عربي
Saturday 29th of June 2024
0
نفر 0

حجّ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)

حجّ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)

 

كان الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السلام) إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى الله وأناب إليه وتظهر عليه آثار الخشوع والطاعة، وقد روى مولاه أفلح قال: حججْت مع أبي جعفر محمّد الباقر فلمّا دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له:

بأبي أنت وأُمّي أنّ الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلاً.

فلم يعن به الإمام وراح يقول:

«ويحك يا أفلح إنّي أرفع صوتي بالبكاء لعلّ الله ينظر إليّ برحمته فأفوز به غداً...» .

ثمّ إنّه طاف البيت، وجاء حتى ركع خلف المقام، فلمّا فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلّ من دموع عينيه([1]) ، وحجّ(عليه السلام) مرّة وقد احتفّ به الحُجّاج، وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أُمور دينهم، والإمام يجيبهم، وبهر الناس من سعة علومه، وأخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه فانبرى إليهم شخص من أصحابه فعرّفه لهم قائلاً: ألا إنّ هذا باقر علم الرسل، وهذا مبيّن السبل، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغراء العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمّد و خديجة وعليّ وفاطمة، هذا منار الدين القائمة...»([2]) .

ولم تذكر المصادر التي بأيدينا عدد حجّاجه إلى بيت الله الحرام.

ولقد كان الإمام (عليه السلام) يناجي الله تعالى في غلس الليل البهيم، وكان ممّا قاله في مناجاته:

«أمرتني فلم أئتمر، وزجرتَني فلم أنزجر،ها أنذا عبدك بين يديك»([3]) .

ويقول المؤرخون: «إنّه كان دائم الذكر لله، وكان لسانه يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدّث القوم، وما يشغله ذلك عن ذكر الله تعالى، وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس كما كان يأمرهم بقراءه القرآن، ومَن لا يقرأ منهم أمره بذكر الله»([4]) .

 


 

حجّ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)

 

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، يستقبل السفر الى حجّ بيت الله الحرام، بشوق بالغ، ورغبة ملحة، وذلك لما يترتب على هذه العبادة من الثمرات والفوائد، البالغة الأهمية، فإن الحجّ، أهم مؤتمر اسلامي، يلتقي فيه المسلمون، من شتى أقطار الأرض لأداء فريضة الحج، وعرض قضاياهم المصيرية، وما ألمّ بهم من أحداث وشؤون.

وكان الإمام الصادق(عليه السلام)، بحسب مركزه الروحي، الزعيم الأعلى للعالم الإسلامي فكانت وفود بيت الله الحرام، تتشرف بلقياه، لأنه بقية النبوة والإمامة فتأخذ منه معالم دينها، ومناسك حجّها، وقد قام(عليه السلام)بدور إيجابي، في بيان أكثر مسائل الحجّ وفروعه، ويقول الرواة: إنه لولاه ولولا أبوه الإمام الباقر(عليه السلام) من قبل لما عرف المسلمون مناسك حجهم. وقد دونت تلك المسائل، في كتب الحديث، وموسوعات الفقه الإستدلالي، وبالإضافة لذلك، فقد قام الإمام(عليه السلام)بدور مهم في إبطال أوهام الملحدين، الذين كانوا يفدون الى بيت الله الحرام، في موسم الحجّ، لإفساد عقائد المسلمين، أمثال عبد الكريم بن أبي العوجاء، وجماعته، فقد تصدى لهم الإمام وأبطل جميع شبههم، وأوهامهم.

وقد أثرت عن الامام الصادق(عليه السلام)، كوكبة مشرقة من الأدعية الجليلة، في حال سفره من بيته الى حال فراغه من مناسك الحجّ، وفي ما يلي بعض تلك الأدعية.

 

1 ـ دعاؤه في الخروج الى السفر

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، إذا أراد الخروج الى السفر، لبيت الله الحرام دعا، بهذا الدعاء، وقد علمه الى أبي سعيد المكاري، وهذا نّصه:

«اللّهم، إني خرجت في وجهي هذا، بلا ثقة مني لغيرك، ولا رجاء آوي إليه إلاّ إليك، ولا قوة أتكل عليها، ولا حيلة ألجأ إليها إلاّ طلب فضلك، وإبتغاء رزقك، وتعرضاً لرحمتك، وسكوناً الى حسن عادتك، وأنت أعلم بما سبق لي، في علمك في سفري هذا، مما أُحب أو أكره، فإنّ ما وقعتُ عليه، يا ربُّ، من قدرك فمحمودٌ فيه بلاؤك، ومتضح عندي فيه قضاؤك، وأنت تمحو ما تشاء، وتثبت، وعندك أم الكتاب.

اللّهم، فاصرف عنِّي مقادير كلِّ بلاء، ومقضيّ كل لأواء، وابسط عليّ كنفاً من رحمتك، ولطفاً من عفوك، وسعة من رزقك، وتماماً من نعمتك، وجماعاً من معافاتك، وأوقع عليّ فيه جميع قضائك، على موافقة جميع هواي، في حقيقة أحسن عملي، ودفع ما أحذر فيه، وما لا أحذر على نفسي، وديني، ومالي، ممّا أنت أعلم به مني، واجعل ذلك خيراً لآخرتي، ودنياي، مع ما أسالك، يا ربُّ أن تحفظني، فيما خلّفت ورائي، من أهلي، وولدي، ومالي ومعيشتي، وحزانتي، وقرابتي، وإخواني، بأحسن ما خلّفت به غائباً من المؤمنين في تحصين كلّ عورة، وحفظ من كل مضيعة، وتمام كلِّ نعمة، وكفاية كل مكروه، وستر كل سيئة، وصرف كلّ محذور، وكمال كلّ ما يجمع لي الرضا والسرور في جميع أُموري، وافعل ذلك بي، بحقّ محمد وآل محمد، وصلّ على محمد، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته...»([5]).

ويمثل هذا الدعاء الجليل، صرحاً من صروح الإيمان، الذي أقامه سليل النبوة، للمتقين والمنيبين، فقد أرشدهم الى التمسك، والإعتصام بالله في جميع شؤونهم، وأُمورهم، وأنّ غير الله وهمٌ وسرابٌ.

ومن الجدير بالذكر أن هذا الدعاء يدعى به في كل سفر سواء، الى بيت الله الحرام أو غيره.

 

2 ـ دعاء آخر في السفر لبيت الله

وأوصى الإمام الصادق(عليه السلام) تلميذه الفقيه معاوية بن عمار، أن يدعو بهذا الدعاء إذا أراد السفر للحجّ والعمرة، وهذا نصّه:

«لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، لا إله الله العليُّ العظيم، سبحان الله ربّ السماوات السبع، وربّ الأرضين السّبع، وربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين.

اللّهم كن لي جاراً، من كلّ جبّار عنيد، ومن كلّ شيطان رجيم مريد.

بسم الله دخلتُ، وبسم الله خرجت وفي سبيل الله، اللّهم; إنّي أقدّم بين يديّ، نسياني وعجلتي، بسم الله، ما شاء الله، في سفري هذا ذكرته، أو نسيته، اللّهم، أنت المستعان على الأُمور كلّها، وأنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللّهمّ; هوّن علينا سفرنا، واطو لنا الأرض، وسيّرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك، اللّهمّ، أصلح لنا ظهرنا، وبارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار.

اللّهمّ; إنّي أعوذ بك، من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد، اللّهمَّ، أنت عضدي، وناصري، بك أحلّ وبك أسير، اللّهم، إني أسألك في سفري هذا، السّرور والعمل; لما يرضيك عني، اللّهمّ، اقطع عني بعده ومشقّته، واصحبني فيه، واخلفني في أهلي بخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

اللّهمّ، إنّي عبدك، وهذه جمالاتك، والوجه وجهك، والسفر إليك، وقد اطّلعت على ما لم يطّلع عليه أحد غيرك، فاجعل سفري هذا كفارة، لما قبله، من ذنوبي، وكن عوناً لي عليه، واكفني وعثه ومشقته، ولقنّي من القول والعمل رضاك فإنّما أنا عبدك، وبك ولك»([6]).

وحفل هذا الدعاء بتوحيد الله والثناء عليه، بما هو أهله، وبالاستعاذة به تعالى من كل جبار عنيد، وشيطان رجيم، كما حفل بالطلب من الله العون والمساعدة على وعثاء السفر، ومشقة الطريق، وأن يرزقه رضاه وعفوه، وغفرانه.

 

3 ـ دعاؤه عند ركوب راحلته

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، إذا اعتلى راحلته للسفر، الى بيت الله الحرام، دعا بهذا الدعاء:

«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، والله أكبر،...وإذا استوى على راحلته. قال: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلّمنا القرآن، ومنّ علينا بمحمد(صلى الله عليه وآله)، سبحان الله، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنّا له مقرنين، وإنّا الى ربنا لمنقلبون، والحمد لله ربّ العالمين، اللّهم، أنت الحامل على الظهر، والمستعان على الأمر، اللّهمّ، لا طير إلاّ طيرك، ولا خير إلاّ خيرك، ولا حافظ غيرك...»([7]).

 

4 ـ دعاؤه في أثناء المسير

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، في أثناء مسيره في السفر، الى بيت الله الحرام، يمجد الله، ويلهج بذكره، وكان يدعو بهذا الدعاء:

«اللّهمّ، إنّي أسألك لنفسي اليقين، والعفو، والعافية، في الدّنيا والآخرة، اللّهمَّ، أنت ثقتي ورجائي، وأنت عضدي، وأنت ناصري، بك أحلُّ وبك أسير...»([8]).

وحكى هذا الدعاء، مدى اعتصام الإمام(عليه السلام) بالله تعالى، وإلتجائه إليه في جميع شؤونه.

 

5 ـ دعاؤه عند باب المسجد الحرام

وكان الإمام الصادق(عليه السلام)، إذا انتهى الى مكة المكرمة، قصد البيت الحرام، ليطوف حول الكعبة، وكان يقف عند باب البيت المعظم، ويدعو بهذا الدعاء، وقد رواه عنه الثقة أبو بصير، وهذا نصّه:

«بسم الله، وبالله، ومن الله، وما شاء الله، وعلى ملّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وخيرُ الأسماء لله، والحمد لله، والسلام على رسول الله، السلام على محمد بن عبد الله، السلام عليك، أيّها النبي ورحمة وبركاته، السّلام على أنبياء الله ورسله، السّلام على إبراهيم خليل الرّحمن، السّلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، السّلام علينا، وعلى عباد الله الصّالحين، اللهمّ صلّ على محمد، عبدك ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك، وعلى أنبيائك ورسلك، وسلّم عليهم، وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

اللّهمّ، افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني في طاعتك، واحفظني بحفظ الإيمان، أبداً، ما أبقيتني، جلّ ثناء وجهك، الحمد لله الذي جعلني من وفده وزوّاره، وجعلني ممّن يعمُر مساجدَه، وجعلني ممّن يناجيه.

اللّهمّ، إني عبدك، وزائرك في بيتك، وعلى كلّ مأتيٍّ حقُّ لمن أتاه وزاره، وأنت خير مأتيّ، وأكرم مزور، فأسألك، يا الله، يا رحمن وبأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت، وحدك لا شريك لك، وبأنّك واحدٌ صمدٌ، لم تلد، ولم تولد، ولم يكن لك كفواً أحد، وأنّ محمداً صلّى الله عليه وآله عبدك ورسولك، وعلى أهل بيته([9]). يا جواد يا كريم، أسألك أن تجعل تحفتك إيّاي، بزيارتي إيّاك، أوّل شيء تعطيني فكاك رقبتي من النّار، اللّهمّ، فكّ رقبتي من النّار، اللّهمّ فكّ رقبتي من النّار، اللّهمّ فكّ رقبتي من النّار، أوسع عليَّ من رزقك الحلال الطيّب، وادرأ عنّي شرّ شياطين الإنس والجنِّ، وشرَّ فسقة العرب والعجم..»([10]).

 

6 ـ دعاؤه عند دخول المسجد الحرام

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، إذا دخل البيت الحرام، دخله بسكينة، وخشوع، ووقار، وقد أوصى بذلك تلميذَه الفقيه معاوية بن عمار، وقال له: من دخله، ـ البيت الحرام - بخشوع غفر الله له، فقال له عمار: ما الخشوع؟ قال(عليه السلام): السكينة، لا تدخل بتكبر، وأمره بالدعاء التالي عند باب المسجد:

«السّلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، بسم الله، وبالله، ومن الله، وما شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورسله، والسّلام على رسول الله(صلى الله عليه وآله)والسلام على إبراهيم خليل الله، والحمد لله ربّ العالمين».

وقال له: إذا دخلت المسجد، فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل:

«اللّهمّ، إنّي أسألك في مقامي هذا، في أوّل مناسكي، أن تقبل توبتي، وأن تتجاوز عن خطيئتي، وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلّغني بيته الحرام.

اللّهمّ، إنّي أشهد أنّ هذا بيتك الحرام، الذي جعلته مثابةً للنّاس، وأمناً ومباركاً، وهدىً للعالمين.

اللّهمّ، إنّي عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأروم طاعتك، مطيعاً لإمرك، راضياً بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، الخائف لعقوبتك، اللّهمّ، افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك..»([11]).

ويمثل هذا الدعاء مدى إنابته الى الله، وانقطاعه إليه، فهو الذي وضع المناهج العليا لمناسك الحجّ، وأرشد المسلمين الى أفضل الطرق في أداء هذه العبادة.

 

7 ـ دعاؤه حول الكعبة

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، يستقبل الكعبة المعظمة بالخشوع وذكر الله. وقد روى ذريح ما شاهده من الإمام، وما سمعه من دعائه قال: رأيت الإمام عند الكعبة، وهو ساجدٌ، يقول:

«لا يرد غضبك إلا حلمك، ولا يجير من عذابك إلاّ رحمتك، ولا ينجي منك إلاّ التضرع إليك، فهب لي يا إلهي، فرجاً بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد، وبها تنشر ميت البلاد، ولا تهلكني يا إلهي حتّى تستجيب لي دعائي وتعرّفني الإجابة.

اللّهمّ; ارزقني العافية الى منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدّوي، ولا تمكّنه من عنقي، من ذا الذي يرفعني إن وضعتني؟ ومن ذا الذي يضعني إن رفعتني؟ وإن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك، أو يسألك عن أمره، فقد علمت يا إلهي، أنّه ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، إنّما يعجل من يخاف الفوت، ويحتاج الى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك.

إلهي فلا تجعلني للبلاء غرضاً، ولا لنقمتك نصباً، وأمهلني ونفسي، وأقلني عثرتي، ولا تردّ يدي في نحري، ولا تتبعني ببلاء، فقدترى ضعفي، وتضرعي إليك، ووحشتي من النّاس، وأنسي بك، أعوذ بك اليوم فأعذني، وأستجير بك فأجرني، وأستعين بك على الضراء فأعنيّ، وأستنصرك فانصرني، وأتوكّل عليك فاكفني، وأومن بك فآمنّي، وأستهدي بك فاهدني، وأسترحمك فارحمني، وأستغفرك ممّا تعلم فاغفر لي، وأسترزقك من فضلك الواسع، فارزقني، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم...»([12]).

لقد إتجه الإمام(عليه السلام)، بمشاعره وعواطفه نحو الله تعالى، وناجاه بإيمان لا حدود له، وقد طلب منه أجلّ وأسمى ما يطلبه المتّقون، والعارفون، فقد طلب منه خير الدنيا وخير الآخرة.

 

8 ـ دعاؤه عند دخول الكعبة

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، يهتم إهتماماً بالغاً، في الدّخول الى الكعبة المعظمة، وقد عهد الى تلميذه الفقيه، معاوية بن عمار، أن لا يدخلها إلاّ حافياً، ويقول عند الدخول: اللهم إنك قلت: ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)فآمنّي من عذاب النار، كما أمره بالصلاة ركعتين بين الاسطوانتين على الحمراء، ويقرأ في الركعة الأولى (حم السجدة) وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ويصلي في زواياها ويقول:

«اللّهمّ، من تهيأ، أو تعبأ، أو أعدّ، أو استعدّ لوفادة الى مخلوق رجاء، رفده وجائزته، ونوافله وفواضله، فإليك يا سيدي; تهيئتي، وتعبئتي، واستعدادي،رجاء رفدك، ونوافلك، وجائزتك، فلا تخيّب اليوم رجائي، يا من لا يخيب سائله، ولا ينقص نائله، فإنّي، لم آتك اليوم، بعمل صالح قدّمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، ولكني أتيتك مقرّاً بالذنوب والإساءة على نفسي، فإنه لا حجة لي، ولا عذر، فأسألك يا من هو كذلك، أن تصلّي على محمد وآله، وتعطيني مسألتي، وتقيلني عثرتي، وتقبلني برغبتي، ولا تردّني مجبوهاً ممنوعاً، ولا خائباً، يا عظيم، يا عظيم، يا عظيم، أرجوك يا عظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم، يا عظيم، لا إله إلاّ أنت..»([13]).

أرأيتم سيد العارفين والمتقين، كيف يتذلل أمام الخالق العظيم؟ لقد علمنا كيف نخاطب الله تعالى؟ وكيف ندعوه ونتوسل إليه؟

 

9 ـ دعاؤه عند الحجر الأسود

أما بداية الطواف حول البيت المعظم، فمن الحجر الأسود، وقد أثرت عن الإمام الصادق(عليه السلام)، بعض الأدعية، التي كان يدعو بها حول هذا الحجر المقدس، وهي كما يلي:

أ ـ روى الفقيه، معاوية بن عمار، عن الإمام ا لصادق(عليه السلام)، أنه قال إذا دنوت من الحجر الأسود، فارفع يديك، واحمد الله، واثن عليه، وصلّ على النبي(صلى الله عليه وآله)واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع ]أن[ تقبّله، فاستلمه بيدك، فان لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل:

«اللّهمّ، أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهمّ، تصديقاً بكتابك، وعلى سنّة نبيك، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، آمنت بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللاّت والعزّى، وعبادة الشيطان، وعبادة كلّ ندّ يدعى من دون الله...»

وأضاف الإمام(عليه السلام) قائلاً: فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقال:

«اللّهمّ، إليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل مسحتي، واغفر لي وارحمني، اللّهمّ، إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر، ومواقف الخزي، في الدنيا والآخرة...»([14]).

ب: روى أبو بصير الثقة الجليل عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: إذا دخلت المسجد الحرام، فَامش حتى تدنو من الحجر الأسود، فتستلمه، وتقول:

«الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ اللهُ، والله أكبر، أكبر من خلقه، وأكبر ممّن أخشى وأحذر، ولا إله إلاّ الله، وحدهُ لا شريكَ لهُ، لَهُ الملك، وله الحمد يحيي ويميتُ، ويميتُ ويحيي بيده الخير، وهو على كل شيء قديرٌ..».

ثم أمره بالصلاة على النبي وآله، والسلام على المرسلين، والقول بعد ذلك: «إنّي أُومن بوعدك، وأوفي بعهدك...»([15]).

 

10 ـ دعاؤه عند الطواف

وعلَّم الإمام الصادق(عليه السلام)، تلميذه  الفقيه معاوية بن عمار، الدعاء الذي يدعو به في حال طوافه، قائلاً: طف بالبيت سبعة أشواط، وتقول في الطواف:

«اللّهمَّ، إني أسألك باسمك الذي يُمشى به على ظلل([16]) الماء، كما يُمشى به على جدد الأرض، وأسألك باسمك، الذي يهتزّ له عرشك، وأسألك باسمك، الذي تهتز له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك، الذي دعاك به موسى من جانب الطور، فاستجبت له، وألقيت عليه محبّةً منك، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد، ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأتممت عليه نعمتك...».

ثم تسأل حاجتك...وكلما انتهيت الى باب الكعبة فصلّ على النبي وآله وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود:

«ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار».

وقل في الطواف:

«اللّهمّ، إني إليك فقيرٌ، وإني خائف مستجير، فلا تغيّر جسمي، ولا تبدّل إسمي...»([17]) .

 

11 ـ دعاؤه عند الصفا

وروى الفقيه الجليل، معاوية بن عمار، عن الإمام الصادق(عليه السلام)، الدعاء الذي يدعو به عند الصفا، فقد قال: اصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد الله عزّ وجلّ واثن عليه، ثم اذكر من آلائه، وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثم كبّر الله سبعاً، واحمده سبعاً وقل:

«لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

وتقول ذلك ثلاث مرات ثم صل على النبي وآله وقل:

الله أكبر، الحمد لله على ما هدانا، الحمد لله على ما أولانا، الحمد لله الحيِّ القيوم، والحمد لله الحي الدائم ـ ثلاث مرات ـ وقل:

أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لا نعبدُ إلاّ إيّاه، مخلصين له الديّن ولو كره المشركون ـ ثلاث مرات ـ ثم تقول: اللّهمّ، إنّي أسألك العفو والعافية، واليقين في الدُّنيا والآخرة ـ ثلاث مرات ـ اللّهمّ، آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار ـ ثلاث مرات ـ ثم تكبّر الله مائة مرةً، وتهلّله مائة مرة، وتحمده مائة مرة، وتسبحه مائة مرّة، ثم تقول:

لا إله إلاّ الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك، وله الحمد وحده، وحده، اللّهمّ، بارك لي في الموت، وفيما بعد الموت، اللّهمّ، إنّي أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته، اللّهمّ; أظلّني في ظل عرشك، يومَ لا ظلَّ إلاّ ظلُّك...».

وأمره بالاستكثار من القول في استيداع دينه، ونفسه وأهله، عند الله عزّ وجلّ، ثم القول:

«أستودع الله الرّحمن الرحيم، الذي لا تضيع ودائعه، ديني، ونفسي، وأهلي، اللّهمَ، استعملني على كتابك وسنّة نبيّك، وتوفّني على ملّته، وأعذني من الفتنة».

ثم تكبّر ثلاثاً، ثم تكبر واحدةً، ثم تعيدها فإن لم تستطع فبعضه([18]) .

ومثّلت هذه الأدعية، وهذا الذكر روحانية الإسلام، الذي يسمو بالإنسان الى مستوى رفيع، يجعله جديراً بأن يكون خليفة لله في أرضه.

12 ـ دعاؤه عند الصفا والمروة

سأل جميل الإمام الصادق(عليه السلام)، أن يعلّمه دعاءاً موجزاً يقوله على الصفا والمروة، فعلّمه الإمام(عليه السلام) هذا الدعاء:

«لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو على كل شيء قدير...»([19])

 

13 ـ دعاؤه في عشية عرفة

كان الإمام الصادق(عليه السلام)، يستقبل عشية عرفة بالدعاء، والإبتهال الى الله تعالى، وكان يُحيي تلك الليلة المباركة، بالعبادة والطاعة، وكان مما يدعو به هذا الدعاء:

«اللّهمّ، هذه الأيام التي فضّلتها على غيرها من الأيام، وشرّفتها، وقد بلّغتنيها بمنّك، ورحمتك، فأنزل علينا من بركاتك، وأسبغ علينا فيها من نعمائك، اللّهمّ، إني أسألك أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تهدينا فيها سبيل الهدى، وترزقنا فيها التقوى، والعفاف، والغنى، والعمل بما تحب وترضى.

اللّهمّ، إنّي أسألك يا موضع كلّ شكوى، ويا سامع كلّ نجوى، ويا شاهد كلّ ملاء، ويا عالم كل خفية، أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تكشف عنّا فيها البلاء، وتستجيب لنا فيها الدعاء، وتقوّينا فيها، وتعيننا، وتوفقنا فيها، ربّنا لما تحب وترضى، وعلى ما افترضت علينا من طاعتك، وطاعة رسولك، وأهل ولايتك، اللّهمّ، إنىّ أسألك يا أرحم الراحمين أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تهب لنا فيها الرّضا; إنّك سميع الدعاء، ولا تحرمنا خير ما نزل فيها من السّماء، وطهرّنا من الذّنوب يا علاّم الغيوب، وأوجب لنا فيها دار الخلود، اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، ولا تترك لنا فيها ذنباً إلاّ غفرته، ولا همّاً إلاّ فرّجته، ولا ديناً إلاّ قضيته، ولا غائباً إلاّ أدنيته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ سهّلتها ويسّرتها إنّك على كل شيء قدير.

اللّهمّ، يا عالم الخفيّات، ويا راحم العبرات، يا مجيب الدعوات، يا ربَّ الأرضين والسّموات، يا من لا تتشابه عليه الأصوات، صلّ على محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من عتقائك وطلقائك من النّار، والفائزين بجنتك، النّاجين برحمتك يا أرحم الرّاحمين، وصلّى الله على محمد وآله أجمعين وسلّم تسليماً...».

وانتهى هذا الدعاء الشريف، وكان الإمام(عليه السلام)، يقرأه أيضاً بَعدَ صلاة الصبحِ، وقبل المغرب الى ليلة المزدلفة([20]).

 

14 ـ دعاؤه الأول في يوم  عرفة

إن يوم عرفة من الأيام المعظمة في الإسلام، ففيه وقوف حجّاج بيت الله الحرام في ذلك المكان المقدس، من الزوال الى الغروب، ويستحب إحياء تلك الفترة بالدعاء والصلاة، وذكر الله، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) بعد أداء صلاة الظهر، والعصر يكبر الله مائة مرة، ويحمده مائة مرة، ويسبحه مائة مرة، ويقرأ سورة التوحيد مائة مرة، ثم يقرأ هذا الدعاء الجليل:

«لا إله الاّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، سبحان الله رب السمّوات، وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ، وما بينهنَّ، وربّ العرش العظيم. والحمد لله ربّ العالمين، اللّهمّ، إيّاك أعبدُ، وإيّاك أستعين، اللّهمّ، إنّي أريد أن اثني عليك، وما عسى أن أبلغ من مدحك مع قلّة عملي، وقصر رأيي وأنت الخالق، وأنا المخلوق، وأنت المالك، وأنا المملوك، وأنت الربّ، وأنا العبد، وأنت العزيز وأنا الذليل، وأنت القويّ، وأنا الضعيف، وأنت الغنيّ وأنا الفقير، وأنت المعطي وأنا السائل، وأنت الغفور وأنا الخاطىء، وأنت الحيُّ الذي لا يموت، وأنا مخلوق أموت.

اللّهمّ، أنت الله ربّ العالمين، وأنت الله لا إله الاّ أنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت العلي العظيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرحيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت مالك يوم الدّين، وأنت الله لا إله الا أنت، مبديء كلّ شيء وإليك يعود، وأنت الله خالق الخير والشر، وأنت الله لا إله إلاّ أنت، الواحد الأحد، الصمد، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفواً أحد، وأنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة، وأنت الله لا اله إلاّ أنت الملك القدوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، سبحان الله عمّا يشركون، وأنت الله لا اله إلاّ أنت الخالق، الباريء، المصوّر، يسبّح لك ما في السماوات والأرض، وأنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الكبير، والكبرياء رداؤك. اللّهمّ، أنت سابغ  النّعماء حسن البلاء، جزيل العطاء، مسقط القضاء، باسط اليدين بالرّحمة; نفّاع بالخيرات، كاشف الكربات، رفيع الدّرجات، منزّل الآيات، من فوق سبع سموات، عظيم البركات، مخرج من النور الى الظلمات، مبدّل السيئات حسنات، وجاعلُ الحسنات درجات.

اللّهمّ ; إنك دنوت في علوّك، وعلوت في دنوّك، فدنوت فليس دونك شيء، وارتفعت فليس فوقك شيء، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى، فالق الحبّ والنّوى، لك ما في السماوات العلى، ولك الكبرياء في الآخرة والأُولى .

اللّهمّ،  إنّك غافر الذّنب وقابل التّوب، شديد العقاب، ذو الطَّوْل، لا إله إلاّ أنت إليك المصير، وَسِعَتْ رحمتك كل شيء، وبلّغت حجّتك، ولا معقّب لحكمك، وأنت تجيب سائلك، أنت الذي لا رافع لما وضعت، ولا واضع لما رفعت، أنت الذي ثبت كلّ شيء بحكمك، ولا يفوتك شيء بعلمك، ولا يمتنع عنك شيء، أنت  الذي لا يعجزك هاربك، ولا يرتفع صريعك ولا يحيا قتيلك، أنت علوت فقهرت، وملكت فقدرت، وبطنت فخبرت، وعلى كلّ شيء ظهرت، علمت خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وتعلم ما تحمل كل أُنثى وما تضع، وما تغيض الارحام، وما تزداد، وكلّ شيء عندك بمقدار، أنت الذي لا تنسى من ذكرك، ولا تُضيِّع من توكّل عليك، أنت الذي لا يشغلك ما في جوّ أرضك عمّا في جو سمائك، ولا يشغلك ما فى جوّ سماواتك عمّا في جوّ أرضك، أنت الذي تعزّزت في ملكك، ولم يشركك أحدٌ في جبروتك، أنت الذي علا كل شيء، ومَلَك كلَّ شيء أمرُك، أنت الذي مَلَكت الملوك بقدرتك، واستعبدت الأرباب بعزتك، وأنت الذي قهرت كلّ شيء بعزّتك، وعَلَوْتَ كل شيء بفضلك، أنت الذي لا يُستطاع كنه وصفك، ولا منتهى لما عندك، أنت الذي لايصف الواصفون عظمتك، ولا يستطيع المزائلون تحويلك، أنت شفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمة للمؤمنين، أنت الذي لا يُحْفيك سائل، ولا ينقصك نائل، ولا يبلغ مدحتك مادح، ولا قائل، أنت الكائن قبل كلّ شيء، والمكوّن لكل شيء، والكائن بعلّة كل شيء، أنت الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ولم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، السموات ومن فيهنّ لك، والأرضون ومن فيهنّ لك، وما بينهنّ، وما تحت الثرى، أحصيت كل شيء (عددا)، وأحطت به علماً، وأنت تزيد في الخلق ما تشاء، وأنت الذي لا تسأل عمّا تفعل، وهم يسألون، وأنت الفعّال لما تريد، وأنت القريب وأنت البعيد، وأنت السميع، وأنت البصير، وأنت الماجد وأنت الواحد، وأنت العليم، وأنت الكريم، وأنت البارّ وأنت الرحيم، وأنت القادر، وأنت القاهر، لك الأسماء الحسنى كلّها، وأنت الجواد الذي لا يبخل، وأنت العزيز الذي لا يذلّ، وأنت ممتنع لا يرام، يسبّح لك ما في السموات والأرض، وأنت بالخير أجود منك بالشر، ربي وربّ آبائي الأولين، أنت تجيب المضطّر إذا دعاك، وأنت نجّيت نوحاً من الغرق، وأنت الذي غفرت لداوود ذنبه، وأنت الذي نفّست عن ذي النون كربه، وأنت الذي كشفت عن أيوب ضرّه، وأنت الذي رددت موسى على أمّه، وصرفت قلوب السّحرة إليك. حتى قالوا: آمنّا بربّ العالمين، وأنت وليّ نعمة الصّالحين، لا يذكر منك إلاّ الحسن الجميل، وما لا يذكر أكثره، لك الآلاء والنّعماء، وأنت الجميل لا تبلغ مدحتك ولا الثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك وبحمدك، تباركت أسماؤك، وجلّ ثناؤك، ما أعظم شأنك، وأجلّ مكانك، وما أقربك من عبادك، وألطفك بخلقك، وأمنعك بقوتك، أنت أعز وجلّ، وأسمع وأبصر وأعلى وأكبر، وأظهر، وأشكر، وأقدر، وأعلم، وأجبر وأكبر، وأعظم وأقرب، وأملك، وأوسع، وأصنع، وأعطى، وأحكم، وأفضل، وأحمد من أن تدرك العينان عظمتك، أو يصف الواصفون (جلالك) أو يبلغوا غايتك.

اللّهمّ،  أنت الله، لا إله إلاّ أنت أجلّ من ذُكر، وأشكر من عُبد، وأرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، تحلُم بعد ما تعلم، وتعفو وتغفر ما تقدّم، لم تُطَع إلاّ بإذنك، ولم تُعصَ قطّ إلاّ بقدرتك، تُطاع ربّنا فتُشكر، وتُعصى ربّنا فتَغفِر.

اللّهمّ،  أنت أقرب حفيظ، وأدنى شهيد، حُلْتَ بين القلوب، وأخذت بالنواصي، وأحصيت الأعمال، وعلمت الأخبار، وبيدك المقادير، والقلوب إليك مقصدة، والسرّ عندك علانية، والمهتدي من هديت، والحلال ما حللّت، والحرام ما حرّمت، والدّين ما شرعت، والأمر ما قضيت، تقضي، ولا يُقضى عليك.

اللّهمّ،  أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الباطن فليس قبلك شيء، اللّهمّ،  بيدك مقادير النّصر والخذلان، وبيدك مقادير الخير والشر، صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لي كل ذنب أذنبته في ظلمة الليل وضوء النهار، عمداً أو خطأً، سرّاً أو علانيةً، إنك على كل شيء قدير، وهو عليك يسير، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

اللّهمّ، إني اُثني عليك بأحسن ما أقدر عليه، وأشكرك بما مننت به عليَّ، وعلّمتني من شكرك، اللّهمّ،  فلك الحمد بمحامدك كلّها، على نعمائك كلهّا، وعلى جميع خلقك حتّى ينتهي الحمد، الى ما تحبّ ربنا وترضى، اللّهمّ لك الحمد عدد ما خلقت، وعدد ما ذرأت، ولك الحمد عدد ما برأت، ولك الحمد عدد ما أحصيت، ولك الحمد عدد ما في السّموات والأرضين، ولك الحمد ملء الدّنيا والآخرة.

وكان يقول: بعد هذا الدعاء عشر مرات: لا إله إلا  الله، وحده لا شريك له، وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

ثم يقول عشراً:

أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، وأتوب إليه.

ويقول عشراً ما يلي:

أ ـ يا رحمن، يا رحمن.

ب ـ يا رحيم، يا رحيم.

ج ـ يا بديع السّموات والأرض.

د ـ يا ذا الجلال والإكرام.

هـ ـ يا حنّان، يا منّان.

و ـ يا حيّ، يا قيوم.

ز ـ بسم الله الرحمن الرحيم.

ح ـ اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد.

اللّهمّ لك الحمد; يا وليّ الحمد، ومنتهى الحمد، وفيّ الحمد، عزيز الجند، قديم المجد، الحمد لله الذي كان عرشه على الماء، حين لا شمس تضيء، ولا قمر يسري، ولا بحر يجري، ولا رياح تذري، ولا سماءٌ مبنيّة، ولا أرض مدحوّة، ولا ليل يجنّ، ولا نهار يكنّ، ولا عين تنبع، ولا صوت يسمع، ولا جبل مرسوّ، ولا سحاب منشأ، ولا إنس مبرأ، ولا جنّ مذرأ، ولا ملك كريم، ولا شيطان رجيم، ولا ظلّ ممدود، ولا شيء معدود.

الحمد لله الذي استحمد الى من استحمده من أهل محامده، ليحمدوه على ما بذل من نوافله التي فاق مدح المادحين مآثر محامده، وعدا وصف الواصفين هيبة جلاله، وهو أهل لكل حمد، ومنتهى كلّ رغبة، الواحد الذي لا بدء له الملك الذي لا زوال له، الرّفيع الذي ليس فوقه ناظر، ذو المغفرة والرّحمة، المحمود لبذل نوائله، المعبود بهيبة جلاله، المذكور بحسن آلائه، المنّان بسعة فواضله، المرغوب اليه في إتمام المواهب من خزائنه، العظيم الشأن، الكريم في سلطانه، العليّ في مكانه، المحسن في إمتنانه، الجواد في فواضله.

الحمد لله، باريء خلق المخلوقين بعلمه، ومصور أجساد العباد بقدرته، ومخالف صور من خلق من خلقه، ونافخ الأرواح في خلقه بعلمه، ومعلّم من خلق من عباده اسمه، ومدبّر خلق السموات والأرض بعظمته، الذي وسع كلّ شيء خلق كرسيه، وعلا بعظمته فوق الأعلين، وقهر الملوك بجبروته، الجبّار الأعلى، المعبود في سلطانه، المتسلّط بقوّته، المتعالي في دنوه، المتداني في ارتفاعه، الذي نفذ بصره في خلقه، وحارت الأبصار بشعاع نوره.

الحمد لله الحليم الرّشيد، القوي الشّديد، المبديء المعيد، الفعّال لما يريد، الحمد لله منزل الآيات، وكاشف الكربات، وباني السموات.

الحمد لله في كلّ زمان، وفي كل مكان، وفي كل أوان.

الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه، ولا يذلّ من والاه، الذي يجزي بالإحسان إحساناً، وبالصّبر نجاةً، الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير.

الحمد لله فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً، أُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إنّ الله على كل شيء قدير.

سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وسبحان الله حين تمسون، وحين تظهرون، وسبحان الله آناء الليل، وأطراف النهار، وسبحان الله بالغدوّ، والآصال، وسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

والحمد لله كما يحب ربّنا، وكما يرضى، حمداً كثيراً، طيّباً، كلّما سبّح الله شيء، وكما يحب الله أن يسبح.

والحمد لله كلّما حمد الله شيء، وكما يحب الله أن يحمد، ولا إله إلاّ الله كلّما هلّل الله شيء وكما يحب الله أن يهلل، والله أكبر كلّما كبّر الله شيء وكما يحب الله أن يكبّر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم...»([21]).

وقدم الإمام(عليه السلام)، في هذا الدعاء الجليل، جميع ما في قاموس الثناء، والتمجيد، من كلمات مشرقة، الى الله تعالى، كما أبدى جميع صنوف التذلل والعبودية.

وقد ذكر الإمام(عليه السلام)، في هذا الدعاء، ألطاف الله البالغة على أنبيائه، ورسله، والصالحين من عباده، الذين أنقذهم من ويلات الطغاة وشرورهم.

 

15 ـ دعاؤه الثاني في يوم عرفة

ومن ذخائر أدعية الإمام الصادق(عليه السلام)، هذا الدعاء الجليل، فقد حفل بمطالب جليلة ومضامين عالية، وكان(عليه السلام)، يدعو به في يوم عرفة، وقبل الشروع فيه، كان يكبر الله تعالى مائة مرة، ويهلله مائة مرة، ويسبحه مائة مرة، ويقدسه مائة مرة، ويقرأ آية الكرسي مائة مرة، ويصلّي على النبي وآله مائة مرة ثم يقرأ هذا الدعاء:

«إلهي، وسيّدي، وعزّتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي لك، مخالفة أمرك، بل عصيت إذ عصيتك، وما أنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي، وغلبت عليّ شقوتي، وأعانني عليه عدوّك، وعدوّي; وغرّني سترك المسبل عليّ فعصيتك بجهلي، وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من ينقذني؟ وبحبل من أتصل، إن قطعت حبلك عنّي؟ أنا الغريق المبتلى فمن سمع بمثلي؟ أو رأى مثل جهلي؟ لا ربّ غيرك ينجّيني، ولا عشيرة تكفيني، ولا مال يفديني، فوعزّتك يا سيّدي لأطلبنّ إليك، وعزّتك يا مولاي لأتضرّعنّ إليك... وعزّتك يا إلهي لأبتهلنّ إليك، وعزّتك يا رجائي لأمدّن يديّ مع جرمهما إليك.

إلهي: من لي يا مولاي؟ بمن ألوذ يا سيّدي؟ فبمن أعوذ يا أملي؟ فمن أرجو؟ أنت، أنت، انقطع الرّجاء إلاّ منك، وحدك، لا شريك لك، يا أحد من لا أحد له، يا أكرم من أقرّ له بالذّنب، يا أعزّ من أخضع له بذلٍّ، يا أرحم من اعترف له بجرم، لكرمك أقررت بذنوبي، ولعزّتك، خضعت بذلّتي، فما صانع يا مولاي؟ ولرحمتك اعترفت بجرمي، فما أنت فاعل سيدي لمقرٍّ لك بذنبه، خاضع لك بذلّه، معترف لك بجرمه؟

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآل محمد، واسمع ـ اللّهمّ ـ دعائي، إذا دعوتك; وندائي إذا ناديتك، وأقبل عليَّ إذا ناجيتك، فإنّي أقرّ لك بذنوبي وأعترف، وأشكو إليك مسكنتي وفاقتي، وقساوة قلبي، وضري، وحاجتي يا خير من أنست به وحدتي، وناجيته بسرّي، يا أكرم من بسطت إليه يدي، ويا أرحم من مددت إليه عنقي، صلّ على محمد وآله، واغفر لي ذنوبي، التي نظرت إليها عيناي.

اللّهمّ صلّ على محمد وآله،واغفر لي ذنوبي التي اكتسبتها يداي، واغفر لي ذنوبي التي باشرها جلدي، واغفر لي اللّهمّ الذّنوب التي احتطبت بها على بدني، واغفر اللّهمّ  الذّنوب التي قدّمتها يداي، واغفر اللّهمّ ذنوبي التي أحصاها كتابك، واغفر اللّهمّ ذنوبي التي سترتها من المخلوقين، ولم أسترها منك.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي، أوّلها وآخرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ما عرفت منها، وما لم أعرف مولاي عظمت ذنوبي، وجلّت، وهي صغيرة في جنب عفوك، فاعف عنّي، فقد قيّدتني، واشتهرت عيوبي، وغرّقتني خطاياي، وأسلمتني نفسي إليك، بعدما لم أجد ملجأ، ولا منجىً منك إلاّ إليك، مولاي، إستوجبت أن أكون لعقوبتك غرضاً، ولنقمتك مستحقّاً.

إلهي: قد غرّ عقلي فيما وجلت من مباشرة عصيانك، وبقيت حيران، متعلّقاً بعمود عفوك، فاقبلني يا مولاي وإلهي بالإعتراف، فها أنا ذا بين يديك عبد ذليل، خاضع، داخر([22]) راغم، إن ترحمني فقديماً شملني عفوك، وألبستني عافيتك، وإن تعذبّني فإني لذلك أهل، وهو منك يا ربّ عدل.

اللّهمّ،  إنّي أسألك بالمخزون من أسمائك، وما وارت الحجب من بهائك، أن تصلّي على محمد وآله، وترحم هذه النّفس الجزوعة، وهذا البدن الهلوع، والجلد الرّقيق، والعظم الدّقيق.

وكان(عليه السلام) يقول: (مائة مرة): «مولاي عفوك» .

اللّهمّ،  قد غرّقتني الذّنوب، وغمرتني النّعم، وقلّ شكري وضعف عملي، وليس لي ما أرجوه إلاّ رحمتك فاعف عنّي، فإني أمرءٌ حقير، وخطري يسير.

اللّهمّ،  أنّي أسألك أن تصلّي على محمد وآله، وأن تعفو عنّي، فإنّ عفوك عنّي أرجى من عملي، وإن ترحمني فإنّ رحمتك أوسع من ذنوبي، وأنت الذي لا تخيب السائل، يا خير مسؤول، وأكرم مأمول.

وكان يقول مائة مرة ما يلي:

«هذا مقام العائذ بك من النّار..»

ثم يقول:

هذا مقام الذّليل، هذا مقام البائس الفقير، هذا مقام المستجير، هذا مقام من لا أمل له سواك، هذا مقام من لا يفرّج كربه سواك...الحمد لله الذي هدانا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنّا بالحقّ.

اللّهمّ،  لك الحمد على ما رزقتني، ولك الحمد على ما منحتني، ولك الحمد على ما ألهمتني ولك الحمد على ما وفّقتني، ولك الحمد على ما شفيتني، ولك الحمد على ما عافيتني، ولك الحمد على ما هديتني، ولك الحمد على السرّاء والضّراء، ولك الحمد على ذلك كلّه، ولك الحمد على كلّ نعمة أنعمت عليّ، ظاهرة وباطنة، حمداً كثيراً دائماً، سرمداً لا ينقطع ولا يفنى أبداً; حمداً ترضى بحمدك عنّا، حمداً يصعد أوّله، ولا يفنى آخره حمداً يزيد ولا يبيد.

اللّهمّ،  أنّي أستغفرك، من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك، أو نكلت عند خوفي منه على أناتك، أو وثقتُ فيه بحولك، أو عولّت فيه على كريم عفوك.

اللّهمّ،  أنّي أستغفرك، من كل ذنب خنت فيه أمانتي، أو بخست بفعله نفسي، أو احتطبت به على بدني، أو قدّمت فيه لذتي، أو آثرت فيه شهواتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت فيه من تبعتي، أو غلبت عليه بفضل حيلتي، أو احتلت عليك فيه، مولاي فلم تغلبني على فعلي، إذ كنت كارهاً لمعصيتي، لكن سبق علمك في فعلي، فحلمت عني، لم تدخلني فيه يا ربّ جبراً، ولم تحملني عليه قهراً، ولم تظلمني فيه شيئاً.

استغفر الله استغفار مَن عمّرته مساغب الإساءة، فأيقن منه إلهه بالمجازاة.

أستغفر الله استغفار الله استغفار من تهوّر تهوراً في الغياهب، وتداحض للشّقوة في أوداء المذاهب.

أستغفر الله استغفار من أورطه الإفراط في مآثمه، وأوثقه الإرتباك في لجج جرائمه، أستغفر الله استغفار من أناف([23])على المهالك بما اجترم([24]).

أستغفر الله استغفار من أوحدته المنية في حفرته، فأوحش بما اقترف من ذنب; إستكفف، فاسترحم هنالك ربّه، واستعطف.

أستغفر الله استغفار من لم يتزوّد لبعد سفره زاداً، ولم يعدّ لظاعن ترحاله إعداداً.

أستغفر الله استغفار من شسعت شقّته، وقلّت عدّته، فعيشته هنالك كربته.

أستغفر الله استغفار من لم يعلم على أيّة منزلة هاجم: أفي النّار يصلى أم في الجنّة ناعماً يحيا؟

أستغفر الله استغفار من غرق في لجج المآثم وتقلّب في أضاليل مقت المحارم.

أستغفر الله استغفار من عند عن لوائح حق المنهج، وسلك سوادف السبل المرتجّ.

أستغفر الله استغفار من لم ينجه المفرّ من معاناة ضنك المنقلب، ولم ينجه المهرب من أهل ويل عبء المكسب.

واستغفر الله استغفار مَن تمرد في طغيانه عدواً، وبارزه في الخطيئة عُتوّاً.

أستغفر الله استغفار من أحصى عليه كرور لوافظ ألسنته.

أستغفر الله استغفار من لا يرجو سواه.

أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو، الحيّ القيّوم، ممّا أحصاه العقول، والقلب الجهول، واقترفته الجوارح الخاطئة، واكتسبته اليد الباغية.

أستغفر الله الذي إله إلاّ هو (ما لا يحصى) بمقدار ومقياس، ومكيال، ومبلغ ما أحصى، وعدد ما خلق، وذرأ، وبرأ، وأنشأ، وصوّر، ودوّن.

أستغفر الله أضعاف ذلك كلّه، وأضعافاً مضاعفةً، وأمثالاً ممثّلة حتى أبلغ رضا الله، وأفوز بعفوه.

والحمد لله الذي هدانا لدينه الذي لا يقبل عملاً إلاّ به، ولا يغفر ذنباً إلاّ لأهله، والحمد لله الذي هدانا لدينه الذي لا يقبل عملاً إلاّ به، ولا يغفر ذنباً إلاّ لأهله.

والحمد لله الذي جعلني مسلماً له ولرسوله، صلّى الله عليه وآله، فيما أمر به ونهى عنه.

والحمد لله الذي لم يجعلني أعبد شيئاً غيره، ولم يكرم بهواني أحداً من خلقه.

والحمد لله على ما صرف عنّي أنواع البلاء في نفسي، وأهلي، ومالي، وولدي، وأهل حزانتي.

والحمد لله ربّ العالمين على كلّ حال، ولا إله إلاّ الملك، الرّحمن، ولا إله إلاّ الله المتفضّل المنّان، ولا إله إلاّ الله الأوّل والآخر، ولا إله إلاّ الله ذو الطّول، وإليه المصير، ولا إله إلاّ الله الظاهر الباطن، والله أكبر مداد كلماته، والله أكبر ملء عرشه، والله أكبر عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله الحليم الكريم، وسبحان الله الغفور الرّحيم، وسبحان الله الذي لا ينبغي التسبيح إلاّ له، وسبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

اللّهمّ،  صلّ على محمد عبدك، ورسولك، ونبيّك، وصفيّك، وحبيبك، وخيرتك من خلقك، والمبلّغ رسالتك، فإنّه قد أدّى الأمانة، ومنح النصيحة، وحمل على المحجّة، وكابد العسرة، اللّهمّ،  إعطه بكلّ منقبة من مناقبه منزلةً من منازله، وبكل حال من أحواله خصائص من عطائك، وفضائل من حبائك، تسرّ بها نفسه، وتكرّم بها وجه، وترفع بها مقامه، وتعلي بها شرفه، وعلى القوّامين بقسطك والذّابين عن حرمك، اللّهمّ، واردد عليه، ذرّيته، وأزواجه، وأهل بيته، وأصحابه، وما تقرّ به عينه، واجعلنا منهم وممّن تسقيه بكأسه، وتورده حوضه، وتحشرنا في زمرته وتحت لوائه، وتدخلنا في كلّ خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد صلّى الله عليهم أجمعين.

اللّهمّ،  اجعلني معهم في كلّ شدّة ورخاء، وفي كلّ عافية وبلاء، وفي كلّ أمن وخوف، وفي كلّ مثوى ومنقلب، اللّهمّ،  أحيني محياهم، وأمتني مماتهم، واجعلني في المواطن كلّها، ولا تفرّق بيني وبينهم أبداً، إنّك على كلّ شيء قدير.

اللّهمّ،  أفنني خير الفناء إذا أفنيتني على موالاتك وموالاة أوليائك، ومعاداة أعدائك، والرّغبة والرّهبة إليك، والوفاء بعهدك، والتصديق بكتابك، والإتّباع لسنّة نبيّك صلّى الله عليه وآله، وتدخلني معهم في كل خير، وتنجيني بهم من كلّ سوء.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله واغفر ذنبي ،ووسع رزقي، وطيّب كسبي، وقنّعني بما رزقتني، ولا تذهب نفسي الى شيء صرفته عنّي، اللّهمّ،  إنّي أعوذ بك من النّسيان والكسل، والتواني في طاعتك، ومن عقابك الأدنى، وعذابك الأكبر، وأعوذ بك من دنيا تمنع الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، ومن أمل يمنع خير العمل، وأعوذ بك من نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يرفع، ومن صلاة لا تقبل، اللّهمّ،  افتح مسامع قلبي لذكرك، حتىّ أتبع كتابك، وأصدّق رسولك، وأومن بوعدك، وأوفي بعهدك لا إله إلاّ أنت.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، وأسألك الصّبر على طاعتك، والصبر لحكمك، وأسألك اللّهمّ حقائق الإيمان، والصدق في المواطن كلّها، والعفو والمعافاة، واليقين والكرامة، في الدنيا والآخرة، والشّكر، والنظر الى وجهك الكريم، فإنّ نعمتك تتمّ الصّالحات.

اللّهمّ،  أنت تنزل الغنى والبركة، من الرّفيع الأعلى، على العباد قاهراً مقتدراً، أحصيت أعمالهم، وقسّمت أرزاقهم، وسمّيت آجالهم، وكتبت آثارهم، وجعلتهم مختلفة ألسنتهم، وألوانهم، خلقاً من بعد خلق، لا يعلم العباد علمك، وكلّنا فقراء إليك، فلا تصرف اللّهمّ عنّي وجهك، ولا تمنعني فضلك، ولا تمعني طولك وعفوك، واجعلني أُوالي أوليائك، وأُعادي أعداءك، وارزقني الرّغبة، والرّهبة، والخشوع، والوفاء، والتّسليم، والتصديق بكتابك، واتّباع سنّة نبيّك محمد صلّى الله عليه وآله.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، واكفني ما أهمني، وغمّني، ولا تكلني الى نفسي، وأعذني من شرّ ما خلقت، وذرأت وبرأت، وألبسني درعك الحصينة، من شرّ جميع خلقك، واقض عنّي ديني، ووفّقني لما يرضيك عنّي، واحرسني وذريّتي وأهلي، وقرابتي وجميع إخواني وأهل حزانتي من الشّيطان الرّجيم، ومن شرّ فسقة العرب والعجم، وشياطين الإنس والجنّ، وانصرني على من ظلمني، وتوفّني مسلماً وألحقني بالصّالحين.

اللّهمّ،  إنّي أسألك بعظيم  ما سألك به أحدٌ من خلقك، من كريم أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصّة دعائك، أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيّتي هذه، أعظم عشيّة مرّت عليّ، منذ أن أخرجتني إلى الدّنيا بركةً في عصمة من ديني، وخلاص نفسي، وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسألتي، وتمام النّعمة عليّ وصرف السّوء عنّي، ولباس العافية، وأن تجعلني ممّن نظرت إليه في هذه العشيّة برحمتك، إنّك جوادٌ كريم.

اللّهمّ،  إن كنت لم تكتبني في حجّاج بيتك الحرام، أو حرمتني الحضور معهم، في هذه العشيّة فلا تحرمني شركتهم في دعائهم، وانظر إلىّ بنظراتك الرّحيمة لهم، وأعطني من خير ما تعطي أوليائك، وأهل طاعتك، اللّهمّ،  صلّ على محمد وآل محمد، ولا تجعل هذه العشيّة، آخر العهد منّي حتّى تبلّغنيها، من قابل مع حجّاج بيتك الحرام، وزوار قبر نبيّك(عليه السلام)، في أعفى عافيتك، وأعمّ نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك، وأسبغ رزقك، وأفضل رجائك، وأتمّ رأفتك إنك سميع الدعاء.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، واسمع دعائي، وارحم تضرّعي، وتذلّلي واستكانتي، وتوكّلي عليك، فأنا مسلّم لأمرك، لا أرجو نجاحاً ولا معافاة، ولا تشريفاً إلاّ بك ومنك، فامنن عليّ بتبليغي هذه العشيّة من قابل، وأنا معافىً من كلّ مكروه ومحذور، ومن جميع البوائق، ومحذورات الطوارق، اللّهمّ،  أعنّي على طاعتك، وطاعة أوليائك، الذين اصطفيتهم، من خلقك لخلقك، والقيام فيهم بدينك.

اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، وسلّم لي ديني، وزد في أجلي، وأصحّ لي جسمي، وأقرّ بشكر نعمتك عيني، وآمن روعتي، وأعطني سؤلي، إنّك على كل شيء قدير. اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، وأتمم ولاءك عليّ فيما بقي من عمري، وتوفّني إذا توفيتني، وأنت عنّي راض، اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، وثبّتني على ملّة الإسلام، فإني بحبلك اعتصمت فلا تكلني في جميع الأمور إلاّ اليك، اللّهمّ،  صلّ على محمد وآله، واملأ قلبي رهبةً منك، ورغبة إليك، وخشية منك، وغنىً بك وعلّمني ما ينفعني، واستعملني ما علّمتني .

اللّهمّ،  إنّي أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك، أن تغنيني بعفوك، وتجيرني بعزّتك، وتتحنّن عليّ برحمتك وتؤدي عنّي فرائضك، وتستجيب لي فيما سألتك، وتغنيني عن شرار خلقك...وتقيني من النّار، وما قربت اليها من قول أو عمل، وتغفر لي ولوالدّي وللمؤمنين والمؤمنات يا ذا الجلال والإكرام إنّك على كلّ شىء قديرٌ...»([25]).

وهذا الدعاء الجليل، وحيد في مضامينه، فريد في معطياته، فقد حوى جميع الوان التضرع، والتذلل، والعبودية المطلقة لله، الواحد القهار; مدبّر الأكوان ومبدع الأشياء.

لقد كشف هذا الدعاء، عن انقطاع الإمام(عليه السلام)، لله تعالى، واعتصامه به، وهذا مما يدلل على مدى معرفته به تعالى، وهذا ليس غريباً ولا بعيداً عن الإمام(عليه السلام)، فهو من معادن التوحيد، ومن مراكز الدعوة الى الله.

 

16 ـ دعاؤه الثّالث في يوم عرفة

ومن أدعية الإمام الصادق(عليه السلام)، في يوم عرفة، هذا الدعاء الجليل، وهو ينمّ عن أهمية هذا اليوم، وعظيم مكانته، عند الإمام(عليه السلام)وهذا نصّه:

اللّهمّ،  أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، وأنت الله لا إله إلاّ أنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت العليّ العظيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرّحيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الرحمن الرحيم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت مالك يوم الدّين، بدء كلّ شيء، وإليك يعود كلّ شيء، لم تزل ولا تزال، الملك القدّوس، السلام المؤمن، المهيمن، العزيز الجبار، المتكبّر، الكبرياء رداءك، سابغ النّعماء، جزيل العطاء، باسط اليدين بالرّحمة، نفّاح الخيرات، كاشف الكربات، منزل الآيات، مبدّل السيئات، جاعل الحسنات درجات، دنوت في علوّك، وعلوت في دنوّك، دنوت فلا شيء دونك، وعلوت فلا شيء فوقك، ترى، ولاترى، وأنت بالمنظر الأعلى، خالق الحب والنوى، لك ما في السموات العلى، ولك الكبرياء في الآخرة والأُولى، غافر الذّنب، وقابل التّوب، شديد العقاب، ذو الطّول، لا إله إلاّ أنت إليك المأوى وإليك المصير، وسعت رحمتك كلّ شيء، وبلغت حجّتك، ولا معقّب لحكمك، ولا يخيب سائلك، كلّ شيء بعلمك، وأحصيت كلّ شيء عدداً، وجعلت لكلّ شيء أمداً، وقدّرت كلّ شيء تقديراً، بلوت فقهرت ونظرت فخبرت، وبطنت وعلمت فسترت، وعلى كلّ شيء ظهرت، تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصّدور، ولا تنسى من ذكرك، ولا تخيّب من سألك، ولا تضيّع من توكّل عليك، أنت الذي لا يشغلك ما في جوِّ سمواتك عمّا في جوِّ أرضك، تعزّزت في ملكك، وتقوّيت في سلطانك، وغلب على كلّ شيء قضاؤك، وملك كلّ شيء أمرك، وقهرت كلّ شيء قدرتك، لايستطاع وصفك، ولا يحاط بعلمك، ولا ينتهي ما عندك، ولا تصف العقول صفة ذاتك، عجزت الأوهام عن كيفيّتك، ولا تدرك الأبصار موضع أينيتّك، ولا تحدّ فتكون محدوداً، ولا تمثّل فتكون موجوداً، ولا تلد فتكون مولوداً، أنت الذي لا ضدّ معك، فيعاندك، ولا عديل لك فيكاثرك، ولا ندّ لك فيعارضك، أنت ابتدعت واخترعت، واستحدثت، فما أحسن ما صنعت، سبحانك ما أجلّ ثناءك، وأسنى في الأماكن مكانك، وأصدع بالحقّ فرقانك، سبحانك من لطيف ما ألطفك، وحكيم ما أعرفك، ومليك ما أسمحك، بسطت بالخيرات يداك، وعرفت الهداية من عندك، وخضع لك كلّ شيء، وانقاد للتّسليم لك كل شيء، سبيلك جدد، وأمرك رشد، وأنت حيّ صمد، وأنت الماجد الجواد، الواحد الأحد، العليم الكريم، القديم، القريب، المجيب، تباركت وتعاليت عمّا يقول الظالمون، علواً كبيراً، تقدّست أسماؤك وجلّ ثناؤك، فصلّ على محمد عبدك، ورسولك الذي صدع بأمرك، وبالغ في إظهار دينك، وأكد ميثاقك، ونصح لعبادك، وبذل جهده في مرضاتك. اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه. اللّهمّ،  وصلّ على ولاة الأمر بعد نبيّك تراجمة وحيك، وخزّان علمك، وأُمنائك في بلادك، الذين أمرت بمودّتهم، وفرضت طاعتهم، على بريّتك. اللّهمّ،  صلّ عليه صلاة دائمة باقيةً، اللّهمّ،  وصلّ على السيّاح والعبّاد، وأهل الجدّ والإجتهاد، واجعلني في هذه العشيّة، ممّن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دعاءه فأجبته، وآمن بك فهديته، وسألك فأعطيته، ورغب إليك فأرضيته، وهب لي، في يومي هذا، صلاحاً لقلبي وديني ودنياي، ومغفرةً لذنوبي يا أرحم الرّاحمين، أسألك الرّحمة يا سيدي ومولاي، وثقتي، يا رجائي، ومعتمدي، وملجأي، وذخري، وظهري، وعدّتي، وأملي، وغايتي، وأسألك، بنور وجهك الذي أشرقت له السّموات والأرض، أن تغفر لي ذنوبى وعيوبي، وإساءتي وظلمي وجرمي، وإسرافي على نفسي، فهذا مقام الهارب إليك من النّار.

اللّهمّ،  وهذا يوم عرفة، كرّمته وشرّفته، وعظّمته، نشرت فيه رحمتك، ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيّتك، وتفضّلت فيه على عبادك، اللّهمّ، وهذه العشيّة من عشايا رحمتك ومنحك، وإحدى أيّام زلفتك; وليلة عيد من أعيادك، فيها يفضي إليك، بالحوائج مَن قصدك مِن قصدك، مؤملاً راجياً فضلك، طالباً معروفك الذي تمنّ به على من تشاء من خلقك، وأنت فيها بكلّ لسان تدعى، ولكلّ خير تبتغى وترجى، ولك فيها جوائز ومواهب، وعطايا تمنّ بها على من تشاء من عبادك، وتشمل بها أهل العناية فيك، وقد قصدناك مؤملين راجين، وأتيناك طالبين، نرجو ما لا خلف له من وعدك، ولا مترَك له من عظيم أجرك، قد أبرزت ذوو الآمال إليك وجوهها المصونة، ومدّوا إليك أكفّهم طلباً لما عندك، ليدركوا بذلك رضوانك، يا غفّار، يا مستغاث من فضله، يا ملك في عظمته، يا جبّار في قوّته، يا لطيف في قدرته، يا متكفّل يا رزّاق النعّاب في عشّه([26])يا أكرم مسؤول، ويا خير مأمول، ويا أجود من نزلت بفنائه الركائب، ويطلب عنده نيل الرغائب، وأناخت به الوفود يا ذا الجود، يا أعظم من كلّ مقصود، أنا عبدك الذي أمرتني، فلم أأتمر، ونهيتني عن معصيتك فلم أنزجر، فخالفت أمرك ونهيك، ولا معاندةً لك، ولا استكباراً عليك، بل دعاني هواي، واستزلّني عدوّك وعدوي، فأقدمت على ما فعلت، عارفاً بوعيدك، راجياً لعفوك، واثقاً بتجاوزك وصفحك، فيا أكرم من أقرّ له بالذّنوب، ها أنا ذا بين يديك صاغراً ذليلاً خاضعاً، خاشعاً، خائفاً معترفاً، بعظيم ذنوبي وخطاياي، فما أعظم ذنوبي التي تحمّلتها وأوزاري التي إجترمتها، مستجيراً فيها بصفحك، لائذاً برحمتك، موقناً أنّه لا يجيرني منك مجير، ولا يمنعني منك مانع، فعد عليّ بما تعود به على من اقترف عن تعمّد، وجد عليّ بما تجود به على من ألقى بيده إليك من عبادك، وامنن عليّ بما لا يتعاظمك أن تمنَّ به على من أملك من غفرانك له، يا كريم، إرحم صوت حزين يخفي ما سترت عن خلقك من مساوئه، يسألك في هذه العشيّة رحمة تنجيه من كرب موقف المسألة، ومكروه يوم المعاينة، حين يفرده عمله، ويشغله عن أهله وولده، فارحم عبدك الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يديّ أسباب الوصلات إلاّ ما وصلته رحمتك، وتقطّعت عنّي عصم الآمال إلاّ ما أنا معتصم به من عفوك، قلّ عندي ما أعتدّ به من طاعتك، وكبر عليّ ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عفوك عن عبدك، وإن أساء فاعف عني، فقد أشرف على خفايا الأعمال علمك، وانكشف كلّ مستور عند خبرك، ولا تنطوي عليك دقائق الأمور، ولا يعزب عنك غيبات السّرائر، وقد استحوذ علىّ عدوّك، الذي استنظر فأنظرته واستمهلك الى يوم الدّين، لإضلالي فأمهلته وأوقعني بصغائر ذنوب موبقة، وكبار أعمال مردية، حتّى إذا فارقت معصيتك، واستوحشت بسوء سعيي سخطك تولّى عن عذر غدره، وتلقّاني بكلمة كفره، وتولّى البراءة منّي، وأدبر مولياً عنّي، فأصحرني لغضبك فريداً، وأخرجني الى فناء نعمتك طريداً، لا شفيع يشفع لي إليك، ولا خفير يقيني منك، ولا حصن يحجبني عنك، ولا ملاذ ألجأ إليه منك، فهذا مقام العائذ بك من النّار، ومحلّ المعترف لك، فلا يضيقنّ عنّي فضلك، ولا يقصرنّ دوني عفوك، ولا أكوننّ أخيب عبادك التّائبين، ولا أقنط وفود الآملين.

اللّهمّ،  إغفر لي; إنّك أرحم الراحمين، فطالما أغفلت من وظائف فروضك، وتعدّيت عن مقام حدودك، فهذا مقام من استحيا لنفسه منك وسخط عليها، ورضي عنك، فتلقّاك بنفس خاشعة، ورقبة خاضعة، وظهر مثقل من الذنوب، واقفاً بين الرّغبة إليك، والرّهبة منك، فأنت أولى من وثق به ممن رجاه، وأمن من خشيته واتّقاه، اللّهمّ،  فصلّ على محمد وآله، وأعطني ما رجوت وآمنّي ممّا حذرت، وعد عليّ بعائدة من رحمتك. اللّهمّ،  وإذ سترتني بفضلك، وتغمّدتني بعفوك، في دار الحياة، والفناء، بحضرة الأكفاء، فأجرني من فضيحات دار البقاء، عند مواقف الأشهاد; من الملائكة المقرّبين، والرسل المكرمين، والشّهداء والصّالحين; فحقّق رجائي يا أصدق القائلين: «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله».

اللّهمّ،  إنّي سائلك القاصد ومسكينك المستجير الوافد، وضعيفك الفقير، ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك; أسألك أن توفقني; لما يرضيك عني، وأن تبارك لي في يومي هذا، الذي فزعت فيه إليك الأصوات، وتقرّب إليك عبادك بالقربات، أسألك بعظيم ما سألك به أحدٌ من خلقك من كريم أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصة دعائك بآلآئك، أن تصلّي على محمد وآله، وأن تجعل يومي هذا، أعظم يوم مرّ علىّ منذ أنزلتني الى الدّنيا; بركةً في عصمة ديني، وخاصّة نفسي، وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسألتي، وإتمام النّعمة عليّ، وصرف السوء عنّي. يا أرحم الرّاحمين; إفتح علىّ أبواب رحمتك، ورضّني بعادل قسمك، واستعملني بخالص طاعتك، يا أملي ويا رجائي، حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرّني ما منعتني، وإن منعتها لم ينفعني ما أعطيتني فكاك رقبتي من النّار.

إلهي لا تقطع رجائي، ولا تخيّب دعائي، يا منّان; منّ عليّ بالجنّة. يا عفوّ; أعف عنّي، يا توّاب، تب علىّ، وتجاوز عنىّ، واصفح عن ذنوبي، يا من رضي لنفسه العفو، يا من أمر بالعفو، يا من يجزي على العفو، يا من استحسن العفو، أسألك اليوم «العفو العفو» وكان يقول ذلك: عشر مرّات.

أنت، أنت; لا ينقطع الرّجاء إلاّ منك، ولا تخيب الآمال إلاّ فيك، فلا تقطع رجائي يا مولاي; إنّ لك في هذه الليلة أضيافاً فاجعلني من أضيافك، فقد نزلت بفنائك، راجياً معروفك، يا ذا المعروف الدّائم الذي لا ينقضي دائماً; يا ذا النّعماء التي لا تحصى عدداً.

اللّهمّ; إنّ لك حقوقاً فتصدّق بها عليّ، وللنّاس قبلي تبعات، فتحمّلها عني، وقد أوجبت; يا ربّ; لكلّ ضيف قرىً، وأنا ضيفك فاجعل قراي الجنّة، يا وهّاب الجنّة، يا وهّاب المغفرة إقبلني مفلحاً، منجحاً، مستجاباً لي، مرحوماً صوتي، مغفوراً ذنبي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحدٌ من وفدك، وزوّاوك..»([27]).

وانتهى هذا الدعاء الشريف، وهو يمثل روعة الإيمان، وحقيقة التمسك بالله تعالى، وهو السمت البارز، في سيرة الإمام(عليه السلام)، الذي آمن بالله بعواطفه ومشاعره...وبهذا الدعاء ينتهي بنا الحديث عن أدعية الإمام(عليه السلام) في حجه لبيت الله الحرام.


 



([1]) صفة الصفوة: 2/63، تاريخ ابن عساكر: 51/44، مرآة الزمان: 5/79، نور الأبصار: 130

([2]) مناقب ابن شهر آشوب: 4/183.

([3]) حلية الأولياء: 3/182، صفة الصفوة: 2/63، نور الأبصار: 130.

([4]) أعيان الشيعة: 4 / ق 1 / 471.

([5]) وسائل الشيعة 8/286.

([6]) وسائل الشيعة 8/278 ـ279.

([7]) وسائل الشيعة 8/281 ـ282.

([8]) وسائل الشيعة 8/286.

([9]) كذا في الأصل، واحتمل هناك سقط وان فيه سلاماً على أهل البيت عليهم أو دعاءاً لهم.

([10]) وسائل الشيعة 9/321 ـ322

([11]) وسائل الشيعة 9/321.

([12]) وسائل الشيعة 9/375 ـ376 كتاب الحج أبواب مقدمات الطواف  باب 37 ح1.

([13]) وسائل الشيعة 9/372 ـ373.

([14]) وسائل الشيعة 9/400.

([15]) وسائل الشيعة: 9/401.

([16]) ضلل: جمع ظلة، وهي أمواج البحر، لسان العرب: 11/417 .

([17]) وسائل الشيعة: 9/415 كتاب الحجّ أبواب الطواف باب 20 ح1.

([18]) وسائل الشيعة: 9/517.

([19]) وسائل الشيعة: 9/520.

([20]) الاقبال:  324.

([21]) الإقبال: 369 ـ374.

([22]) داخر: أي صاغر ذليل.

([23]) أناف: أشرف.

([24]) اجترم: اكتسب.

([25]) الاقبال (ص 385 ـ392).

([26]) النعاب: الغراب.

([27]) الاقبال: 392 ـ397.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المحمل الحسن
من الأحاديث الواردة في تحريف القرآن
الطوسي تعاون مع المغول رغبة ام رهبة ؟
الشيعة الحقيقيون‏
الاطفال يبكون في ارحام امهاتهم
الإمام الصادق والمعارف الجعفرية (الشيعية)
صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان
عاشوراء يوم الاسلام العظيم
من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)
مسلم بن عقیل سفیر الحسین (علیه السلام)

 
user comment