إن ذكرى عاشـوراء الحسين (ع) وشهادته ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والاحـداث فقط، وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الاهميّة، ولها رسالة وعدد غير محدود من الأبعاد والجوانب المختلفة التي تركت أعمق الآثار في حياة كل إنسان على مرّ التاريخ.
السيد أبو القاسم الديباجی؛ الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامی |
وافادت وكالة الانباء القرآنية العالمية ان ذكرى عاشـوراء الحسين (ع) وشهادته ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والاحـداث فقط، وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الاهميّة، ولها رسالة وعدد غير محدود من الأبعاد والجوانب المختلفة التي تركت أعمق الآثار في حياة كل إنسان على مرّ التاريخ.
وبخلاف جميع الحوادث التي حصلت في كل الأزمنة والأيام والتي هضمتها هاضمة التاريخ ولم يبق لها أثر، بقيت هذه الحادثة الوحيدة في تاريخ البشرية والتي لم تستطع هاضمة التاريخ والأيام أن تهضمها ودائماً ستبقى حيّة وخالدة وأبدية وملهمة بالدروس والعبر القيّمة.
والشيء الذي يجب أن نسأله ونعرفه هو أننا عندما نقـول أن الحسـين شهيــد فماذا نقصد ونعني بالشهيد؟ ولماذا لا تستطيع هاضمة التاريخ هضم الحسين (ع) وحادثة عاشوراء؟.
والإجابة هي أن كلمة الشهيد تعني المؤثر وتارك الأثر يعني أنه يستطيع أن يجعل كل شيء ينفرد ولكنه لا ينفرد أي الشخص الذي يستطيع أن يؤثر على الأفكار والتفكر والطرق والسبل، والآثار التي تركها شهيد كالحسين (ع) في تاريخ البشرية هي المدرسة الوحيدة التي تأثيرها واقع على جميع الطبقات في المجتمع ولهذا السبب مدرسة كربلاء هي المدرسة الوحيدة لكل المراحل العمرية وفيها قدوة واحدة ومعلم ومدرس واحد.
ومنذ بدء الامام(ع) بالحركة من المدينة وقبل حدوث واقعة كربلاء في مدة أقل من أربعين يوماً أي في فترة زمنية قليلة استطاع أن يربّي أشخاصا وأفراد متميزة بحيث يستطيع كل واحد منهم أن يكون أعلى وأفضل قدوة في تاريخ البشرية لبناء الأفراد الواعية والنموذجية والقدوة وذلك بإيجاد أجواء الصلح والهدوء والأمان والمحبة والصفاء والأخوة والتضحية.
وهؤلاء الاشخاص هم المنهج الحي للحسين(ع) إذ تجد فيهم القدوة لكل أنواع ومراحل الإنسان في أعمار مختلفة حيث لكل امرأة وكل رجل وكل شاب وكل طفل في العالم في أي عمر كان وفي أي شرائط كان نجد أن الإمام الحســين(ع) لديه القدوة ويستطيـع أن يعطيـه القـدوة والسبيل.
الحسین(ع): خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص)
وقد وضّح الحسين (ع) في وثائق تاريخية دواعي وأسباب وأهداف ثورته فقال في وثيقة من وثائقه ولخص لنا ولكل الأجيال السابقة واللاحقة فلسفة نهضته المباركة: وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي.وقال الله سبحانه وتعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (التوبة،71 ).
الشیء الذی يجب أن نسأله ونعرفه هو أننا عندما نقـول أن الحسـين شهیــد فماذا نقصد ونعنی بالشهيد؟ ولماذا لا تستطيع هاضمة التاريخ هضم الحسين (ع) وحادثة عاشوراء؟ |
فالعامل المهم والأساسي في نهضة الامام الحسين (ع) كان عنصر الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وكان هذا العنصر المحرّك الأساسي له (ع) في هجرته ونهضته كما نفهم ذلك من خطاباته (ع) في مختلف المواقف والمنازل في مسيرته من مكّة إلى الكوفة فمن أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل، ويباعد عن رحمته.
إذ نهض الإمام الحسين (ع) مذكّراً المسلمين بمثل قوله تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (آل عمران:110). فهل لاحظت كيف قدَّم الله عزّ وجلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان به جلّ جلاله؟!
إنّ الفلاح في نظر القرآن الكريم هو: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104). فالفلاح الذاتي والاسري والاجتماعي هو في الإصلاح بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإسلام يعتقد بأنّ ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مهلكة للنفس وللآخرين، ويرى أنّ الحريق إذا وقع في بيت واحد ولم يستدرك فإنه ينتقل من بيت إلى بيت حتّى تحترق بيوت كثيرة.
وقد أفاض هذا العامل على ثورة الامام الحسين (ع) قيمة حضاريّة كبيرة، وبه احتلّت ثورة الامام الحسين (ع) جدارتها وبقيت خالدة إلى الأبد بعنوان رسالة ومدرسة بنّاءة.لذا يجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك الفريضة التي تكاد تكون غائبة ليست عن أيدينا وألسنتنا فقط، بل عن عقولنا وقلوبنا أيضاً.
ففي الزمن الذي ينتشر فيه الفساد والانحراف من كلِّ صوب وحدب يلزم على الإنسان المسلم عدم الاكتفاء بالتفرّج، وينبغي عليه التحرّك من مكانه ؛ طلباً للإصلاح وتغيير المنكرات، ولكن وفق الضوابط السلميّة والعقلانيّة التي يدعو إليها دين الإسلام والشريعة الاسلامية وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد والخطر أعظم، لانتشار الشرور والفساد وكثرة دعاة الباطل وقلة دعاة الخير في غالب البلاد.
أصل المعروف توحيد الله، وأصل المنكر الشرك بالله
كذلك نجد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجود في الأمم السابقة بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب.- وأصل المعروف توحيد الله، والإخلاص له.- وأصل المنكر الشرك بالله، وعبادة غيره.لذلك نجد أن جميع الرسل بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله، الذي هو أعظم المعروف، وينهون الناس عن الشرك بالله، الذي هو أعظم المنكر، ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) المائدة:87، ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة:79.فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة:78-79. وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب.وأثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك فقال سبحانه في سورة آل عمران ( مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) آل عمران:113-115.
منذ بدء الامام(ع) بالحركة من المدينة وقبل حدوث واقعة كربلاء فی مدة أقل من أربعين يوماً أی فی فترة زمنية قليلة استطاع أن يربّی أشخاصا وأفراد متميزة بحيث يستطيع كل واحد منهم أن يكون أعلى وأفضل قدوة فی تاريخ البشرية لبناء الأفراد الواعية والنموذجية والقدوة |
نعم إن فلسفة الحركة الحسينية في عاشوراء هي إحياء الإسلام وقوانينه، وإرجاع القرآن إلى الحياة، وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين(ع) من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام الذين أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله (ص)، وضحى من أجله أهل البيت(ع)، وخاصة الإمام الحسين(ع) في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار ويحفظ الممتلكات الانسانية، وهو الضامن للإنسان الارتقاء بإنسانيته إلى مستوى تحمل المسؤولية الفردية أمام ما تقتضيه المسؤوليات والواجبات الاجتماعية في ظل تعاليم خاتمة الرسالات الموجهة إلى بني آدم أجمعين.
إن الدفاع عن النفس والمال والشرف واجب ولكن الأهم من النفس والمال والشرف وبقيّة القيم هو دين الله، فنهض الامام الحسين (ع) ليدافع عن حريم الاسلام واستطاع أن يسقي شجرة الاسلام المباركة بدمه الطاهر ودماء أعزّائه وأصحابه، ويحفظ الاسلام ويحيي القيم والقوانين الاسلامية وحقاً قال الشيخ محمد عبده - رحمه الله - أنه «لولا الإمام الحسين، لما بقي لهذا الدين من أثر»... وبعبارة أخرى، كانت نهضة الامام الحسين (ع) سبباً لبروز أخلاق سامية، وغيّرت أفكار الانسان في كيّفيّة اختياره لسبل الحياة الكريمة.
ومن احدى تلك القيم التي دعانا اليها الحسين (ع) هي التشاور في ما بيننا والتحاور، وقد كان الرسول (ص) دائم الاستشارة لأصحابه، لذا يجب علينا نبذ الأنانية، وترجيح النفع العام، والمصالح الاجتماعية، وألا نتعدى على قوانين البلد لمجرد اختلافنا في الآراء والجلوس حول طاولة التشاور، وخلق أجواء المحبة والصفاء والأخوة والتضحية والهدوء والأمان.
بقلم «السيد أبو القاسم الديباجي» الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي
source : ایکنا