عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

عملية التحادث بين الناس .. أُصولها وقواعدها!

الحديث فَنّ .. فَنّ كسائر الفنون ، له قواعد وأصول ، وله فوق ذلك طبيعة أو عبقرية صاحبه ـ إن جاز له التعبير ـ التي تُميِّزه عن غيره من الناس... فالحديث إذن فِطري ومُكتسَب.. فِطري من حيث أن له طابعاً خاصاً بصاحبه.. ومُكتسَب من حيث أن البيئة والمجتمع اللذين يعيش فيهما المتحدِّث يُضفيان عليه صبغتهما.. فَفِطرة دون اكتساب تظل ناقصة.. واكتساب بلا فِطرة يظل غير مكتمل.. فالمتحدِّث الفنان هو إذن من استطاعَ أن يوفِّق بين الفِطرة والاكتساب، وبين ما حَبَته الطبيعة والعبقرية وما أَضفاه عليه المجتمع...

إن أُولى ميِّزات الحديث هي الاقتضاب.. ونحن نعيش في عصر السرعة.. والسيارة والطائرة والذرَّة.. والعمل الدائم المتواصل .. فالأعصاب مُرهَفة حسَّاسة، تتأثر بكل هَمسة، وكلمة ، وحَركة.

حين تلتقي بشخص من مَعارِفك، ليس من الضروري أن تقضي معه ربع ساعة في التحيَّات والسَّلام وسؤال الخَاطِر.. وكيف صحة البيت والعائلة والأولاد.. كلمتان فقط تُغنِيان عن هذه الديباجات الطويلة العريضة...

ولَئِن كان الاقتضاب نافعاً في مَحلِّه فهو مُضِرّ في غير مَوضِعه...

والحديث فَنّ... حين تروي نكتة أو قصَّة .. حاوِل ألاَّ تُطيل الشَّرح.. وألاَّ تضحك للنكتة قبل أن يضحك لها السَّامعون.. ففي كثير من الأحيان تُعجبك نكتة لا تحلو للغير.. لذلك إِرِوها لهم على اعتبار أنها قصَّة أو حادثة عادية.. فإن راقَت لهم ضَحِكوا كثيراً.. وإن لم تَرِق لهم وَفَّرت على نفسك مرارة الإخفاق...

حين تتحدَّث إلى الغَير حاوِل قَدر المستطاع ألاَّ تذكر متاعبك وهمومك.. واذكر أنَّ لكل امرئٍ متاعبه وهمومه.. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى إن أَنتَ سَردتَّ متاعبك وهمومك وبُؤسك لصديق عزيز سَبَّبت له هَمَّاً وغَمَّاً.. وإن ذَكرتَها لِعدوٍّ لَدود حَسود، أَفرحتَهُ وأَسعَدتَهُ.. وهذا ما لا تَرمي إليه بطبيعة الحال...

لا تتحدَّثي ـ سيدتي ـ عن جَمال طفلك.. وحبُّكِ لِزَوجك ... وكرهكِ لِحَماتك... أمام الغَير ... فهذا موضوع لا يهمّ السَّامِع ولا يَعنيه...

ولا تتحدَّث عن نفسك بل دَع الغَير يتحدَّثون عن شخصك الكريم.. فالناس لا يهمُّهم إن كنتَ تنحدر من سلالة الملوك أم من سلالة الصعاليك .. ما دمتَ محترماً اجتماعياً...

قد يظنّ البعض أن الحديث يجب أن يكون دائماً فَكِهاً لِيَروق لِلغَير. لا, ليس هذا هو الواقع.. فلكل مجتمع حديثه ... ولكل شخص الموضوع الذي يَعنيه ويَسرُّه.. فَما يحلو للفتى لا يَهمّ الشَّيخ.. وما يروق للمرأة لا يَعني الرجل.

 

قارِئي العزيز:

حاوِل إذن أن تندمج في المجتمع أو الوَسط الذي أنتَ فيه.. فإن كان مجتمعاً نسائياً والحديث يدور عن الفساتين وألوان الطعام.. فَشارِكهم في البَحث ـ إن كان لكَ بعض الخبرة في هذه الناحية ـ وإلاَّ فَخيرٌ لكَ أن تصغي .. وتستمع .. وإيَّاك أن تحاول تغيير مَجرى الحديث.. فالمرأة تُفضِّل موضوع مَوضة الشَّعر مَثَلاً على  ألف بيت من الشِّعر...

لا تكن متعنِّتاً في جدالك .. ولا مبالغاً في حديثك.. واذكر أنَّ العالم يغصّ بِمَن هُم في مِثل مَقدرتك وعبقريَّتك...

لا تُغالِ في المَديح أو في الهِجاء.. فقد تضطرّ إلى مُعاداة مَن تَمدح أو مُصالحة مَن تَهجو...

لا تذكُر الغَير بالسُّوء، لِئلاَّ يتَّهمك السَّامِع باغتيابه في المستقبل...

لا تَمدح شخصاً بما لَيس فيه.. لأنك بهذا تضعه في مأزق هو بِغنى عَنه... لا تُحاوِل أن ترتدي دائماً رِداءَ المُرشِد الواعِظ الحكيم.. فَتُلقي نَصائحك على الناس جِزافَاً.. إِن سَأَلكَ أحدهم نصيحة فَاعطِه رأيك وقُل له: هذا هو رأيي.. وقد أَكون على خطأ وقد أَكون على صَواب...

هذه بعض قواعد فَنّ الحديث .. أَورَدتُّها بإيجاز دون تفصيل.. وقد قيل: إنما المرء بِأَصغريه: قلبه ولسانه.. أمَّا القلب فلا يَعنينا من أمره شيء في هذا المَقام.. وأمَّا اللسان فَمن خلاله يحكم الناس لَنا أو عَلينا.. ولنحاول دائماً ألاَّ يكون هذا الحُكم قاسيا!*

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأحكام الثابتة والمتغيّرة
حقوق الأبوين في القرآن الكريم والسنة النبوية
و الصحه الصوم
الفاكهـــة و فـــوائدهــــا
السيد محمد قلي اللكهنوي
الألفة والحبّ
عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة

 
user comment