عربي
Tuesday 27th of August 2024
0
نفر 0

حج فی احادیث الامام الخمینی قدس سره (7)

عندما تلفظون لبّيك اللّهمّ لبّيك، قولوا: لا ، لجميع الأصنام، واصرخوا : لا ، لكلّ الطواغيت الكبار والصغار.
وأثناء الطواف في حرم الله حيث يتجلى العشق الإلهي، أخلوا قلوبكم من الآخرين، وطهّروا أرواحكم من أي خوف لغير الله. وفي موازاة العشق الإلهي، تبرأوا من الأصنام الكبيرة والصغيرة والطواغيت وعملائهم وأزلامهم، حيث إنّ الله تعالى ومحبّيه تبرّأوا منهم، وإنّ جميع أحرار العالم بريئون منهم.
وحين تلمسون الحجر الأسود أعقدوا البيعة مع الله أن تكونوا أعداء لأعداء الله ورسوله والصالحين والأحرار، ومطيعين وعبيداً له، أينما كنتم وكيفما كنتم. لا تحنوا رؤوسكم واطردوا الخوف من قلوبكم، واعلموا أن أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان الأكبر جبناء، وإن كانوا متفوّقين في قتل البشر وفي جرائمهم وجناياتهم.
أثناء سعيكم بين الصفا والمروة اسعوا سعي من يريد الوصول إلى المحبوب، حتى إذا ما وجدتموه هانت كل الأمور الدنيوية، وتنتهي كل الشكوك والترددات، وتزول كل المخاوف والحبائل الشيطانية والارتباطات القلبية المادية، وتزهر الحرية، وتنكسر القيود الشيطانية والطاغوتية التي أسرت عباد الله.
سيروا إلى المشعر الحرام وعرفات وأنتم في حالة إحساس وعرفان، وكونوا في أي موقف مطمئني القلب لوعد الله الحقّ بإقامة حكم المستضعفين. وبسكون وهدوء فكّروا بآيات الله الحقّ، وفكّروا بتخليص المحرومين والمستضعفين من براثن الاستكبار العالمي، واطلبوا من الحقّ تعالى في تلك المواقف الكريمة تحقيق سُبل النجاة. بعد ذلك عندما تذهبون إلى منى اُطلبوا هناك أن تتحقّق الآمال الحقّة حيث التضحية هناك بأثمن وأحب شيء في طريق المحبوب المطلق، واعلموا أنه ما لم تتجاوزوا هذه الرغبات، التي أعلاها حبّ النفس وحبّ الدنيا التابع لها، فسوف لن تصلوا إلى المحبوب المطلق. وفي هذا الحال ارجموا الشيطان، واطردوا الشيطان من أنفسكم ، وكرروا رجم الشيطان في مواقع مختلفة بناء على الأوامر الإلهية; لدفع شرّ الشياطين وأبنائهم عنكم.
إن هذا السفر الإلهي الذي تذهبون إليه ، وترجمون فيه الشيطان، وإذا ما كنتم ـ لا سمح الله ـ من جنود الشيطان سترجمون أنفسكم أيضاً. يجب أن تكونوا فيه رحمانيين، وأن تصبحوا رحمانيين، حتى يكون رجمكم رجمَ أتباع الرحمن، وجنوده للشيطان، وأنتم تقفون في تلك المواقف والمواضع الكريمة ، معاذ الله أن يتلوّث وقوفكم بشيء خلاف الشرع، أو يتلوّث بالمعصية، ففضلا عن إراقة ماء الوجه أمام الله تسقط كرامة الإسلام في الدنيا . اليوم كرامة الإسلام متقوّمة بوجودكم، أنتم الذين تذهبون جماعات جماعات إلى تلك المواقف الكريمة ، ويشاهدكم سائر المسلمين من شتى بقاع الدنيا .
على الحجّاج والزوّار الأعزاء أن يتوجهوا من الكعبة، وهي أفضل وأقدس بقاع الحبّ والجهاد، نحو كعبة أسمى; كما هو سيد الشهداء الإمام «أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)» حيث توجّه من إحرام الحجّ إلى إحرام الجهاد، ومن طواف الكعبة إلى طواف صاحب البيت، ومن الوضوء بزمزم إلى غسل الشهادة، وبهذا تُبدَّل الأمّة إلى أمّة ذات بنيان مرصوص لا تعرف الهزيمة. ولن تجرأ لا القوى الشرقية ولا الغربية على مواجهتها.
ولا شك في أنّ روح الحج ونداءه، لا يمكن أن يكون غير هذا، حيث أن المسلمين يستلهمون من الحج الدستور العلمي للجهاد ضد النفس والهوى، والنهج لمقارعة الكفر والشرك.
على أية حال، إنّ إعلان البراءة في الحج تجديد لميثاق النضال، وهو تمرين لإعداد صفوف المجاهدين، ومواصلة الصراع ضد الكفر والشرك وعبدة الأوثان.
كما وأنّه لا ينحصر برفع الشعارات، بل إنه منطلق علني لإعلان النضال، وتنظيم صفوف جنود الله في مواجهة جنود إبليس والمتأسّين بإبليس. لهذا فالحجّ من مبادئ التوحيد الأُولى.
إذا لم يعلن المسلمون براءتهم من أعداء الله، في بيت الله، فأين إذن يعلنون عن ذلك؟
وإذا لم يكن الحرمُ والكعبةُ والمسجدُ والمحرابُ، معقلا وسنداً لجنود الله، وللمدافعين عن الحرم وحرمة الأنبياء، فأين إذن يكمن مأمنهم وملجأُهم؟
وبكلمة واحدة، إنّ إعلان البراءة يمثّل المرحلة الاُولى للنضال، وأنّ مواصلة المراحل الأُخرى هي من واجبنا، وأنّ أداءَها في كلّ عصر وزمان، يختلف باختلاف الأساليب والبرامج الخاصة بذلك العصر والزمان، ولابد من أن نرى ما الذي نتمكن من عمله في عصر كعصرنا، الذي عرّض فيه زعماء الكفر والشرك كلَّ وجود التوحيد للخطر، وجعلوا من المظاهر القومية، والثقافية، والدينية والسياسية للشعوب ألعوبة لتلبية أهوائهم وشهواتهم الخاصة؟!
هل ينبغي ملازمة البيوت، والاكتفاء بالتحليلات، وبالتالي، إلقاء روح العجز والخنوع في قلوب المسلمين، والحيلولة دون وصول المجتمع إلى الإخلاص، الذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال؟
الحجُّ هو نداء لإيجاد وبناء المجتمع البعيد عن الرذائل المادية والمعنوية . الحجُّ ومناسكه هو تجلّي عظيم لحياة كريمة ومجتمع متكامل في هذه الدنيا . ومن ذلك المكان ومن ذلك الموقع الذي يتواصل فيه مجتمع المسلمين من أي قومية كانوا ويصبحوا يداً واحدة ، ينطلق أداء هذه الفريضة المباركة ، التي يجب أن يكون أداؤها وجوهرها توحيدياً إبراهيمياً محمديّاً . إنّ الحج هو ساحة عرض ومرآة صادقة للاستعدادات والقابليات المادية والمعنوية للمسلمين ، الحج كالقرآن يستفيد منه المجتمع . فالمفكرون والعارفون بآلام الأمة الإسلامية إذا ما فتحوا قلوبهم ، ولم يهابوا الغوص عن قرب في أحكامه وسياساته الاجتماعية ، سيصطادون الكثير من صدف هذا البحر ، جواهر الهداية والرشد والحكمة والحرية ، وسيرتوون إلى الأبد من زلال حكمته ومعارفه ، ولكن ماذا نفعل؟ وأقولها بألم وحزن : إن الحج أصبح مهجوراً كالقرآن وبنفس النسبة التي اختفى فيها هذا الكتاب ـ كتاب الحياة والكمال والجمال ـ بسبب حجب النفس التي صنعناها بأيدينا ، ودفنا هذا الكنز ، كنز أسرار الخلق، فكذلك الحج أصبح أسيرَ هذا القدر ، قدر أن الملايين من المسلمين يجتمعون كلّ سنة ويضعون أقدامهم محل قدم محمد وإبراهيم وإسماعيل وهاجر ولا يوجد أحد يسأل ماذا فعل إبراهيم ومحمد؟ ما هو هدفهما؟ ماذا طلبا منّا؟ وهذا ما لا نفكر فيه!
من المسلّم أن حجّاً دون معرفة ووعي ودون روح ودون حركة ونهوض ، وحجّاً دون براءة ، وحجّاً دون وحدة ، وحجاً لا ينتج هدماً للكفر والشرك ، ليس حجّاً . وخلاصة الأمر أنه يجب على جميع المسلمين السعي لأجل تجديد حياة الحج والقرآن وإعادتهما ثانية إلى ساحة حياتهم ، وعلى المحققين المؤمنين بالإسلام أن يبينوا التفاسير الصحيحة والواقعية لفلسفة الحج ، ويرموا في البحر كلّ نسيج خرافات وادعاءات علماء البلاط . .
وإنني اُوصي جميع العلماء المحترمين والكتاب والمتحدّثين الملتزمين أن يوضّحوا لجميع المسلمين وخاصة الحجاج منهم أهداف هذه الفريضة المقدّسة . . كما أني أوصيهم بتعليم الحجاج مناسك الحج وكيفية أدائها بشكلها الصحيح حتى يكون عملهم خالياً من الأخطاء ، وعدم الاكتفاء بأننا أدينا الفريضة وأنجزنا الواجب كيفما كان ، فإنّ الأخطاء في هذه الفريضة تترك آثاراً واشكالات على صحتها قد تكلفهم وقتاً وجهداً مضاعفاً لتصحيحها . .
أقدم التهاني والتبريكات الخالصة لجميع المسلمين في العالم بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك . هذا العيد الذي يذكّر الناس الواعين بمذبح الفداء الإبراهيمي ، هذا المذبح الذي قدّم درس الفداء والجهاد في سبيل الله تعالى لأبناء آدم وأصفياء وأولياء الله ، هذا العمل بعمق أبعاده التوحيدية والسياسية لا يستطيع إدراكه غير الأنبياء العظام والأولياء الكرام وخاصّة عباد الله . هذا أبوالتوحيد ومحطّم أصنام العالم ، علّمنا والبشريّة جمعاء أنّ التضحية في سبيل الله وقبل أن تكون ذات بُعد توحيدي و عبادي ، تمتلك أبعاداً سياسية وقيماً إجتماعية ، علمنا وجميع الناس كيف نقدّم أعزّ ثمرات حياتنا في سبيل الله ، لذا فإني اُناشدكم : ضحّوا بأنفسكم وأعزّائكم وأقيموا دين الله والعدل الإلهي .
لقد عرفنا نحن ذرية آدم أنّ مكّة ومنى أماكن لنشر التوحيد ونفي الشرك ، الذي من مصاديقه التعلّق بالنفس والأعزاء.
لقد تعلّم أبناء آدم من هذهِ الأماكن الجهاد في سبيل الله فعليكم أن تعلموا العالم قيمة الفداء والتضحية، وقولوا له ، إنّه في سبيل الله وإقامة العدل الإلهي وقطع أيادي المشركين في هذا الزمان ، يجب أن يخلد الحق بتمامه ببذل أيّ شيء حتى ولو كان مثل إسماعيل. إنّ إبراهيم وإسماعيل وولده العزيز سيّد الأنبياء محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)محطمو الأصنام ومعلمو البشريّة أنّه يجب تحطيم كل الأصنام والأوثان كيفما تكون . وأنّ الكعبة ، أمّ القرى على امتدادها وسعتها وحتّى آخر نقطة من الأرض ، وحتّى آخر يوم في العالم يجب أن تطهّر من دنس الأصنام ، أي صنم كان وكيفما كان أكان هياكل أو شمساً أو قمراً أو حيواناً أو إنساناً أو صنماً وهل هناك أسوأ وأخطر من الطواغيت على امتداد التاريخ ، من زمن آدم صفيّ الله حتّى ابراهيم خليل الله ، إلى محمّد حبيب الله (صلى الله عليه وآله) حتّى آخر الزمان الذي يظهر فيه إمامنا المهدي الموعود ليحطم آخر الأصنام ويطلق نداء التوحيد من الكعبة . أو ليست القوى الكبرى في زماننا أصناماً كبيرة سيطرت على العالم ودعته لعبادتها وفرضت نفسها عليه بالقوّة والتزوير؟! . . . إنّ الكعبة المعظّمة هي المركز الأوحد لتحطيم هذه الأصنام وتطهير هذهِ البقاع من كلّ أنواعها . .قال الله تعالى: { . . .وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود} .
كونوا يداً قرآنيةً واحدةً .
أيّها الحجّاج . . اِحملوا من ربّكم نداءً إلي شعوبكم ألاّ تعبدوا غير الله ، وأن لا تخضعوا لغيره . .
الإسلام دينٌ عبادتُه سياسة وسياستُه عبادة .
الحجّ الخالي من الروح والحركة والقيام والبراءة والوحدة ،والحجّ العاجز عن هدم صروح الكفر والشرك ، ليس هذا حجّاً .
إنَّ صرخة البراءة من المشركين فى مواسم الحج هى صرخة سياسية ـ عبادية قد أمر بها رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) ، وليست مختصّةً بزمان خاص ، وإن انقرض المشركون من الحجاز ، فنهضة الناس ليست مختصّة بزمان بل هى دستور كلّ زمان ومكان ، وفى هذا التجمّع البشرى العام سنويّاً تعدّ من جملة العبادات المهمّة الخالدة إلي الأبد .
إنّ حجّاج بيت الله الحرام ، الذين يتحررون من قفص البدن وقيود الدنيا ، ويهاجرون إلى الله ورسوله ، حيث يصبح البيت القلب ، ولا شيء فيه غير المحبوب الحقيقي ، بل لا شيء غيره في الداخل والخارج . يجب أن يعلموا أنّ الحجّ الإبراهيمي المحمّدي صلوات الله عليهما وآلهما ، مهجور وغريب منذ سنين طويلة سواء من الناحية المعنوية والعرفانيّة أم من الناحية السياسية والاجتماعيّة ، ويجب على الحجّاج الأعزّاء من سائر الدول الإسلامية أن يعيدوا الكعبة وبيت الله من غربتهما وبجميع أبعادهما . . .
إنّ هذا المؤتمر الذي ينعقد بدعوة من إبراهيم ومحمّد وآلهما ، ويقصد إليه من كلّ زوايا الدنيا ، ومن كلّ فجّ عميق للإجتماع فيه ، لأجل منافع النّاس والقيام بالقسط ، وللاستمرار بتحطيم الأصنام التي بدأ بتحطيمها إبراهيم ومحمّد ، وطواغيت فرعون التي محاها موسى . . .
إنّ فريضة الحجّ التي هي لبّيك بحقّ، وهجرة إلى الله إنّما هي ببركة إبراهيم ومحمّد صلوات الله عليهما و آلهما; بمعنى«لا» لجميع الأصنام و الطواغيت والشياطين وأبنائهم.
«كثير من الأحكام العبادية تصدر عنها معطيات اجتماعية وسياسية ، فعبادات الإسلام عادة تلائم سياساته وتدابيره الاجتماعيّة .
واجتماع الحجّ يؤدّي ـ بالإضافة إلى ما له من آثار خلقية وعاطفية ـ إلى نتائج وآثار سياسية . استحدث الإسلام هذه الاجتماعات وندب الناس إليها ، وألزمهم ببعضها حتّى تعمّ المعرفة الدينية والعواطف الأخوية ، ويتمّ التعرف بين الناس ، وتنضج الأفكار وتنمو وتتلاقح ، وتبحث المشاكل السياسيّة والاجتماعيّة وحلولها .
في الدول غير الإسلامية تنفق الملايين من ثروة البلاد وميزانيتها من أجل عقد مثل هذه الاجتماعات ، وإذا انعقدت فهي في الغالب صورية شكلية تفتقر إلى عنصر الصفاء وحسن النيّة ، والإخاء المهيمن على الناس في اجتماعاتهم الإسلامية ، ولا تؤدّي بالتالي إلى النتائج المثمرة التي تؤدّي إليها اجتماعاتنا الإسلامية .
وضع الإسلام حوافز ودوافع باطنيّة تجعل الذهاب إلى الحجّ من أغلى أماني الحياة ، وتحمل المرء تلقائياً إلى حضور الجماعة والجمعة والعيد بكلّ سرور وبهجة . فما علينا إلاّ أن نعتبر هذه الاجتماعات فرصاً ذهبية لخدمة المبدأ والعقيدة; لنبيّن فيها العقائد والأحكام والأنظمة على رؤوس الأشهاد وفي أكبر عدد من الناس .
علينا أن نستثمر موسم الحجّ ونجني منه أطيب الثمار في الدعوة إلى الوحدة والدعوة إلى تحكيم الإسلام في النّاس كافّة ، علينا أن نبحث مشاكلنا ونستمدّ حلولها من الإسلام . علينا أن نسعى لتحرير فلسطين وغيرها .
فالمسلمون الأوائل كانوا يجنون من جماعاتهم وجمعاتهم ومواقف حجّهم أحسن الثمار»1 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من محاضرات الإمام في منفاه بالنجف الأشرف عام 1398هـ
   


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
آداب النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأسّي به
دعاء الامام الصادق عليه السلام
حج فی احادیث الامام الخمینی قدس سره (7)
بكاء الإمام السجاد (ع) على أبيه الإمام الحسين (ع)
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)
التشبيه في رؤوس الشياطين
الدهریة
حقوق الأفراد في ظل الإسلام
الرسول والنساء

 
user comment