تعريفان
الأوّل: إنّ هذا الكتاب هو ردٌّ على كتاب روزبهان ( إبطال الباطل ) الذي كتبه ردّاً على كتاب العلاّمة الحلّي ( نهج الحقّ ) ـ في الإمامة ـ. فحين رأى الشيخ المظفَّر رحمه الله المغالطات العلميّة في كتاب روزبهان، وتجنّيه على الحقائق الثابتة والواضحة عند المسلمين، وَجد ضرورةً في ردّه عبر احتجاجاتٍ ومجادلاتٍ علميّة يتميّز من خلالها الحقُّ عن الباطل.
الثاني: هو ما معنى الجدال ؟ وهل يجوز للمسلم ذلك ؟
قال تعالى مخاطباً رسولَه الأكرم صلّى الله عليه وآله وسِلّم: وجادِلْهُم بالّتي هي أحْسَن بعد قوله عزّ مِن قائل: ادْعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحِكمةِ والمَوْعظةِ الحَسَنة ( سورة النحل:125 ).. في ظلّ هذه الآية الشريفة كتب السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ في تفسيره ( الميزان ) يقول: الجدال هو الحُجّة التي تُستعمل لفَتل الخصم عمّا يُصِرّ عليه ويُنازع فيه، مِن غير أن يُريدَ به ظهورَ الحقّ بالمؤاخذة عليه مِن طريق ما يتسلّمه هو والناس، أو يتسلّمه هو وحده في قوله أو حُجّته.
فينطبق ما ذكره تعالى من الحكمة والموعظة والجدال بالترتيب على ما اصطلحوا عليه في فن الميزان بـ: البرهان، والخَطابة، والجدل. غير أنّه سبحانه قيّد الموعظةَ بالحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.. وفيه دلالةٌ على: أنّ من الموعظة ما ليست حَسَنة، ومِن الجدال ما هو أحسن وما ليس بأحسن ولا حَسَن. والله تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة، ومِن الجدال بأحسنه.
ولعلّ ما في ذيل الآية من التعليل بقوله: إنّ ربَّك هُوَ أعلمُ بِمَن ضَلَّ عن سبيلِهِ وهُوَ أعلمُ بالمُهتَدين ، فمعناه: أنّه سبحانه أعلمُ بحالِ أهل الضَّلال في دِينه الحقّ، وهو أعلمُ بحال المهتدين فيه، فهو يعلم أنّ الذي ينفع في هذا السبيل هو: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الأحسن.. لا غير. ( الميزان 371:12 ـ 372 ).
قبل الدخول
تستقبل القارئَ مقدّمة في زهاء مئتَي صفحة، تشتمل على عدّة عناوين: ـ
العنوان الأول: أجلى البرهان في نقد كتاب ابن رُوزْبهان، بقلم: السيّد علي الحسيني الميلاني، في أكثر من مئةٍ وخمسين صفحة، كتب في مستهلّها: قد كنتُ سجّلت سابقاً ملحوظاتٍ على كتاب ابن روزبهان في ردّه على ( نهج الحقّ ) للعلاّمة الحلي، فلمّا عزَمَت مؤسّسة آل البيت عليهم السلام على تحقيق كتاب ( دلائل الصدق لنهج الحق ) طَلَبت منّي تنظيم تلك الملحوظات وترتيبها؛ لتكون مقدّمةً له، فأجَبتُ الطلب؛ أداءً لبعض ما وَجَب.
وكان عنوان ما كتبتُه: أجلى البرهان في نقد كتاب ابن روزبهان، وهو يشتمل على: مطالب تمهيديّة في أصول البحث والمناقشة، وفي علم الكلام، وفي خصوص الإمامة، ثمّ دراساتٍ في مباحث الإمامة من كتاب ابن روزبهان،..
العنوان الثاني: ترجمة العلاّمة الحلّي، وفيها:
هو الشيخ الأجلّ أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي المطهَّر.. وُلِد سنة 647 هـ، وتُوفّي سنة 726هـ. ذكره معاصره ابن داود الحلي في رجاله فقال: علاّمة وقته، وصاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإماميّ إليه في المعقول والمنقول. وووصفه معاصره القاضي البيضاوي بـ: إمام المحقّقين في علم الأُصول. وقال ابن كثير: له التصانيف الكثيرة، يُقال: تزيد على مئةٍ وعشرين مجلّداً في الفقه والنحو والأصول والفلسفة.. وذكره الصفدي فقال: الإمام العلاّمة ذو الفنون، عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته.. كان رَيِّضَ الأخلاق، حليماً، قائماً بالعلوم، حكيماً، طار ذِكرُه في الأقطار، واقتحم الناسُ إليه، وتخرّج به أقوام كثيرة. ووصفه ابن حجر في ( لسان الميزان ) فقال: كان آيةً في الذكاء.. وكان مشتَهِرَ الذِّكر وحسنَ الأخلاق، ولمّا بلغه بعض كتاب ابن تيمية في الردّ عليه، كتب إليه أبياتاً أوّلها:
لو كنتَ تعلم كلَّ ما عَلِمَ الورى | طُرّاً لَصِرتَ صديقَ كلِّ العالَمِ | |
لكنْ جَهِلتَ فقلتَ إنّ جميعَ مَن | يَهوى خلافَ هواك ليس بِعالِمِ |
وقصّته مع الحاكم المغولي أُولْجايتو مشهورة، حتى أنّه دان بمذهب الإمامية وسمّى نفسه بـ « خدابنده » أي عبدالله.
العنوان الثالث: الفضل بن روزبهان، تعريف به وبمؤلّفاته.
العنوان الرابع: القاضي التُّستَري نور الله بن شريف الدين عبدالله، الحسيني المرعشي، تعريف به وبمصنّفاته، ومنها ( إحقاق الحقّ ) الذي قُتل لأجله شهيداً مظلوماً.
العنوان الخامس: الشيخ المظفّر محمّد حسن بن الشيخ محمّد الجزائري، متكلّم وباحث، وأديب وكاتب، وصاحب قريحةٍ شعريّة رقيقة. تُرجِمت حياته هنا في ما يقرب من ثلاثين صفحة، لتنتقل بعد ذلك مقدّمة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام إلى:
العنوان السادس: أُسلوب العمل ومنهج التحقيق، معرِّفةً بـ: النُّسَخ المعتمَدة في تحقيقها لهذا الكتاب النافع، وعملها في الكتاب، وذِكر بعض التنبيهات، شاكرةً في خاتمتها جميعَ الذين ساهموا في إخراج هذا المؤلَّف القيّم ( دلائل الصدق لنهج الحقّ ) الذي كتب مؤلّفه في:
مقدّمته
فإنّي لمّا سُعِدتُ بالنظر إلى كتاب ( نهج الحقّ وكشف الصِّدق ) للعلامة الحلّي قدّس الله روحه، وجَدْتُه كتاباً حافلاً بالفضل، مشحوناً بالقول الفصل. وقد ردّ عليه فاضل الأشاعرة بوقته: الفضلُ بن روزبهان، وأجابه سيّدُنا الشريف، الحاوي لمرتبتَي السعادة: العلمِ والشهادة، السيّد نور الله الحسيني، فجاء وافياً شافياً كما يهواه الحقّ ويرتضيه الإنصاف.
لكنّني أحبَبتُ أن أقتديَ به وأُصنّفَ غيرَه، عسى أن أفوز مِثلَه بالأجر والشهادة، ونقلتُ عنه كثيراً، وعبّرتُ عنه بـ: السيّد السعيد. وتعرّضتُ في بعض المقامات؛ تتميماً للفائدة، إلى بعض كلمات ابن تيمية التي يليق التعرّضُ لها ممّا ردّ بها كتاب ( منهاج الكرامة ) للمصنّف العلاّمة الحلّي، وإن لم أُصرّح باسمه.
ولولا سَفالةُ مطالبه، وبَذاءة لسان قلمه، وطول عباراته، وظهورُ نَصْبِه وعداوته لنَفْسِ النبيّ الأمين وأبنائه الطاهرين، لكان هو الأحقَّ بالبحث معه؛ لأنّي ـ إلى الآن ـ لم أجد لأحدٍ من علمائنا ردّاً عليه، لكنّي نزّهتُ قلمي عن مجاراته، كما نزّه العلماء أقلامهم وآراءهم عن ردّه.
ولمّا كان عمدة جوابِه وجوابِ غيرهِ في مسألة الإمامة هو المناقشة في سَنَد الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت ومطاعن أعدائهم، وضعتُ المقدّمةَ الآتية، لِتستغنَي بها عن جواب سَنَد الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت ومطاعن أعدائهم، وضعتُ المقدّمة الآتية، لِتستغنيَ بها عن جواب هذا على وجه الإجمال، ولنفعها في المقصود.
ثمّ كتب الشيخ المظفَّر رحمه الله يقول: إعلَمْ أنّه لا يصحّ الاستدلال على خصمٍ إلاّ بما هو حُجّة عليه، ولذا ترى المصنِّف ( العلاّمة الحلّي ) رحمه الله وغيرَه من علمائنا، إذا كتبوا في الاحتجاج على أهل السنّة التزموا بِذِكر أخبارهم، لا أخبارنا.
والقوم لم يلتزموا بقاعدة البحث، ولم يسلكوا طريق المناظرة؛ فإنّهم يستدلّون في مقام البحث بأخبارهم على مذهبهم، ويستندون إليها في الجواب عمّا نُوردِه عليه، وهو خطأٌ ظاهر.
على أنّ أحاديثهم ـ كما ستعرف ـ حَرِيِّةٌ بأن لا تَصلُحَ للاستدلا بها في سائر مطالبهم، حتّى عندهم! وإن كانت ممّا تُوسَم بالصحّة بينَهم! لكنّها صالحةٌ للاستدلال عليهم، وإثباتٍ مناقب آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ومثالبِ أعدائهم ـ وإن ضَعّفوا جملةً.
وبيانُ المُدّعى يحتاج إلى البحث في مطالب:
المطلب الأوّل أخبار العامّة حُجّةٌ عليهم:
الأمر الأوّل: إمّا هي صحيحة السند عندهم، أو متعدّدة الطُّرق بينهم، والتعدّد يُوجِب الوثوقَ والاعتبار ـ كما ستعرفه في طيّ مباحث الكتاب.
الأمر الثاني: إنّها ممّا يُقطَع ـ عادةً ـ بصحّتها؛ لأنّ كلَّ روايةٍ لهم في مناقب أهل البيت ومثالب أعدائهم محكومةٌ بوثاقة رجال سندها وصِدقِهم في تلك الرواية ـ وإن لم يكونوا ثِقاتٍ في أنفسهم!
وهكذا يمضي الشيخ المظفَّر في كتابه ضمنَ بحوثه في قواعد الرواية والدراية، تحت مطالب عديدة ومهمّة، بل وخطيرة، بيراعه السهل الواضح وأسلوبه العلميّ البليغ، ليقف بشجاعة على مناقشة الصحاح الستّة في بحثٍ عُلَمائيّ لا يُجارى، فضلاً عن أنّه لا يُردّ.. ولم يُردّ! مثبّتاً أنّ النَّصْب لأهل البيت عليهم السلام هو أعظم العيوب في الراوي، لأنّ الناصب منافق، والمنافق كافر، بل هو أشدُّ منه وأخطر؛ لأنّه يُسِرّ الكفر ويُظهر الإيمان، فيكون أضَرَّ على الإسلام من الكافر الصريح.
ثمّ يبدأ بالتحقيق حول رجال الصحاح الستّة، فيُثْبت جرحَ أكثر رواتها مترجماً لـ 366 راوياً طَعَنت الكتبُ الرجاليّة السنيّة بهم، ومِن أشهرهم:
عِكْرِمة البَرْبَريّ مولى ابن عبّاس ـ الذي ترجم له: الذهبيّ في ( ميزان الاعتدال 116:5 / الرقم 5722 )، وابن حجر في ( تهذيب التهذيب 630:5 / الرقم 4812 ) وحوله قال: كذّبه ابنُ المسيّب وابن عمر ويحيى بن سعيد. وذُكر عند أيّوب أنّه لا يُحسِن الصلاة، فقال أيّوب: أوَ كان يصلّي ؟! وعن مطرّف: كان مالك بن أنس ( صاحب المذهب المالكي ) يكره أن يذكره. وقال أحمد بن حنبل: يرى عِكْرِمة رأيَ الصُّفْرِيّة ( أي من الخوارج ). وقال عطاء بن أبي رباح: كان عكرمة إباضيّاً ( أي خارجياً ). وقال مصعب الزبيري: يرى عكرمة رأيَ الخوارج. وقال يحيى بن بكير: الخوارج الذين بالمغرب، عنه أخذوا. وقال محمّد بن سيرين فيه: كذّاب! وقال حمّاد بن زيد: سمعتُ أيّوبَ يُحدّث أنّ عِكْرمة قال: إنّما أنزل اللهُ متشابه القرآن لِيُضِلَّ به. وقال ابن أبي ذِئب: عكرمة غير ثقة. وقال الشافعي: قال مالك: لا أرى لأحدٍ أن يقبل حديثَ عِكْرمة. وقال ابن مَعين: كان عكرمة ينتحل مذهب الصُّفْريّة ( وهم فرقةٌ من حَروريّة الخوارج ينتسبون إلى زياد بن الأصفر ).
وقال يزيد بن أبي زياد: دخلتُ على عليّ بن ( الصحابيّ ) عبدِالله بن عبّاس ـ وعِكْرمةُ مُقيَّد على باب الحُشّ ( النخل المُجتمِع، أو على الكُنُف ومواضع قضاء الحاجة ) ـ فقلت: ما لهذا ؟! قال: إنّه يكذب على أبي... إلى غير ذلك ممّا ذكروه في ترجمته.
ثمّ قال الشيخ المظفَّر متأسِّفاً: فمِن العَجَب أنّ البخاريّ يروي في صحيحه عن هذا الكذّاب المنافق الداعية إلى المذهب السُّوء، ولا يروي عن حُجّة الله وابن حُججه جعفر بن محمّد الصادق، ولا عن أبنائه الطاهرين! وكذا باقي أرباب صحاحهم.