عربي
Friday 1st of November 2024
0
نفر 0

الاستماتة‌ والجزع‌ من‌ الموت‌في‌ ساحة‌ عاشوراء

مسالة‌ الموت‌ في‌ المسيرة‌ الحسينية‌:

مسالة‌ (الموت‌) وطريقة‌ التعامل‌ معه‌ من‌ ابرز العناصر التي‌ تدخل‌في‌ تكوين‌ ملحمة‌ الطف‌ في‌ يوم‌ عاشوراء.

وعاشوراء حدث‌ متميّز من‌ بين‌ الاحداث‌ الكبيرة‌ في‌ التاريخ‌ من‌هذه‌ الزاوية‌.

فقد اعلن‌ الحسين‌(ع) عند مغادرته‌ الحجاز اءلي‌ العراق‌: انه‌ سوف‌ يلقي‌مصرعه‌ في‌ هذه‌ الرحلة‌: «وخيّر لي‌ مصرع‌ انا لاقيه‌، كاني‌ باوصالي‌ تقطّعها عسلان‌الفلاة‌ بين‌ النواويس‌ وكربلاء».

ونعي‌ نفسه‌ اءلي‌ الناس‌، وطلب‌ منهم‌ ان‌ يبذلوا مهجهم‌ في‌ هذا السبيل‌،ويوطِّنوا معه‌ انفسهم‌ للقاء الله: «من‌ كان‌ باذلاً فينا مهجته‌ موطّناً علي‌ لقاء الله نفسه‌فليرحل‌ معنا».

وبدا خطابه‌ العجيب‌ هذا بتقديم‌ صورة‌ زاهية‌ جميلة‌ للموت‌، تمهيداًلدعوتهم‌ اءلي‌ ان‌ يبذلوا له‌ مهجهم‌، فقال‌(ع): «خط‌ّ الموت‌ علي‌ ولد ا´دم‌ مخط‌ّالقلادة‌ علي‌ جيد الفتاة‌».

وعلي‌ امتداد الطريق‌ اءلي‌ كربلاء كان‌ الحسين‌(ع) يصارح‌ الناس‌ويصارح‌ اصحابه‌ انهم‌ سائرون‌ اءلي‌ الموت‌ الذي‌ لابدّ منه‌، ولم‌ يكن‌ يشك‌في‌ ذلك‌ اصحاب‌ الحسين‌(ع) انهم‌ كانوا علي‌ يقين‌ من‌ هذا الامر مابعده‌يقين‌.

وكان‌ عذر مَن‌ يتخلّف‌ عن‌ نصرة‌ الحسين‌(ع) اءلي‌ الحسين‌: ان‌ّ نفسه‌ لاتطيب‌ بالموت‌، والشواهد علي‌ ذلك‌ كثيرة‌ في‌ مسيرة‌ الحسين‌(ع) اءلي‌كربلاء، وهذه‌ هي‌ الصفة‌ المميّزة‌ لحادثة‌ الطف‌.

فلسنا نجد او قلّما نجد في‌ قادة‌ الحركات‌ والثورات‌ مَن‌ يدعو الناس‌اءلي‌ الموت‌؛ اءنهم‌ يدعون‌ الناس‌ اءلي‌ الحركة‌ والثورة‌، ويطلبون‌ منهم‌ ان‌يكونوا علي‌ استعداد لتقديم‌ دمائهم‌ للثورة‌ كلما اقتضي‌ الامر.

اما الحسين‌(ع) فله‌ شان‌ ا´خر. اءنّه‌ لا يطلب‌ في‌ رحلته‌ هذه‌ فتحاًعسكرياً بالمعني‌ الذي‌ يتصوّره‌ الناس‌، واءنّما يريد ان‌ يقدم‌ علي‌ تضحية‌ماساوية‌ فريدة‌ في‌ التاريخ‌ يهزّ بها ضمير الاُمّة‌.

لقد وجد الحسين‌(ع) ان‌ بني‌ اُمية‌ تمكّنوا من‌ ترويض‌ اءرادة‌ الناس‌وتطويعهم‌ بعامل‌ الاءرهاب‌ والترغيب‌ وسلب‌ اءرادتهم‌، وفي‌ هذا الجوّحاول‌ بنو اُمية‌ ان‌ يستعيدوا قيم‌ ومواقع‌ الجاهلية‌ في‌ المجتمع‌ الاءسلامي‌الجديد، دون‌ ان‌ يجدوا مقاومة‌ تذكر من‌ ناحية‌ الاُمة‌، فكان‌ لابدّ من‌ هزّة‌قوية‌ لنفوس‌ الناس‌، تعيد اءليهم‌ اءرادتهم‌ السليبة‌، ولا تتم‌ هذه‌ الهزّة‌ القوية‌اءلاّ بتضحية‌ ماساوية‌ فريدة‌ في‌ التاريخ‌؛ فاعدّ الحسين‌(ع) اهل‌ بيته‌واصحابه‌ لمثل‌ هذا المشهد الماساوي‌، وانطلاقاً من‌ هذا الفهم‌ قلت‌: اءن‌ّهذه‌ الصفة‌ هي‌ الصفة‌ المميّزة‌ لحادث‌ الطف‌ من‌ الاحداث‌ الاُخري‌ في‌التاريخ‌.

ومن‌ اعظم‌ الخيانة‌ للتاريخ‌ ان‌ نجرّد (عاشوراء) من‌ هذه‌ الصفة‌المميّزة‌ لها، فلا يبقي‌ من‌ عاشوراء اءذا جرّدناها عن‌ (الاستماتة‌) وطلب‌الشهادة‌ اءلاّ ثورة‌ علي‌ النظام‌ الاُموي‌ غير متكافئة‌ مع‌ قوّة‌ الظلم‌، فلم‌ تنجح‌في‌ تحقيق‌ اهدافها كما كان‌ يتوقّع‌ ذلك‌ الذين‌ كانوا ينصحون‌ الحسين‌(ع)الاّ يخرج‌ اءلي‌ العراق‌، ولم‌ يكن‌ الحسين‌(ع) يتّهم‌ اُولئك‌ في‌ صدقهم‌في‌النصح‌.

لكن‌ الاءمام‌(ع) كان‌ يري‌ ما لا يرون‌، ويريد مالا يعرفون‌.

 

كيف‌ يواجه‌ الناس‌ الموت‌؟

للموت‌ شان‌ كبير في‌ تنظيم‌ حياة‌ الناس‌، والناس‌ امام‌ هذه‌ الظاهرة‌الطبيعية‌ من‌ سنن‌ الله مثال‌ القهرية‌ في‌ الحياة‌ طائفتان‌: طائفة‌ وهي‌ الاكثرية‌الساحقة‌ من‌ الناس‌ يجزعون‌ عن‌ مواجهة‌ الموت‌ ويهربون‌ منه‌. وطائفة‌وهي‌ الاقليّة‌ من‌ الناس‌ يتحدّون‌ الموت‌ ويشتاقون‌ اءليه‌ويستقبلون‌الموت‌.

ولهذه‌ الحالات‌: (الجزع‌ من‌ الموت‌، وتحدّي‌ الموت‌) شان‌ كبير في‌تنظيم‌ حياة‌ الناس‌ وتقرير مصيرهم‌، فالاُمّة‌ التي‌ تجزع‌ من‌ الموت‌ لاتحوج‌ الطغاة‌ والجبابرة‌ اءلي‌ جهد كبير لتطويقها وترويضها وتذليلهاوتعبيدها لاءرادتهم‌ وسلطانهم‌، فتتحول‌ حياتها اءلي‌ نوع‌ من‌ التبعية‌والانقياد للطاغية‌ والجبابرة‌ والطغاة‌، وبالتدريج‌ يفقدون‌ الوعي‌ والفطرة‌ومقومات‌ الحياة‌ الكريمة‌، وهذه‌ صورة‌ من‌ الحياة‌.

والاُمّة‌ التي‌ تملك‌ القدرة‌ علي‌ تحدّي‌ الموت‌ ولا تجزع‌ منه‌، وتملك‌القدرة‌ علي‌ تجاوز الموت‌ لا يمكن‌ ترويضها وتذليلها لاءرادة‌ الطغاة‌والجبابرة‌، ولا يمكن‌ مصادرة‌ اءرادتها ومقاومتها.

وهذه‌ صورة‌ ثانية‌ من‌ الحياة‌، وفيما يلي‌ نحاول‌ ان‌  نتوقف‌ بعض‌الوقت‌ عند هاتين‌ الحالتين‌:

 

الجزع‌ من‌ الموت‌:

الجزع‌ من‌ الموت‌ ظاهرة‌ واسعة‌ في‌ حياة‌ الناس‌، ولهذه‌ الظاهرة‌ ا´ثارواسعة‌ في‌ المجتمع‌ من‌ حيث‌ الحركة‌ والمقاومة‌، وهذه‌ الظاهرة‌ تستحق‌ان‌ نتوقف‌ عندها وننظر فيها، وفيما يلي‌ نستعرض‌ اءن‌ شاء الله تعالي‌:

اسباب‌ هذه‌ الظاهرة‌ اوّلاً.

وا´ثارها واعراضها السلبية‌ في‌ المجتمع‌ ثانياً.

والوسائل‌ التربوية‌ المفيدة‌ لعلاج‌ هذه‌ الحالة‌ في‌ نفوس‌ الناس‌ ثالثاً.

 

 

 

اسباب‌ الجزع‌ من‌ الموت‌:

(التعلّق‌ بالدنيا) من‌ اهم‌ّ اسباب‌ الجزع‌ من‌ الموت‌، ولو ان‌ّ اءنساناًيعيش‌ في‌ الدنيا كما يعيش‌ الناس‌، ويتمتع‌ بطيباتها كما يتمتع‌ الناس‌،ولكن‌ قلبه‌ لا يتعلق‌ بالدنيا ولا يخيفه‌ الموت‌ ولا يخرج‌ منه‌ اءذا حل‌ّ به‌.وسوف‌ نتحدث‌ عن‌ هذه‌ النقطة‌ فيما ياتي‌ اءن‌ شاء الله.

ومن‌ اسباب‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ ايضاً سوء الاءعداد للا´خرة‌، فيجزع‌الاءنسان‌ من‌ ان‌ يقدم‌ علي‌ مرحلة‌ جديدة‌ من‌ حياة‌ خالدة‌ لا تفني‌، وهو لم‌يعدّ لها في‌ حياته‌ الدنيا اءعداداً كافياً، واءلي‌ هذا المعني‌ تشير الا´ية‌ الكريمة‌مخاطبة‌ اليهود الذين‌ كانوا يعتقدون‌ ان‌ّ الله يؤثرهم‌ علي‌ غيرهم‌ من‌ الاُمم‌،وانّهم‌ اولياء الله من‌ دون‌ سائر الناس‌: ( قُل‌ يَا أَيُّهَا الَّذِين‌َ هَادُوا اءِن‌ زَعَمْتُم‌ْ أَنَّكُم‌ْأَوْلِيَاءُ لِلَّه‌ِ مِن‌ دُون‌ِ النَّاس‌ِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْت‌َ اءِن‌ كُنتُم‌ْ صَادِقِين‌َ* وَلاَ يَتَمَنَّوْنَه‌ُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَت‌ْأَيْدِيهِم‌ْ وَاللَّه‌ُ عَلِيم‌ٌ بِالظَّالِمِين‌َ).

وقد روي‌ في‌ هذا المعني‌' عن‌ الاءمام‌ الصادق‌(ع): «من‌ احب‌ّ الحياة‌ذل‌ّ».

وتحليل‌ هذه‌ الرواية‌ وتفسيرها: ان‌ّ حب‌ الدنيا والتعلّق‌ بها من‌ اسباب‌الجزع‌ من‌ الموت‌، وهما وجهان‌ لقضية‌ واحدة‌، فمن‌ احب‌ الدنيا جزع‌ من‌الموت‌، وبينهما نسبة‌ طردية‌ دائماً، وهذه‌ هي‌ المعادلة‌ الاُولي‌.

والمعادلة‌ الثانية‌: ان‌ّ مَن‌ يجزع‌ من‌ الموت‌ يذل‌ّ؛ لانه‌ لا يملك‌ القدرة‌علي‌ اتخاذ الموقف‌ والقرار الصعب‌، واءذا عجز الاءنسان‌ عن‌ اتخاذ الموقف‌والقرار الصعب‌ كان‌ ا´لة‌ طيّعة‌ للمستكبرين‌، وتبعاً لهم‌ في‌ الموقف‌والقرار، وهذا هو الذل‌ّ الذي‌ يحدّثنا عنه‌ الاءمام‌ الصادق‌(ع) في‌ هذه‌الرواية‌.

وهو اختبار دقيق‌ لدرجة‌ اءعداد الاءنسان‌ للا´خرة‌ في‌ الدنيا، فكلّما كان‌هذا الاءعداد اكثر وافضل‌ كان‌ جزع‌ الاءنسان‌ من‌ الموت‌ اقل‌ّ.

قال‌ رجل‌ لابي‌ذرّ ؛: مالنا نكره‌ الموت‌؟ قال‌: لانكم‌ عمّرتم‌ الدنياوخرّبتم‌ الا´خرة‌، فتكرهون‌ ان‌ تنتقلوا من‌ عمران‌ اءلي‌ خراب‌.

قيل‌ له‌: فكيف‌تري‌ قدومنا علي‌ الله؟ قال‌: امّا المحسن‌ فكالغائب‌يقدم‌ علي‌ اهله‌، واما المسي‌ء فكالا´بق‌ يقدم‌ علي‌ مولاه‌.

قيل‌: فكيف‌تري‌ حالنا عند الله؟

قال‌: اعرضوا اعمالكم‌ علي‌ كتاب‌ الله تبارك‌ وتعالي‌: ( اءِن‌َّ الاَبْرَارَ لَفِي‌نَعِيم‌ٍ*  وَاءِن‌َّ الْفُجَّارَ لَفِي‌ جَحِيم‌ٍ).

قال‌ الرجل‌: فاين‌ رحمة‌ الله؟ قال‌: اءن‌ّ رحمة‌ الله قريب‌ من‌المحسنين‌.

وروي‌ في‌ هذا المعني‌ ان‌ّ احدهم‌ سال‌ الاءمام‌ الحسن‌(ع): ما بالنا نكره‌الموت‌ ولا نحبّه‌؟ فقال‌(ع): «اءنّكم‌ اخربتم‌ ا´خرتكم‌، وعمّرتم‌ دنياكم‌، فانتم‌تكرهون‌ النقلة‌ من‌ العمران‌ اءلي‌ الخراب‌».

 

الموقف‌:

ومن‌ المؤكد ان‌ القوّة‌ والشجاعة‌ والاءقدام‌ احد العنصرين‌ اللذين‌يتكون‌ منهما الموقف‌، فاءن‌ّ مقوّمات‌ الموقف‌ امران‌: الوعي‌ السياسي‌،والقوة‌ والشجاعة‌، فاءذا كان‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ يضعف‌ الاءنسان‌ فهو لامحالة‌ يفقده‌ القدرة‌ علي‌ اتخاذ الموقف‌ العملي‌ في‌ القضايا الصعبة‌، وقيمة‌الاءنسان‌ في‌ساحة‌ المواجهة‌ والصراع‌ ليس‌ في‌ النيّة‌ وعقد القلب‌ واءنما في‌الموقف‌، وقد كان‌ كثير من‌ المسلمين‌ في‌ عصر الحسين‌(ع) لا يرتضون‌يزيد واعماله‌، ويكرهونه‌ اشدّ الكره‌، ولكن‌ الحسين‌(ع) حوّل‌ هذه‌الكراهية‌ وهذا الرفض‌ اءلي‌ موقف‌ عملي‌، وهذه‌ هي‌ قيمة‌ عمل‌ الاءمام‌الحسين‌(ع).

الموقف‌ هو تجسيد الراي‌ في‌ فعل‌ يبرز انتماء صاحبه‌ اءلي‌ هذا الراي‌،ويحقّق‌ دفاع‌ صاحبه‌ عن‌ رايه‌.

اءن‌ّ الناس‌ جميعاً لا يرضون‌ الظلم‌، ولكن‌ هناك‌ مَن‌ يبرز هذا الرفض‌في‌ فعل‌ ويعبّر به‌ عن‌ رفضه‌، وهذا الفعل‌ قد يكون‌ الخروج‌ عن‌ الطاعة‌،وقد يكون‌ الثورة‌، وقد يكون‌ التظاهر والاعتصام‌.

ومن‌ الطبيعي‌ ان‌ّ الرفض‌ وحده‌ لا يكلّف‌ الاءنسان‌ شيئاً، واءنما الموقف‌هو الذي‌ يكلّف‌ الاءنسان‌ ويثقل‌ كاهله‌، فالموقف‌ هو الذي‌ يتطلب‌الضريبة‌، وصاحب‌ الموقف‌ هو الذي‌ يدفع‌ الضريبة‌، ولكن‌ لابدّ ان‌ نقول‌:اءن‌ّ صاحب‌ الراي‌ السلبي‌ والرفض‌ لا يغيّر مجري‌ التاريخ‌، واءنما يغيّرمجري‌ تاريخ‌ صاحب‌ الموقف‌، والرفض‌ والكراهية‌ النفسية‌ لا يحرّك‌الناس‌  واءنما الموقف‌ هو الذي‌ يحرّك‌ الناس‌.

واخيراً فاءن‌ّ المواجهة‌ والصراع‌ يعني‌ الموقف‌.

 

انقلاب‌ اللاموقف‌ اءلي‌ الموقف‌ المضاد:

اءن‌ّ مسالة‌ الصراع‌ لا تتحمّل‌ (اللاموقف‌)، فاءذا لم‌ يتحمّل‌ الاءنسان‌الموقف‌ الصعب‌ وضعف‌ عن‌ اتخاذ موقف‌ الحق‌ فلا يمكن‌ ان‌ يبقي‌ من‌دون‌ موقف‌ اءلي‌ الاخير، واءنّما ينقلب‌ اللاموقف‌ في‌ حياته‌ اءلي‌موقف‌مضاد.

والسبب‌ في‌ انقلاب‌ اللاموقف‌ اءلي‌ الموقف‌ المضاد هو السبب‌ في‌انقلاب‌ الموقف‌ اءلي‌ اللاموقف‌ وهو الجزع‌ من‌ الموت‌.

فاءن‌ّ الجزع‌ من‌ الموقف‌ اءذا كان‌ يدعو الاءنسان‌ اءلي‌ التخاذل‌ من‌ الحق‌اءيثاراً للعافية‌؛ فاءن‌ الطاغية‌ لا يتركه‌ اءلي‌ الاخير عنصراً غير ذي‌ لون‌، واءنمايصبغه‌ بصبغته‌ ويسوقه‌ اءلي‌ جانبه‌، ونفس‌ السبب‌  الذي‌ اعجزه‌ عن‌ اتخاذالموقف‌ الحق‌ يعجزه‌ عن‌ الامتناع‌ من‌ الانحدار اءلي‌ الباطل‌، وبذلك‌ يتم‌تصنيفه‌ في‌ جهة‌ الباطل‌، فاءن‌ّ ساحة‌ الصراع‌ ـ كما ذكرنا ـ لا تترك‌ الاءنسان‌من‌ دون‌ تصنيف‌، فاءن‌ لم‌ يبادر الاءنسان‌ ليُصنّف‌ نفسه‌ ضمن‌ جبهة‌ الحق‌الذي‌ يؤمن‌ به‌؛ فاءن‌ّ الساحة‌ تُصنّفه‌ ضمن‌ الخط‌ الحاكم‌، فيكون‌ عندئذٍ من‌جند الطاغية‌ واءن‌ كان‌ قلبه‌ ورايه‌ في‌ اتجاه‌ معاكس‌.

وهنا ينشطر الاءنسان‌ شطرين‌ متعاكسين‌: رايه‌ (عقله‌)، وعاطفته‌(قلبه‌) في‌ اتجاه‌ الحق‌، وموقفه‌ وموضعه‌ الرسمي‌ (اءرادته‌) المعلن‌ في‌اتجاه‌ الباطل‌.

وهذه‌ هي‌ ظاهرة‌ انفلاق‌ الشخصية‌؛ حيث‌ تنشطر شخصية‌ الاءنسان‌اءلي‌ شطرين‌ متخالفين‌: فيفقد الاءنسان‌ الانسجام‌ في‌ شخصيته‌، ويتضارب‌ظاهره‌ مع‌ باطنه‌.

 

سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ ايمانكم‌:

وهذا المفهوم‌ يطرحه‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) علي‌ جند ابن‌ زياد في‌كربلاء يوم‌ عاشوراء: «سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ ايمانكم‌». وهذا السيف‌ الذي‌يذكره‌ الاءمام‌ هو القوّة‌ والقدرة‌ والسلطان‌. والاءسلام‌ هو الذي‌ اعطاهم‌ هذاالسلطان‌. لقد كانوا اُمّة‌ ضعيفة‌ معزولة‌ في‌ الصحراء، فاعطاهم‌ رسول‌الله(ص)هذه‌ القوّة‌ وهذا السلطان‌ بايمانهم‌، فهذا السلطان‌ لرسول‌ الله ولمَن‌ ا´من‌برسول‌ الله، واخلص‌ وسار علي‌ خط‌ رسول‌ الله، ومَن‌ مع‌ رسول‌ اللهواهل‌بيته‌، كما صرّح‌ به‌(ص) في‌اكثر من‌ موقف‌، وهذا هو المعني‌ الاوّل‌لكلمة‌ (سيفاً لنا في‌ ايمانكم‌)، والمعني‌' الذي‌ يستتبع‌ المعني‌ الاول‌: ان‌ هذاالسيف‌ الذي‌ جعلناه‌ في‌ ايمانكم‌ لابدّ ان‌ تقاتلوا به‌ اعداءنا واعداءكم‌،ولكنّكم‌ وضعتم‌ هذا السيف‌ فينا نحن‌ ابناء رسول‌ الله وخلفاؤه‌، ووظّفتم‌هذا السيف‌ في‌ خدمة‌ اعدائنا.

وهذا هو التشخيص‌ الدقيق‌ الذي‌ قدّمه‌ الفرزدق‌ عن‌ اهل‌ الكوفة‌عندما ساله‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) عمّا وراءه‌ فقال‌: قلوبهم‌ معك‌ وسيوفهم‌عليك‌، فاءن‌ّ اهل‌ الكوفه‌ كانوا في‌ الاغلب‌ علويين‌، وقلوب‌ العلويين‌كانت‌ مع‌ الحسين‌، ولكن‌ سيوفهم‌ انقلبت‌ عليه‌(ع)، وكثير من‌ الذين‌خرجوا في‌ جيش‌ ابن‌ زياد لقتال‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع)، كانوا يحبّون‌ الحسين‌،وكانوا من‌ الذين‌ كتبوا اءليه‌ يطلبون‌ منه‌ ان‌ ياتيهم‌.

والاءنسان‌ راي‌ (عقل‌) وعاطفة‌ (قلب‌) حب‌ وبغض‌ وموقف‌ (اءرادة‌)وهذه‌ الثلاثة‌ عندما تكون‌ منسجمة‌ ومتكاملة‌ يكون‌ الاءنسان‌ قوياً، فاءذاتخالفت‌ وتضاربت‌ ضعف‌ الاءنسان‌، واصبح‌ بذلك‌ اداة‌ طيّعة‌ بيد الطغاة‌.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشبهات المثارة حول المكّي والمدني
الأزمة الحضارية في عالمنا المعاصر
مرجعية الإمام أمير المؤمنين (ع) العلمية
التفسير في عصر الصحابة والتابعين
الأوقاف العامة عند الشيعة
تاریخ ابی جعفر محمد بن علی التقی الجواد الامام ...
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
الصبر في القرآن الكريم
حجّ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)
تقييم الموازين والمقاييس التي أوجدها علماء دولة ...

 
user comment