ولد أبو حامد ، محمد الغزَّالي عام 450 للهجرة(1) ، في طوس بخراسان ، ودرس علم الكلام في نيشابور عند شيخ الحرمين ( الجويني ) ، ثم قَدِمَ على مجلس الوزير السلجوقي ، نظام الملك ، ولبث فيه إلى أن أُسنِدَ إليه منصب التدريس في بغداد .
ويذكر انهم أحصوا فـي مجلس درسه ثلاثمائة تلميذ ثلثهم من أبناء الأمراء والوزراء .
وقد استحوذ على مجالس دروس العامة ، حـتى ذاع صيته ، واشتهر بين علمائهم بلقب ( حجة الإسلام الغـزَّالي) وكان متمرساً فـي فنّ الجدل والكلام .
وفي فورة النجاح التي كان أصابها يومئذ ، ألّف جملة من كتبه المشهورة ، مثل ( مقاصد الفلاسفة ) و ( تهافت الفلاسفة ) و ( إحياء علوم الدين ) .
وقد ذهب في كتابه الأخير هذا شططاً ، بحيث أفتى فيه بحرمة لعن قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) سبط الرسول وسيد شباب أهل الجنة(2) .
لكن الأيام تدور دورتها ويقرر الغزَّالي مغادرة بغداد لينتقل بـين العواصم الإسلامية الأخـرى ، فيشاء القدر أن يلتقي فـي إحدى رحلاته تلك بالسيد مرتضى الرازي(3) ، فيطلب منه الغزَّالي المناظرة في مسألة الإمامة ، فلم يمانع السيد المرتضى ، لكنه اشترط على الغزَّالي ألاّ يقاطعه في الحديث قبل استيفاء كلامه ، ووافق أبو حامد على هذا الشرط .
ابتدأت المحاورة، وأنصت الغزَّالي إلى المرتضى، الذي جعل يقيم الأدلة والبراهين على أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة .
وبين الحين والآخر ، كانت محاولات الغزَّالي للمقاطعة تبوء بالفشل ، لأن المرتضى لم يكن يعطي له الفرصة لذلك بل كان يستمر في سرد أدلته ، حسب شرط الذي إتفقا عليه .
وهكذا تكررت الجلسات بين العلمين ، إلى أن أسفرت فـي النهاية عن انضمام الغزَّالي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
إعترض التلاميذ على أستاذهم ، وتعجبوا منهُ كيـف استطاع المرتضى أن يدخله معه في مذهبه في تلك الفترة القصيرة .
غير إن أستاذهم أجابهم فـي تواضع وهدوء : لقد كان المرتضى ثاقب البرهان ، حاضر الدليل ، حسن الاستدلال ، أظهر ما عنده فأتم ، وما كان لي إلاّ الإذعان والاعتراف .
وبعد تلك الواقعة :
ألّف الغزَّالي كتابه ( سر العالمين ) ليعلن فيه أحقية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد طبع الكتاب مرات عديدة في مصر وغيرها من بلاد الإسلام .
التخصص في العلوم
من فكر أهل البيت (عليهم السلام)
يقول هشام بن سالم : بينما كنت وجماعة من الأصحاب بين يدي الإمام الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل الشام ، فسأله أبو عبد الله (عليه السلام) ، عن حاجته ؟
قال الشامي : سمعت أنك لا تسأل عن شيء فتعيى عـن الجواب ، وقد قدمت رغبة في مناظرتك ، واستكشاف ذلك بنفسي .
فقال (عليه السلام) : وفي أي باب أردت المناظرة ؟
فقال الشامي : في القرآن وإعرابه وبنائه وحركاته وسكناته .
فحوّله الإمام (عليه السلام) إلى أبان بن تغلب.. في مجال الإعراب والبناء ، وعلى حمران بن أعين في مجال موضوعات القرآن الكريم .
لكن الشامي سأل الإمام أن يناظره في الفقه وفي التوحيد والإمامة ، فأرشده أبو عبد الله (عليه السلام) إلى بعض أصحابه .
يتضح من هذا الخبر ، إن الإمام (عليه السلام) ، قد أولى عملية التخصص جانباً واضحاً من اهتمامه ، وربّى تلاميذه على ذلك .
التفؤل بديوان أمير المؤمنين (عليه السلام)
عندما سمع المولى محمد محسن الكاشاني(4) ، المعروف بـ ( الفيض ) بقدوم أحد الأعلام والمحققين يومئذ ، وهـو السيد ماجد البحراني(5) ، إلى شيراز ، رغب في الهجرة من بلدة قم المقدسة إليه ، للتلمّذ على يديه ؛ وبعد تردد من والد الفيض ، احتكما إلى القرآن ، فظهرت الآية : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا فـي الدين )(6) ، فأعتبرها الفيض إذناً صريحاً ، وتشجيعاً واضحاً من كلام الله الحكيم .
ومع ذلك رأى الفيض أن يتفأل بالديوان المنسوب للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإذا به يفاجأ بالأبيات التالية :
تغَرّب عـن الأَوطان في طَلَبِ العُلـى وسافِر ففـي الأَسفار خَمسُ فوائدِ
تَفـرُّجَ هـــــــمّ واكتســــــابُ معيشـةٍ وعِلـمٌ وآدابٌ وصحبــــــــةُ ماجدِ(7)
وهكذا مكث الكاشاني عند البحراني فترة من الزمن ، قرأ عليه فيها علوم الشريعة ، كما ذكر هو نفسه في بداية كتابه ( الوافي ) . حيث قال : لقد رويت كتبي عن أستاذي السيد ماجد بن السيد هاشم الصادقي البحراني ، فكنت أستند إليه في العلوم الشرعية الـتي رواها هـو عن الشيـخ بهاء الدين العاملي .
بين الطوسي والشيرازي
كان المحقق الطوسي ، الخواجة نصير الدين(8) (قدس سره) معروفاً بين العلماء في القرن السابع الهجري بمكانته العلمية المرموقة ، وريادته في فن المناظرة و الجدل . وقد وصفه العلامة الحلي (قدس سره) بأنه ( أفضل أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية ، وأنه أستاذ البشر والعقل الحادي عشر ) .
وكان قطب الدين الشيرازي ، وهو أحد الأعلام المشاهير في زمانه ، عالماً فاهماً مقتدراً ، له حلقة درس يحضرها جمهرة كبيرة من الطلاب .
وقد كانت عادة المحقق الطوسي أن يحضر بين الفينة والأخرى ، بعض مجالس العلماء وحلقاتهم .
وهكذا قرر زيارة الأستاذ الشهير قطب الدين في حلقة درسه ، ولكن بعد تنكير ملابسه ، لئلا يتعرَّف عليه أحد .
في حلقة الدرس تعمد أيضاً أن ينـزوي بعيداً في نهاية الصفوف ، ومع ذلك فقد تعرَّف عليه مجاوره ، وأبلغ بالخبر إلى مسامع أستاذه الشيرازي .
قال الأستاذ حسناً ، سوف يحضر غداً ، ولسوف أفحمه في موضوع ليس له إلمام به وهو الطب .
وفي اليوم الثاني بدأ القطب الشيرازي درسه بموضوع ( النبض ) من كتاب ابن سينا ، وأورد بعض إشكالاته على صاحب الكتاب . وبعد أن أتمَّ كلامه توجَّه إلى التلميذ المجاور للطوسي ، وطلب منه أن يقـرّر الدرس إن كان قـد فهمه .
تلكأ التلميذ في بيان المطالب ، فأستأذن المحقِّق من القطب الشـيرازي فـي بيانها .
قال الشيرازي : وهل فهمت الدرس حتى تشرحه ؟
أجاب الطوسي : نعم !
قال الشيرازي : تفضل !
فقال الطوسي : وماذا تريد أن أذكر ؟ الإشكالات الـتي ذكرتـها أم الردّ عليها ؟
قال الأستاذ : بيّن أصل الموضوع أولاً ، ثم بيّـن ما قـد سنـح لك من الاعتراضات إن كانت .
ثم شرع المحقق الطوسي في بيان المطلوب ، بحيث فنّد إشكالات القطب الشيرازي ، ثم عرّج على ذكر رأيه فـي الموضوع ، مما أعجب الأستاذ والحاضرين على حد سواء . فلم يكن من الأستاذ إلاّ أن قام من مقامه وأجلس الطوسي فيه ، وأبدى له احتراماً فائقاً وتقديراً غير معهود !
ثمرة اللين مع الناس
كتب زرارة بن أعين ، وعبد الله بن بكير ، ومحمد بن مسلم ، وأبو بصير وآخرون إلى الإمام الصادق (عليه السلام) يتبرّمون له من تصرفات المفضّل بن عمرو الجعفي ، وذلك لما لاحظوه على المفضَّل من معاشرة بعض الأشخاص غير الملتزمين ، مثـل شاربي الخمر ، واللاعبين بالطيور . وتمنّـوا على الإمام (عليه السلام) أن يكتب إليه رسالة ينهاه عن أعماله غير اللائقة تلك .
وهكذا كان ، فكتب الإمام الرسالة وختمها ، ثم سلَّمها إليهم ، وأوصاهم أن يسلِّموها إلى المفضَّل .
وفي الكوفة فضَّ المفضّل الرسالة ، وتلاهـا عليهم ، ففوجئوا بـأن الإمام (عليه السلام)لم يأت على ذكر طلبهم لا من قريب ولا من بعيد . وإنما وجدوا الإمام فيها يأمر المفضّل بشراء أشياء تحتاج إلى مبالغ طائلة .
قال لهم المفضل : علينا أن نتعاون في جمع المبلغ .
قالوا : إن ذلك يحتاج إلى الوقت .. وإلى العمل الحثيث .
ثم عزموا الخروج ، لكن المفضَّل استوقفهم ودعاهم لتناول طعام الغداء معه. وعلى الأثر أرسل شخصاً في طلب عددٍ من الذين شكوا المفضَّل بسببهم .
وحينما حضروا عرض عليهم المفضَّل الأمر ، فاستأذنوا في الخروج ، وعادوا بعد قليل ومعهم عشرة آلاف درهم هي المبلغ المطلوب ، ثم سلموها للمفضَّل والحضور يشهدون .
وعند تناول الطعام توجه المفضَّل نحو أصحابه وهو يقول : أفكنتم تريدون أن أترك أشخاص كهؤلاء ، فأعجز عن أداء الأمور الضرورية .
عند ذلك تبين للقوم مغزى قصد الإمام (عليه السلام) من وراء كتابه ، وهو إعلامهم بأن القائد بحاجة إلى جميع أصناف الناس ، مادام دينه فـي مأمن من الخطر والزلل ، وإن معاشرة المفضَّل لأولئك كان من الصواب والحكمة ، وهو مؤيد في ذلك من الإمام (عليه السلام) .
شروط المدير الناجح
كتب بعض أصدقاء المجدد الشيرازي(9) (قدس سره) إليه ، يطلبون منه تأييداً لأحد العلماء ، لكنه توقف عن إرسال الرد إليهم . فكتبوا إليه مرة أخرى ومع ذلك لم يصلهم منه جواب ! فوفدوا عليه مستفسرين عن السبب ، وهل إنه لم يطمئن لشهادتهم ، مما جعله يمتنع عن إجابة طلبهم ؟
قال الميرزا الشيرازي : لقد أطمأننت لجميع ما قلتموه وكتبتموه ، إلاّ أنكم لم تذكروا لـي إلاّ علمه وتقواه فقط . دون أن تشيروا من قريب أو بعيد إلى تدبيره ، وفطنته ، وكياسته ، وإدراكه للظروف التي يعيشها ، وهي جميعاً أمور هامة للقائد والمدير الناجح . فما فائدة علم الرجل وتقواه، إذا كان متَّصفاً بالبساطة والسذاجة وعدم الفهم للحياة وتكاليفها ولا يدرك الظروف التي تحيط به ؟.
السر الخفيّ
كان الميرزا القميّ والسيد بحـر العلوم ( قدس سرهما ) زميلين بحثاً ودرساً عند الشيخ محمد باقـر البهبهاني(10) (قدس سره). وكان الميرزا القميّ ، وحسب نقله ، متفوقاً في تلك الفترة على بحر العلوم .
وبعد عدة سنوات ، طرقت مسامع القمـيّ علمية بحـر العلـوم وصيته ومنـزلته . فتعجب القميّ ممّا سمع . وعندما سافر إلى العراق ، لزيارة العتبات المقدسة ، زار العلامة بحر العلوم في حلقة درسه فـي النجف الأشرف ، وهو يتناول إحدى المسائل الهامة نقداً وإبراماً ، فدهش القميّ لغزارة علم رفيقه القديم الذي لم يعهد منه تلك الدقة الفائقة .
فلم يجد بدّاً من أن يسأله عما أوصله إلـى ذلك المقام المحمود ؟ فأجابه بحر العلوم : بأن المسألة سرّاً من الأسرار ، إلاّ إنني سأبيحه لك ، شريطة أن يبقى طيّ الكتمان ما دمت حياً .
وبعد موافقة القميّ ، قال بحر العلوم : كيف لا أكون كذلك وقـد ضمني الإمام المنتظر ( روحي له الفداء ) في مسجد الكوفة إلى صدره ؟!
مبشر نصراني يعتنق الإسلام
نقل أحد المبشرين النصارى قصة اعتناقه للإسلام الحنيف فقال :
بعد سفر طويل من العلوم والمعارف المسيحية ، انتقلت إلى إحدى المدارس الكاثوليكية ، وكان يديرها قسّ مقرّب إلى أوساط الأعيان والأشراف ، وكان متميزاً في التدريس ، لا يقل حضّار درسه عن 500 طالب ، مضافاً إلى عددٍ آخر من الراهبات .
ولقد نشأت بيني وبينه علاقة ودّ حميمة ، بحيث أطمأن لي وسلّمني مفاتيح غرف الكنيسة ، ما خلا مفتاحاً واحداً لغرفةٍ صغـيرة ، كنت أظنها مخصصة للذهب والمجوهرات .
وفي أحد الأيام ، أمرني أستاذي القس بالذهاب إلـى الطلاب ، وإبلاغهم اعتذاره عن حضوره للتدريس . ولما وصلت قاعة الدروس وجدتهم يتباحثون فيما بينهم حول لفظ (فارقليط) ، الـذي ورد فـي إنجيـل يوحنا ، فـي الإصحاحات 14، 15 ، 16 .
بعد أن استمعت إلى مناقشهم واحتجاجهم ، عدت إلى الأستاذ وأخبرته بما دار بينهم حول العبارة وتفاسيرها .
قال لي الأستاذ وما تقول أنت ؟ فذكرت له رأي أحد مفسري الإنجيل .
فقال الأستاذ ليس التقصير منك ، أن تفسير هذا اللفظ لا يعرفه في هذا الزمن ، غير فريق ضئيل من أصحاب الرأي والتحقيق في هذا العلم .
شعرت أن في الأمر سرّاً يخفى عليّ . ألقيت بنفسي على قدميه وتوسلت إليه أن يطلعني على المراد الحقيقي . أغرورقت عيناه بالدموع ، ثم استرسل في البكاء ، وبعد برهةٍ رفع عينيه المبللتين نحوي وقال : سوف أذكر لك الحقيقة شريطة أن تبقيها سرّاً بيننا ما دمت على قيد الحياة ، لأنك أن أفشيتها تكون قد حكمت علي بالإعدام .
وبعد أن عاهدته على الالتزام بما طلب ، نظر في وجهي لحظات ثم قال : إن (فارقليط) هو اسم نبي الإسلام . ويعني كثير الحمد (أحمد ومحمد) .
ثم ناولني مفتاح تلك الغرفة ، الـتي كنت أظن أنها مخصصة للذهب والمجوهرات ، وقال لي : أفتحها وسوف تجد فيها صندوقاً بموضع كذا ، وفي الصندوق كتابان قد كتبا على جلود الحيوانات ، وقد كتبا بالخط اليوناني قبل ظهور الإسلام ، أحضرهما وسترى بعينيك تفسير (فارقليط) بما ذكرت لك.
يقول ذلك القس التلميذ : ومنذ تلك اللحظة تمكن عشق الدين الإسلامي من قلبي ، وأيقنت ان واجبي هو دعوة الناس إليه .
وبعد إشهار إسلامه ، أطلق على نفسه اسم ( محمد صادق فخر الإسلام ) وألف كتاباً فـي رد المسيحيين ويروي فيـه قصة إسلامه ، بعنوان ( أنيس الإعلام).
دور الإيحاء في سلوك الإنسان
استنكر أحـد الأطبّاء علـى الملك إطلاق لقب (الطبيب الأول) على سقراط ، وادّعى انه أفهم منه .
قال الملك لسقراط : إنّ هذا الطبيب يدّعـي إنّه أعلم منك ، وبالتالي انه يستحقّ اللقب .
قال سقراط : إذا أثبت ذلك فإن اللقب سيكون من نصيبه .
قال الملك لسقراط : كيف تتشخّص الأعلمية .
أجاب سقراط : أيّها الملك سل الطبيب عن ذلك فإنه أدرى بالدليل .
قال الطبيب : أنا أسقيه السم الرعاف وهو يسقيـني ، فأيّنا تمكّن من دفع السمّ عن نفسه فهو الأعلم ، أمّا الذي اصابه المـرض أو أدركـه الموت فهو الخاسر .
قَبِلَ سقراط هذا النوع من التحكيم ، وحدّد يوم النزال بعد أربعين يوم .
إنهمك الطبيب في تحضير الدواء السام ، فـي حين استدعى سقراط ثلاثة أشخاص وأمرهم أن يسكبو الماء في مدقٍّ وان يدقّوه بقوّةٍ واستمرار ، وكان الطبيب يسمع صوت الدقّ بحكم جواره لبيت سقراط .
وفي يوم الأربعين حضر الإثنان بلاط الملك .
سأل سقراط من الطبيب : أيّنا يشرب السمّ أولاً ؟
قال الطبيب : أنت يا سقراط ، وأعطى الطبيب مقداراً من السمّ وبعد أن ابتلع السموم تناول ما يزيلها .
فأخذت الحمّى مأخذاً من سقراط وعرق كثيراً واصفر لونه ولكن بعد ساعة برء ممّا أصابه .
توجّه سقراط إلى الطبيب قائلاً : أمّا أنا فلا أسقيك السمّ ، لأنّ شفائي دليل على أعلميّتي .
أصرّ الطبيب على أن يشرب السمّ ، وفي وسط إلحاح الحضور بما فيهم الملك على سقراط ، أخرج قنّينة وسكب نصف ما فيها في إناءٍ ، وأعطى سقراط القنّينة للطبيب .
تناول الطبيب ما في القنّينة ، وبعد لحظات هوى صريعاً إلى الأرض .
توجّه سقراط إلـى الحضور وقال : كنت أخاف ذلك عندما امتنعت من إعطائه .
ثم توجّه إلى الملك وقال : إنّ الذي شربه الطبيب لم يكن سماً رعافاً ، وإنّما كان ماءاً عذباً ، والدليل على ذلك إننّي سأشرب وأنتم ستشربون .
وعندما سئل عن سبب موت الطبيب ، أجاب سقراط : إنّه هوى صريعاً لإيحائه النفسي ، حيث كان يعتقد إنّما تناوله سمّ رعاف خصوصاً بعد أن سمع طيلة أربعين يوماً أصوات الدقّ .
أقول : هكـذا يفعل الإيحاء النفسي ، وقد روي عن علي (عليه السلام) انه قال : إنّ من يقابلني في الحرب أتمكّن أن أقتله ، لأنّي مصمّم على قتله ، وهو يوحي إلى نفسه بأنّي سأقتله ، فينهزم نفسياً ، فهو يعينني على قتله .
فاللازم الاهتمام بالإيحاء النفسي لنصرة الحق ضد الباطل .
1 ـ وكان من فلاسفة الدولة السلجوقية التي أسست في إيران واتخذت إصفهان عاصمة لها .
2 ـ إحياء العلوم : ج3 ص121 ، وكتابه هذا مجموعة من الخرافات والمنكرات والمحرمات .
3 ـ هو شقيق السيد مجتبى بن الداعي ، وليس شقيق السيد الرضي كما أشتبه على البعض .
4 ـ محمد بن المرتضى بن محمود المدعو بالمولى محسن الكاشاني المعروف بالفيض يُعد من نوابغ العلم في القرن الحادي عشر ومن تلاميذ الشيخ البهائي (قدس سره) توفى سنة 1091 هـ ودفن في شيراز، عدّه الحرّ العاملي : فاضلاً ، عالماً ، حكيماً ، متكلماً ، محدثاً ، فقيهاً ، محققاً ، شاعراً ، أديباً. وترك قرابة مائتي كتاب ورسالة منها : الوافي ، المحجّة البيضاء ، الشافي ، قرة العيون ، علم اليقين في أصول الدين .
5 ـ السيد ماجد بن هاشم بن علي بن مرتضى بن علي بن ماجد الصادقي العريضي البحراني ، كنيته أبو علي ، ووفاته بدار العلم شيراز في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان سنة 1028هـ وقبره بجوار السيد أحمد بن الإمام الكاظم (عليه السلام) بمشهد شاه جراغ المعروف هناك . أصيب في صباه بمرض في عينيه ، فقد بسببه إحداهما ، ومن ثم رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فـي المنام فقال له : ( إن أُخذ منك البصر ، فقد منحت البصيرة ) . وكان من تلاميذ الشيخ البهائي . وقد ترجمه النوري في المستدرك : ج3 ص420 ، والحر العاملي في أمل الأمل : ص493 ومحمد المحبي في خلاصة الاثر : ج3 ص307 .
6 ـ سورة التوبة : الآية 122 .
7 ـ ديوان الإمام أمير المؤمنين : ص 181 .
8 ـ محمد بن محمد بن حسن الجهرودي القميّ الطوسي ، ولد في طوس 11 جمادى الأولى سنة 597هـ وتوفى 18 ذي الحجة سنة 679هـ ، ودفن في الكاظمية ، صاحب علوم المعقولة والمنقولة ، بنى مرصداً في مدينة مراغة الإيرانية . من مؤلفاته كتاب تجريد الاعتقاد .
9 ـ السيد محمد حسن الشيرازي ، المعروف بالمجدد ، قائد ثورة التنباك ضد الإنجليز وحكومة ناصر الدين شاه القاجاري بعد ان قادت بريطانيا جيوشاً جراره على إيران في ربيع الثاني سنة 1309هـ ، وكان قوامها 400 ألف مقاتل ، وكان هدفهم الحصول على امتيازات التبغ زراعة وشراءً وتصديراً مقابل 250 ألف ليرة إنجليزية تقدمها لندن لناصر الدين شاه .
أحبط الشيرازي المؤامرة بعد أن أصدر فتواه فاضطرت جيوش الإنجليز من حـزم حقائبها ثم ولّت منهزمة تجر اذيال الخيبة والإنكسار. والمرجع الذي تمكن من إيقاف الحاكم المستبد (عبد الرحمان خان) في أفغان الذي كان يقتل الشيعة ويجعل من رؤوسهم منائر في كل مكان ، وكان الشيرازي معروفاً منذ نعومة أظفاره بالفطنة وحضور الذهن وقوة الحفظ والذاكرة . تصدى المرجعية بعد وفاة استاذه الشيخ الأنصاري عام 1281ه وتوفـى ليلة الأربعـاء الرابع والعشرين من شهـر شعبان عام 1312هـ .
10 ـ الشيخ محمد باقر محمد البهبهاني الملّقب بالوحيد ، ولد فـي اصفهان عام 1116هـ وهاجر الى بهبهان ثم النجف ثم عاد إلى بهبهان وبقي فيها ثلاثين سنة ثم غادرها الى النجف عام 1159هـ وبقي فيها مدة ثم انتقل إلى كربلاء سنة 1160هـ واستقر فيها ، وشرع فيها في التدريس والمباحثة والتأليف ، وازدهرت الحوزة في زمانه وانتشرت المدرسة الاصولية في كربلاء . توفى عام 1305هـ ودفن في الحائر الحسيني مما يلي أرجل الشهداء ، ترك قرابة الستين كتاباً ورسالة .