دفن الإمام الحسين ( عليه السلام ) وباقي شهداء الطف
بعد واقعة الطف :
بقيت جثّة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وجثث أهل بيته وأصحابه بعد واقعة الطف مطروحة على أرض كربلاء ، ثلاثة أيّام بلا دفن ، تصهرها حرارة الشمس المحرقة ، قال أحد الشعراء حول مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) :
هذا حسين بالحديد مقطّع ** متخضّب بدمائه مستشهد
عار بلا كفن صريع في الثرى ** تحت الحوافر والسنابك مقصد
والطيّبون بنوك قتلى حوله ** فوق التراب ذبائح لا تلحد (1) .
قبيلة بني أسد :
قبيلة تعيش أطراف كربلاء ، خرج رجالها يتفحَّصون القتلى ، ويتتبَّعون أنباء الواقعة بعد رحيل جيش عمر بن سعد إلى الكوفة ، فلمّا نظروا إلى الأجساد وهي مقطّعة الرؤوس ، تحيّروا في دفنها ، فبينما هم كذلك جاء الإمام زين العابدي ( عليه السلام ) بمعجزة طي الأرض إلى أرض كربلاء .
كيفية الدفن :
قال السيّد المقرّم : ( ولمّا أقبل السجّاد ( عليه السلام ) وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون ، ولم يهتدوا إلى معرفتهم ، وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم ، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم ! فأخبرهم ( عليه السلام ) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة ، وأوقفهم على أسمائهم ، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل ، وسالت الدموع منهم كل مسيل ، ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود .
ثم مشى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً ، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق ، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال : ( بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله ، صدق الله ورسوله ، ما شاء الله لا حوّل ولا قوّة إلاّ بالله العظيم ) ، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه ، وقال لهم : ( إنّ معي من يعينني ) ، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً :
( طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أمّا الليل فمسهّد ، والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم ، وعليك منّي السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) .
وكتب على القبر : ( هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، الذي قتلوه عطشاناً غريباً ) .
ثم مشى إلى عمّه العباس ( عليه السلام ) فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السماء ، وأبكت الحور في غرف الجنان ، ووقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً : ( على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك منّي السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته ) .
وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد ، وقال لبني أسد : ( إنّ معي من يعينني ) ! نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء ، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين ، ووضع في الأُولى بني هاشم ، وفي الثانية الأصحاب وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن ) (2) .
وبعدما أكمل الإمام ( عليه السلام ) دفن الأجساد الطاهرة ، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا .
ـــــــــ
1ـ بحار الأنوار 45 / 277 .
2ـ مقتل الحسين : 320 .