ان المطلع على كتب الاخلاق في الاسلام لاشك سيجد الكلمات التي تدل على المجتمع الفاضل «الحلم، التعاون، القيم، المبادىء، الصبر، الاخوة، القدوة الحسنة، الكرم، الامانة، الحياء ، التواضع، الصدق، اللين، الامانة، الرفق، الورع، الشجاعة» فهذه الفضائل هي التي يسعى اليها المجتمع المثالي ويعمل بمقتضاها مع الواقع المعاش، وهذه الفضائل في الفكر الاخلاقي تحتاج الى نشر الوعي الخلقي ومخاطبة العقول البشرية والعواطف الانسانية معا من اجل التمسك بها.
والاسلام دعا الى مكارم الاخلاق في الكثير من الأيات القرآنية، فنجد الله عزوجل يقول في التمسك بمبدأ الصدق: «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» ويقول في الصبر : «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» ويقول في اللين والرفق: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» ويقول في الامانة: «والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون» الى غير ذلك من الأيات، حتى انه وصف النبي محمد (ص) بقوله تعالى : «وانك لعلى خلق عظيم».
وفي ذلك يقول (ص) : «انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» وبذلك يتبين ان الفكر الخلقي في الاسلام ليس كلمات تردد على المنابر وانما العمل قبل القول، بل جعل الاسلام القول بدون عمل من سوء الخلق، فقال تعالى: «اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم افلا تعقلون» فالفكر الخلقي في الاسلام هو فكر العمل والتنفيذ والتطبيق في الحياة اليومية، وحياة الرسول (ص) شاهدة على ذلك يقول الخالق عزوجل: «لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا».
والاسلام بفكره الخلقي العملي يربي الاجيال ويصنع الرجال الذين يمثلون الاخلاق في حياتهم، ولذا فالاجيال المسلمة في عصرنا هذا بحاجة ماسة الى الاخلاق القويمة والقيم الحكيمة والمبادىء المستقيمة والأداب الكريمة من اجل الوصول الى التفوق والازدهار والتقدم معنويا وماديا.
ركيزة لحياة افضل
الاخلاق الفاضلة، ركيزة مهمة من الركائز التي يقوم عليها الواقع المعاش وسيره نحو حياة افضل، ولذلك نجد جل الديانات والامم والشعوب تحرص حرصا تاما على هذه المبادىء وتحافظ عليها من الانهيار او تنالها ايدي العابثين.
فالاخلاق في نظر الدول المعادية، مدخل مهم تلج منه للنيل من أي دولة كانت، وذلك عن طريق بث اللهو في نفوس شعب تلك الدولة المستهدفة، وخاصة الطبقتين الناشئة والشابة لعلمها بما في هاتين الطبقتين من ميول جذابة للانغماس في مستنقعات الرذيلة والاخلاق الفاسيدة.
فكم من حوادث مؤسفة تقع في العالم، تطالعنا بها الصحف اليومية ، لافراد وجماعات خرجت عن صور الرقي الاخلاقي حيث لا دين ولا ضمير يوجهها الوجهة الصحيحة المناسبة.
وأمة لا تحسب للخلق حسابه، فتلك امة قاصرة من بلوغ من المجد، وامكانية بقائها ضئيلة:
انما الامم الاخلاق مابقيت
فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
وسنتطرق فيمايلي الى خصلتين اخلاقيتين بعنوان اساس الدعامة الاخلاقية في الاسلام واصل كل الفضائل في الفكر الخلقي الاسلامي اذ من خلالهما تنبع كل الخصال الاخلاقية النبيلة الاخرى، الخصلة الاولى هي الصدق والثانية هي الصبر، وسنتعرض لهما بشيء من التفصيل:
الصدق... الفضيلة الكبرى:
الصدق : نقيض الكذب ، ويقال : صدقت القوم، اي قلت لهم صدقا، ويقال: رجل صدوق ابلغ من الصادق ، والمصدق الذي يصدقك في حديثك ، والصديق: الدائم التصديق، وهو الذي يصدق قوله بالعمل. وفي القرآن الكريم: «وامه صديقة» المائدة 78. أي مبالغة في الصدق، وفي قوله عزوجل: « والذي جاء بالصدق و صدق به اولئك هم المتقون» الزمر 33.
ويجيء الصدق بمعنى الصحة والاستقامة، ويستعمل فى كل يحق ويحصل، قولا أو فعلا. وقد وردت هذه المفردة في أكثر من مئة وخمسين آيه تدل على الصدق والتصديق والصديق، والصدقة والصدقات... الخ وهي اشارة الى المنزلة العظيمة لهذه الفضيلة، والمكانة الجليلة التي يتصف بها أصحابها، لآن الصدق يعلي صاحبه ويرفعه في المجتمع، ويجعله موضع ثقته، ومحترم الكلمة ومقبول الشهادة في المجالس، وقد لقب الرسول محمد(ص) لامانته لامالله وبالصادق لصدقه، فكان مثالا رائعا في قومه قبل الرسالة الاسلامية، وهو الذي حكم بينهم عند اعادة بناء الكعبه واختلافهم في مسالة من يضنع الحجر الاسود في مكانه.
قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين » التوبة 119، فالصدق اذا يعنى الوفاء لله سبحانه، والالتزام بشرع الله والعمل بما كلف الله الانسان من جميع الطاعات والاستقامة، والاتصاف بصفات الخير التي تقوم عليها الاخلاق والمعاملات، وهذا معنى الأية الكريمة، أي خافوا الله وراقبوه فى السر والعلن والتزموا بشرعه وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و« كونوا مع الصادقين » في أقوالكم وأفعالكم،ومتى بلغ الانسان هذه الصفة المباركة فقد رضي الله عنه وجعله أهلا لدار كرامته.
ان الصادق هو من أقام شرع الله تعالى وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله. هو الذي اذا حدث صدق، واذا عاهد وفي،وهو الذي يقنع بماقسمه الله له، فلا يطمع في مال غيره، ولا يحسد أحدا ولا يخدعه ولا يمكربه، يردد قول الله سبحانه: «... ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم » الحشر 10.
انظروا كيف جعل الله تعالى درجة الصديقين بعد درجة النبيين مباشرة تعظيما للصدق واهله، وتكريما لهذه الفضيلة .من اتصف بها، قال تعالى: « ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا » النساء69.
اذا الصدق عمود الدين وركن الادب وأصل المروءة وأحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه، فما أورع فضيلة الصدق مع الله وبالوفاء بما التزمناه،ومع الناس في المعاملة والمحادثة قولا وفعلا، أخذا وعطاءا.
الصبر... الثبات على الشدائد
الصبر هو توطين النفس على المشاق والمكاره، والثبات في الموقف الصعب. ولسنا نعرف فضيلة أكد القران الكريم الدعوة اليها كتأكيده على الصبر، فهو عماد كل نجاح وقوام كل جهاد، وقرين كل خلق فاضل.
والصبر في القران قرين الحق لان الحق لاينصر الا بالصبر، قال تعالى: « والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر »
والصبر قرين العمل الصالح الاصبر النفس عما يزين لها من الشهوات، يقول تعالى: « الا الذين صبروا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة وأجر كبير »
وقد أعلى الله درجة الصابرين وأبان فضل الصبر، اذ قال: «واصبروا ان الله مع الصابرين » وحسبنا بمن كان الله تعالى معه، يسدد قوله وعمله وينصره نصرا عزيزا. وهل كشف الباحثون عن الحقائق الا بالصبر على الطلب والبحث؟ : « ان فى ذلك لايات لكل صبار شكور ».
وبين القران ان الصبر عدة المؤمنين فى جهادهم فى هذه الحياة، اذ قال سبحانه وتعالى: « يا ايها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين »، فأمرهم أن يفزعوا الى الله فيما ليذبهم من النوائب، فيتوجهوا اليه بالصلاة ويصبروا به على المكروه.
كما جعل الصبر في آخر درجات الفضائل حين عددها في آية البر، فقال جل جلاله: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكه والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس. اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون ».
وبين القران الكريم ان الله سبحانه وتعالى يحب الصابرين الذين يثبتون على الشدائد، ولا يهنون لما يحزنهم من النوائب: «وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله .وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ».
وأما جزاء الصابرين فالظفر في الدينا والطمأنينة التى تلقى الشدائد ثابتة راضية ورضا الله تعالى وحسن الثواب في الاخرة، يقول القران الكريم:
« وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ».
وقال تعالى: « اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا »
وقال جل شأنه: « ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون »
وقد كانت سيرة الرسول(ص) وأهل بيت الكرام (ع) امتثالا لامر القران، واكبار لتربيته، فغلبوا العدد الكثير والخطوب المتزاحمة بايمانهم وصبرهم ، ولم يعسر عليهم مطلب، ولافاتت عزائمهم غاية، ونالوا جزاء الصابرين في الدنيا طمأنينة وظفرا وغلبة، والله ولي جزائهم فى الاخرة.
وما كان صبرهم استكانة للمصائب ولكن استخفافا بها، ولا خنوعا للقوة ولكن ثباتا لها، والظفر عليها، يقول الله عزوجل: « يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا أو اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ».
source : http://e-resaneh.com