هو الشخصية الأكثر قدسية في ديننا الإسلامي، وله الوقع المميز في العقول والقلوب.
ذكرى مولد رسول الرحمة والإنسانية محمد (ص) لا بد من التأمل فيها لما تحمله من معانٍ ودلالات وعِبر نحتاجها في وقتنا الراهن ونحن نواجه المؤامرات ضد هذا النبي الكريم (ص) الذي استطاع بجهاده وصبره وتوكله على الله عز وجل إخراج أمته من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن التفرق والتمزق إلى الوحدة والاجتماع، وتمكن من تأسيس النواة الأولى للدولة الإسلامية القائمة على موازين الحق والعدل الإلهيين، حيث لا طبقية ولا استعباد، بل مساواة أمام القانون الإلهي الذي يصنّف الناس على أساس المقاييس الدينية من التقوى والهدى والعمل الصالح طبقاً لقوله تعالى \"إن أكرمكم عند الله أتقاكم\".
فرسول الله (ص) هو الشخصية الأكثر قدسية في ديننا الإسلامي، وله الوقع المميز في العقول والقلوب، فلولاه لما اهتدينا ولما صلينا ولا صمنا ولا التزمنا بنهج الله وخطه في الحياة، ولذا نعتبر أن هذه الشخصية هي خط أحمر لا يحق لأحد أن يعتدي على حرمته وعلى شخصه وعلى مواصفاته.
لأن التعرض له بسوء هو عبارة عن عدم احترام النبي (ص) والاستخفاف به والاستهانة بمكانته ومنزلته عند المسلمين، وعدم مساءلة المعتدي والمسيء قد يشجع بعضاً آخر على سلوك نفس النهج المسيء إلى النبي (ص)، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به المسلمون والمؤمنون بدينه وعقيدته.
والإسلام كدين يأمر أتباعه باحترام عقائد الآخرين وعدم التعرض لها بأي نوع من أنواع الإساءة لأنها مقدسة بنظرهم، وبما أنها مقدسة فهي تحظى باحترامهم وتقديرهم واهتمامهم، مهما كان رأينا كمسلمين في أنواع تلك العقائد والمفاهيم التي يؤمنون بها.
والاحترام المتبادل بين أهل الأديان والعقائد هو الذي يفتح الباب أمام الحوار العقلاني والهادئ الذي يبين فيه كل أصحاب عقيدة حججهم وبراهينهم على صحة معتقدهم ودينهم، من دون تسفيه عقيدة الآخرين، ونحن كمسلمين مأمورون بهذا النوع من الحوار كما قال تعالى \"أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة\"، وقوله الآخر \"وجادلهم بالتي هي أحسن\"، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الإسلام يريد منا احترام عقائد الآخرين، ليكون باباً للتفاهم والتلاقي، ومن أجل العيش بحرية وسلام وأمان، ولا يكون اختلاف العقيدة باباً إلى الفتنة والتقاتل والحروب، لأن في هذا السبيل تدميراً للحياة الإنسانية ولكل قيمها ومبادئها السامية التي تنفر من الشر ونتائجه المدمرة على الحياة ككل، ولا يسلك هذا السبيل المدمر إلا الذين لا يستطيعون مواجهة البراهين القوية والحجج الدامغة الموجودة عند المسلمين على صحة نبوة النبي محمد (ص) وصحة دينه وعقيدته، وأن الدين الذي كان يجب على كل أتباع الديانات السماوية اعتناقه والإيمان به لأنه الاستمرار للخط الإلهي العام الذي بدأ منذ نبينا آدم (ع) وصولاً إلى خاتم الأنبياء نبينا محمد (ص)، وقد عبّر الله عن هذه الحقيقة الإلهية الثابتة بقوله تعالى مخاطباً أهل الكتاب \"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون\".
فالإسلام يريد من أصحاب العقائد المختلفة الانفتاح على بعضهم البعض، وتحقيق التقارب فيما بينهم ليعيشوا الحياة بحرية وانسجام، ومن دون حصول تشنجات تعكر صفو الحياة المشتركة فيما بينهم، إلا أن البعض من أتباع الديانات الأخرى يصرّون في يومنا هذا على التعرض للمقدسات الإسلامية عن سابق تعمد، فتارة ينشرون رسوماً كاريكاتورية مهينة تسيء إلى شخص النبي (ص)، وتارة يتعرضون للقرآن الكريم كتاب الله المقدس ودستور المسلمين، وثالثة يعرض بعضهم ويعلن عن استعداده لقصف مكة والمدينة وهما \"المدينتان المقدستان\" لدى المسلمين، لأن الأولى فيها كعبة المسلمين وقبلتهم للصلاة ومكان طوافهم حول البيت العتيق، والمدينة المنورة فيها قبر نبينا محمد (ص) الذي تهفو اليه القلوب وتتوافد اليه أفواج المسلمين في مواسم الحج وغيرها لتجديد البيعة والولاء له.
وهذه التعديات المتنوعة، وخصوصاً التي تركز على شخصية النبي (ص) والتي تكررت كثيراً في الآونة الأخيرة في العديد من وسائل الإعلام في الغرب، والواقعة تحت تأثير القوى الاستكبارية والصهيونية العالمية، يتصورون أنهم بهذه الأفعال الشنيعة والقبيحة والمستنكرة ينالون من شخص النبي الكريم (ص) ومن مكانته لدى المسلمين والمؤمنين به، ويريدون من خلال تلك الأفعال الكريهة أن يشوهوا صورته النقية والناصعة.
ونحن نعتقد أن هذه الهجمة المسعورة على شخص النبي (ص) هي محاولة دنيئة ومكشوفة، وهي حلقة من حلقات الصراع بين قوى الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية من جهة، وبين الإسلام المحمدي الأصيل من جهة أخرى، الذي استطاع أن يثبت مواقعه في السياسة العالمية، وأن يؤدي إلى اختلال في موازين القوى التي كانت قبل عقود لمصلحة تلك القوى الشيطانية الماكرة التي تعيث فساداً وإفساداً في أرض الله وفي عباد الله.
والادعاء بأن كل هذا التهجم هو من نوع حرية الرأي المسموح بها، فهذا القول مردود على أصحابه، والدليل أن حرية الرأي حتى في عالم الغرب تقف عند حدود \"الهولوكوست\" التي إن جرؤ أحد وتعرض لها فإنه سيصبح ملاحقاً ومعرّضاً للسجن وتشويه سمعته وجعل حياته جحيماً لا يطاق.
ونحن كمسلمين نؤمن بالحرية وندعو إليها، ولكن شرط أن تكون حرية مسؤولة يؤدي الناس من خلالها دورهم بأمان وسلام، والحرية المسؤولة هي الوقوف عند حدود عقائد الآخرين وعدم التعدي على مقدساتها واحترامها، ولذا يقول الله عز وجل \"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي\"، ولذا عاش غير المسلمين في ديار الإسلام وهم يقومون بأداء شعائر دينهم من دون أن يتعرض لهم المسلمون بسوء، بل ورد في بعض المصادر التاريخية عندنا أن المسلمين كانوا يتشاركون المناسبات غير الإسلامية مع معتنقيها والمعتقدين بها من دون أن يشكل ذلك عقدة أو مشكلة عند المسلمين.
من هنا فإننا نعتبر أن التعدي على شخص النبي (ص) بأي نوع من أنواع الإساءة هو إهانة لكل الأمة الإسلامية، ومن الواجب على الأمة أن تنهض وتستنكر وترد الأذى والاعتداء على شخص نبيها (ص)، ولكن بالأساليب التي لا تتضمن الإساءة إلى معتقدات الآخرين التي أمرنا الإسلام باحترامها، ولذا قال تعالى \"ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدواً بغير علم\"، وإنما أن يكون الرد بإبراز فضائل النبي الكريم (ص) والتعريف بشخصه الكريم للعالم الغربي كله، وذلك من خلال ما قاله المنصفون من علماء ذلك العالم بحق نبينا الأعظم (ص)، لأن كلامهم هو حجة دامغة على كل المتطاولين على شخصية النبي الكريم (ص)، وكذلك من واجب وسائل الإعلام الإسلامية المرئية منها والمسموعة والمقروءة، أن تشارك بفعالية في هذه المهمة الجليلة والعظيمة، وخصوصاً أن هذه الوسائل صارت تصل إلى كل مكان في العالم، وهو واجب كل الجاليات الإسلامية في العالم.
وكذلك ندعو إلى حوار بين أهل الأديان وخصوصاً الغيارى منهم على أديانهم ومعتقداتهم، لأن مثل هذا الحوار يمكن أن يلجم كثيراً من الإساءات التي تحصل، وهو البديل المناسب للرد على من يقول بصدام الحضارات والتي تعتبر أن الهجوم بالإساءة إلى النبي (ص) هو من إفرازات هذه المقولة الشيطانية الماكرة والخادعة التي تريد تدمير الحياة البشرية وفق نظرية \"البقاء للأقوى\" الذي إذا لم تنفذ الدول والشعوب أوامره وقراراته فسيتعرض لها ولمقدساتها بالسوء والشر والإهانة، ظناً منه أنه بذلك يجعلها ترضخ وتخضع، إلا أن ذلك هو وهم لن يحقق له ما يريد، وسوف نبقى من موقعنا كمسلمين مدافعين عن نبينا محمد (ص) بالخصوص وعن كل مقدساتنا الإسلامية، لأن التهاون في الدفاع عنها هو عار على المسلمين جميعاً، وسيكونون مطالبين يوم القيامة بهذا التهاون والتقصير في الدفاع عن نبيهم (ص) وعن مقدساتهم.