عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

رسالة الامام علي بن محمد الهادي (ع ) في الجبر والتفويض

الملحق الرابع رسالة الامام علي بن محمد الهادي (ع ) في الجبر والتفويض

((1599)) وبيان معنى الامر بين الامرين . روي عن الامام ابي الحسن علي بن محمد الهادي (ع ) ( في الرد على اهل الجبروالتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين ) انه اجاب :
مـن عـلـي بـن مـحـمـد , سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة اللّه وبركاته ,فانه ورد علي كتابكم
((1600)) , وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم , وخوضكم في القدر ومقالة من يقول مـنكم بالجبر , ومن يقول بالتفويض , وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم , وما ظهر من العداوة بينكم , ثم سالتموني عنه وبيانه لكم , وفهمت ذلك كله .
اعـلـمـوا رحـمكم اللّه انا نظرنا في الاثار , وكثرة ما جات به الاخبار , فوجدناهاعند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن اللّه جل وعز لا تخلو من معنيين : اما حق فيتبع , واما باطل فيجتنب , وقـد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم ان القرآن حق لاريب فيه عند جميع اهل الفرق , وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه ,مصيبون مهتدون وذلك بقول رسوله اللّه (ص ) : (( لا تـجـتمع امتي على ضلالة )) فاخبران جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق , هذا اذا لم يخالف بـعـضـها بعضا والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه : فاذا شهد القرآن بتصديق خبر وتـحـقيقه , وانكرالخبر طائفة من الامة لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الاصل على تصديق الكتاب , فان [ هي ] جحدت وانكرت لزمها الخروج من الملة .
فاول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر وردعن رسول اللّه (ص ) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه اقاويلهم حيث قال : (( اني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعـترتي ـ اهل بيتي ـ لن تضلوا ما تمسكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )) , فـلـما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب اللّه نصا مثل قوله جل وعز : ( انما وليكم اللّه ورسوله والـذيـن آمـنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون # ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمـنوافان حزب اللّه هم الغالبون )
((1601)) , وروت العامة في ذلك اخبارا لامير المؤمنين (ع ) انـه تصدق بخاتمه وهو راكع , فشكر اللّه ذلك له , وانزل الاية فيه فوجدنا رسول اللّه (ص ) قداتى بقوله : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) وبقوله : (( انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي )) , ووجدناه يقول : (( علي يقضي ديني , وينجز موعدي , وهوخليفتي عليكم من بعدي )).
فالخبر الاول الذي استنبطت منه هذه الاخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم , وهو ايضا موافق للكتاب , فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهدالاخر لزم على الامة الاقرار بـها ضرورة , اذ كانت هذه الاخبار شواهدها من القرآن ناطقة , ووافقت القرآن والقرآن وافقها ثم وردت حـقـائق الاخـبار من رسول اللّه (ص )عن الصادقين (ع ) ونقلها قوم ثقات معروفون , فصار الاقـتـدا بـهذه الاخبار فرضا واجباعلى كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه الا اهل العناد وذلك ان اقاويل رسـول اللّه (ص ) مـتـصـلـة بـقول اللّه , وذلك مثل قوله في محكم كتابه : ( ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا )
((1602)) , ووجدنا نظير هذه الاية قول رسول اللّه (ص ) : (( من آذى عليا فقد آذاني , ومن آذاني فقد آذى اللّه , ومن آذى اللّه يوشك ان يـنتقم منه )) , وكذلك قوله (ص ) : (( من احب عليا فقد احبني , ومن احبني فقد احب اللّه )) , ومـثـل قوله (ص ) في بني وليعة : (( لابعثن اليهم رجلا كنفسي , يحب اللّه ورسوله ,ويحبه اللّه ورسـولـه , قـم يا علي فسر اليهم )) ((1603)) وقوله (ص ) : يوم خيبر : (( لابعثن اليهم غدا رجلا يحب اللّه ورسوله , ويحبه اللّه ورسوله , كرارا غير فرار , لا يرجع حتى يفتح اللّه عليه )) فقضى رسول اللّه (ص ) بالفتح قبل التوجيه , فاستشرف لكلامه اصحاب رسول اللّه (ص ) , فلما كان من الغد دعا عليا(ع ) , فبعثه اليهم فاصطفاه بهذه المنقبة ((1604)) ,وسماه كرار غير فرار , فسماه اللّه محبا للّه ولرسوله , فاخبر ان اللّه ورسوله يحبانه .
وانـمـا قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما اردنا وقوة لما نحن مبينوه من امر الجبروالتفويض والمنزلة بين المنزلتين وباللّه العون والقوة , وعليه نتوكل في جميع امورنا , فانانبدا من ذلك بقول الـصـادق (ع ) : (( لا جـبـر ولا تـفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة , وتخلية السرب
((1605)) , والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة , والسبب المهيج للفاعل على فعله )) , فـهـذه خـمـسـة اشيا جمع به الصادق (ع ) جوامع الفضل , فاذانقص العبد منها خلة كان العمل عنه مـطـروحـا بحسبه , فاخبر الصادق (ع ) باصل ما يجب على الناس من طلب معرفته , ونطق الكتاب بتصديقه , فشهد بذلك محكمات آيات رسوله , لان الرسول (ص ) وآله (ع ) لا يعدون شيئا من قوله , واقـاويـلـهم حدود القرآن ,فاذا وردت حقائق الاخبار والتمست شواهدها من التنزيل , فوجد لها مـوافـقا , وعليهادليلا كان الاقتدا بها فرضا لا يتعداه الا اهل العناد كما ذكرنا في اول الكتاب ولما الـتـمـسـنـاتـحـقـيـق ما قاله الصادق (ع ) من المنزلة بين المنزلتين وانكاره الجبر والتفويض , وجدناالكتاب قد شهد له , وصدق مقالته في هذا , وخبر عنه ايضا موافق لهذا , ان الصادق (ع )سئل هـل اجبر اللّه العباد على المعاصي ؟ فقال الصادق (ع ) : هو اعدل من ذلك فقيل له :فهل فوض اليهم ؟ فقال (ع ) : هو اعز واقهر لهم من ذلك .
وروي عنه انه قال : الناس في القدر على ثلاثة اوجه : رجل يزعم ان الامرمفوض اليه , فقد وهن اللّه فـي سلطانه , فهو هالك ورجل يزعم ان اللّه جل وعز اجبرالعباد على المعاصي , وكلفهم ما لا يـطـيـقون , فقد ظلم اللّه في حكمه , فهو هالك , ورجل يزعم ان اللّه كلف العباد ما يطيقون , ولم يـكلفهم مالا يطيقون , فاذا احسن حمد اللّه , واذااسا استغفر اللّه , فهذا مسلم بالغ , فاخبر(ع ) ان مـن تـقـلـد الجبر والتفويض ودان بهما فهوعلى خلاف الحق , فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطا , وان الذي يتقلدالتفويض يلزمه الباطل , فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.
ثـم قـال (ع ) : واضـرب لكل باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالب ,ويسهل له البحث عن شـرحـه , تـشـهـد بـه محكمات آيات الكتاب , وتحقق تصديقه عندذوي الالباب , وباللّه التوفيق والعصمة .
فاما الجبر الذي يلزم من دان به الخطا فهو قول من زعم ان اللّه جل وعز اجبرالعباد على المعاصي , وعاقبهم عليها , ومن قال بهذا القول فقد ظلم اللّه في حكمه , وكذبه ورد عليه قوله : ( ولا يظلم ربك احدا )
((1606)) , وقوله : ( ذلك بما قدمت يداك وان اللّه ليس بظلام للعبيد ) ((1607)) , وقوله : ( ان اللّه لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون ) ((1608)) .
مع آي كثيرة في ذكر هذا فمن زعم انـه مجبر على المعاصي فقد احال بذنبه على اللّه , وقد ظلمه في عقوبته ومن ظلم اللّه فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفرباجتماع الا مـة ومثل ذلك مـثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه , ولا يملك عرضا من عرض الدنيا , ويعلم مولاه ذلك منه فامره على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة ياتيه بها , ولم يملكه ثمن ما ياتيه به من حاجته وعلم المالك ان على الحاجة رقيبالا يطمع احد في اخذها منه الا بما يرضى به من الثمن , وقد وصف مالك هـذا الـعـبـدنفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفي الجور , واوعد عبده ان لم ياته بحاجته ان يـعـاقـبـه عـلى علم منه بالرقيب الذي على حاجته انه سيمنعه , وعلم ان المملوك لا يملك ثمنها , ولم يملكه ذلك , فلما صار العبد الى السوق , وجا لياخذ حاجته التي بعثه المولى لها , وجدعليها مانعا يـمـنع منها الا بشرا , وليس يملك العبد ثمنها , فانصرف الى مولاه خائبا بغيرقضا حاجته , فاغتاظ مولاه من ذلك , وعاقبه عليه , اليس يجب في عدله وحكمه ان لايعاقبه , وهو يعلم ان عبده لا يملك عـرضا من عروض الدنيا , ولم يملكه ثمن حاجته ؟ فان عاقبه عاقه ظالما متعديا عليه , مبطلا لما وصـف مـن عـدلـه وحكمته ونصفته , وان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين اوعده بالكذب والـظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة ,تعالى عما يقولون علوا كبيرا , فمن دان بالجبر او بما يدعو الـى الـجـبر فقد ظلم اللّه , ونسبه الى الجور والعدوان , اذ اوجب على من اجبر[ه ] العقوبة , ومن زعـم ان اللّه اجـبر العبادفقد اوجب على قياس قوله ان اللّه يدفع عنهم العقوبة , ومن زعم ان اللّه يـدفع عن اهل المعاصي العذاب فقد كذب اللّه في وعيده حيث يقول : ( بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون )
((1609)) , وقوله : ( ان الذين ياكلون اموال ال يتامى ظلما انما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) ((1610)) , وقوله :( ان الذين كفروا بـيـاتـنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداغيرها ليذوقوا العذاب ان اللّه كان عزيزا حكيما ) ((1611)) , مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد اللّه ويلزمه في تكذيبه آية من كتاب اللّه الكفر وهو ممن قال اللّه : (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزا من يفعل ذلـك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون الى اشد العذاب وما اللّه بغافل عما تعملون ) ((1612)) بـل نـقـول : ان اللّه جـل وعـز جـازى الـعـبـاد عـلـى اعـمـالهم , ويعاقبهم على افـعـالـهـم بالاستطاعة التي ملكهم اياها , فامرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه : ( من جا ب الحسنة فله عشر امثال ها ومن جا بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ) ((1613)) , وقال جل ذكره :
( يـوم تـجـد كـل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سؤتود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا ويـحـذركـم اللّه نـفـسـه )
((1614)) وقـال : ( الـيوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) ((1615)) .
فـهـذه آيـات محكمات تنفي الجبر ومن دان به , ومثلها في القرآن كثير , اختصرناذلك لئلا يطول الكتاب , وباللّه التوفيق .
واما التفويض الذي ابطله الصادق (ع ) , واخطا
((1616)) من دان به وتقلده فهوقول القائل : ان اللّه جل ذكره فوض الى العباد اختيار امره ونهيه واهملهم , وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب الى تحريره ودقـته , والى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسول (ص ) , فانهم قالوا : لو فوض اليهم على جـهـة الاهـمال لكان لازما له رضا مااختاروه واستوجبوا منه الثواب ((1617)) , ولم يكن عليهم فـيـمـا جـنـوه العقاب اذا كان الاهمال واقعا , وتنصرف هذه المقالة على معنيين : اما ان يكون العباد تـظـاهـروا عـليه فالزموه قبول اختيارهم برائهم ضرورة كره ذلك ام احب فقد لزمه الوهن , او يـكـون جـل وعـز عـجـز عن تعبدهم بالامر والنهي على ارادته كرهوا او احبوا , ففوض امره ونـهـيـه الـيـهـم , واجـراهما على محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بارادته فجعل الاختيار اليهم في الـكفروالايمان , ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه , ويعرف له فضل ولايته ,ويقف عند امـره ونـهـيه , وادعى مالك العبد انـه قاهر , عزيز , حكيم , فامر عبده ونهاه ,ووعده على اتباع امـره عظيم الثواب , واوعده على معصيته اليم العقاب , فخالف العبدارادة مالكه , ولم يقف عند امره ونـهـيه , فاي امر امره او اي نهي نهاه عنه لم ياته على ارادة المولى , بل كان العبد يتبع ارادة نفسه واتـبـاع هـواه , ولا يـطيق المولى ان يرده الى اتباع امره ونهيه , والوقوف على ارادته , ففوض اخـتـيـار امره ونهيه اليه , ورضي منه بكل ما فعله على ارادة العبد لا على ارادة المالك , وبعثه في بعض حوائجه , وسمى له الحاجة , فخالف على مولاه , وقصد لارادة نفسه واتبع هواه , فلما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه به , فاذا هو خلاف ما امره به , فقال له : لم اتيتني بخلاف ما امرتك ؟ فقال العبد :اتكلت على تفويضك الامر الي , فاتبعت هواي وارادتي , لان المفوض اليه غير محظورعليه , فاستحال التفويض .
او ليس يجب على هذا السبب اما ان يكون المالك للعبد قادرا يامر عبده باتباع امره ونهيه على ارادته لا عـلـى ارادة العبد , ويملكه من الطاقة بقدر ما يامره به وينهاه عنه ,فاذا امره بامر ونهاه عن نهي عـرفـه الثواب والعقاب عليهما , وحذره ورغبه بصفه ثوابه وعقابه , ليعرف العبد قدرة مولاه بما مـلـكـه من الطاقة
((1618)) لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه ,فيكون عدله وانصافه شاملا له , وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار , فاذا اتبع العبدامر مولاه جازاه , واذا لم يزدجر عن نهيه عـاقـبـه , او يـكون عاجزا غير قادر ففوض امره اليه احسن ام اسا , اطاع ام عصى , عاجز عن عـقـوبـته ورده الى اتباع امره وفي اثبات العجز نفي القدرة والتاله , وابطال الامر والنهي والثواب والـعـقـاب , ومـخـالـفـة الـكـتـاب اذ يقول : ( ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم ) ((1619)) , وقوله عزوجل :( اتـقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ) ((1620)) , وقـولـه : ( ومـا خـلـقـت الجن والانس الا ليعبدون # ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ) ((1621)) , وقـولـه : (واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا ) ((1622)) , وقوله : ( اطيعوا اللّه [ ورسوله ] ولا تولواعنه وانتم تسمعون ) ((1623)) .
فـمن زعم ان اللّه تعالى فوض امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز واوجب عليه قبول كل ما عـمـلوا من خير وشر , وابطل امر اللّه ونهيه ووعده ووعيده , لعلة مازعم ان اللّه فوضها اليه , لان المفوض اليه يعمل بمشيئته , فان شا الكفر او الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور , فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد ابطل جميع ما ذكرنامن وعده ووعيده , وامره ونهيه , وهو من اهل هذه الاية ( افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ب بعض فما جزا من يفعل ذلك منكم الا خزي في الـحـيوة الدنياويوم القيام ة يردون الى اشد العذاب وما اللّه بغافل عما تعملون )
((1624)) , تعالى اللّه عمايدين به اهل التفويض علوا كبيرا.
لـكن نقول : ان اللّه جل وعز خلق الخلق بقدرته , وملكهم استطاعة تعبدهم بها ,فامرهم ونهاهم بما اراد
((1625)) , فـقـبـل منهم اتباع امره , ورضي بذلك لهم , ونهاهم عن معصيته , وذم من عصاه وعـاقبه عليها , وللّه الخيرة في الامر والنهي , يختار ما يريد ويامربه , وينهى عما يكره ويعاقب عـلـيـه بـالاسـتـطاعة التي ملكها عباده لاتباع امره واجتناب معاصيه , لانه ظاهر العدل والنصفة والـحـكـمـة البالغة , بالغ الحجة بالاعذار والانذار , واليه الصفوة يصطفي من عباده من يشا لتبليغ رسـالـته , واحتجاجه على عباده , اصطفى محمدا(ص ) وبعثه برسالاته الى خلقه , فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا:( لو لا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم ) ((1626)) , يـعـني بذلك امية بن ابي الصلت وابا مسعود الثقفي ((1627)) , فابطل اللّه اختيارهم ولم يجز لهم آراهـم , حـيـث يـقـول :( اهـم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفـعـنـابـعـضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير ممايجمعون ) ((1628)) .
ولـذلـك اختار من الامور ما احب ونهى عما كره , فمن اطاعه اثابه , ومن عصاه عاقبه , ولو فوض اخـتيار امره الى عباده لاجاز لقريش اختيار امية بن ابي الصلت وابي مسعود الثقفي , اذ كانا عندهم افضل من محمد(ص ).
فـلما ادب اللّه المؤمنين بقوله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الـخـيـرة من امرهم )
((1629)) , فلم يجز لهم الاختيار باهوائهم , ولم يقبل منهم الا اتباع امره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه , فمن اطاعه رشد , ومن عصاه ضل وغوى , ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع امره , واجتناب نهيه ,فمن اجل ذلك حرمه ثوابه وانزل به عقابه .
وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض , وبذلك اخبر امير المؤمنين صلوات اللّه عليه عباية بن ربعي الاسدي حين ساله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعدويفعل , فقال له امير المؤمنين (ع ) :
سالت عن الاستطاعة تملكها من دون اللّه او مع اللّه ؟فسكت عباية , فقال له امير المؤمين (ع ) : قل يـا عـبـاية , قال وما اقول ؟ قال (ع ) : ان قلت :انك تملكها مع اللّه قتلتك وان قلت : تملكها دون اللّه قتلتك , قال عباية : فما اقول يا اميرالمؤمنين ؟ قال (ع ) : تقول انك تملكها باللّه الذي يملكها من دونك , فـان يملكها اياك كان ذلك من عطائه , وان يسلبكها كان ذلك من بلائه , هو المالك لما ملكك والقادر على ماعليه اقدرك , اما سمعت الناس يسالون الحول والقوة حين يقولون : لا حول ولا قوة الا باللّه , قـال عـباية : وما تاويلها يا امير المؤمنين ؟ قال (ع ) : لا حول عن معاصي اللّه الا بعصمة اللّه , ولا قوة لنا على طاعة اللّه الا بعون اللّه , قال : فوثب عباية فقبل يديه ورجليه .
وروي عـن امـيـر الـمؤمنين (ع ) حين اتاه نجدة يساله عن معرفة اللّه , قال يا اميرالمؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال (ع ) : بالتمييز الذي خولني والعقل الذي دلني , قال :افمجبول انت عليه ؟ قال : لو كـنـت مجبولا ما كنت محمودا على احسان ولا مذموماعلى اساة , وكان المحسن اولى باللائمة من المسيئ فعلمت ان اللّه قائم باق وما دونه حدث حائل زائل , وليس القديم الباقي كالحدث الزائل , قال نـجدة : اجدك اصبحت حكيما يا امير المؤمنين , قال : اصبحت مخيرا , فان اتيت السيئة [ بـ ] مكان الحسنة فاناالمعاقب عليها.
وروي عـن امـيـر المؤمنين (ع ) انه قال لرجل ساله بعد انصرافه من الشام , فقال : ياامير المؤمنين اخـبرنا عن خروجنا الى الشام بقضا وقدر ؟ قال (ع ) : نعم يا شيخ , ماعلوتم تلعة
((1630)) ولا هـبـطـتـم واديـا الا بقضا وقدر من اللّه , فقال الشيخ : عند اللّه احتسب عنائي يا امير المؤمنين ؟ فـقـال (ع ) مـه يـا شيخ , فان اللّه قد عظم اجركم في مسيركم وانتم سائرون , وفي مقامكم وانتم مـقـيـمـون , وفي انصرافكم وانتم منصرفون , ولم تكونوا في شي من اموركم مكرهين , ولا اليه مضطرين , لعلك ظننت انه قضا حتم , وقدر لازم ,لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب , ولسقط الـوعد والوعيد , ولما الزمت الاشيااهلها ((1631)) على الحقائق , ذلك مقالة عبدة الاوثان واوليا الـشيطان , ان اللّه جل وعز امر تخييرا , ونهى تحذيرا , ولم يطع مكرها , ولم يعص مغلوبا , ولم يـخـلق السموات والارض وما بينهما باطلا , ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ,فقام الشيخ فقبل راس امير المؤمنين (ع ) وانشا يقول :
انت الامام الذي نرجو بطاعته ـــــيوم النجاة من الرحمن غفرانا.
اوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ـــــجزاك ربك عنا فيه رضوانا
((1632)) .
فـلـيـس مـعـذرة فـي فـعل فاحشة ـــــقد كنت راكبها ظلما وعصيانا
((1633)) فقد دل امير الـمـؤمـنـين (ع ) على موافقة الكتاب , ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الـبـاطل والكفر وتكذيب الكتاب , ونعوذ باللّه من الضلالة والكفر , ولسنا ندين بجبر ولا تفويض , لـكـنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهوالامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا اللّه , وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ,ودان به الائمة الابرار من آل الرسول صلوات اللّه عليهم .
ومـثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا احب ان يختبرعبده على علم منه بـمـا يـؤل اليه , فملكه من ماله بعض ما احب ووقفه
((1634)) على امور عرفهاالعبد , فامره ان يـصـرف ذلـك الـمال فيها , ونهاه عن اسباب لم يحبها , وتقدم اليه ان يجتنبهاولا ينفق من ماله فيها , والـمال يتصرف في اي الوجهين , فصرف المال ((1635)) احدهما في اتباع امر المولى ورضاه , والاخـر صـرفـه في اتباع نهيه وسخطه , واسكنه دار اختباراعلمه انه غير دائم له السكنى في الـدار , وان له دارا غيرها وهو مخرجه اليها , فيها ثواب وعقاب دائمان , فان انفذ العبد المال الذي مـلكه مولاه في الوجه الذي امره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي اعلمه انه مخرجه الـيها , وان انفق المال في الوجه الذي نهاه عن انفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود , وقـد حـد المولى في ذلك حدامعروفا وهو والمسكن الذي اسكنه في الدار الاولى , فاذا بلغ الحد اسـتـبدل المولى بالمال وبالعبد على انه لم يزل مالكا للمال والعبد في الاوقات كلها الا انه وعد ان لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى الى ان يستتم سكناه فيها , فوفى له , لان من صفات المولى العدل والوفا والنصفة والحكمة , او ليس يجب ان كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المامور بـه ان يفي له بما وعده من الثواب , وتفضل عليه بان استعمله في دارفانية , واثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة , وان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه ايام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه , وخالف امر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياه , غير ظالم لـه لما تقدم اليه واعلمه وعرفه واوجب له الوفا بوعده ووعيده , بذلك يوصف القادر القاهر , واما الـمـولـى فـهـو اللّه جـل وعـز , وامـا الـعبد فهو ابن آدم المخلوق , والمال قدرة اللّه الواسعة , ومحنته ((1636)) اظهار[ ه ]الحكمة والقدرة , والدار الفانية هي الدنيا , وبعض المال الذي ملكه مـولاه هـو الاسـتطاعة التي ملك ابن آدم , والامور التي امر اللّه بصرف المال اليها هو الاستطاعة لاتـبـاع الانـبـيـاوالاقـرار بما اوردوه عن اللّه جل وعز , واجتناب الاسباب التي نهى عنها هي طـرق ابـلـيـس وامـا وعـده فـالـنـعيم الدائم وهي الجنة , واما الدار الفانية فهي الدنيا واما الدار الاخـرى فـهـي الـدار الـبـاقـيـة وهـي الاخـرة والـقـول بـيـن الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد.
وشـرحـهـا في الخمسة الامثال التي ذكرها الصادق (ع )
((1637)) انها جمعت جوامع الفضل وانا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان ان شا اللّه .

تفسير صحة الخلقة

امـا قـول الصادق (ع ) فان معناه كمال الخلق للانسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز واطلاق الـلـسان بالنطق , وذلك قول اللّه : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) ((1638)) .
فـقد اخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكـل ذي حـركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق وذلك قوله : ( لقد خلقنا الانسان في احـسـن تـقويم )
((1639)) , وقوله : ( يا ايها الانسان ماغرك بربك الكريم # الذي خلقك فسواك فـعـدلك # في اي صورة ما شا ركبك ) ((1640)) , وفي آيات كثيرة , فاول نعمة اللّه على الانسان صـحة عقله , وتفضيله على كبير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان , وذلك ان كل ذي حركة على بـسـيـط الارض هو قائم بنفسه بحواسه , مستكمل في ذاته , ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس , فمن اجل النطق ملك اللّه ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهياوغيره مسخر له كما قال اللّه : ( كذلك سخرها لكم لتكبروا اللّه على ما هداكم ) ((1641)) ,وقـال : ( وهـو الـذي سـخـر الـبـحـر لـتـاكـلـوا مـنـه لـحما طريا وتستخرجوا منه حلية تـلبسونها) ((1642)) , وقال : ( والانعام خلقها لكم فيها دف ومنافع ومنها تاكلون # ولكم فيهاجمال حـيـن تـريـحـون وحـيـن تـسـرحـون # وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس ) ((1643)) , فـمـن اجـل ذلك دعا اللّه الانسان الى اتباع امره , والى طاعته بتفضيله اياه باستوا الـخـلـق وكمال النطق والمعرفة , بعد ان ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله : ( فاتقوا اللّه ما استطعتم واسمعوا واطيعوا ) ((1644)) , وقوله : ( لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها ) ((1645)) , وقـولـه : ( لا يـكلف اللّه نفسا الا ما آتيها ) ((1646)) , وفي آيات كثيرة , فاذاسلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله : ( ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ) ((1647)) , فـقـد رفـع عـن كل من كان بهذه الصفة الجهاد ,وجميع الاعمال التي لا يقوم بها , وكـذلـك اوجـب عـلى ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك , ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج , قوله : ( وللّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) ((1648)) وقوله في الـظـهار : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ـ الى قوله ـ : فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ) ((1649)) .
كـل ذلك دليل على ان اللّه تبارك وتعالى لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بق وة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك , فهذه صحة الخلقة .
واما قوله : تخلية السرب
((1650)) فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما امره اللّه بـه , وذلـك قوله فيمن استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا , كما قال اللّه تـعـالـى : ( الا المستضعفين من الرجال والنسا والولدان لايستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) ((1651)) , فاخبر ان المستضعف لم يخل سربه , وليس عليه من القول شي اذا كان مطمئن القلب بالايمان .
وامـا الـمهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الى اجل الوقت , وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم الى ان ياتيه اجله فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير , وذلك قوله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا الى اللّه ورسول ه )
((1652)) , وان كان لم يـعـمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الى استتمام امره وقد حظر على البالغ ما لم يحظر عـلى الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله : ( وقل لل مؤمنات يغضضن من ابصارهن ) ((1653)) , فلم يجعل عليهن حرجا في ابدا الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الاحكام .
وامـا قوله : الزاد فمعناه الجدة
((1654)) والبلغة التي يستعين بها العبد على ما امره اللّه به وذلك قوله : ( ما على المحسنين من سبيل ) ((1655)) , الا ترى انه قبل عذر من لم يجد ماينفق والزم الـحـجة كل من امكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد واشباه ذلك , وكذلك قبل عذر الفقرا واوجب لهم حقا في مال الاغنيا بقوله : ( للفقرا الذين احصروا في سبيل اللّه ) ((1656)) , فامر باعفائهم , ولم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون .
وامـا قـولـه فـي الـسـبـب الـمهيج , فهو النية التي هي داعية الانسان الى جميع الافعال وحاستها القلب
((1657)) , فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل اللّه منه عملا الا بصدق الـنـيـة , ولـذلـك اخبر عن المنافقين بقوله : ( يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم واللّه اعلم بما يـكتمون ) ((1658)) , ثـم انزل على نبيه (ص ) توبيخا للمؤمنين ( ياايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تـفـعـلـون ) ((1659)) , فاذا قال الرجل قولا , واعتقد في قوله دعته النية الى تصديق القول بـاظـهار الفعل , واذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته , وقداجاز اللّه صدق النية وان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله : ( الا من اكره و قل به مطمئن بالايمان ) ((1660)) , وقوله : ( لا يؤاخذكم اللّه باللغو في ايمانكم ) ((1661)) , فدل القرآن واخبار الرسول (ص ) ان القلب مالك لجميع الحواس ,يصحح افعالها , ولا يبطل ما يصحح القلب شيئ .
فـهـذا شرح جميع الخمسة الامثال التي ذكرها الصادق (ع ) انها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض , فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الامثال وجب عليه العمل كملا لما امر اللّه عـزوجـل به ورسوله , واذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها
((1662)) مطروحا بحسب ذلك .
فاما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة ومن ذلك قوله : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم )
((1663)) , وقال : ( سـنـستدرجهـم من حيث لا يعلمون ) ((1664)) , وقال : ( آلم# احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمـنـا وهـم لا يـفـتـنون ) ((1665)) , وقال في الفتن التي معناها الاختبار : ( ولقد فتنا سليمان ) ((1666)) , وقـال فـي قـصـة مـوسـى (ع ) : ( فـانـا قد فتناقومك من بعدك واضلهم السامري ) ((1667)) , وقول موسى : ( ان هي الا فتنتك ) ((1668)) )),اي اختبارك .
فهذه الايات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض .
واما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله : ( ليبلوكم فيما آتاكم )
((1669)) , وقوله : ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) ((1670)) , وقوله : ( انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة ) ((1671)) ,وقوله : ( خــلق الموت والـحيوة ليبلوكم ايكم احسن عملا ) ((1672)) , وقوله : ( واذابتلى ابراهيم ربـه بـكـلـمـات ) ((1673)) , وقوله : ( ولو يشا اللّه لا نتصر منهم ولكن ليبلوابعضكم ببعض ) ((1674)) وكـل مـا فـي الـقرآن من بلوى هذه الايات التي شرح اولها فهي اختبار وامثالها في القرآن كثيرة فهي اثبات الاختبار والبلوى : ان اللّه جل وعز لم يخلق الخلق عبثا ولا اهملهم سدى ولا اظهر حكمته لعبا وبذلك اخبر في قوله : ( افحسبتم انماخلقناكم عبثا ) ((1675)) , فان قال قـائل : فـلم يعلم اللّه ما يكون من العباد حتى اختبرهم ؟قلنا : بلى , قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلـك قـولـه : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) ((1676)) , وانما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يـعـذبـهم الا بحجة بعد الفعل , وقد اخبر بقوله : (ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسـلـت الـيـنـا رسـولا ) ((1677)) , وقــولـه : (ومــا كــنا معذبين حتى نبـعث رسـولا ) ((1678)) , وقـوله : ( رسلا مبشرين ومنذرين ) ((1679)) فالاختبار من اللّه بالاستطاعة الـتي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض وبهذا نطق القرآن وجرت الاخبار عن الائمة من آل الرسول (ص ).
فان قالوا ما الحجة في قول اللّه ( يضل من يشا ويهدي من يشا ) وما اشبهها ؟.
قـيل : مجاز هذه الايات كلها على معنيين : اما احدهما فاخبار عن قدرته اي انه قادر على هداية من يـشا وضلال من يشا واذا اجبرهم بقدرته على احدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو مـا شـرحـنـا فـي الـكـتاب , والمعنى الاخر ان الهداية منه تعريفه كقوله : ( واما ثمود فهديناهم )
((1680)) اي عـرفناهم ( فاستحبوا العمى على الهدى ) ((1681)) , فلو اجبرهم على الهدى لـم يـقـدروا ان يضلوا , وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الاية حجة على محكم الايات اللواتي امـرنـا بـالاخذ بها من ذلك قوله :( منه آيات م حكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قـلـوبـهم زيغ ‌فيتبعون ما ت شابه منه ابتغا الفتنة وابتغا تاويله وما يعلم الاية ) ((1682)) وقال :( فـبشر عباد # الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه ) اي احكمه واشرحه ( اولئك الذين هداهم اللّه واولئك هم اولوا الالباب ) ((1683)) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الدُرُوز
نُبوَّة النِّساء
أساليب الإصلاح ووسائله
بعض مصادر حديث ( لا فتى إلا علي .... )
كتمان أحاديث الخلافة في مصادر(مدرسة الصحابة)
الغضب
تعظيمُ شعائر الله في أوليائه
خلاصة نظرية تكامل المعرفة الدينية ((القبض والبسط ...
براهين إثبات وجود الله
الذنــوب و العمل

 
user comment