عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

كلام الإمام الرضا ( عليه السلام ) في التوحيد

كلام الإمام الرضا ( عليه السلام ) في التوحيد

قال محمّد بن زيد الطبري : كنت قائماً عند علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بخراسان ، وحوله جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وهو يتكلّم في توحيد الله تعالى ، فقال ( عليه السلام ) :

( أوّل عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول بأنّ كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أنّ له خالقاً ليس بمخلوق ، الممتنع من الحدث هو القديم في الأزل ، ليس الله عبد من نعت ذاته ، ولا إيّاه وحّد من اكتنهه ، ولا حقّقه من مثَّله ، ولا به صدق من نهّاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه بشيء من الحواس ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بَعَّضه ، ولا إيّاه أراد من توهّمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول .

بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته سبحانه ، وبالفطرة تثبت حجّته ، خلق الخلق بينه وبينهم حجابُ مباينته إيّاهم ومفارقتهم له ، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فاسماؤه تعالى تعبير ، وأفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل الله سبحانه من حدّه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه .

من قال : ( كيف ) فقد شبّهه ، ومن قال : ( أين ) فقد حصره ، ومن قال : ( فيم ) فقد وعاه ، ومن قال : ( علام ) فقد شبّهه ، ومن قال : ( متى ) فقد وقّته ، ومن قال : ( لِمَ ) فقد علّله ، ومن قال : ( فِيم ) فقد ضمّنه ، ومن قال : ( إلام ) فقد نهاه ، ومن قال : ( حَتّام ) فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد جَزّأه ، ومن جَزَّأه فقد ألحد فيه .

لا يتغيّر الله تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدّد بتحديد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل مباشرة ، متجلِ لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدّر لا بفكر ، مدبّر لا بعزيمة ، شاء لا بهمّة ، مدرك لا بحاسة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمّه الأماكن ، ولا تأخذه السِنات ، ولا تحدّه الصفات ، ولا تقيّده الأدوات .

سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لا شبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والظل بالحرور ، مؤلّف بين متدانياتها ، مفرّق بين متبايناتها ، بتفريقها دل على مفرقها ، وبتأليفها دل على مؤلّفها ، قال سبحانه : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ لا معلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه ( منذ ) ، ولا تدنيه ( قد ) ، ولا تحجبه ( لعل ) ، ولا توقّته ( متى ) ، ولا تشتمله ( حين ) ، ولا تقاربه ( مع ) ، كلّما في الخلق من أثر غير موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون .

وكيف يجري عليه ما هو أجراه ! أو يعود فيه ما هو أبداه ! إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولمّا كان البارئ غير المبرأ ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث !

وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء ! لو تعلّقت به المعاني لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحوّل من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجّة ، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هو العلي العظيم )

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام )
لماذا أبو نواس تأخر عن مدح الإمام الرضا(ع)؟
الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في ...
نبذة من حياة الامام علي بن موسي الرضا (ع)
طب الرضا
أدعية الإمام الرضا عليه السلام
مناظرة الإمام الرضا ( عليه السلام ) مع أصحاب ...
تراث الإمام الرضا عليه السلام
کرامات الامام الرضا علیه السلام

 
user comment