنما ينكث علي نفسه وسيغنياللهعنكم».
اءنّ هذه الظاهرة من اغرب ما يلتقيه الاءنسان من ظواهر غريبة فيحياته علي ظهر الارض .
اءنّ الاءنسان بهذا التحوّل الذي يشرح خطواته ومراحلهالقرا´ن الكريميظلم نفسه، ويتنكر لها، فيخسرها، ويعود شيئاً ا´خر يختلف اختلافاً كلياًعمّا كان عليه، يمشي ويتحرّك بين الناس، ولكن من دون اءرادة ووعي،بل بما يُملي عليه ويراد منه.
يتحرك لا باءرادته، واءنما باءرادة الطاغوت الذي يستعبده ويحرّكه، لابالاتجاه الذي ينفعه ويخدمه، واءنما بالاتجاه الذي يخدم عدوّه.
هؤلاء هم الذين تنتكس قلوبهم ويختم الله عليها، وصدق الله تعالي:
(وَنُقَلِّبُ أَفئدَتَهُمْ).
(خَتَمَ اللَّهُ عَلَي' قُلُوبِهِمْ).
ولن تعود لهم اءرادة، ووعي، وفهم، ونور يتحركون به في الناس.
وعندما يفقد الاءنسان الوعي، والنور، والاءرادة، والعزم في حياتهينقلب الي اداة طيّعة وسهلة بيد الطاغوت، يستخدمه في تحقيق اطماعهبالشكل الذي يريد، ويوجّهه الي ضرب اوليائه باعدائه، وهذا التحولالعجيب فيحياة الناس هو الذي حدث فيهذه الفترة من التاريخ علي يدحكّام بني اُمية في هذه الاُمة وواجهه الحسين(ع) بمرارة والم.
لقد جري ـ بالتاكيد ـ تحوّل خطير في نفوس هؤلاء الناس؛ حتي عاداسفلهم اعلاهم، واعلاهم اسفلهم، في انتكاسة رهيبة يقل نظيرها فيالتاريخ، حتي يخرج ثلاثون الفاً منهم او اكثر من الكوفة عاصمة اميرالمؤمنين لمحاربة سيد شباب اهل الجنة، وابن رسول الله(ص)، ونجل اميرالمؤمنين(ع).
والتفسير الوحيد الذي يستطيع ان يفسر لنا سر هذه الانتكاسةوالمسخ الحضاري في شخصية الاُمة ـ او طائفة كبيرة من الاُمة علي اقلالتقادير ـ، يكمن في الجهد البليغ الذي بذله بنو اُمية في اءرهاب الناسواءفسادهم لغرض سيطرتهم علي المسلمين، ومسخ معالم شخصيتهم؛حتي عادت ضمائرهم واءدراكاتهم واءراداتهم في قبضة بني اُمية،يتحكّمون فيها بالطريقة التي تعجبهم، وتخدم اهدافهم.
وكان لابدّ من هزة قوية عنيفة لضمير الاُمة تعيد اءليها وعيها،واءرادتها، وقيمها، وتشعرها بعمق الكارثة التي حلّت بها، وتبعث الندمفي نفوسهم، وحتي لو لم تكن هذه الهزة تنفع هذاالجيل، فقدكانت تعتبرضرورة من ضرورات المرحلة لاءنقاذ الجيل الذي ياتي من بعد هذاالجيل؛ لئلا يسري اءليه هذا الانحطاط الحضاري الذي لزم هذا الجيل.
وكانت تضحية الاءمام ال
حسين(ع) وتحرّكه الماساوي يكوّن فيوجدان الاُمة هذه الهزة العميقة، كالتي كانت تتطلبها ضرورات الساحةوالحالة الاجتماعية.
لقد نبّهت شهادة الحسين واهل بيته واصحابه بالطريقة المفجعة التيتمّت بها ضمائر المسلمين، واشعرتهم بالندم، ومكّنتهم من ان يستعيدواوعيهم واءرادتهم من جديد، فيفكّروا ويقرّروا مصيرهم بانفسهم.
لقد شعروا ـ بعد الانتباه ـ بالكابوس الرهيب الذي كان يلقي بثقلهعلي صدورهم، وقلوبهم، وعقولهم، وعادت اءليهم اءرادتهم وحريتهمووعيهم.
فقد هزّت تضحية الاءمام الحسين(ع) ضمائر المسلمين، هزة عنيفة،واشعرتهم بفداحة الاءثم، وضخامة الجريمة، وعمق الردّة والانتكاسة فينفوسهم وحياتهم؛ فكانت هذه التضحية الماساوية مبدا ومنطلقاًلحركات كثيرة في التاريخ الاءسلامي، ومصدراً كبيراً للتحريك في التاريخالاءسلامي.