عربي
Sunday 28th of April 2024
0
نفر 0

النسوة


النسوة :
وتدلنا الرواية على أن الزهراء كانت تصحبها معها نسوة من قومها وحفدتها كما سبق ذكره ومرد هذه الصحبة ، وذلك الاختيار للباب العام الى أمر واحد ، وهو تنبيه الناس ، وكسب التفاتهم باجتيازها في الطريق مع تلك النسوة ليجتمعوا في المسجد ، ويتهافتوا حيث ينتهي بها السير بقصد التعرف على ما تريده وتعزم عليه من قول أو فعل ، وبهذا تكون المحاكمة علنية تعيها اسماع عامة المسلمين في ذلك الوسط المضطرب.

ظاهرة :
سبق أن الرواية التأريخية جاءت تنص على أن الزهراء لم تكن لتخرم في مشيتها مشية ابيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ويتسع لنا المجال لفلسفة هذا التقليد الدقيق فلعله كان طبيعة قد جرت عليها في موقفها هذا بلا تكلف ولا اعتناء خاص ، وليس هذا ببعيد فانها صلوات ا لله عليها قد اعتادت ان تقلد اباها وتحاكيه في سائر


( 19 )


افعالها واقوالها ، ويحتمل ان يكون لهذه المشابهة المتقنة وجه آخر بأن كانت الحوراء قد عمدت في موقفها يومذاك الى تقليد أبيها في مشيه عن التفات وقصد فأحكمت التمثيل وأجادت المحاكاة ، فلم تكن لتخرم مشية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأرادت بهذا أن تستولي على المشاعر واحساس الناس وعواطف الجمهور بهذا التقليد الباهر الذي يدفع بأفكارهم الى سفر قصير ، وتجول لذيذ في الماضي القريب حيث عهد النبوة المقدس. والاُيام الضواحك التي قضوها تحت ظلال نبيهم الاُعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيكون في ارهاف هذه الاحساسات وصقلها صقلاً عاطفيا ما يمهد للزهراء الشروع في مقصودها. ويوطىء القلوب لتقبل دعوتها الصارخة واستجابة استنقاذها الحزين ، ونجاح محاولتها اليائسة أو شبه اليائسة.

* * *


ولذا ترىُ ان الراوي نفسه أثرت عليه هذه الناحية أيضاً من حيث يشعر أو لا يشعر ، ودفعه تأثره هذا الى تسجيلها فيما سجل من تصوير الحركة الفاطمية.
صرخة باركتها الزهراء ، ورعتها السماء فكانت عند اندلاعها محط الثقل الذي تركز عنده الحق المذبوح ، والمحاولة اليائسة التي شاعت حولها ابتسامات أمل استحالت بعد انتهائها الى عبوس مرير ، ويأس ثابت ، واستسلام فرضته حياة الناس الواقعة يومذاك.
ثورة لم تكن لتقصد بها الثائرة نتيجة لها على ما يطرد في الثورات الاخرى بقدر ما كانت تستهدف الى تثبيت الثورة لذاتها وتسجيلها فيما يسجله التأريخ في سطوره البارزة فكانت الثورة على هذا بنفسها تؤدي الغرض كاملاً غير منقوص ، وهذا ما وقع بالفعل وبه نفسر الحكم بنجاحها وان فشلت كما سنوضحه في موقع آخر من هذا الكتاب.


( 20 )

 


( 21 )

 

2
فـدك

( بمعناها الحقيقي )
«
بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين »




( قرين الزهراء )
أمير المؤمنين

 

( بمعناها الرمزي )
الحد الاُول : ( لفدك ) عدن
والحد الثاني : سمرقند
والثالث : أفريقية .
والرابع : سيف البحر مما يلي الجزر وارمينية .






( حفيد الزهراء )
الامام موسى بن جعفر




( 22 )


فدك : قرية في الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة وهي أرض يهودية في مطلع تأريخها المأثور. وكان يسكنها طائفة من اليهود ، ولم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على النصف من فدك وروي انه صالحهم عليها كلها.
وابتدأ بذلك تاريخها الاسلامي ، فكانت ملكا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنها مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ثم قدمها لابنته الزهراء ، وبقيت عندها حتى توفي أبوها ( صلى الله عليه وآله ) فانتزعها الخليفة الاُول ( رضي الله عنه ) ـ على حد تعبير صاحب الصواعق المحرقة ـ وأصبحت من مصادر المالية العامة وموارد ثورة الدولة يومذاك حتى تولى عمر الخلافة فدفع فدكا الى ورثة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبقيت فدك عند آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) الى أن تولى الخلافة عثمان بن عفان فاقطعها مروان بن الحكم على ما قيل ، ثم يهمل التاريخ أمر فدك بعد عثمان فلا يصرح عنها بشيء. ولكن الشيء الثابت هو ان أمير المؤمنين علياً انتزعها من مروان على تقدير كونها عنده في خلافة عثمان ـ كسائر ما نهبه بنو اُمية في أيام خليفتهم ـ .
وقد ذكر بعض المدافعين عن الخليفة في مسألة فدك أن علياً لم


( 23 )


يدفعها عن المسلمين بل اتبع فيها سيرة أبي بكر فلو كان يعلم بصواب الزهراء وصحة دعواها ما انتهج ذلك المنهج.
ولا أريد أن أفتح في الجواب بحث التقية على مصراعيه وأوجه بها عمل أمير المؤمنين ، وانما امنع ان يكون أمير المؤمنين (ع) قد سار على طريقة الصديق ، فان التأريخ لم يصرح بشيء من ذلك بل صرح بأن أمير المؤمنين كان يرى فدكاً لاُهل البيت ، وقد سجل هذا الرأي بوضوح في رسالته الى عثمان بن حنيف كما سيأتي.
فمن الممكن انه كان يخص ورثة الزهراء وهم أولادها وزوجها بحاصلات فدك وليس في هذا التخصيص ما يوجب اشاعة الخبر لأن المال كان عنده وأهله الشرعيون هو وأولاده كما يحتمل انه كان ينفق غلاتها في مصالح المسلمين برضى منه ومن اولاده عليهم الصلاة والسلام (1) بل لعلهم أوقفوها وجعلوها من الصدقات العامة.
ولما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة أمعن في السخرية وأكثر من الاستخفاف بالحق المهضوم فاقطع مروان بن الحكم ثلث فدك وعمر بن عثمان ثلثها ، ويزيد ابنه ثلثها الآخر ، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفت لعمر بن عبدالعزيز بن مروان فلما تولى هذا الامر رد فدكاً على ولد فاطمة عليها السلام وكتب الى واليه على المدينة أبي بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك فكتب اليه ان فاطمة عليها السلام قد ولدت في آل عثمان وآل فلان وفلان فعلى من أرد منهم ؟ فكتب اليه : أما بعد ، فاني لو كتبت اليك آمرك أن تذبح
____________
(1) وهذا أقرب الاحتمالات ، لان الاول تنفيه رسالة أمير المؤمنين الى عثمان بن حنيف اذ يقول : وسخت عنها نفوس آخرين. والثالث يبعده قبول الفاطميين فيما بعد لفدك عند ما أعطيت اليهم في فرص متباعدة.


( 24 )


بقرة لسألتني ما لونها فاذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام ، فنقمت بنو امية ذلك على عمر بن عبدالعزيز وعاتبوه فيه وقالوا له : هجنت فعل الشيخين وقيل : انه خرج اليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة فلما عاتبوه على فعله قال لهم انكم جهلتم وعلمت ونسيتم وذكرت ان أبا بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم حدثني عن أبيه عن جده ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطني ، ويرضيني ما أرضاها ، وان فدك كانت صافية على عهد أبي بكر وعمر ثم صار أمرها الى مروان فوهبها لعبدالعزيز أبي فورثتها أنا واخوتي عنه فسألتهم ان يبيعوني حصتهم منها فمن بائع وواهب حتى استجمعت لي فرأيت ان اردها على ولد فاطمة فقالوا له : فان أبيت الا هذا فامسك الاصل واقسم الغلة ، ففعل.
ثم انتزعها يزيد بن عبدالملك من أولاد فاطمة فصارت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.
فلما قام أبو العباس السفاح بالاُمر وتقلد الخلافة ردها على عبدالله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بني الحسن وردها المهدي بن المنصور على الفاطميين ثم قبضها موسى بن المهدي من أيديهم.
ولم تزل في أيدي العباسيين حتى تولى المأمون الخلافة فردها على الفاطميين سنة (210) وكتب بذلك الى قثم بن جعفر عامله على المدينة : أما بعد ، فان أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقرابة به أولى من استن بسنته وسلم لمن منحه منحة وتصديق عليه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته واليه في العمل بما يقربه اليه رغبته ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعطى فاطمة بنت رسول الله فدك وتصدق بها عليها وكان ذلك أمراً ظاهراً

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخطابية
انطباعات عن شخصية الإمام الهادي
دولة الامام علي (عليه السلام)
بني إسرائيل والموت
المذهب الحنفي
الشعائر الحسينية
الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع نافع مولى عمر
حبيب بن مظاهر الاسدي ومكانته عند الحسين (ع)
الهيـبَة في خِـلافَة عُـثمان
الإمام السجاد (عليه السلام) ومحمّد بن الحنفية

 
user comment