ادلة ومؤيدات :
الدليل الاول : الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين .
الدليل الثاني : الخلاف بين الخلفا الاربعة يناقض الامر باتباعهم جميعا.
الدليل الثالث : ارادة الخلفا الاربعة في الحديث تتنافى مع انكار العامة لوجودالنص .
الدليل الرابع : حجم الحديث لا يتناسب مع موقع الخلافة واهميتها في الاسلام .
الدليل الخامس : ائمة اهل البيت (ع ) خلفا الرسول (ص ) بنص منه .
ونـحن نعتقد بان عناوين هذه الادلة لوحدها كافية في صرف الحديث من الدلالة على الخلفا الاربعة الى حيث الانطباق على ائمة اهل البيت (ع ) , ولكن لمزيد من التوضيح سوف نبسط الكلام فيها بشي من التفصيل .
1 ـ الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين :
اتفق مؤرخو الاسلام قاطبة على ان امير المؤمنين عليا(ع ) رفض قبول البيعة بعدمقتل ( عمر ) , حـيـنما طلب منه عبدالرحمن بن عوف ان يبايع على كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) وسيرة الشيخين , فـاصـر امـيـر الـمؤمنين علي (ع ) على حذف الشق الثالث ,وابى الا ان يبايع على كتاب اللّه وسنة رسوله (ص ) , لانه يرى ان سيرة الشيخين لا تمثل مصدرا من مصادر التشريع الاسلامي المقدس .
جا في تاريخ ( الطبري ) وبقية تواريخ الاسلام :
(( فـقال عبدالرحمن : اني قد نظرت وشاورت , فلا تجعلن ايها الرهط على انفسكم سبيلا , ودعا عليا فقال : عليك عهد اللّه وميثاقه لتعملن بكتاب اللّه وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده , قال :
ارجو ان افعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي , ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي , قال : نعم , فبايعه فقال علي : صبوته صبو دهر , ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا , فصبر جميل , واللّه المستعان على ما تصفون , واللّه ماوليت عثمان الا ليرد الامر اليك )) ((892)) .
ونـتـيـجـة لهذا الاصرار المتناهي من قبل امير المؤمنين علي (ع ) على رفض البيعة بشرط قبوله بالعمل على سيرة الشيخين , والموقف الحازم الذي لم يتزعزع امام الملك والخلافة , حدث انعطاف كبير في تاريخ الامة الاسلامية بتولية ( عثمان بن عفان ) , وانتهاامر خلافته الى ما سجله التاريخ من مس وكوارث ومحن واشجان .
فـرفـض امـيـر المؤمنين علي (ع ) للعمل على ضؤ سيرة الشيخين ادل دليل على عدم ارادة الخلفا الاربـعـة مـن لفظة ( الخلفا الراشدين ) الواردة في الحديث , لان معنى ذلك ان الشريعة الاسلامية تامر المسلمين بالجمع بين المتناقضات , وهو امر مستحيل .
2 ـ الخلاف بين الخلفا الاربعة يناقض الامر باتباعهم جميعا :
حصلت خلافات حادة بين الخلفا الاربعة المدعى شمول حديث ( سنة الخلفاالراشدين ) لهم جميعا , وعـلـى حـد سوا , وكانت الدرجة التي تبلغها بعض هذه الخلافات درجة لا تقبل امكانية الجمع بين الارا , والـتـمـاس الـمـبررات والاعذار , لانها تناولت قضايا دينية مصيرية تتعلق باصل التشريع والسنة النبوية الشريفة , فلو كان الخلفاالاربعة بمجموعهم يمثلون مصدرا من مصادر التشريع على ما يدعى استفادته من حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , لما امكننا ان نتصور وقوع الاختلاف في امر التشريع ومتعلقاته بابسط صوره وانحائه , فضلا عن وقوعه بالدرجة التي لا تقبل الجمع والتلفيق .
وسـوف نـسـتعرض بعض النماذج لصور الخلافات في اصول التشريع والامور ,الدينية الحساسة التي وقعت بين الخلفا الاربعة على مستويين :
الـمـسـتـوى الاول : الـخـلافات التي وقعت بين ابي بكر , وعمر , وعثمان من جهة ,وبين امير المؤمنين علي (ع ) من جهة اخرى .
المستوى الثاني : الخلافات التي وقعت بين كل من ابي بكر , وعمر , وعثمان .
وهـنـاك مـسـتـوى ثـالث للخلاف يسير بنفس الاتجاه , ويبطل دعوى انطباق حديث ( سنه الخلفا الراشدين ) على ( الخلفا الاربعة ) جميعا , وهو الخلاف الواقع بين ابي بكر , وعمر , وعثمان من جـهـة , وبين علما العامة ومحققيهم من جهة اخرى في الكثيرمن امور التشريع , وهذا ما لا يسعنا الـخـوض فـيـه ضـمن دراستنا هذه ولذا فسوف نقتصرعلى ذكر بعض النماذج البارزة لصورتي الخلاف الاوليتين , ونعتقد ان فيهما الكفاية للدلالة على المقصود.
ا ـ الخلاف بين علي (ع ) والخلفا الثلاثة :
وقعت بين امير المؤمنين (ع ) وبين الخلفا الثلاثة الذين سبقوه خلافات تتعلق باصول التشريع ومبانيه , مما لا يمكن بشانه القول بان الجميع يمثل السنة , ويحكي التشريع , وابرز هذه الخلافات هي :
#ما مر معنا سابقا من ان امير المؤمنين عليا(ع ) قد نهى المسلمين عن اقامة صلاة ( التراويح ) , عندما سالوه ان ينصب لهم اماما لادائها , وعرفهم بان ذلك خلاف لسنة رسول اللّه (ص ) , وسيرته الثابتة , وقد قال (ع ) في ذلك :
(( واللّه لـقد امرت الناس ان لا يجتمعوا في شهر رمضان الا في فريضة ,واعلمتهم ان اجتماعهم فـي الـنوافل بدعة , فتنادى بعض اهل عسكري ممن يقاتل معي :يا اهل الاسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا )) ((893)) .
فـمن الواضح ان رسول اللّه لو كان قد امر المسلمين باتباع سنة الخلفا الاربعة , وان سنة كل واحد مـنـهم مرضية بالنسبة اليه (ص ) , ومجزئه للمسلمين , لما كان هناك داع لان يردع امير المؤمنين علي (ع ) عن سنة عمر السابقة , ويعتبرها من البدع المخالفة لسنة رسول اللّه (ص ).
#مـا ورد مـن ان امـير المؤمنين عليا(ع ) قد خالف راي عمر وعثمان في شان متعة الحج , حيث قال عـمـر وعـثمان بعدم جوازها , وشرعا تحريمها , وعدم جواز وصلها بالحج ,واما امير المؤمنين عـلـي (ع ) فـقـد قـال بجوازها , وجواز الجمع بينها وبين الحج , ومن ثم فقدجسد علي (ع ) هذه المخالفة عمليا , ليثبت ان سنة رسول اللّه (ص ) احق ان تتبع .
والـمـلاحظ ان عمر هو الذي نهى عن متعة الحج باجتهاده الشخصي , وتبعه على ذلك عثمان ايضا , ولـم يـكـن علي (ع ) يرضى ذلك , وكان يبين للناس ان هذا العمل خلاف السنة النبوية الثابتة , وان النهي عن متعة الحج ( بدعة ) حدثت في الدين من بعدوفاة رسول اللّه (ص ).
وبـنـا عـلى الضوابط التي طالعناها سابقا في بحث ( البدعة ) من دراستنا هذه ,نستطيع ان نكتشف بـسـهولة ان نهي عمر وعثمان عن متعة الحج داخل في عداد( الابتداع ) , وخصوصا اذا راينا ان عمر بنفسه يصرح بان هذا العمل كان موجوداعلى عهد رسول اللّه (ص ) وانه هو الذي راى ان ينهى عنه , مبررا ذلك برايه واجتهاده الشخصي , وكان رسول اللّه (ص ) حينما شرع ( متعة الحج ) لم يكن ملتفتا الى هذه النكتة ,وهذا التبرير , فاستدرك عليه عمر , وتلافى الامر من بعده (ص ) جا في ( كنز العمال ) ما نصه :
(( عـن عمر قال : متعتان كانا على عهد رسول اللّه (ص ) انهى عنهما وا عاقب عليهما : متعة النسا , ومتعة الحج )) ((894)) .
وفيه ايضا : (( عن ابي قلافة ان عمر قال : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (ص )انا انهى عنهما , . وعن جابر قال : (( تمتعنا متعة الحج , ومتعة النسا على عهد رسول اللّه (ص ) , فلماكان عمر نهانا , فانتهينا )) ((896)) .
وعـن ابـي نـضرة قال : (( سمعت عبداللّه بن عباس , وعبداللّه بن الزبير ذكروا المتعة في النسا والـحج , فدخلت على جابر بن عبداللّه , فذكرت له ذلك , فقال : اما اني قدفعلتهما جميعا على عهد النبي (ص ) , ثم نهانا عنهما عمر بن الخطاب , فلم اعد )) ((897)) .
وعن سعيد بن المسيب : (( ان عمر بن الخطاب نهى ان المتعة في اشهر الحج فقال :فعلتها مع رسول اللّه (ص ) , وانا انهى عنها , وذلك ان احدكم ياتى من افق من الافاق شعثا نصبا معتمرا في اشهر الحج , وانما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته , ثم يقدم فيطوف بالبيت , ويحل ويلبس ويتطيب , ويقع على اهـلـه ان كانوا معه , حتى اذا كان يوم التروية اهل بالحج , وخرج الى منى يلبي بحجة لاشعث فيها ولا نصب ولا تلبية الا يوما.
والـحج افضل من العمرة , لو خلينا بينهم وبين هذا , لعانقوهن تحت الارائك , من ان اهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع , وانما ربيعهم فيمن يطرا عليهم )) ((898)) .
وجا في ( صحيح مسلم ) :
(( وعـن ابـي موسى الاشعري انه كان يفتي بالمتعة , فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك , فانك لا تـدري مـا احـدث امير المؤمنين في النسك بعدك , حتى لقيته بعد فسالته ,فقال عمر : قد علمت ان رسول اللّه (ص ) فعله واصحابه , ولكني كرهت ان يظلوا بهن معرسين تحت الارائك , ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم )) ((899)) .
وقـد كـان امـير المؤمنين علي (ع ) يستفرغ وسعه في الردع على هذه ( البدعة ) ,ويعلن خلافه الصريح لما احدثه عمر وعثمان , وهذا الردع يكشف لنا ايضا عن استحالة صدور الامر من رسول اللّه (ص ) باتباع سنة الخلفا الاربعة على النحو المزعوم .
جا في ( صحيح البخاري ) :
(( عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا رضي اللّه عنهما, وعثمان ينهى عن المتعة , وان يجمع بينهما , فلما راى علي (ع ) اهل بهما : لبيك بعمرة وحجة , قال : ماكنت لادع سنة النبي (ص ) لقول احد )) ((900)) .
وفيه ايضا :
(( عـن سـعيد بن المسيب قال : اختلف علي وعثمان رضي اللّه عنهما وهما بعسفان في المتعة , فقال عـلـي : مـا تـريـد الى ان تنهى عن امر فعله النبي (ص ) , قال : فلما راى ذلك علي اهل بهما جميعا )) ((901)) .
وورد في ( صحيح مسلم ) :
(( كان عثمان ينهى عن المتعة , وكان علي يامر بها , فقال عثمان لعلي كلمة , ثم قال علي : لقد علمت ((902)). وفيه ايضا :
(( اجتمع علي وعثمان رضي اللّه عنهما بعسفان , فكان عثمان ينهى عن المتعة او العمرة ,فقال علي : ما تريد الى امر فعله رسول اللّه (ص ) تنهى عنه , فقال عثمان : دعنا منك ,فقال : اني لا استطيع ان ادعك , فلما ان راى علي ذلك اهل بهما جميعا )) ((903)) .
وفي ( سنن النسائي ) :
(( حـج عـلي وعثمان , فلما كنا ببعض الطريق , نهى عثمان عن التمتع , فقال علي : اذارايتموه قد ارتـحـل فـارتحلوا , فلبى علي واصحابه بالعمرة , فلم ينههم عثمان , فقال علي (ع ) : الم اخبر انك تـنـهـى عـن الـتـمـتـع ؟ قال : بلى , قال له علي (ع ) : الم تسمع رسول اللّه (ص ) تمتع , قال : بلى )) ((904)) .
فـنرى ان امير المؤمنين عليا(ع ) في هذا الحديث هو الذي يبادر بسؤال عثمان عن تحريمه لعمرة الحج , ثم ينتزع منه اعترافا واقرارا بوقوعها في زمن رسول اللّه (ص ) وفي ذلك ابلغ الحجج واتم البراهين .
#مـا ورد مـن ان امـيـر الـمؤمنين عليا(ع ) قد خالف راي عمر في تحريم متعة النسا ,واعتبر ذلك الـتـحريم من ( البدع ) المخالفة للسنة النبوية الثابتة , وقد اعترف عمر بنفسه في كلامه السابق الـذي رواه ابـنا العامة عنه في كتب الحديث بانه هو الذي بادر الى التحريم ,وان متعة النسا كمتعة الحج كانت على زمن رسول اللّه (ص ) , وقد تقدمت الاشارة الى بعض الاحاديث في النموذج السابق , وروى ( القوشچي ) ـ وهو من ائمة المتكلمين على مذهب الاشاعرة ـ عن عمر ايضا انه قال :
(( ثلاث كن على عهد رسول اللّه , وانا انهى عنهن واحرمهن , واعاقب عليهن ,متعة النسا , ومتعة الحج , وحي على خير العمل )) ((905)) .
فـقـول عمر ( كن على عهد رسول اللّه ) , ثم قوله بعد ذلك ( وانا انهى عنهن واحرمهن , واعاقب عـلـيـهن ) , تشريع ابتدائي , واحداث امر في الدين من دون ان يكون له اصل فيه , وهو من اصدق مصاديق ( الابتداع ).
بل نرى انه قد وضع نفسه في موضع لم يكن رسول اللّه على عظمته وجلالة قدره ليضع نفسه فيه , حيث يقول اللّه عزوجل في شانه :
( وما ينطق عن الهوى # ان هو الا وحي يوحى ) ((906)) .
ويقول : ( ان اتبع الا ما يوحى الي ) ((907)) .
ولـم يـعـهـد مـنـه (ص ) انه قال ( انا ارى ) في مقابل الوحي الالهي المنزل , والشريعة السماوية الـحـكـيمة , لانـه (ص ) ان سن امرا , او تفوه بقول , فانما هو مرتبط باللّه عزوجل ,ومنته اليه , وماخوذ عنه سبحانه وتعالى , ولا يمكنه (ص ) ان يحيد عن ذلك قيد شعره مطلقا , قال تعالى :
( ولو تقول علينا بعض الاقاويل # لاخذنا منه باليمين # ثم لقطعنامنه الوتين ) ((908)) .
فـنحن نرى ان عمر قد اثبت وجود ( متعة النسا ) في الشريعة الاسلامية , وان رسول اللّه (ص ) قد سنها لامته , ثم نرى بعد ذلك انه يرى خلاف ذلك فيحرمها ويحذفهامن قائمة التشريع , ويعاقب مـن يـزاولـها , ويقيم عليها , فهل يمكن ان يحصل تناقض اكثرمن هذا ؟ حيث يتم اثبات جميع هذه الامور في الدين ثم يتم رفعها بعد ذلك بكلمة واحدة ؟ وهـل يـمـكـن ان يـجتمع طرفا الاثبات والنفي هذان في اكثر الشرائع السماوية شمولية وهدفية واتساعا ؟
ولـذا نـلاحـظ ان امير المؤمنين عليا(ع ) كان يصر على الغا هذا التحريم , ويبين ان للمسلمين في تـشـريـع ( مـتـعـة النسا ) مصلحة اسلامية كبرى , تصون المجتمعات من الفساد , والانحراف , والـتـحـلل الخلقي , وان هذا الحكم حكم مستمر الى يوم القيامة كمااريد له ان يكون كذلك من قبل صاحب الرسالة (ص ) , فقد روى الحكم , وابن جريح ,وغيرهما , قالوا : قال علي (رض ) :
(( لـو لا ان عـمـر(رض ) نهى عن المتعة مازنى الا شقي , وفي لفظ آخر : لو لا ماسبق من راي عمر بن الخطاب : لامرت بالمتعة , ثم ما زنى الا شقي )) ((909)) .
#ما ورد من الاخبار المقطوعة التي دلت على تاخر امير المؤمنين علي (ع ) عن بيعة ابي بكر , وانه لم يبايعه الامكرها مجبرا , فلو ان رسول اللّه (ص ) قد نص على وجوب اتباع سنة الخلفا الاربعة على ما يدعى استفادته من حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) ,لم يكن من الحري بامير المؤمنين علي (ع ) ان يـتاخر عن الاقدام لبيعة ابي بكر , وهو الذي يفترض ان يكون اول المجسدين لاتباع هذا الحديث , باعتبار ان ابنا العامة يجعلوه من ضمن مفرداته , واحد الخلفا المعنيين به فـتاخر امير المؤمنين علي (ع ) عن بيعة ابي بكر , ومبايعته اخيرا على نحو الاكراه من اجل حفظ مصلحة الاسلام العليا , دليل آخر على عدم قبوله لسنته ,وبالتالي وقوع التضارب والاختلاف الذي يتنافى مع ارادة سنتيهما معا.
جا في ( شرح نهج البلاغة ) :
(( ثم ينبغي للعاقل ان يفكر في تاخر علي (ع ) عن بيعة ابي بكر ستة اشهر الى ان ماتت فاطمة , فان كـان مصيبا فابو بكر على الخطا في انتصابه في الخلافة , وان كان ابو بكرمصيبا فعلي على الخطا في تاخره عن البيعة وحضور المسجد )) ((910)) .
ولا نظن انه يخفى على القارئ الكريم حل هذه المعادلة , او انه يرتاب في وضوح نتيجتها ووردت ايـضا الوثائق التاريخية لتؤكد عدم رغبة امير المؤمنين علي (ع ) في بيعة عمر وعثمان , وانه (ع ) قد هدد بالقتل ان لم يبايع عثمان , فقد جا في شرح نهج البلاغة :
(( روى البلاذري في كتابه عن ابن الكلبي , عن ابيه , عن ابي مخنف في اسناد له : ان عليا(ع ) لما بايع عبد الرحمن عثمان كان قائما , فقال له عبد الرحمن , بايع والا ضربت عنقك , ولم يكن مع احد سـيـف غيره , فخرج علي مغضبا , فلحقه اصحاب الشورى , فقالوا له : بايع والا جاهدناك , فاقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان )) ((911)) .
وفيه ايضا عن تاريخ الطبري :
(( ان الـنـاس لـما بايعوا عثمان تلكا علي (ع ) , فقال عثمان : ( فمن نكث فانماينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه اللّه فسيؤتيه اجرا عظيما ) ((912)) , فرجع علي (ع ) حتى بايعه وهو يقول : خدعة واي خدعة )) ((913)) .
وهـذا يـدل ايـضـا عـلى عدم ارتضا امير المؤمنين علي (ع ) لسيرة وسنة عثمان , فلايمكن جعل السنتين في عرض واحد.
#مـا ورد عـلى لسان امير المؤمنين (ع ) من الاحتجاج في مسالة الخلافة على كل من ابي بكر وعمر وعـثمان , وكونه احق بالخلافة وولاية امر المسلمين منهم جميعا , وانه انماسكت عن حقه حفظا لوحدة كلمة الامة , وحقنا لدما المسلمين , وخوفا من وقوع الفتنة بينهم .
وكان امير المؤمنين علي (ع ) يعرب عن عدم ارتياحه ورضاه , وعن المه العميق لماصارت اليه هذه الامـة مـن تـيـاه وضـياع , ولما حصل فيها من تصدع وانشقاق ومن ذلك قوله (ع ) عند سماعه بنبا الشورى التي نص عليها عمر قبل وفاته :
(( بايع الناس لابي بكر وانا واللّه اولى بالامر منه , واحق به منه , فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الـنـاس كـفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف , ثم بايع الناس عمر وانا واللّه اولى بالامر منه , واحق به منه , فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف , ثم انـتـم تريدون ان تبايعوا عثمان , اذااسمع واطيع , ان عمر جعلني في خمسة نفر انا سادسهم , لا يـعـرف لي فضلا عليهم في الصلاح , ولا يعرفونه لي , كلنا فيه شرع سوا , وايم اللّه , لو اشا ان اتـكـلـم ثـم لايـسـتـطـيـع عـربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك رد خصلة منه لفعلت )) ((914)) .
ومنها قوله (ع ) في بيان خلفيات موقفه , واهداف سكوته (ع ) :
(( فامسكت يدي حتى رايت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام , يدعون الى محق دين محمد(ص ) , فـخـشـيت ان لم انصر الاسلام واهله ان ارى فيه ثلما او هدما ,تكون المصيبة به علي اعظم من فوت ولا يتكم التي انما هي متاع ايام قلائل )) ((915)) .
وقوله عندما انتهت اليه انبا السقيفة :
(( ما قالت الانصار ؟ قالوا : قالت : منا امير ومنكم امير , قال (ع ) : فهلا احتججتم عليهم بان رسول اللّه (ص ) وصـى بـان يـحسن الى محسنهم , ويتجاوز عن مسيئهم ؟قالوا : وما في هذا من الحجة عليهم ؟ قال (ع ) : لو كانت الامامة فيهم لم تكن الوصية بهم , ثم قال (ع ) : فماذا قالت قريش ؟ قالوا : احـتـجـت بـانــهـا شـجـرة رسول اللّه (ص ) , فقال (ع ): احتجوا بالشجرة , واضاعوا الثمرة )) ((916)) .
وحسبك ما في الخطبة الشقشقية من لوم وتقريع , حيث يقول امير المؤمنين (ع ) في جوانب منها :
(( اما واللّه , لقد تقمصها فلان , وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا ,ينحدر عني السيل , ولا يـرقـى الـي الطير , فسدلت دونها ثوبا , وطويت عنها كشحا ,وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جـذا , او اصبر على طخية عميا , يهرم فيها الكبير ,ويشيب فيها الصغير , ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فـرايـت ان الصبر على هاتا احجى , فصبرت وفي العين قذى , وفي الحلق شجا ,ارى تراثي نهبا , حتى مضى الاول لسبيله , فادلى بها الى فلان بعده , ثم تمثل بقول الاعشى :
شتان ما يومي على كورها ـــــويوم حيان اخي جابر.
فيا عجبا الى ان يقول (ع ) :
(( فـصـبـرت على طول المدة , وشدة المحنة , حتى اذا مضى لسبيله , جعلها في جماعة زعم اني احـدهـم , فـيـا للّه وللشورى , متى اعترض الريب في مع الاول منهم ,حتى صرت ا قرن الى هذه النظائر مـع هن وهن , الى ان قام ثالث القوم نافجاحضنيه , بين نثيله ومعتلفه , وقام معه بنو امية , يخضمون مـال اللّه خضمة الابل نبتة الربيع , الى ان انتكث عليه فتله , واجهز عليه عمله , وكبت به بطنته )) ((917)) .
#ما روي عن ابي جعفر وابي عبداللّه (ع ) انهما قالا(ع ):
(( حـج عمر اول سنة حج وهو خليفة , فحج تلك السنة المهاجرون والانصار ,وكان علي (ع ) قد حـج تـلـك الـسـنة بالحسن الحسين وعبداللّه بن جعفر , قال : فلما احرم عبداللّه لبس ازارا وردا مـمشقين مصبوغين بطين المشق , ثم اتى فنظر اليه عمر وهويلبي , وعليه الازار والردا , وهو يسير الى جنب علي (ع ) , فقال عمر من خلفهم : ماهذه البدعة التي في الحرم ؟ فالتفت اليه علي (ع ) فـقـال : يا عمر لا ينبغي لاحد ان يعلمناالسنة , فقال عمر : صدقت يا ابا الحسن , لا واللّه ما علمت انـكم هم )) ((918)) .
فوقع الخلاف هنا في اصل السنة التي هي واحدة في حكم اللّه تعالى , وواقع الامر ,ومن الواضح ان الـتـقـابـل بـين كون العمل ( بدعة ) على ما زعمه عمر , وكونه سنة على مااكده امير المؤمنين علي (ع ) , مما لا يتحقق بشانه الجمع , ولا يمكن ان ينتحل له اي تخريج .
#ما رواه ( ابن ابي الحديد ) عن كتاب ( شورى عوانة ) عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال :
(( فـلـمـا مات عمر , وادرج في اكفانه , ثم وضع ليصلى عليه , تقدم علي بن ابي طالب , فقام عند راسه , وتقدم عثمان فقام عند رجليه , فقال علي (ع ) : هكذا ينبغي ان تكون الصلاة , فقال عثمان : بل هـكـذا , فقال عبدالرحمن : ما اسرع ما اختلفتم , ياصهيب المكتوبة )) ((919)) .
وهذا خلاف في اصل السنة ايضا , ولا يمكن ان يقع من شخصين واجبي الاتباع معا.
#ما رواه ( ابن ابي الحديد ) من ان عثمان قال لعلي (ع ) في كلام دار بينهما :
(( ابـو بـكر وعمر خير منك وعبدته بعدهما )) ((920)) .
فـكـيـف يمكن ان تكون سنة الخلفا الاربعة واجبة الاتباع على حد سوا مع هذاالترتيب الذي ذكره امير المؤمنين (ع ) في كلامه , ومع لحن الخطاب الصادر منه (ع ) اضـف الـى كل انحا الخلاف هذه , ما ورد في باب القضا من هفوات خطيرة وقع فيها ابو بكر وعمر وعثمان طيلة المقطع الزمني الذي مارسوا فيه الحكم , وقد تمكن امير المؤمنين علي (ع ) ان يتلافى ويـستدرك عليهم ما امكنه ان يتلافاه من ذلك , حتى قال عمر مقولته المشهورة : (( لو لا علي لهلك عمر )) ((921)) , وقال : (( ما عشت لمعضلة ليس لهاابو الحسن )) ((922)) .
ب ـ الخلاف بين الخلفا الثلاثة :
يـكـفـينا للاطلاع الاجمالي على بعض النماذج البارزة لصور الخلاف الواقعة بين كل من ابي بكر وعـمـر وعثمان ان نورد ما ذكره ( طه العلواني ) في كتاب ( ادب الاختلاف في الاسلام ) حيث يقول ما لفظه :
(( فمما اختلف فيه الشيخان ـ ابو بكر وعمر رضي اللّه عنهما غير ما ذكرنا سبي اهل الردة , فقد كـان ابو بكر يرى سبي نسا المرتدين على عكس ما يراه عمر الذي نقض ـ في خلافته ـ حكم ابي بـكر في هذه المسالة , وردهن الى اهليهن حرائر , الا من ولدت لسيدها منهن , ومن جملتهن كانت خولة بنت جعفر الحنفية ام محمد بن علي رضي اللّه عنهما.
كـما اختلفا في قسمة الاراضي المفتوحة : فكان ابو بكر يرى قسمتها , وكان عمريرى وقفها ولم يقسمها.
وكـذلـك اخـتلفا في المفاضلة في العطا , فكان ابو بكر يرى التسوية في الاعطيات ,حين كان عمر يرى المفاضلة , وقد فاضل بين المسلمين في اعطياتهم .
وعـمـر لم يستخلف علي حين استخلفه ابو بكر , كما كان بينهما اختلاف في كثير من مسائل الفقه )) ((923)) .
فـمـن حـق المر بعد ان يطلع على هذه النماذج من صور الخلاف التي وقعت تارة بين امير المؤمنين علي (ع ) من جهة , وبين كل من ابي بكر وعمر وعثمان من جهة ثانية ,ووقعت تارة اخرى بين ابي وبـكر وعمر وعثمان انفسهم ان يتسال من رواة حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) والمتمسكين به , انه هل يمكن ان يامر النبي الاكرم (ص ) امته بان تاخذ بالسنة وبخلافها في وقت واحد ؟ وهل يعني ذلـك الا الـجـمـع بـيـن الـمتناقضين ؟وهل يمكن لنا ان نصدق بحديث يؤدي الى وقوع الشريعة الاسـلامـية في مثل هذا التناقض الفاحش , وبين يدينا كلام اللّه الذي ينفي فيه الاختلاف والتفاوت عن التشريع , حيث يقول :
( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاكثيرا ) ((924)) .
وفـي مـقابل كل هذا نرى التناسق والاحكام في اقوال ائمة اهل البيت (ع ) ,على الرغم من اختلاف الـظروف التي عاشوا فيها , والفواصل الزمنية الطويلة التي وقعت بين بعضهم والبعض الاخر , فلو ارجـعنا البصر فيما ورثناه من احكام وتعاليم غفيرة صدرت عن ائمة اهل البيت (ع ) , لما وجدنا اي لـون مـن الـوان التفاوت والاختلاف في اقوالهم وآرائهم وسلوكهم , وهذا ادل دليل على عصمتهم واهـلـيـتهم لتبليغ الرسالة وحماية الشرع المبين , والاستمرار على خطى الرسول الاكرم (ص ) وبما جا به من قوانين وانظمة واحكام .
ولا غرو في ذلك اذا ما قرنهم رسول اللّه (ص ) بكتاب اللّه العزيز الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا مـن خـلـفـه في ( حديث الثقلين ) المتقدم الذكر فلانهم (ع ) عدلاالقرآن الكريم , وقد اخبر رسول اللّه (ص ) بالدليل القطعي عن اقترانهم به , وملازمتهم له الى حين ورود الحوض فانا لا نجد اي اخـتـلاف فـي اقوالهم واحكامهم , ونجد ان كلامهم المقطوع الصدور ككلام القرآن الكريم , يصدق بعضه البعض الاخر , ولا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
فـان كـان هـنـاك خـلـفا راشدون يجب ان يتبعوا , وتقتفى اثارهم , ويعمل بسنتهم ,فهم ائمة اهل الـبيت (ع ) , لان سنتهم سنة واحدة , تكشف عن سنة رسول اللّه (ص ) ,وتنطق بها , ولا يصح باي حال ان يرد الامر باتباع سنة متفرقة مبعثرة مختلفة , كمالاحظناه سابقا.
قال رسول اللّه (ص ) :
(( الا ان مـثـل اهـل بـيـتـي فيكم مثل سفينة نوح من قومه , من ركبها نجا , ومن تخلف عنها غرق )) ((925)) .
وقال (ص ) :
(( النجوم امان لاهل الارض من الغرق , واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف )) ((926)) .
فـالامـر لا يـتوقف اذن في اطار عدم وجود التفاوت والاختلاف في سنة اهل البيت (ع ) فحسب , وانـمـا يتعدى ذلك الى ان سنتهم ترفع اي اختلاف من المفترض ان تقع فيه الامة الاسلامية , وانها تـمـثل المحور الذي يجب ان يلتف حوله المسلمون , ويلجاوا اليه , عند وقوع الفتن والاختلافات فيما بينهم , لانهم (ع ) امان الامة من الاختلاف , كما ان نجوم السما امان لاهل الارض من الغرق .
ويـشـيـر امير المؤمنين علي (ع ) الى ان اهل البيت (ع ) لا يخالفون الحق , ولا يختلفون فيه بشكل مطلق , وانـهم عقلوا الدين عقل وعاية , لا عقل رواية حيث يقول (ع ) :
(( هـم عيش العلم , وموت الجهل , يخبركم حلمهم عن علمهم , وظاهرهم عن باطنهم , وصمتهم عـن حكم منطقهم , لا يخالفون الحق , ولا يختلفون فيه , وهم دعائم الاسلام , وولائج الاعتصام , بـهـم عـاد الـحق الى نصابه , وانزاح الباطل عن مقامه ,وانقطع لسانه عن منبته , عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية , لا عقل سماع ورواية , فان رواة العلم كثير , ورعاته قليل )) ((927)) .
وعنه (ع ) في موضع آخر انه قال :
(( لـو اختصم الي رجلان فقضيت بينهما , ثم مكثا احوالا كثيرة , ثم اتياني في ذلك الامر , لقضيت بينهما قضا واحدا , لان القضا لا يحول ولا يزول ابدا )) ((928)) .
ولا نكاد نجد انفسنا بحاجة الى ان نطيل التامل في هذه النقطة بعد ان ندرك بان كل ما يقوله ائمة اهل البيت (ع ) فانما هو مستقى من معين علم النبي الاكرم (ص ) , وماخوذ من بحور معرفته .
يقول سيد الائمة علي (ع ) :
(( علمني رسول اللّه الف باب من العلم , ففتح لي من كل باب الف باب )) ((929)) .
ويقول رسول اللّه (ص ) بشان علي (ع ) :
(( انا مدينة العلم , وعلي بابها )) ((930)) .
ويقول الامام الصادق (ع ) :
(( حـديـثي حديث ابي , وحديث ابي حديث جدي , وحديث جدي حديث الحسين , وحديث الحسين حـديـث الـحـسـن , وحـديـث الحسن حديث امير المؤمنين ,وحديث امير المؤمنين حديث رسول اللّه (ص ) , وحديث رسول اللّه (ص ) قول اللّه عزوجل )) ((931)) .
وقد مر معنا ان سماعة سال الامام موسى الكاظم (ع ) قائلا : اكل شي في كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) او تقولون فيه ؟ فقال (ع ) :
(( بل كل شي في كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) )) ((932)) .
3 ـ ارادة الخلفا الاربعة في الحديث تتنافى مع انكار العامة لوجود النص :
بـنى جمهور العامة ثقافتهم الاسلامية بما تحمله من خصوصيات وابعاد على اساس القول بعدم وجود الـنـص الشرعي من قبل رسول اللّه (ص ) على الخليفة من بعده , واشادواكل معتقداتهم وافكارهم ورؤاهم على هذا الاساس .
وعـنـد الـقـول بـان رسول اللّه (ص ) قد عين اربعة خلفا من بعده , وهم ابو بكروعمر وعثمان , وعـلـي (ع ) , او يـزيدون على ذلك كما في بعض التفاسير , وانهم هم المقصودون بلفظة ( الخلفا الراشدين ) , وان سنتهم يجب ان تتبع , ويعض عليهابالنواجذ , فان هذا يعني وجود النص على امر الـخـلافة الاسلامية بعد رسول اللّه (ص ) ,خصوصا مع ملاحظة ما يرتبونه من آثار عملية شامله لـجـميع الاحكام وخصوصيات التشريع على تسليمهم لهذا الحديث , وتوجيههم لمختلف التشريعات الـصـادرة عن عمروابي بكر وعثمان عن طريق التشبث به , والتمسك بمؤداه , وهذا يعني وجود النص على الخلافه , الامر الذي يرفضه جمهور العامة رفضا قاطعا.
وبعبارة اخرى اننا مع قول العامة بعدم وجود النص على الخلافة الاسلامية بعدالرسول , وتسليمهم لصحة هذا الحديث بين امرين :
الاول : ان يـقال بان رسول اللّه (ص ) قد جعل الامر مبهما وغامضا , ولم يوضح مقصوده من ( الخلفا الـراشدين ) من بعده في هذا الحديث , فهذا ما لا فائدة فيه , وان ذكره وعدم ذكره على حد سوا , ولا معنى لان يوصي رسول اللّه (ص ) بالتمسك بسنة اشخاص مجهولين للامة , وغير معروفين من قبلها , وان هذا مما ينزه عنه رسول اللّه (ص ) ,ويجل عن الوقوع في مثله .
ولـو ان الامر كان غامضا ومبهما لكان من الحري بمن يستمع الى هذا الحديث ان يسال عن المراد بـ (الـخلفا الراشدين ) , ويطلب من رسول اللّه (ص ) ان يشخصهم ويحددهم بوضوح , والا فما فائدة ما استمع اليه من حديث , وما هو الاثر المترتب عليه .
وفـي احـسن التقادير يقال بان رسول اللّه (ص ) قد اوكل امر تعيين هؤلا الى الامة من بعده , وترك عليها امر تشخيصهم وانتخابهم , وهذا بفرض التسليم له ـ على انـا لانراه صحيحا ـ معارض ايضا بـنص ابي بكر على عمر من بعده , ووصيته عليه , والتي كانت بمحض ارادته الخاصة , ومنقوض ايـضـا بـجعل عمر امر الخلافة من بعده موكولا الى شورى تتردد بين ستة اشخاص من خصوص المهاجرين .
الثاني : ان يقال بان رسول اللّه (ص ) قد عين ( الخلفا الراشدين ) من بعده ,ونص عليهم , فهو اما ان يـكـون في نفس الحديث , واما في غيره من الاحاديث ,فعلى القول بورود التعيين في نفس الحديث , فـهـو مما لم نجد له اثرا فيما نقلناه من نص الحديث , على ان افتراض مثل هذا المعنى يصطدم بقول جمهور العامة بعدم وجود النص ايضا , واما ان يكون تعيين الخليفة وذكره بالتفصيل والتخصيص قد ورد فـي غـير هذاالحديث , فهو مضافا الى كونه ينتهي الى القول بوجود النص , ويعارض ايضا ما ذكـره جـمـهـور العامة من عدم وجوده , يؤيد ما نقوله نحن من ان حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) يـنـصرف الى ائمة اهل البيت (ع ) على فرض التسليم بصحة صدوره عن رسول اللّه (ص ), وذلك لـوجـود الادلة الغفيرة الاخرى التي تفسر هذا اللفظ في الحديث , على ما سناتي عليه لاحقا ان شا اللّه تعالى .
4 ـ حجم الحديث لا يتناسب مع موقع الخلافة واهميتها في الاسلام :
ان حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , والنزر القليل المدعى معه في الدلالة على وجوب اتباع سنة ( الـخـلـفـا الـراشدين ) على النحو المتقدم لدى ابنا العامة , لا يتناسب في حجم مؤداه مع اهمية امر الـولايـة الاسـلامية وخطورته , اذ لا يمكن لحديث هزيل من الناحية السندية , ومبهم من الناحية الـدلالـيـة , ان يـرتـفع الى مستوى تغطية هذا الامرالحساس والوفا به , ويكون ذريعة يتشبث بها الـمدافعون عن البدع والمحدثات ,ويحسموا عن طريقها النزاعات التي تدور حول اكثر المفاهيم الاسلامية حساسية وخطورة .
عـلى ان قضية الخلافة الاسلامية والولاية على امر التشريع هي اهم ما يفكر فيه رائد انساني مثل الـنـبـي الاكـرم (ص ) , الـذي بعث ليقدم للبشرية جمعا منهجا متكاملايغطي جميع جوانب الحياة , ويستجيب لمختلف احتياجاتها ومتطلباتها , ليودع امته بعدذلك وهو مطمئن على سلامة ما اتى به من مبادئ واحكام .
ولا يمكن ان يدعى هنا التفكيك بين مضمون الحديث الذي يرجع الناس الى سنة الخلفا الراشدين هنا , ويامرهم باتباعها , ويقرنها مع سنته بالقول ( سنتي وسنة الخلفاالراشدين ) , وتقع هذه الوصية في اواخـر حياته على ما هو ظاهر الحديث لا يمكن التفكيك بين كل ذلك وبين امر الخلافة الاسلامية الـعـامـة , اذ ان الخلافة بعد الرسول (ص )لا تعني الا اقامة السنة , والتصدي لبيانها ونشرها بين الناس , وهو يتضمن امر القيادة والرئاسة العامة للمجتمع في جميع شؤونه وخصوصياته , اذ ما من واقعة الا وللاسلام حكم شرعي وسنة واقعية ثابتة فيها , وهو الامر الذي جسده رسول اللّه (ص ) فـي حـيـاتـه بـكل وضوح , وجمع فيه بين القيادتين الروحية والسياسية للمجتمع , وحتى الواقع العملي لتطبيق العامة هذا الحديث على ابي بكر وعمر وعثمان لم يتجاوز هذه الحقيقة او يتعداها ,اذ لـم يـقـولـوا بان هؤلا كانوا خلفا للناس في امر الفتيا والاحكام الدينية فحسب , لانهم في الواقع قد تصدوا الى ادارة شؤون المجتمع سياسيا ايضا.
على ان علما العامة ومحدثيهم يروون الحشد الكبير من الروايات الدالة على استخلاف ابي بكر لعمر من بعده , وجعل عمر الخلافة من بعده في واحد من ستة نفرشخصهم باسمائهم , وقد طفحت كتب الحديث العامية بالاخبار التي تؤكد على ان ابا بكروعمر لم يتركا الامر من دون استخلاف , فكيف يمكن للنبي الاكرم (ص ) الذي اوتمن على اوسع الشرايع السماوية واكثرها شمولية , ان يخرج عن الـسـيـر عـلـى ضـؤ هـذه القاعدة العقلائية المسلمة , ويتعامل مع امر الاستخلاف بهذه الطريقة المزعومه , ومن خلال حديث متناقض في مضمونه , ومجمل في دلالته , ويتيم في مؤداه ؟ روي ان ابـا بكر : (( دعا عثمان بن عفان فقال : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم , هذاما عهد ابو بكر بن ابي قحافة في آخر عهده من الدنيا خارجا عنها , وعند اول عهده بالاخرة داخلا فيها , حيث يـؤمـن الـكـافـر , ويوقن الفاجر , ويصدق الكاذب , اني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب , فاسمعوا له واطيعوا )) ((933)) .
وروي ايـضـا ان ابـا بـكر قال لعمر : (( ادعوك لامر متعب لمن وليه , فاتق اللّه يا عمربطاعته , واطعه بتقواه )) ((934)) .
وروي ان الـناس قالوا لعمر عند ما دنت اليه الوفاة : استخلف , فقال (( لا اجداحدا احق بهذا الامر مـن هـؤلا النفر الذين توفي رسول اللّه (ص ) وهو عنهم راض , فايهم استخلف فهو الخليفة بعدي , فسمى عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعدا )) ((935)) .
وعـنـه انـه قـال : (( وان اجـتـمع راي ثلاثة ثلاثة فاتبعوا صنف عبدالرحمن بن عوف واسمعوا واطيعوا )) ((936)) .
ولننظر الى ما يرويه ابن عباس عن عمر حيث يقول :
(( اني لجالس مع عمر بن الخطاب ذات يوم اذ تنفس تنفسا ظننت ان اضلاعه قدتفرجت , فقلت : يا امـيـر الـمؤمنين ما اخرج هذا منك الا شر , قال : شر واللّه , اني لا ادري الى من اجعل هذا الامر بعدي , ثم التفت الي فقال : لعلك ترى صاحبك لها اهلا , فقلت :انه لاهل ذلك في سابقته وفضله , قال : انه لكما قلت , ولكنه امرؤ فيه دعابة )) ((937)) .
فهل يعقل ان يفكر غير الرسول الاكرم (ص ) في امر الخلافة الاسلامية بهذاالمستوى من التفكير المؤلم , ويترك صاحب الرسالة (ص ) امته مع حديث ( سنة الخلفاالراشدين ) الذي وقفنا على سنده ودلالته قبل قليل ؟ ان مـن يـسـتـعـرض مـفردات الشريعة الاسلامية وتعاليمها , يجد انها تعطي القضاياالتي تلي امر الـخـلافـة في الاهمية الشي الكثير من التركيز , وتغطيه بالعدد الغفير من الاحاديث , كيف وامر الولاية هو الدعامة الاولى للدين , والاساس الرئيسي الذي تشاد عليه بقية التعاليم ؟.
يقول الامام الباقر(ع ) على ما رواه زرارة عنه :
(( بني الاسلام على خمسة اشيا , على الصلاة , والزكاة , والحج , والصوم ,والولاية , قال زرارة : واي شـي مـن ذلـك افـضل ؟ فقال (ع ) : الولاية افضل , لانهامفتاحهن , والوالي هو الدليل عليهن )) ((938)) .
ويقول (ع ) :
(( بـنـي الاسلام على خمس , على الصلاة , والزكاة , والصوم , والحج , والولاية ,ولم يناد بشي كما نودي بالولاية )) ((939)) .
فكيف يمكن لهذا البنا الفكري الذي آمن به ابنا العامة لمئات السنين , واختطوانهجه , وتسالموا على تـعاطيه , خلال الحقب الزمنية المتمادية كيف يمكن لهذا البنا ان يستند الى مثل هذه الرواية الهزيلة التي عليها من الاشكالات والنقوض ما عليها , وكيف يمكن ان يستظهر منها الامر بوجوب اتباع سنه ( الـخـلـفا الاربعة ) على مازعموا , في مقابل الحشد الكبير , والسيل المتدفق من الايات الكريمة والاحـاديـث الـنـبوية المتواترة والمستفيضة التي دلت على ايكال امر الولاية الى اهل بيت العصمة والطهارة (ع ) , كية الولاية , وآية المباهلة , وآية التطهير , وآية المودة , وآية التبليغ وكحديث الـغدير ,وحديث الثقلين , وحديث السفينة , وحديث المنزلة الى غير ذلك من الاحاديث التي طفحت بها كتب الفريقين , ومما ملا ذكره الخافقين .
5 ـ ائمة اهل البيت (ع ) خلفا الرسول بنص منه :
نـقل ابنا العامة في مصادرهم المعتبرة ان رسول اللّه (ص ) قد نص على ان خلفاالامة الاسلامية من بـعـده هـم ( اثنا عشر ) خليفة , وانهم من قريش , فتكون هذه الاحاديث مفسرة للمراد من لفظة ( الـخـلفا الراشدين ) الوارد ذكرها في حديث (سنة الخلفا الراشدين ) , باعتبار انطباقها على ائمة اهل البيت صلوات اللّه عليهم اجمعين .
جا في ( صحيح البخاري ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي منهم اثنان )) ((940)) .
وفيه , وفي ( سنن الترمذي ) عن جابر بن سمرة قال :
(( سـمعت النبي (ص ) يقول يكون اثنا عشر اميرا , فقال كلمة لم اسمعها , فقال ابي :انه قال : كلهم من قريش )) ((941)) .
وفي ( صحيح مسلم ) عن جابر بن سمرة قال :
(( دخلت مع ابي علي النبي (ص ) فسمعته يقول : ان هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خـلـيـفـة , قـال : ثـم تـكـلـم بـكلام خفي علي , قال : فقلت لابي : ما قال ؟قال : كلهم من قريش )) ((942)) .
وفيه ايضا عن جابر بن سمرة قال :
(( سـمـعت رسول اللّه (ص ) يقول : لا يزال الاسلام عزيزا الى اثني عشر خليفة , ثم قال كلمة لم افهمها , فقلت لابي : ما قال ؟ فقال كلهم من قريش )) ((943)) .
وفيه ايضا عنه (ص ) :
(( لا يزال الاسلام عزيزا منيعا الى اثني عشر خليفة )) ((944)) .
وفيه ايضا عنه (ص ) :
(( لا يـزال الـديـن قـائمـا حـتى تقوم الساعة , او يكون عليكم اثنا عشر خليفة , كلهم من قريش )) ((945)) .
وقد ورد في مصادر العامة المعتبرة ايضا علاوة على تحديد الائمة بعددهم وانهم اثنا عشر خليفة , وتـحديد اصلهم وهو انهم من قريش , من خلال احاديث معتبرة وردايضا في مصادرهم النص على بعضهم كما جا في كتاب مودة القربى ان رسول اللّه (ص )قد قال للحسين (ع ) :
(( انت امام ابن امام , اخو امام , ابو ائمة , وانت حجة ابن حجة , اخو حجة ابوحجج تسع , تاسعهم قائمهم )) ((946)) .
كما ورد النص على طرفي هذه السلسلة المباركة وتشخيص اول فرد فيها وهوالامام علي بن ابي طـالـب (ع ) , وآخـر فرد فيها وهو الامام محمد المهدي (ع ) , واماتشخيص الائمة باسمائهم فقد ورد فـي مـجـامـيـع غـفيرة من مصادرنا المعتبرة , فاما ما وردبشان سيد الائمة وامير المؤمنين عـلـي (ع ) فقد تقدمت الاشارة الى طرف منه في صدرهذه الدراسة , واما ما ورد بشان الامام الثاني عـشر(ع ) فهو احاديث كثيرة ايضا منها ماروي في ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي : ان رسول اللّه (ص ) قال :
(( ان خـلفائي واوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي الاثنا عشر , اولهم علي ,وآخرهم المهدي )) ((947)) .
ومنها ما ورد في ( سنن الترمذي ) من ان رسول اللّه (ص ) قال :
(( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي , يواطئ اسمه اسمي )) ((948)) .
وفيه ايضا عنه (ص ) :
(( لو لم يبق من الدنيا الا يوم , لطول اللّه ذلك اليوم حتى يلي رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي )) ((949)) .
وفي ( سنن ابن ماجة ) عن علقمة بن عبداللّه قال :
(( بـينما نحن عند رسول اللّه (ص ) اذا اقبل فتية من بني هاشم , فلما رآهم النبي (ص )اغرورقت عيناه , وتغير لونه , قال : فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه , فقال :انا اهل بيت اختار اللّه لـنا الاخرة على الدنيا , وان اهل بيتي سيلقون بعدي بلا وتشريداوتطريدا , حتى ياتي قوم من قبل المشرق , معهم رايات سود , فيسالون الخير فلايعطونه , فيقاتلون فينصرون , فيعطون ما سالوا , فـلا يقبلونه , حتى يدفعونها الى رجل من اهل بيتي , فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا , فمن ادرك ذلك منكم فلياتهم ولو حبواعلى الثلج )) ((950)) .
وفيه ايضا عن ام سلمة انها قالت :
(( سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : المهدي من ولد فاطمة )) ((951)) .
وعنه (ص ) :
(( المهدي منا اهل البيت , يصلحه اللّه في ليلة )) ((952)) .
وعنه (ص ) :
(( المهدي منا , يختم الدين بنا , كما فتح بنا )) ((953)) .
وعنه (ص ) :
(( يـحل بامتي في آخر الزمان بلا شديد من سلاطينهم لم يسمع بلا اشد منه ,حتى لا يجد الرجل مـلجا , فيبعث اللّه رجلا من عترتي اهل بيتي , يملا الارض قسطاوعدلا , كما ملئت ظلما وجورا )) ((954)) .
وعنه (ص ) في المهدي ايضا :
(( هو رجل من عترتي , يقاتل على سنتي , كما قاتلت انا على الوحي )) ((955)) .