عربي
Monday 24th of June 2024
0
نفر 0

الائمّة اثنا عشر

الائمّة اثنا عشر

إنّنا نسأل أهل السنّة ونراجع كتبهم، ونفحص في رواياتهم، عمّا إذا كان عندهم شيء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الامامة، وعدد الائمّة بعد رسول الله، هل هناك دليل على حصر الائمّة بعد رسول الله في عدد معيّن أو لا يوجد دليل ؟ وإذا كان يوجد دليل فما هو ذلك العدد ؟ ومن هم أُولئك الائمّة الذين دلّت عليهم وعلى إمامتهم تلك الادلّة ؟

الجواب واضح تماماً، فحديث الائمّة إثنا عشر أو الخلفاء من بعدي إثنا عشر، هذا الحديث مقطوع الصدور، اتفق عليه الشيخان وغيرهما من أئمّة الحديث، وأخرجوه بطرق وأسانيد معتبرة، ورووه عن عدة من الصحابة، أقرأ لكم نصوصاً من هذا الحديث، وأرجو الدقّة في ألفاظ هذه النصوص، والتأمّل فيما تختلف فيه هذه الالفاظ، والتوصل إلى نتيجة قطعية على ضوء الدقّة في هذه النصوص.


  


نصوص من حديث الائمّة اثنا عشر

أخرج أحمد في المسند عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر خليفة»(1) .

وأخرج أحمد أيضاً عن مسروق قال: كنّا جلوساً عند عبدالله ابن مسعود وهو يقرؤنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كم تملك هذه الاُمّة من خليفة ؟ فقال: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «إثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل»(2) . في هذا اللفظ توجد هذه الاضافة: «كعدّة نقباء بني إسرائيل».

وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله، قال: فكتب إليّ: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم جمعة عشية رجم الاسلمي ـ يعطي علامة أنّه في ذلك اليوم المعين الذي رجم فيه فلان ـ سمعته يقول: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو

____________

(1) مسند أحمد 5/106.

(2) مسند أحمد 1/398.


 


يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش»(1) .

لاحظوا الاضافات في هذا اللفظ عن نفس جابر الراوي لهذا الحديث.

وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، نفس هذا الشخص قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وسلم) فسمعته يقول: «إنّ هذا الامر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثمّ تكلّم بكلام خفي عَلَيّ، فقلت لابي: ما قال ؟ قال: قال: «كلّهم من قريش»(2) .

في هذا اللفظ إضافة، والتفتوا إلى هذه الفوارق.

وأمّا البخاري فيروي في صحيحه عن جابر نفسه: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إثنا عشر أميراً»، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه يقول: «كلّهم من قريش»(3) .

وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال: قال رسول الله: «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً»، ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال: قال: «كلّهم من قريش»، قال الترمذي: هذا حديث

____________

(1) مسند أحمد: 5/86.

(2) صحيح مسلم 3/1452 رقم 5.

(3) صحيح البخاري 9/101 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.


 


حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة، وفي الباب عن ابن مسعود وعبدالله بن عمرو(1) .

وأمّا في صحيح أبي داود يقول جابر، ـ الرواية عن جابر نفسه ـ: سمعت رسول الله يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، قال: فكبّر الناس وضجّوا، ثمّ قال كلمة خفيت، قلت لابي: يا أبه، ما قال ؟ قال: قال: «كلّهم من قريش»(2) .

يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: أصل هذا الحديث في صحيح مسلم بدون كلمة: فكبّر الناس وضجّوا(3) .

وقد قرأنا عبارته، لم تكن فيه هذه الجملة: فكبّر الناس وضجّوا، لكنّها موجودة في صحيح أبي داود.

وللطبراني لفظ آخر، يقول الطبراني عن جابر بن سمرة: «يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر قيّماً» ـ لم يقل خليفة، ولم يقل أميراً ـ «لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش»(4) .

____________

(1) سنن الترمذي 4/106 رقم 2223.

(2) سنن أبي داود 4/106 رقم 4280 ـ دارالفكر ـ بيروت.

(3) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1402.

(4) المعجم الكبير للطبراني 2/196 رقم 1794 ـ دار إحياء التراث العربي.


 


قال ابن حجر في فتح الباري في شرح البخاري: ووقع عند الطبراني من وجه آخر هذا الحديث في آخره يقول جابر هذا الراوي يقول: فالتفتُ فإذا أنا بعمر بن الخطّاب وأبي في أُناس، فأثبتوا إليّ الحديث(1) .

هذه هي الالفاظ التي انتخبتها، واكتفيت بها لالقائها في هذه الجلسة.

ولاحظوا أوّلاً ألفاظ الحديث إلى الان، في بعض الالفاظ: «إثنا عشر خليفة»، في بعض الالفاظ: «إثنا عشر أميراً»، في بعض الالفاظ: «إثنا عشر قيّماً»، وبين الكلمات فرق كبير.

ثمّ في بعض الالفاظ: «لا يزال هذا الدين عزيزاً»، وفي بعض الالفاظ توجد جملة: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة...»، وفي بعض الالفاظ: «لا يضرّهم من خذلهم».

أمّا هذه الالفاظ التي لم ينقلها كلّ الرواة ونقلها بعضهم دون بعض، لماذا ؟ لماذا لم تكن جملة «فكبّر الناس وضجّوا» في صحيح مسلم، والحال أنّ الحديث نفس الحديث كما ينصّ الحافظ ابن حجر ؟ غير مسلم يأتي بهذه الجملة لكن ليست الجملة في

____________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180.


 


صحيح مسلم ! أمّا البخاري فلم ينقل من هذه النقاط الاضافيّة المهمة شيئاً !

تارة المتكلم يتكلّم ثمّ يخفض صوته فلا يسمع كلامه، وتارة المتكلم لا يخفض صوته، وإنّما الصياح في أطرافه والضجّة من حوله تمنع من وصول كلامه وبلوغ لفظه فلا يسمع كلامه، وفي أكثر الالفاظ يقول جابر: إنّه قال كلمة لم أسمعها، قال كلمة لم أفهمها، قال كلمة خفيت عَلَيّ.

ولسائل أن يسأل: ما هو السبب في خفاء هذه الكلمة أو غيرها من الكلمات على جابر ؟ جابر الذي ينقل الحديث من رسول الله ويقول: سمعته.. فلمّا وصل إلى هنا خفّض رسول الله صوته أو كانت هناك أسباب وعوامل خارجية ؟ فهذه العوامل الخارجية مَن الذي أحدثها وأوجدها ؟ لماذا قال رسول الله بعض الحديث وسُمع كلامه وبعض الحديث خفي ولم يُسمَع ؟ وماذا قال ؟ وهل كان لعمر بن الخطّاب وأصحابه دور في خفاء صوته وعدم بلوغ لفظه إلى الحاضرين ؟ أو لم يكن ؟

لسائل أن يسأل عن هذه الاُمور، والمحقق لا يترك مثل هذه القضايا على حالها، المحقق لا يتجاوز هذه الاشياء بلا حساب، تارةً يراد منّا أن نقرأ ونسكت، وتارة يراد منّا أن نسمع ونسلّم،


 


وتارة يراد منّا أن نحقق ونفهم.

لقد وجدنا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا أمر بإتيان دواة وقرطاس إليه، كثر اللغطُ من حوله، وجعل الحاضرون يتصايحون، لئلاّ يسمع كلامه، ولئلاّ يلبّ طلبه ! وحينئذ قال عمر كلمته المشهورة في تلك القضية !! أتستبعدون أن يكون رسول الله قد قال هنا كلمات ومنعوا الحاضرين من سماع تلك الكلمات لئلاّ ينقلوها إلى من بعدهم، عن طريق إحداث الضجّة من حوله والتكبير ؟ وماذا قال رسول الله حتّى يكبّروا كما جاء في الحديث: فكبّر الناس وضجّوا ؟ لماذا ؟ وأيّ مناسبة بين قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يكون بعدي خلفاء...» وبين التكبير، وبين الضجّة ولماذا ؟

وعندما بحثت عن ألفاظ الحديث، وجدت في عمدة المصادر لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة، أوْ لا ينبّهون على هذه النقطة، حتّى عثرت على اسم عمر بن الخطّاب في أحد ألفاظه، هذا المقدار الذي بحثت عنه، وقارنت بين القضيّة هذه وبين قضية الدواة والقرطاس.

وإن أردتم مزيداً من التأكيد والتوضيح، فراجعوا بعض مؤلفات أهل السنّة من المتأخرين، فإذاً لوجدتم الحديث عن نفس جابر وبنفس السند الذي في صحيح البخاري، كانت تلك الكلمة


 


التي خفيت على جابر: «كلّهم من بني هاشم» وليس «كلّهم من قريش» فماذا حدث ؟ وماذا فعل القوم ؟ وكيف انقلبت ألفاظ رسول الله وتغيّرت من لفظ إلى لفظ على أثر الضجّة ؟ منعوا من سماع الكلمة وحالوا دون وصول كلامه، فإذا سئلوا ماذا قال ؟ أجابوا بغير ما قال رسول الله، عندما سأل: يا أبه أو يا عمر أو يا فلان، يقول: سألت الذي يليني ماذا قال رسول الله ؟ قال: «كلّهم من قريش».

لكن عبد الملك بن عمير، يروي الرواية عن جابر نفسه أنّه قال: «كلّهم من بني هاشم»، وعبد الملك بن عمير نفس الراوي عن جابر في صحيح البخاري، فراجعوا.

نحن وإنْ كنّا لا نوافق على وثاقة عبد الملك بن عمير، هذا الرجل عندنا مطعون ومجروح، لانّه كان قاضي الكوفة، وعندما أرسل الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة رسولاً من قبله، وأمر عبيد الله بن زياد بأن يأخذوا هذا الشخص إلى القصر وأمر بإلقائه من أعلى القصر إلى الارض فسقط على الارض وبه رمق، جاء عبد الملك ابن عمير، وذبح هذا الرجل في الشارع، فلمّا اعترض عليه قال: أردت أنْ أُريحه.

هذا الشخص ـ عبد الملك ـ ليس عندنا بثقة، لكنّه من رجال


 


الصحاح الستّة.

عبد الملك بن عمير يروي الحديث عن جابر وفيه بدل «كلّهم من قريش» جملة «كلّهم من بني هاشم».

وأيضاً، يوافق عبد الملك بن عمير في رواية الحديث عن جابر بلفظ «كلّهم من بني هاشم»: سماك بن حرب، وسماك بن حرب من رجال مسلم، ومن رجال البخاري في تعليقاته، ومن رجال الصحاح الاربعة الاُخرى.

فعبدالملك وسماك كلاهما يرويان عن جابر الحديث نفسه بلفظ «كلّهم من بني هاشم».

وإذا ما رجعتم إلى كتب أصحابنا وجدتموهم يروون هذا الحديث بأسانيدهم إلى جابر نفسه، وتجدون الحديث مشتملاً على ألفاظ وخصوصيات أُخرى، وسأقرأ لكم تلك الخصوصيات عندما أُريد أنْ أستدلّ بهذا الحديث على إمامة الائمّة (عليهم السلام).

وإلى الان عرفنا من هذه الاحاديث:

أوّلاً:

عدد الائمّة على وجه التحديد، عدد الخلفاء، أو القوّام على هذا الدين على وجه التحديد: اثنا عشر.

ثانياً:

يقول رسول الله بأنّ هؤلاء باقون إلى قيام الساعة.

ثالثاً:

يقول رسول الله بأنّ عزّ الاسلام منوط بوجود هؤلاء،


 


بإمامة هؤلاء، بخلافة هؤلاء.

رابعاً:

هؤلاء أئمّة قوّام للدين، وإن خذلوا وإن خولفوا.

يقول أصحابنا بأنّ المراد من هذا العدد وهؤلاء الذين ذكرهم رسول الله أو أشار إليهم هم أئمّتنا الاثنا عشر سلام الله عليهم.

ومن العجيب أنّ إمامة أئمّتنا بنفس العدد والنص موجود في الكتب السماوية السابقة، وثابت عند أهل الكتاب وأهل الاديان السالفة، ولذا لو أنّ أحداً من أهل الكتاب أسلم، صار شيعيّاً، وهذا ما ينصّ عليه ابن تيميّة في منهاج السنّة(1) .

____________

(1) منهاج السنة 8 / 242.


 


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المُناظرة السابعة والخمسون /مناظرة الإمام الرضا ...
المُناظرة الحادية والعشرون /وأمَّا الآية ...
علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
زيارة القبور.. بدعة أَم سُنّة
ما قیل فی النفاق
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
الشيعة والوحدة
قلب المؤمن عرش الله
الماسونية والوهابية وخراب الإسلام في السعودية
دور العقل و الاجماع في تبيين المعارف الإسلامية

 
user comment