عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

الغضب

الغضب

وهو: حالة نفسیة، تبعث على هیاج الانسان، وثورته قولاً أو عملاً. وهو مفتاح الشرور، ورأس الآثام، وداعیة الازمات والاخطار. وقد تکاثرت الآثار فی ذمه والتحذیر منه:
قال الصادق علیه السلام: «الغضب مفتاح کل شر»وإنما صار الغضب مفتاحاً للشرور، لما ینجم عنه من أخطار وآثام، کالاستهزاء، والتعییر، والفحش، والضرب، والقتل، ونحو ذلک من المساوئ.
وقال الباقر علیه السلام: «إنّ الرجل لیغضب فیما یرضى أبداً حتى یدخل النار»(1)
وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «واحذر الغضب، فانه جند عظیم من جنود ابلیس» وقال علیه السلام: «الحدّة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها یندم، فإن لم یندم فجنونه مستحکم»(2)
وقال الصادق علیه السلام: «سمعت أبی یقول: أتى رسول اللّه صلّى اللّه علیه وآله رجل بدویّ ، فقال: إنی أسکن البادیة، فعلمنی جوامع الکلام. فقال: آمرک أن لا تغضب. فأعاد الأعرابی علیه المسألة ثلاث مرات، حتى رجع الى نفسه، فقال: لا أسأل عن شیء بعد هذا، ما أمرنی رسول اللّه إلا بالخیر....»(3)

بواعث الغضب:
لا یحدث الغضب عفواً واعتباطاً، وإنما ینشأ عن أسباب وبواعث تجعل الانسان مرهف الاحساس، سریع التأثر.
ولو تأملنا تلک البواعث، وجدناها مجملة على الوجه التالی:
1- قد یکون منشأ الغضب إنحرافاً صحیاً، کاعتلال الصحة العامة، أو ضعف الجهاز العصبی، مما یسبب سرعة التهیج.
2- وقد یکون المنشأ نفسیاً، منبعثاً عن الاجهاد العقلی، أو المغالاة فی الانانیة، أو الشعور بالاهانة، والاستنقاص، ونحوها من الحالات النفسیة، التی سرعان ما تستفز الانسان، وتستثیر غضبه.
3- وقد یکون المنشأ أخلاقیاً، کتعود الشراسة، وسرعة التهیج، مما یوجب رسوخ عادة الغضب فی صاحبه.

أضرار الغضب:
للغضب أضرار جسیمة، وغوائل فادحة، تضرّ بالانسان فرداً ومجتمعاً، جسمیاً ونفسیاً، مادیاً وأدبیاً. فکم غضبة جرحت العواطف، وشحنت النفوس بالاضغان، وفصمت عرى التحابب والتآلف بین الناس. وکم غضبة زجت أناساً فی السجون، وعرضتهم للمهالک، وکم غضبة أثارت الحروب: وسفکت الدماء، فراح ضحیتها الآلاف من الابریاء.
کل ذلک سوى ما ینجم عنه من المآسی والازمات النفسیة، التی قد تؤدی الى موت الفجأة.
والغضب بعد هذا یحیل الانسان برکاناً ثائراً، یتفجر غیطاً وشراً، فإذا هو إنسان فی واقع وحش، ووحش فی صورة إنسان.
فإذا بلسانه ینطلق بالفحش والبذاء، وهتک الأعراض، وإذا بیدیه تنبعثان بالضرب والتنکیل، وربما أفضى الى القتل، هذا مع سطوة الغاضب وسیطرته على خصمه، والا انعکست غوائل الغضب على صاحبه، فینبعث فی تمزیق ثوبه، ولطم رأسه، وربّما تعاطى أعمالاً جنونیة، کسبّ البهائم وضرب الجمادات.

الغضب بین المدح والذم:
الغضب غریزة هامة، تُلهب فی الانسان روح الحمیة والاباء، وتبعثه على التضحیة والفداء، فی سبیل أهدافه الرفیعة، ومثله العلیا، کالذود عن العقیدة، وصیانة الأرواح، والأموال، والکرامات. ومتى تجرد الانسان من هذه الغریزة صار عرضة للهوان والاستعباد، کما قیل «من استُغضِب فلم یغضب فهو حمار».
فیستنتج من ذلک: أنّ الغضب المذموم ما أفرط فیه الانسان، وخرج به عن الاعتدال، متحدیاً ضوابط العقل والشرع. أما المعتدل فهو کما عرفت، من الفضائل المشرّفة، التی تعزز الانسان، وترفع معنویاته، کالغضب على المنکرات، والتنمّر فی ذات اللّه تعالى.

علاج الغضب:
عرفنا من مطاوی هذا البحث، طرفاً من بواعث الغضب ومساوئه وآثامه، والآن أودّ أن أعرض وصفة علاجیة لهذا الخُلق الخطیر، وهی مؤلفة من عناصر الحکمة النفسیة، والتوجیه الخلقی، عسى أن یجد فیها صرعى الغضب ما یساعدهم على مکافحته وعلاجه.

وإلیک العناصر الآتیة:
1- إذا کان منشأ الغضب اعتلالاً صحیاً، أو هبوطاً عصبیاً کالمرضى والشیوخ ونحاف البنیة، فعلاجهم - والحالة هذه - بالوسائل الطبیة، وتقویة صحتهم العامة، وتوفیر دواعی الراحة النفسیة والجسمیة لهم، کتنظیم الغذاء، والتزام النظافة، وممارسة الریاضة الملائمة، واستنشاق الهواء الطلق، وتعاطی الاسترخاء العضلی بالتمدد على الفراش.
کل ذلک مع الابتعاد والاجتناب عن مرهقات النفس والجسم، کالاجهاد الفکری، والسهر المضنی، والاستسلام للکئابة، ونحو ذلک من دواعی التهیج.
2- لا یحدث الغضب عفواً، وإنّما ینشأ عن أسباب تستثیره، أهمها: المغالاة فی الانانیة، الجدل والمراء، الاستهزاء والتعییر، المزاح الجارح. وعلاجه فی هذه الصور باجتناب أسبابه، والابتعاد عن مثیراته جهد المستطاع.
3- تذکّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثامه، وأنها تحیق بالغاضب، وتضرّ به أکثر من المغضوب علیه، فرب أمر تافه أثار غضبة عارمة، أودت بصحة الانسان وسعادته.
یقول بعض باحثی علم النفس: دع محاولة الاقتصاص من أعدائک، فإنک بمحاولتک هذه تؤذی نفسک أکثر مما تؤذیهم... إننا حین نمقت أعداءنا نتیح لهم فرصة الغلبة علینا، وإنّ أعداءنا لیرقصون طرباً لو علموا کم یسببون لنا ممن القلق وکم یقتصّون منّا، إنّ مقتنا لا یؤذیهم، وإنّما یؤذینا نحن، ویحیل أیامنا ولیالینا الى جحیم .
وهکذا یجدر تذکر فضائل الحلم، وآثاره الجلیلة، وأنّه باعث على اعجاب الناس وثنائهم، وکسب عواطفهم.
وخیر محفّز على الحلم قول اللّه عز وجل: «إدفع بالتی هی أحسن فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنّه ولیّ حمیم، وما یلقّاها إلا الذین صبروا وما یلقّاها إلا ذو حظ عظیم» (4)
4- إنّ سطوة الغضب ودوافعه الاجرامیة، تعرّض الغاضب لسخط اللّه تعالى وعقابه، وربما عرّضته لسطوة من أغضبه واقتصاصه منه فی نفسه أو فی ماله أو عزیز علیه. قال الصادق علیه السلام: «أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبیائه: إبنَ آدم أذکرنی فی غضبک أذکرک فی غضبی، لا أمحقک فیمن أمحق، وارض بی منتصراً، فانّ انتصاری لک خیر من انتصارک لنفسک»(5)
5- من الخیر للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره، ریثما تخفّ سورته، والتروّی فی أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب، فذلک مما یخفّف حدّة التوتر والتهیج، ویعیده الى الرشد والصواب، ولا یُنال ذلک إلا بضبط النفس، والسیطرة على الأعصاب.
قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إن لم تکن حلیماً فتحّلم، فإنّه قَلّ من تشبه بقوم إلا أوشک أن یکون منهم»(6)
6- ومن علاج الغضب: الاستعاذة من الشیطان الرجیم، وجلوس الغاضب إذا کان قائماً، واضطجاعه إن کان جالساً، والوضوء أو الغسل بالماء البارد، ومس ید الرحم إن کان مغضوباً علیه، فإنه من مهدئات الغضب.
المصادر :
1- اصول الکافی.
2- نهج البلاغة.
3- اصول الکافی.
4- فصلت: 34 - 35
5- الکافی.
6- نهج البلاغة.

 

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحثّ على الجهاد
الارتباط بين الفكر الأصولي والفلسفي
الآيات الدالّة على الشفاعة التكوينية
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
الله سبحانه وتعالى احيا الموتى لعزير
کيف نشأة القاديانية و ماهي عقيدتها
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ ...
العلاقة بين رجل الدين والمجتمع
مسؤوليات الشباب في كلام القائد
ما تفسیر آیة "ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ ...

 
user comment