للزواج في المجتمعات العربية طقوس وبروتوكولات يصعب الفكاك منها في مختلف الشرائح الاجتماعية، ومن أهمها أن تتم المبادرة من قبل الشاب، الذي يتقدم بطلب الزواج من الفتاة، وكما اعتدنا في الأفلام العربية القديمة يقول الرجل كلاما محفوظا في هذه المناسبات من عينة "يشرفني يا عمي أن أتقدم وأطلب يد ابنتكم للزواج"، ولا مانع من أن يضع وجهه في الأرض كعلامة على أدبه، وحسن تربيته، وبعدها يبدأ والد العروس في سؤاله عن عائلته، ووظيفته، وكم يتقاضى منها... إلخ.
الآن نطرح هذا التساؤل: هل يمكن أن نقلب هذا المشهد وتتقدم الفتاة لطلب يد الشاب للزواج؟ وهل تقبل الفتاة أن تلعب هذا الدور؟ وهل يقبل الشاب من تتقدم لطلب يده؟ هذه أسئلة عرضناها على مجموعة من الفتيات والشباب.
رفض وتخوف
تقول الآنسة "يارا عثمان" في التاسعة والعشرين من عمرها، وتعمل مهندسة: لا أميل لفكرة أن تعرض الفتاة نفسها على الشباب بغرض الزواج لسببين، أولهما متعلق بطبيعتي الشخصية التي تعتمد دائما على رد الفعل، وبالتالي لا أستطيع أن أتخذ موقف المبادرة في مثل هذا الموقف. أما السبب الثاني فيتعلق بإيماني بأن هذه الخطوة تخص الرجل لامتلاكه جرأة المبادرة، على عكس الفتاة التي تخجل من الإقدام على مثل هذا الأمر، لأنه في حال رفض الشاب لها فستعيش في وضع نفسي صعب للغاية.
وتابعت: مهما بلغ إعجابي بأي إنسان فلن أجرؤ على مفاتحته أو توسيط أحد بيننا من أجل الزواج منه؛ حفاظا على كرامتي.علاوة على أن هذا قلب للأدوار الطبيعية التي خلقنا الله من أجلها، وسيصنع خللا في الطبيعة التي فطرنا الله عليها، ثم إن المجتمع الذي نعيش فيه لا يسمح أبدا بوجود علاقات تسمح بهذا القدر من الجرأة في الحديث بحيث يمكن للفتاة أن تبوح بأمر كهذا، فالعادات والتقاليد تمنع هذا.
أما الآنسة "هـ. س" في الثامنة والعشرين من عمرها، وموظفة، فقالت: لا يمكنني أن أعبر لشخص عن رغبتي في الارتباط به، ولا أن أوسط أحدا بيننا، فأنا خجولة جدا، ولا أعرف كيف أتصرف في هذه الأمور، وأخشى حتى لو وسطت أحدا بيننا أن يتحدث عني بشكل يقلل من شأني، وكل ما يمكنني فعله في هذا الموقف هو أن أدعو الله أن يجمع بيننا، ولو كان في هذا الموضوع خير أن يقربنا من بعضنا، علاوة على أن الشاب الذي أعجب به ربما لو أقدمت أنا على التلميح له بالزواج فقد يسيء فهمي، وهذه هي النظرة الغالبة لدى الشباب حول من تعرض نفسها عليهم.
أؤيد بشدة
أما الآنسة "سماح شادي" في التاسعة والعشرين من عمرها، فلها رؤية مؤيدة لأن تعرض الفتاة نفسها على الشاب الذي ترى فيها زوجا صالحا لها، تقول فيها: لقد مررت بهذه التجربة فعلا، فقد أعجبت مرة بأحد الأشخاص، ورأيته مناسبا جدا لي كزوج في كل الأمور، ولأني أحب الصراحة وأكره "اللف والدوران" فقد عبرت له صراحة عن مشاعري تجاهه، ولا أرى أن في هذا ما يؤذي الفتاة في شيء أو يقلل منها، وكان رد فعله أن قال لي إنه يعتبرني أختا له، ودامت بيننا العلاقة الأخوية العادية.
سألتها إذا كانت ترددت في الإقدام على هذا الخطوة أو ندمت عليها بعد أن قوبلت بالرفض فقالت بثقة شديدة: أولا هذا الشاب كان مناسبا لي من كل النواحي، ولم أرد أن أخسره بسبب التردد؛ خاصة أن ما أطلبه منه هو الزواج الشرعي، ولم يكن من الإيجابية في شيء أن أظل صامتة دون التعبير عن مشاعري تجاهه، فقد يكون بحاجة إلى من يحمسه ليتقدم في طلب الزواج، أو أن يكون بدأ في التفكير في فتاة أخرى للزواج فأعرف، لم أكن أريد أن يفاجئني خبر زواجه.
وأضافت: إنه لو تصور أنى فتاة سيئة لعرض نفسي عليه فأنا في هذه الحالة لا أريده؛ بسبب تفكيره الخاطئ، كل ما في الأمر أنني فتاة واضحة صريحة، وأريد رجلا يحترم هذه الصراحة، فهذا أفضل من "اللف والدوران"، ومن الأساليب الناعمة التي تلجأ إليها أحيانا الفتيات، والتي لا أحبها ولا أحترمها، لهذا لم أشعر بالندم لحظة على إقدامي على هذا الأمر، ولو قابلت شخصا آخر وشعرت أنه مناسب لي فسأقدم على هذه الخطوة ثانية؛ لأنه لا عيب في هذا من وجهة نظري.
آراء الشباب
بعد أن استمعنا لآراء الفتيات حول إمكانية قبولهن لفكرة أن تعرض الفتاة الزواج على من تراه زوجا صالحا لها، سألنا بعض الشباب عن آرائهم فيمن تقوم بطلب الزواج منهم فقال "محمود نجم"، 29 سنة يدرس الطب، أعزب: أنا أحترم المرأة كإنسانة ولا أرى فارقا بينها وبين الرجل في حقها في التعبير عن مشاعرها، ولها كل الحق في التحرك لتحقيق كل أحلامها المشروعة، ولها الحق بالتالي في التعبير عن رغبتها في الارتباط بمن تراه مناسبا لها.
وعن رد فعله لو حدث معه وإن أعربت فتاة له عن إعجابها ورغبتها في الزواج منه قال: سأحترم أي فتاة تعبر لي عن مشاعرها الحقيقية، وتكون صريحة معي، فهذا لا يقلل منها في شيء، ولا يقلل من احترامي لها، وبالطبع لو كانت فتاة مناسبة فلا يوجد لدي مانع من الارتباط بها في المستقبل.
ولا يختلف رأى "حسام فتحي" البالغ من العمر 33 سنة، ويعمل مهندس كمبيوتر، عن رأي محمود كثيرا، فيرى أن تعبير الفتاة عن نفسها لا يؤثر أبدا على نظرته لها باحترام وتقدير، خاصة أن الفتاة يمكنها أن تعبر أو تلمح بأكثر من وسيلة، فلغة العيون تقول الكثير. ولكنه يتحفظ على الطريقة التي تعبر بها الفتاة عن نفسها بقوله: المهم ألا تكون طريقة الفتاة في التعبير عن رغبتها بالارتباط بشخص معين مبالغا فيها، وتفوق الحد الأدنى من الحياء، فجرأة الفتاة المبالغ فيها تجعل أي رجل يتردد في الارتباط بها.
رأي الشرع
وعن مشروعية أن تخطب الفتاة لنفسها دينيا يقول "مسعود صبري" الباحث الشرعي في "شبكة إسلام أون لاين.نت": لا بأس من أن تسعى الفتاة لتزويج نفسها بالوسائل المشروعة، مع المحافظة على كرامة وحياء الفتاة، ويضرب مثلا بما قامت به السيدة خديجة رضي الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث عرضت على الرسول الزواج منها، لكن بأسلوب غير مباشر من خلال قريبتها، التي أرسلتها لاستطلاع رأيه في هذا الأمر.
وأضاف: لكن الأصل هو أن يبدأ الرجل في طلب الزواج، ولكن لا بأس من أن تفعله المرأة متى رأت أن الرجل مناسب لها، ولا حرمة في هذا، بل إن هناك من يسميها سنة السيدة خديجة، وعامة الناس ليسوا جميعا على نفس المثال، فمن يرى أن هذا السلوك يناسبه فهناك من يرفضه، وهذا يتوقف على طبيعة الفتاة، وفى كل الحالات تستطيع الفتاة بأسلوب مهذب أن تلمح للشاب من خلال الاهتمام الزائد به، أو الحديث في الأمور الاجتماعية والحياة الشخصية، ما دام أن هذا في حدود اللياقة والأخلاق.
عدم التسرع
وعن الجوانب النفسية والاجتماعية لخطبة الفتاة لنفسها يقول الدكتور أحمد عبد الله مستشار القسم الاجتماعي: بداية يجب أن نتوقف قليلا عند عبارة "الفتاة ترى الشاب مناسبا لها"، لأنهن كثيرا ما تعتقد الفتاة أن الرجل الذي تقصده مناسب لها، ويكون لديها اعتقاد راسخ بهذا في حين أن هذا يكون غير صحيح، وتكون قد بنت رأيها على قناعات غير حقيقية، وأحيانا تسارع وتقول إن شخصا ما مناسب لها، وتكون معلوماتها عنه غير كافية.
وتابع: لكل ما سبق أنصح الفتاة بأن يكون لديها رصيد من المعلومات كاف عن هذا الشاب الذي تريد الارتباط به، ثم يفضل أن تعرفه على شخص حكيم، أو كبير في السن ممن لديهم مهارة الفراسة، ولديهم خبرة واسعة في الحياة، واكتشاف معادن الناس، ولو تأكدت أنه الشخص المراد والمناسب لها فعلا فعليها ألا تحادثه مباشرة؛ لأن هذا أحيانا يعطي نتائج سلبية ومؤلمة للفتاة، بل عليها أن توسط شخصا تثق فيه، ويكون لديه مهارات الدبلوماسية وحسن الحديث، بحيث يبدو وكأنه يتحدث من نفسه طواعية وليس بطلب من الفتاة، كي تسير الأمور طبيعية، وألا يحدث أي ضرر للفتاة في حالة عدم حدوث قبول من الشاب.. وعلى الفتاة التي تتخذ طريقة التعبير المباشر أن تتحمل مسؤولية هذا الفعل.
source : تبیان