إن الدور الإعلامي المنصف صاحب الرسالة والرؤية المستقبلية المبنية على أساس علمي، المنسجم مع المعطيات الاجتماعية والسياسية إذا أراد أن يقرأ التأريخ أو أن يعرضه فلابد أن يتحرك وفق منهجية واضحة ومنطلقات استقلالية بعيداً عن سياسة الانتقائية لتجييره لحساب جهة أو فكرة مع الواقع الراهن، إذ أن التاريخ بسلبياته وإيجابياته لابد أن يُعرض كما هو دون محاولة التسلق على جدرانه للخروج بمكاسب سياسية، لسهولة تغلغل الإعلام في هذه الفترة إلى كافة شرائح المجتمع من المغرب إلى المشرق.
فلابد أن تكون هناك مرتكزات أو ثوابت أو فقل قانون عام يصلح أن يُرجع إليه بلا تحيّز لمحاكمة التأريخ ومن ثم إيصال المعلومة كما هي للمتلقي البسيط لأن الإعلام يُشكّل عصباً مهماً في نقل المعلومات التاريخية وغيرها، فالأمانة التاريخية أمانة ثقيلة تحتاج في حملها إلى نفوس قد تجردت عن التعصب الطائفي أو العرقي أو السياسي، مع أن مناقشة مبدأ له جذور تاريخية يُعتبر من أخطر المواد التي يتعامل معها الإنسان إذ المفترض أن نتاج هذا المبدأ قد تبلور بعدما أحاط بالتأريخ إحاطة واعية وشمولية بما ينسجم مع معتقد الإنسان أو بما يتنافر معه.
لكن المفاجأة أن تقوم الآلة الإعلامية بفتح جزء بسيط من باب التأريخ وإيصاد الأخر بحجة أن التأريخ فيه بعض النقاط التي لا تتماشى مع واقعنا الحاضر، وهذا أمر مرفوض وخطير وستكون نتيجته تغذية الناس بمشارب مزيفة وناقصة.
فكلنا يعلم أن التأريخ الإسلامي مرت عليه فترات مظلمة ودول جائرة عملت على تزوير الحقائق لأسباب سياسية وغيرها،فهناك إضافات مشوّهة وحقائق مقلوبة وحوادث خيالية دستها أيدٍ آثمة كما فعلته دولة بني أمية وبني العباس من تزييف في التأريخ كي لا يتعارض مع أطروحتهم السياسية أمر لا يختلف معنا أحد فيه، فلا يحتاج التأريخ إلى المزيد من التمزيق والطعن والتزييف، وإذا كان الإعلام في أبان فترة العصر الأول معتمداً على المادة المقروءة وعلى الكتب حيث تُسهل عملية البحث عن الحقيقة وسط ضجيج تأريخي مخيف فإنك في العصر الحالي بالكاد تجد إنساناً يُحرك فضوله الكتاب والمطالعة بحيث يدفعه إلى قصد كتاب والبحث بين ثناياه عن الحقيقة أو عن فكرة يريد مناقشتها وذلك نتيجة الغزو الفضائي المتمثل بالمحطات التلفزيونية التي تبث كل غثٍ وسمين دون تحري الحقيقة في كثير من المواطن ودونما أي رقابة تُذكر، ولا أعني بالرقابة هنا الرقابة على ما يكون مصداقا للتعري الخُلقي وإنما أعني الرقابة العلمية المتمثلة بإخضاع المادة العلمية إلى مجهر البحث كي تخرج إلى المتلقي مادةً صحيحةً خاليةً من كل شائبة.
وإن قيام بعض المحطات الفضائية بإعطاء مساحة بطرح قضايا دينية لأمر يِثلج الصدر خصوصا ونحن أحوج ما نكون إلى ما يقرب الناس إلى الله تعالى ويبين لهم معالم الدين مستشهدين بسيرة أعظم خلق الله تعالى ألا وهو النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، وكم من شخصٍ دفعته هذه البرامج إلى أن يكون قريبا من الله بعدما عاش الغفلة وبعدما أحس بمرارة الابتعاد عن الدين.
وهذه البرامج الدينية التي تنهال علينا بين الفينة والأخرى مع ما فيها من إيجابيات مفعمة بحلاوة الإيمان إلا أننا نعتقد وفي كثير من الأحيان أن الذين يقفون وراءها يحاولون تجيير القضية الدينية لما يحملون من فكر ومن معتقد غير مكترثين بالخطورة الناجمة عن تسييس الدين لأغراض حزبية أو طائفية أو حتى شخصية.
وإذا أردنا أن نأخذ مثالاً على ما قلناه نجد أن القناة التي أطلق عليها أصحابها (المستقلة) ولا أظنها كذلك أبرز مصداق لهذا النموذج الإعلامي.
فنجد هذه المحطة قد تبنت وأخذت على عاتقها الدعوة لإبراز حقائق تاريخية طالما تحدث الناس عنها بالظل وفي نطاق ضيق حرصاً على وحدة الصفّ الإسلامي من بطش التمزيق، وهي دعوة شجاعة وجرئيه تركن إليها النفس لأول وهلة خصوصا إذا كانت الدعوة موعودةً بأن الإنصاف سوف يكون سيدها،ولأجل هذا كانت المناظرة بين الشيعة والسنّة حول ما اختلفوا عليه من أفكار وعقائد محوراً مهماً وذاع صيت المحطة حتى وصل إلى شتى بقاع المعمورة وبدأت التساؤلات تُثار من هنا وهناك حول كثير من الحقائق التي طرقت أسماعهم لأول مرة فحرّكت في الناس الفضول العلمي فانطلقوا للفحص بشكل واسع، حتى تحوّل كل ملتقى في تلك الفترة إلى منتدى علمي يُناقش فيه ما يُطرح في تلك المناظرات، وكانت هذه المناظرات تجربة ذات فائدة وربما يصحّ وصفها بالناجحة وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها المرة رقم واحد.
ومع مرور الأيام وتعدد المواضيع العلمية الخلافية التي تبنتها المحطة وفق المنهجية والسياسة التي رسمتها تفاجئنا في إعلانها عن تناول سيرة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سادس أئمة الشيعة (عليهم السلام) الأمر الذي دفع الكثير من الشيعة وقت عرض الإعلان إلى حسن الظن بالمحطة وتبدّل النظرة السلبية التي خلفتها تلك المناظرات عند البعض ظناً منهم أن المحطة فعلا تريد أن تنصف الأشخاص الذين حاولت جميع الحكومات على مرّ الأيام طمس معالمهم فأحوجت الناس إلى علومهم.
وآثار الإمام الصادق (عليه السلام) من الأمور المسلّمة عند المسلمين فشخصيته (عليه السلام) غير قابلة للنقاش عند جميع الطوائف ولا يقدح بقدسيتها إلا ناصب عامد أو حاقد جاهل ونحن وإن كنا نرى أنه (عليه السلام) إمام مفترض الطاعة وحسبنا ذلك بياناً لعلو شأنه إلا أن السنّة لا يقلّ حكمهم عن ذلك فيه فهم يرون أنه (عليه السلام) عالم رباني ومن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة لأن أئمة مذاهبهم الأربعة يدينون بالفضل إلى الإمام (عليه السلام) فهم خريجوا مدرسته (عليه السلام).
وليست خافية على أحد مقولة أبي حنيفة النعمان: لولا السنتان لهلك النعمان وكان يعني السنتين اللتين حضر فيهما عند الإمام الصادق (عليه السلام).
إذن فلا مجال في النقاش حول شخصية عظيمة يأخذ منها المسلمون العلوم بجميع ألوانها وأصنافها إذا كان تسليط الضوء على شخصية الإمام (عليه السلام) يتطلب منا التعرض إلى الواقع الزماني للفترة التي كان يعيشها والى الظلم الذي كان يواجهه عليه (عليه السلام) فلنكن من الشجاعة بمكان لكشف الحقيقة وأن الحكومات السياسية ما تركت شيئا من الفضائح إلا ومارسته لقمع فكره وتشتيته وبكل ألم نسأل لماذا عندما يصل المجال إلى أهل البيت (عليهم السلام) وبيان مظلوميتهم (عليهم السلام) نجد وعود الذين يدّعون الإنصاف هباء منثوراَ!!
وإلا فما تفسير أن يتم استضافة شخصٍ على خلفية هذا الموضوع عُرف ببغضه للشيعة وللأئمة الأطهار (عليهم السلام) حتى بدت علامات النصب جليةً واضحةً إذ لا يترك فرصة تمرّ على ذكر منقبة لأحد رموز آل البيت (عليهم السلام) إلا وتراه قد انقض عليها متهما المصدر بالضعف والإرسال والناقل بالكذب والافتراء، في عين الوقت تراه مجداً في الدفاع عن إنسان يخجل التأريخ من أن يكون هذا الإنسان رقما في معادلته، ألا وهو يزيد بن معاوية....ومن هو يزيد بن معاوية الذي ملأت مثالبه بطون الصفحات حتى لطّخ اسم الإسلام بنزواته والتي يعفّ الكثير من العجماوات عن اقترافها، حتى صار المتصفح لتأريخ الإسلام يتصبب عرقاً عندما يمر على الحقبة التي تولى فيها يزيد الحكم إذ أن يزيد كان قد ورث من أبيه الحقد والبغض والكره لعلي وآله،وقد فاق أباه عندما ترجم هذه المشاعر إلى لغة الدمّ والمواجهة السافرة مع الإمام الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل بيته من النساء والأطفال فقتل الحسين(عليه السلام) وسبى نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وليس هذا بالأمر المستغرب ولا بالأمر الجديد لأن العداء كان متأصلاً في دولة أمية بل ولا يزال عند الذين يعيشون على أطلالها يبكون الدول التي قامت على جماجم الشيعة الأبرياء وعلى كره عليٍ (عليه السلام).
ومنهم هذا الضيف الذي استضافته المحطة لمناقشة آثار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
وما يُضحك الثكلى أن يصل به الكره للشيعة أن أخترع لهم إماماً غير الإمام الصادق(عليه السلام) تحت نفس الاسم مدّعياً أن الصادق الذي تعرفه السنّة لا يقول بمقالات الشيعة لأنه كان يتولى الرموز التي تتبرأ منها الشيعة.
ولنا أن نتساءل هنا إذا كان (الشيخ) الضيف يعتقد بالإمام الصادق عالماً ربانياً فلماذا لم نر وجودا لمذهبه مع باقي المذاهب التي يجوز التعبد بها ألا يرى كما كثير من علماء الإسلام أن الصادق(عليه السلام) كان أفضل من أئمة المذاهب الأربعة علماً وأشرفهم حسبا و نسباً.
أم أن القضية مجرد ضرب الشيعة بأي طريقة كانت وبأي وسيلة؟
وبقدرة قادرٍ تحولت الحلقات المخصصة باسم الإمام الصادق ومناقشة آثاره وسيرته العطرة إلى حوار خلافي تسمع فيها نفس الكلمات المستهلكة التي أكل الدهر عليها وشرب وهي (تحريف القرآن ـ سبّ الصحابة - عبادة القبور ـ أم المؤمنين) وغيرها من الدعاوى التي كُتب في ردّها ألوف الكتب فوجدنا أنفسنا مبتعدين عن سيرة الصادق (عليه السلام) منشغلين بردّ شبهات حفظها هؤلاء عن مشايخهم فكانوا ولا يزالون يرددونها كي يوهموا الناس أن الشيعة كفار!
والعجيب أن المحطة تدّعي الإنصاف وتدّعي الحرية، فكيف سمحت لنفسها أولاً أن تستضيف شخصاً عُرف ببغضه للشيعة وتزجّ به في حوار كان الغرض منه أخذ قبسات من حياة الإمام الصادق (عليه السلام)؟
وكيف سمحت لضيفها (الشيخ) ثانيا أن يُغير مجرى الحلقات من موضوع إلى آخر؟
أهذا هو الإنصاف الإعلامي الذي تتبجح به المحطة على لسان مديرها؟!!.
إن هي إلا مؤامرة سرعان ما بدأت تظهر آثارها وآثار ما تم حياكته في الكواليس لتفضح الذين ينسجون خيوط الظلام على فكر الشيعة، الفكر الذي طالما أقلق وجودهم وهزّ كيانهم وزعزع أركان دولهم واختفى صوت الإمام الصادق (عليه السلام) وسط نهيق هؤلاء وتم خنق الحقّ كما فعل أسلافهم ولم يعطروا المسلمين بالسيرة المثالية التي عليها أهل البيت (عليهم السلام) ولكن هل وقف مسلسل المهازل في هذه المحطة؟
كلا فايغالاً في العداوة والنصب.
تم تخصيص حلقات يُستعرض فيها سيرة الشيخين أبي بكر ابن أبي قحافة وعمر بن الخطاب، ولا جديد في الأمر فأغلب المحطات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة اليوم تتناول سيرة الشيخين حتى ظنّ البعض من غير المسلمين أنهما أهم من النبي (صلى الله عليه وآله) لكثرة ما يتردد اسماهما على ألسنة متفرقة، لكن الجديد في الأمر أن الضيف الذي يستعرض هاتين الشخصيتين التاريخيتين هو الضيف (الشيخ) الذي تحدثنا عنه سابقاً منفرداً دون وجود أي شخصية شيعية تناقشه، فظن البعض أن الضيف (الشيخ) سوف يكتفي بالطرح التأريخي دون أن يتعرض للشيعة ولمعتقدهم، إلا أن شخصاً حاقداً مثل هذا الضيف تجدّه يحتال الحيلة وأختها لإقحام الشيعة في أي موضوع يتناوله لأنه لا يملك غير هذه المحفوظات ولا يكون قادراً على الخروج من المضمار الذي رسمته له تلك الأيادي المشبوهة.
ولم أجد مبرراً واحداً يقنعني عن السبب الذي كان يقف وراء التحايل التأريخي الذي كان يمارسه بحرفية تامّة والذي بدا واضحا من الضيف (الشيخ)، فكان يقرأ التأريخ بصورة معوجة بعيدة عن الأمانة التأريخية والتي يُفترض أن تكون في روح الباحث، والحوار وإن كان عن أبي بكر ابن أبي قحافة إلا أن المشاهد يرى إقحام عليٍ (عليه السلام) كلما أحسّ أن في الأفق فضيلة بدأت تلوح له (عليه السلام) ليس من أجل ذكرها والتباهي بها وإنما لأجل ضربها واتهامها بالضعف والإرسال وعدم الثبوت كما حاول (الشيخ) الضيف أن يخنق الحقيقة عندما ذُكر حديث المؤاخاة بين النبي (صلى الله عليه وآله) وعليٍ (عليه السلام) فوجدناه يضرب هذه الفضيلة التي لم يشكك بها أحد من علماء المسلمين، ويعبر عنها عبور المسلّمات علماً أنهم في الموارد التي تخص الرموز الذين يؤمنون بهم تراهم يجاهدون ويلهثون وراء كل فضيلة مزورة لإثباتها لهم ونسبتها إليهم.
فمسالة المؤاخاة التي حصلت بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين عليٍ (عليه السلام) من الثوابت التاريخية لا محالة التي ذكرها المؤرخون بطرق عدة.
مؤاخاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) مع علي (عليه السلام(
منها
الترمذي: ثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، ثنا علي بن قادم، ثنا علي بن صالح بن حيي. عن حكيم بن جبير، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال: " آخى رسول الله بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخي بيني وبين أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي في الدنيا والآخرة " ثم قال: هذا حديث حسن(1).
ومنها
حدثنا علي بن صالح) بن صالح (بن حي) الهمداني أبو محمد الكوفي أخو الحسن بن صالح وهما توأمان ثقة عابد من السابعة قوله (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمد الهمزة من المؤاخاة أي جعل المؤاخاة في الدين (بين أصحابه) أي اثنين اثنين كأبي الدرداء وسلمان قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف ورمى بالتشيع وأخرجه أحمد في المناقب عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا فقال يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني قال ولم تراني تركتك تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعد
إلا كذاب(2).
ومنها
عن علي قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس وتركني فقلت: يا رسول الله آخيت بين أصحابك وتركتني! قال: ولم تركتك؟ إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، قال: فان حاجك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسول الله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب(3).
ومنها
عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات، بينهم فسمعت عليا يقول: بايع الناس لأبي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذا أسمع وأطيع، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا عليهم في الصلاح ولا يعرفونه لي كلنا فيه شرع سواء وايم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا أعجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك رد خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعا أفيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري؟ قالوا: اللهم لا، ثم قال: نشدتكم الله أيها النفر جميعا أفيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء؟ قالوا: اللهم لا، ثم قال: أفيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر ذي الجناحين الموشى بالجوهر يطير بهما في الجنة حيث شاء؟ قالوا: اللهم لا، قال: فهل أحد له سبط مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد كان أقتل لمشركي قريش عند كل شديدة تنزل برسول الله صلى الله عليه وسلم مني؟ قالوا: اللهم لا، وقال: أفيكم أحد كان أعظم غنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت له مهجة دمي؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أكان أحد مطهرا في كتاب الله غيري حين سد النبي صلى الله عليه وسلم أبواب المهاجرين وفتح بابي فقام إليه عماه حمزة والعباس فقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم بل الله فتح بابه وسد أبوابكم؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد تمم الله نوره من السماء غيري حين قال: (وآت ذا القربى حقه) قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد ناجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة مرة غيري حين قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد تولى غمض رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد آخر عهده برسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: اللهم لا(4).
وهذه الأحاديث كما ترى متضافرة مما لا يدع مجالاً للشك في أن المؤاخاة قد حصلت بين النبي (صلى الله عليه وآله) وعليٍ (عليه السلام).
ثم أننا لو تنزلنا وقلنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يؤاخِ بينه وبين علي (عليه السلام) فهل يعني هذا أنه قد آخى بينه (صلى الله عليه وآله) وبين غير عليٍ أم أنه لم يؤاخِ أحداً من المسلمين؟
فإن كان قد آخى بينه (صلى الله عليه وآله) وبين أحدٍ آخر غير علي ٍ فلماذا لم ينقل لنا التأريخ من هو هذا الشخص الذي هو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا مقام عظيم كما هو معلوم؟
أم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يؤاخِ أحد أصلاً وهذا أيضا مستبعد على النبي (صلى الله عليه وآله) إذ كيف يصحّ على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يترك أمراً فيه من الثواب الشيء الكثير في الوقت الذي يتقرب فيه من الله تعالى بأعمال ذات ثواب جزيل، والمؤاخاة من الأمور المحبوبة للمولى تعالى والنبي (صلى الله عليه وآله) أولى من غيره في نوال هذه المنزلة والحصول على ما يكون مقرباً لله تعالى.
إلى هنا قد عرفت كذب الكاذبين المدلسين الذين يحاولون نقل عدوى البغض إلى الآخرين ممن يحبون علياً وآله، محاولين طمس معالم الحق ولو على ركام التاريخ المزيف مستخدمين كل الوسائل الخبيثة في سبيل وصولهم إلى المبتغى متجاوزين كل القوانين العلمية، لكن لن يكون مصيرهم أفضل من مصير بني أمية الذين ساروا بإتقان على سياسة من أسسوا أساس الظلم والجور على آل البيت (عليهم السلام).
خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة (عليها السلام)
ومما أثير في تلك الحلقات موضوع تزويج فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (عليها السلام) من عليٍ حيث أنكر (الشيخ) الضيف خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة وردّ النبي (صلى الله عليه وآله) لهما مدعياً كعادته أن هذه القضية لم تثبت تاريخياً كي يغرس في ذهن الناس أن أبا بكر وعمر ليسا أقل مرتبة من علي(عليه السلام) حتى يردهما النبي (صلى الله عليه وآله)، مع أن القضية قد ثبتت في كتب القوم من عدة طرق.
فمنها:
أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال خطب أبو بكر وعمر [رضي الله عنهما] فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم إنها صغيرة فخطبها على فزوجها منه(5).
ومنها
اخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السيارى بمرو ثنا محمد بن موسى بن حاتم الباشانى ثنا على بن الحسن بن شقيق ثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله قال خطب أبو بكر وعمر فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إنها صغيرة فحطبها على فزوجها * هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(6).
ومنها
وعن حجر بن عنبس أيضا وكان قد أكل الدم في الجاهلية وشهد مع على رضي الله عنه الجمل وصفين فقال خطب أبو بكر وعمر [رضي الله عنهما] فاطمة رضي الله عنها فقال النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم هي لك يا على. رواه الطبراني ورجاله ثقات. وعن عبدا لله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من على. رواه الطبراني ورجاله ثقات(7).
ومنها
أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون بنسا حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه قال خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إنها صغيرة فخطبها علي فزوجها منه(8).
ومنها
عن علي قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فأبى رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي! قال: ما لي من شيء إلا درعي وجملي وسيفي، فتعرض علي ذات يوم لرسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فقال: يا علي! هل لك من شئ؟ قال: جملي ودرعي أرهنهما، فزوجني رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فاطمة، فلما بلغ فاطمة ذلك بكت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فقال: ما لك تبكين يا فاطمة! والله أنكحتك أكثرهم علما وأفضلهم حلما وأقدمهم
سلما وفي لفظ: أولهم سلما (ابن جرير وصححه والدولابي في الذرية الطاهرة)(9).
ومنها
عن أنس بن مالك قال جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني قال وما ذاك قال تزوجني فاطمة قال فسكت عنه فرجع أبو بكر إلى عمر فقال له قد هلكت وأهلكت قال وما ذاك قال خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم فأعرض عني قال مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني قال وما ذاك قال تزوجني فاطمة فسكت عنه فرجع إلى أبي بكر فقال له إنه ينتظر أمر الله فيها قم بنا إلى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا قال علي فأتياني وأنا أعالج فسيلا لي فقالا إنا جئناك من عند ابن عمك بخطبة قال علي فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم فقعدت بين يديه فقلت يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني قال وما ذاك قلت تزوجني فاطمة قال وعندك شئ قلت فرسي وبدني قال أما فرسك فلا بد لك منه وأما بدنك فبعها قال فبعتها بأربع مائة وثمانين فجئت بها حتى وضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتغنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سريرا مشرطا بالشرط ووسادة من أدم حشوها ليف وقال لعلي إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب وجاء رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فقال ها هنا أخي قالت أم أيمن أخوك وقد زوجته ابنتك قال نعم ودخل رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم البيت فقال لفاطمة إيتيني بماء فقامت إلى قعب في البيت فأتت فيه بماء فأخذه صلى الله عليه [وآله] وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال صلى الله عليه وسلم لها أدبري فأدبرت فصب بين كتفيها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال صلى الله عليه وسلم إيتوني بماء قال علي فعلمت الذي يريد فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به فأخذه ومج فيه ثم قال لي تقدم فصب على رأسي وبين ثديي ثم قال اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال أدبر فأدبرت فصبه بين كتفي وقال اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال لعلي ادخل بأهلك بسم الله والبركة (10).
وهذا غيض من فيض كما ترى، فالقضية ثابتة لا محالة إلا أن النُصب عندما يستشري في النفوس فأنه يحوّل الضعيف من النصوص إلى قوي ويحوّل القوي إلى ضعيف خصوصاً إذا كانت القضية تدور في فلك عليٍ وآله (عليهم السلام)!
فأي عقولٍ عند هؤلاء القوم وأي بغضٍ يحملون؟!
إن صاحبهم الذين يتشدقون بمناقبه إذا ما أردنا أن نحصي مناقبه القرآنية ـلو وجدت - فلن تتجاوز الآية الواحدة وهي آية الغار ولو درسنا الآية كما يجب لوجدناها تفضح الرجل وتكشف عن مثلبة له،ومع هذا تجد القوم قد خطّوا ألوف الصفحات يتفاخرون ويتباهون بهذه الآية،في عين الوقت يحاولون طمس ما نزل في عليٍ من آيات تتجاوز المئة والعشر بل وإفراغها مما تحوي من عظمة بحجج أسخف من أصحابها،
أليس علي صحابياً كما تدعون؟
أليس علي رابع الخلفاء الراشدين؟
لماذا عندما تصلّ النوبة إلى علي تُذكر مناقبه باستحياء وبصوت تنتابه الرعشة؟ ولماذا يحاولون أن ينالوا من مناقب علي بمنهجيتهم السقيمة؟
أحيل القارئ إلى تاريخ علي مع الكفار وما صنع في بدر وحنين وأحد وكيف صنع بأجداد مبغضيه، فإن القضية ذات أبعاد شائكة وعمق تاريخي مؤلم لا يستطيع إلا الأوحدي أن يفقأ جراح التاريخ ليرى سبب البغض الذي لازلنا نتجرع غصصه يوما بعد آخر.
غضب فاطمة على أبي بكر وعمر
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)(11).
وقال (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني)(12).
ومما تبجح به (الشيخ) الضيف نفيه غضب فاطمة الزهراء (عليها السلام) على أبي بكر وإنما قد رضت عنه، وقد ضرب هذا (الشيخ) البخاري عرض الجدار حين نفى هذا الخبر.
ففي البخاري ومسلم ورد ما هذا نصه:
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أرسلت إلى أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر فقال أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وأنى والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبى بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم ستة اشهر فلما توفيت دفنها زوجها على ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلى من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبى بكر أن ائتنا ولا يأتنا احد معك كراهية لمحضر عمر فقال عمر لا والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عسيتهم أن يفعلوا بي.(الحديث)(13).
لم يكن أمام هذا (الشيخ) إلا طريق الكذب وهو طريق قد عهده الذين كانوا قبله كي يفرّ من ألم هذه الصفعة التاريخية، إذ إثبات هذا الأمر يعني أن أبا بكر فيه ما فيه وعليه ما عليه لكن تجدّ هؤلاء عندما يُواجهون بالحقائق التي بقيت ولم تُزيّف يلجأون إلى نظريتهم الكاذبة الخادعة المعروفة بعدم الثبوت وعدم الصحة .
آية التطهير وشمولها لفاطمة الزهراء عليها السلام
قال تعالى في محكم كتابه (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(
وهي ما تُعرف بآية التطهير وقد أنكر (الشيخ) الضيف إجماع المفسرين على أنها شاملة لفاطمة الزهراء (عليها السلام) دون أن يبين فيمن نزلت، وقد تركها دون أن يتعرض إلى لها والى مدلولها،وفي هذه النقطة أبدع (الشيخ) في نُصبه إذ أن شيخه ابن تيمية والذي عُرف بحقده وبغضه لفاطمة لم يقل بمقولة (الشيخ) فقد جاء في رسالة له
)وقد روى الإمام احمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: أن هذه الآية لما نزلت أدار النبي (صلى الله عليه وآله) كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
وسنته تفسر كتاب الله وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.فلما قال (هؤلاء أهل بيتي) مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه،علمنا أن أزواجه وان كن من أهل بيته كمل دل عليه القران فهؤلاء أحق بان يكونوا أهل بيته لان صلة النسب أقوى من صلة الصهر)(14).
ابن تيمية الذي عُرف ببغضه لفاطمة وآل البيت (عليهم السلام) - كما سنبينه لاحقا - يقول أنها شاملة لفاطمة (عليها السلام) و(الشيخ) الضيف لا يقبل فأي حقدٍ يحمل هذا الإنسان؟
فقد أورد هذا الحديث أيضا من طرق العامة
ففي فتح الباري
ثبت في تفسير قوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت أم سلمة لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي
وغيره(15).
ومنها
أما حديث أبي الحمراء فأخرجه ابن جرير وابن مردويه وفيه قال رأيت رسول الله إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وفي سنده أبو داود الأعمى واسمه نفيع بن الحرث وهو وضاع كذاب وأما حديث معقل بن سيار فلينظر من أخرجه وأما حديث أم سلمه فأخرجه الترمذي في فضل فاطمة رضي الله عنها وفي الباب أيضا عن عائشة أخرجه مسلم عنها قالت: خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(16).
ومنها
حدثنا محمد بن بشر عن زكريا عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء حسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(17).
ومنها
أخبرنا يحيى بن آدم نا بن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فدعا رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم حسنا فأدخله ثم دعا حسينا فأدخله ثم دعا فاطمة فأدخلها ثم دعا عليا فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(18).
ومنها
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت دعا رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم يعني هؤلاء أهلي(19).
ومنها
عن واثلة بن الأسقع قال سألت عن علي في منزله فقيل لي ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم إذ جاء فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت فجلس رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(20).
ومنها
واثلة قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي، فقالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فجلس. فجاء رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ومعه علي وحسن وحسين كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليه ثوبه أو قال: كساءه ثم تلا هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) ثم قال: اللهم! إن هؤلاء أهل بيتي(21).
وهذا جزء يسير مما ورد في كتب العامة في خصوص شمولية الآية لفاطمة (عليها السلام) وهي كما ترى كثيرة بما لا يدع مكاناً للشك.
إذن لماذا هذا الجهاد في ضرب فضائل أهل البيت وإيهام الناس بأنها إن وُجدت فإنها لا تخرج عن دائرة الضعف و تظل سابحةً في فلك الإرسال وأما التأريخ المصطنع والملفق حول رموزهم فعارٍ عن كل شائبة وبقدرة قادرٍ يتحول من الإرسال إلى الإسناد والموثق أو إذا اقتضت الضرورة نسبوها إلى الاستشهاد دون الاحتجاج؟
إنها خيانة عظمى وطامة كبرى أن يطلّ علينا أشخاص غاية نصيبهم توظيف طاقاتهم لمحاربة أهل البيت (عليهم السلام) تحت ذريعة بيان الحقّ، فأي حقٍ يدعي هؤلاء الشرذمة الذين رضعوا من أثداء أمية فأصبحوا نواعق أولئك المردة الفجّار،
وهؤلاء ممن وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديث حيث قال
رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ما بال أقوام إذا ذكر آل إبراهيم وآل موسى وآل عيسى استبشروا، وإذا ذكر آل محمد اشمأزت قلوبهم!، والذي نفسي بيده لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبيا ما قبل الله منه حتى يوافي بولايتي وولاية أهل بيتي(22).
وأفظع من هذا وذاك دعواهم حب آل البيت (عليهم السلام) وذرفهم الدموع أمام الناس كي يُقنعوا الآخرين بأنهم يذوبون في آل البيت (عليهم السلام) وأي حب هذا الذي تدأب فيه بتجريد أهل البيت (عليهم السلام) من مناقبهم وفضائلهم بل أي حب الذي يدفعك لتبرير جرائم القتلة الكفرة؟
فهذا ابن تيمية الذي يتشدق الوهابية بعلمه وإنصافه يقول في حق فاطمة (عليها السلام) ما لا يجرؤ يهودي على قوله
ففي منهاج السنة النبوية
قال (ونحن نعلم أن ما يحكى عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير منها كذب وبعضها كانوا فيه متأولين وإذا كان بعضها ذنبا فليس القوم معصومين بل هم مع كونهم أولياء الله ومن أهل الجنة لهم ذنوب يغفرها الله لهم وكذلك ما ذكره من حلفها أنها لا تكلمه ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشتكي إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة رضي الله عنها فإن الشكوى إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة رضي الله عنها فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى كما قال العبد الصالح إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وفي دعاء موسى عليه السلام اللهم لك التكلان وقال النبي صلى الله عليه[وآله]ابن عباس إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ولم يقل سلني ولا استعن بي وقد قال تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب.
ثم من المعلوم لكل عاقل أن المرأة إذا طلبت مالا من ولي أمر فلم يعطها إياه لكونها لا تستحقه عنده وهو لم يأخذه ولم يعطه لأحد من أهله ولا أصدقائه بل أعطاه لجميع المسلمين وقيل إن الطالب غضب على الحاكم كان غاية ذلك أنه غضب لكونه لم يعطه مالا وقال الحاكم إنه لغيرك لا لك فأي مدح للطالب في هذا الغضب لو كان مظلوما محضا لم يكن غضبه إلا للدنيا وكيف والتهمة عن الحاكم الذي لا يأخذ لنفسه أبعد من التهمة عن الطالب الذي يأخذ لنفسه فكيف تحال التهمة على من لا يطلب لنفسه مالا ولا تحال على من يطلب لنفسه المال وذلك الحاكم يقول إنما أمنع لله لأني لا يحل لي أن اخذ المال من مستحقه فأدفعه إلى غير مستحقه والطالب يقول إنما أغضب لحظى القليل من المال أليس من يذكر مثل هذا عن فاطمة ويجعله من مناقبها جاهلا أو ليس الله قد ذم المنافقين الذين قال فيهم وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(23).
إن هذا الناصبي عندما يريد أن يبرر للأشخاص الذين امتلأ التاريخ بقوادحهم لا يجد أمامه طريقاً إلا إقحام أحد أفراد آل البيت (عليهم السلام) حتى يُوهم الناس أن لا أحد أفضل من أحد وإن الذين اختلطت لحومهم بالخمر وانحنت ظهورهم من عبادة الأصنام والأوثان على حدٍ سواء مع أناس شهد الله لهم بالتطهير وأذهب عنهم الرجس.
فقوله (ما يحكى عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير) يكشف عن خبثٍ ليس له مثيل، فكيف يرسل هذه القضية إرسال المسلمات دون أن يذكر أمراً واحداً من هذه القوادح التي جاءت في حق فاطمة؟
وعلى تسليمنا بأن ما ذكره محض افتراء فلماذا لم يذكر ولو مصداقاً واحداً لهذه القوادح؟
ولم يكتفِ بهذا المقدار وإنما تجده يميل في آخر الفقرة إلى تشبيه فاطمة (عليها السلام) بصفات المنافقين
ولا يفترض ولو من باب الفرضية أن أبا بكر هو المذنب بل تجده يسارع إلى إلصاق التهم بفاطمة (عليها السلام) مبرئاً ساحة أبي بكر من القوادح.
إن (الشيخ) الضيف ينتمي بطبيعة الحال إلى مدرسة شيخ النواصب ابن تيمية فأي نتاج نتوقع منه وأي إنصاف في حقّ آل البيت (عليهم السلام) ننتظر؟
إن الذي يستمع ويتابع هذه الحوارات التي يكون أحد أطرافها شخصاً مثل هذا الضيف يجد بوضوح أن هذه البرامج لم تأت عبثاً ولم تكن بمنأى عن الأحداث الجارية في العراق في هذه الفترة خصوصا أنهم لم يعتادوا على بروز اسم التشيع في الإعلام وهذا بطبيعة الحال يعتبر بمثابة الصفعة التي تهدد وجودهم خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المدّ الشيعي العربي بات يشكل خطراً على كيانهم الذي بُني على العربدة الفكرية وصُرف من أجل تشيّديه مليارات الدولارات أُغتصبت من قوت الشعوب وهذا هو ديدنهم الذي عهدناه من تلك الدول المارقة والتاريخ ليصرخ بذلك.
والحمد لله رب العالمين
الهوامش
(1) البداية والنهاية - ابن كثير ج 7 ص 371.
(2) تحفة الأحوذي - المباركفوري ج 10 ص 152.
(3) كنز العمال - المتقي الهندي ج 13 ص 140.
(4) كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 724.
(5) سنن النسائي - النسائي ج 6 ص 62.
(6) المستدرك - الحاكم النيسابوري ج 2 ص 167.
(7) مجمع الزوائد - الهيثمى ج 9 ص 204.
(8) صحيح ابن حبان - ابن حبان ج 15 ص 399.
(9) كنز العمال - المتقي الهندي ج 13 ص 114.
(10) صحيح ابن حبان - ابن حبان ج 15 ص 393.
(11) شرح مسلم النووي ج 16ص2.
(12) صحيح البخاري ج 4 ص 210.
(13) صحيح البخاري ج 5 ص 82 ـ صحيح مسلم ج 5 ص 153.
(14) رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ـ ابن تيمية ـ تعليق أبي تراب الظاهري الطبعة الأولى .
(15) فتح الباري - ابن حجر ج 7 ص 104.
(16) تحفة الأحوذي - المباركفوري ج 9 ص 49.
(17) المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي ج 7 ص 501.
(18) مسند ابن راهويه - إسحاق بن راهويه ج 3 ص 678.
(19) السنن الكبرى - النسائي ج 5 ص 108.
(20) صحيح ابن حبان - ابن حبان ج 15 ص 432.
(21) كنز العمال - المتقي الهندي ج 13 ص 602.
(22) المسترشد - محمد بن جرير الطبري ص 615.
(23) منهاج السنة النبوية - ابن تيمية - ج4 ص243 - 246.