قد يكون مشروع (قناة أهل البيت) من الموضوعات الرئيسية التي تشغل هم المهتمين بالشأن الإسلامي… فالحوزات العلمية والحسينيات والمدارس الفكرية والعقائدية التي حافظت على المشروع الشيعي بالرغم من الاضطهاد الذي حلّ بالمنتمين إلى هذه العقيدة الإسلامية من بين المذاهب الإسلامية الأخرى لم تعد تفي أو تستطيع مجابهة حالة العولمة الفكرية التي تجتاح العالم الإسلامي ، ففي الوقت الذي يعاني فيه أصحاب ومنتمي المذهب الجعفري حالة العزلة ويحاول الناشطون الإسلاميون من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) العمل على نشر هذا المذهب عن طريق بعض النشرات الشهرية أو الموسمية على استحياء في أحيان كثيرة في بعض مناطق العالم الإسلامي التي تشهد فيه حالة من الحرية مثل لبنان والكويت ومصر تجد المذاهب الإسلامية الأخرى الأبواب مفتوحة على آخرها .. بل إنها لا تقتصر على نشاطها في العالم الإسلامي بل إنها تجد الفضائيات والمؤسسات الإعلامية المختلفة قد فتحت أبوابها على مصراعيها لها ولنشر معتقداتها وأفكارها دون إعطاء فرصة ولو قليلة لأصحاب الفكر الجعفري بإبداء وجها نظرها عقائدياً وفكرياً .
وقد تكون فكرة فضائية ومحطة "المنار" التي يتبنّاها (حزب الله) في لبنان مثالاً لمحطة أعطت فرصة للفكر الجعفري في الانتشار والوصول إلى المشاهد الإسلامي الذي لم يشهد محطة يبدي فيها نظر هذا المذهب الإسلامي بحرية .. وقد تكون هذه المحطة تجربة فريدة في العالم الإسلامي الذي يعج بالفضائيات والمؤسسات الإسلامية التي تبدي وجهات النظر بحرية دون غيرها فالمشروع الفضائي الشيعي مشروع ضروري ومهم ، فهو مشروع إنساني يطرح أفكاراً جدير بالعالم الإسلامي سماعها .
ولا يمكن الوصول إلى هذا المشروع دون وجود وعي بضرورة وجوده … فقد اعتاد المنتمون إلى هذا المذهب الاستماع إلى محاضرات محرم من الخطباء على منابر الإمام الحسين عليه السلام لمعرفة بعض حيثيات المذهب في الأيام الأولى لشهر محرم ، وفي النصف من رمضان ، لكن مشروع " المنار" الذي تظهر فيه العقيدة الجعفرية بموضوعية إضافة إلى البرامج التنموية والفكرية والسياسية أظهر أنه يمكن الوصول إلى المنتمين إلى هذه الطائفة وغيرهم دون عناء ويمكن أن يحقق مطالب لم يستطع المهتمون أو الناشطون في هذا الحقل الوصول له …
يجب أن يعرف التجار والشارع الشيعي أن إنشاء وإنجاح مشروع مثيل لمحطة المنار اللبنانية يحقق أرباحاً ويحقق مصالح الطائفة دون التعرّض أو الإساءة إلى المذاهب الأخرى .. لكن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وقضايا مذهب أهل البيت التي كانت مغيّبة طوال العقود الماضية وقد تعطي وجود فضائية مستقلة تحترم العقائد الأخرى وتدافع عن عقيدة التشيع وأهل البيت دوراً كان قد غُيِّب طوال هذه الفترة ..
إن فكر أهل البيت لن ينتشر ويتوسع من خلال الحسينيات والخطب الحسينية ومحاضرات العلماء فقط ، لأن العالم يتغير وسيكلوجية التأثير على المجتمعات تتغير معها . لذا فإن وجود محطة تلفزيونية ضرورة دينية ، والتجربة اللبنانية خير دليل على أن الدور إلإعلامي يمكن أن تقوم به مؤسسة إعلامية فضائية في التأثير على المجتمعات وتشر الوعي الديني ومذهب أهل البيت إلى كل بيت في العالم الإسلامي الذي بات بأمسّ الحاجة إلى فكر أهل البيت في الوقت الذي يعاني من مشاكل عدّة في ظل فقدان الوعي الديني.
إن تجربة " المنار " ليست الأفضل لكنها تثبت أن فكر أهل البيت بإمكانه الانتشار والانفتاح ، والانتقال من حالة الانعزال إلى حالة الانتصار الحقيقي ، ليس على حساب المذاهب الأخرى ولكن موازياً لتلك المذاهب ومتساوياً معها على أقل التقادير ويفسح المجال للمسلمين لمعرفة المذهب على حقيقته الناصعة دون التشويه التاريخي الذي لاقى ويلاقيه حتى يومنا هذا …
ففضائية أهل البيت ، تعني التعددية الفكرية والعقائدية في وقت لا يسمح لمذهب أهل البيت في التعبير عن وجهة نظره حتى الفضائيات العربية والإسلامية الأخرى … ولأن فضائية أهل البيت قادرة على تبني الدفاع عن عقيدة أهل البيت فإنها لن تكون قناة للدعوة إلى الطائفية بل دعوة للحوار والنقاش ومعرفة تاريخ الإسلام على حقيقته بعد أن شوّهت كتب التاريخ ذلك التاريخ وحرفته عن مواقعه الحقيقية … ولأن هذه الفضائية ستعني بالتاريخ والدين والعقيدة فإنها لن تكون مؤسسة ولن تكون محسوبة على دولة أو مؤسسة سياسية بل مدافعة عن عقيدة أهل البيت وستكون مناراً حقيقياً لفكر أهل البيت (عليهم السلام) .
ويبقى سؤال واحد : هل يمكن أن يحقّق النجاح ؟ وهل سيستقطب كثيراً من المشاهدين في العالم العربي والإسلامي ؟ .
إن التجربة اللبنانية من خلال قناة " المنار " التي اهتمت بالجانب المتعلّق بالبطل وبالعقيدة والتواشيح الدينية وحتى البرامج الإخبارية تثبت أن قناة مثل هذه يمكن أن تحقق نجاحاً كبيراً في ظل حرية الكلمة والفكر والعقيدة ، وفي ظل وعي إسلامي بأن عقيدة أهل البيت عقيدة إنسانية وعقيدة أكّدها الدين الإسلامي والقرآن ورسول الأمة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فالمنار مؤسسة إعلامية لبنانية تسعى للحفاظ على القيم الرسالية وتعزيز دورها الحضاري والتركيز على الصراع مع العدو من خلال إنتاج أفضل البرامج وإيصالها إلى أوسع شريحة من الجمهور بأحدث التقنيات .
وتعد قناة المنار تجربة رائدة في الإعلام الذي يجمع بين الخطاب العلمي الأكاديمي وبين الإلهي التوحيدي، وهي تجربة تثبت أن للإعلام رسالة واضحة، حيث تتأكد قيمة الأمة من خلال تسليط الضوء على البرامج الجمعية في إحياء الشعائر والمناسك ، وتبرز مثل هذه القيمة كأجلى ما تكون في يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، ويوم الشهيد في الخامس عشر من شعر شعبان يوم ولادة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) .
وتبلغ نسبة البرامج الجهادية والسياسية 30% من نسبة البرامج في تلفزيون المنار ، ثم تأتي البرامج الثقافية والدينية والاجتماعية وتحتل 25%، وبالنسبة لشكل البرنامج : تبلغ نسبة البرامج الحوارية 33% بينما تبلغ نسبة البرامج الإخبارية والوثائقية نسبة 20% .
ويجب أن تتظافر الجهود من المؤمنين بهذه العقيدة من تجار ونشطاء ومنتمين إلى عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) مجتمعين بأنّ القناة الفضائية المبشرة برسالة أهل البيت يجب الإسراع بإنشائها في أقرب فرصة لتحقيق العدالة الإنسانية ونشر الدين والمبادئ الأخلاقية في وقت بتنا مشتّتين بين فضائيات لم تسمح لعقيدتنا بأن تقوم حتى بإبداء وجهة نظرها بل يسعى الآخرون إلى تشويهها وتدميرها ، أو على أقل التقادير إحباطها وإيقاف مسيرتها السماوية …
source : جمال حسين