عربي
Thursday 25th of July 2024
0
نفر 0

تبليغ الاسلام ونشره ودور الإيرانيين في ذلك


إن من البديهي أن فطرية الاسلام ومطابقته للمنطق ومواكبته لسنن الحياة كانت عوامل أساسية في انتشاره.
ويتشبت المبشرون المسيحيون بحروب صدر الاسلام، فيعلنون أن عامل التوسع في الاسلام هو الإجبار والإكراه! ونحن نعلم أن لو لم يكن في جوهر دعوة دينية القدرة على الإقناع فمن المحال أن تكون القوة قادرة على خلق الإيمان والإحساس الديني. أجل لقد وقعت ولذلك فهو يرى أن شعار ((ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) شعار خاطئ ولهذا فقد قرر الجهاد. ولكن ينبغي لنا أن نرى ما هو هدف الاسلام من الجهاد؟ ومن الذين حاربهم المسلمون في صدر الاسلام؟ وأن تلك الحروب من أطلقت؟ ومن قيدت أو أسقطت؟
وإلى أين تقدم المجاهدون بجهادهم؟ وما هي تلك المناطق التي لا تصل إليها خيل ولا ركاب ولا حراب؟ فما أكثر تلك المناطق التي لم تحصل فيها الحرب وإن أكثر البلاد الاسلامية التي يعيش فيها المسلمون أقلية لم تطأها أقدام جنود الاسلام.
والمسألة المهمة التي تميز انتشار الدعوة الاسلامية عن المسيحية والمانوية وسائر الدعوات التي انتشرت سريعاً هي أن الذي قام بتبليغ الاسلام، هم عامة المسلمين وليس جهازاً خاصاً للدعاية فعموم المسلمين، وبتأثر من البواعث الوجدانية قاموا بنشر الاسلام وتبليغه، من دون أن يكون ذلك تكليفاً مفروضاً عليهم من قبل جهاز ديني أو غير ذلك. وهذا هو الذي يمنح الاسلام ميزة خاصة فائقة، حتى لا يبقى نظير له في هذه الناحية.
ونحن لا نستطيع هنا أن نعد الأراضي الاسلامية واحدة واحدة فنبحث في كيفية عوامل نشر الاسلام فيها فهذا العمل خارج عن أهداف الكتاب. بل نحن هنا نبحث في دور الإيرانيين في تبليغ الاسلام ونشره وهو دور كبير يصلح أن يكون نموذجاً جيداً لنشر الاسلام في العالم.
يقرب عدد المسلمين اليوم طبقاً للإحصائيات الأخيرة إلى تسعمائة مليون مسلم ويقرب عدد الإيرانيين إلى خمسة وعشرين مليوناً وهؤلاء الذين هم الآن أقل من ثلاثين مليوناً لهم الأثر الأكبر في إسلام أكثر من نصف مسلمي العالم ولا أقل من أن تكون إحدى مقدمات ومبادئ إسلامهم دعوة اسلامية من المسلمين الإيرانيين.
فاليوم يعيش أكثر من نصف مسلمي العالم في الهند وباكستان وأندونيسيا ونتساءل: كيف أسلم أهالي تلك البلاد النائية وهل للإيرانيين نصيب في اسلام هذه المناطق؟ ولنبدأ من أندونيسيا:
كتب صاحب كتاب نهضة أندونيسيا في فصل ((الدين في أندونيسيا)) يقول: ((وقد تحقق نفوذ الاسلام في أندونيسيا بالطريقة نفسها التي بيناها لسائر الأديان (البوذية والهندوكية) غير أن انتشرا الاسلام قد تحقق لأول مرة على يد تاجرين عربيين من عنصر إيراني باسم عبدالله العريف وبرهان الدين الشاكردوي، اللذين كانا من التجار المقيمين بكجرات في الجنوب الغربي من الهند فهذان التاجران اللذان كانا يترددان إلى جنوب شرقي آسيا هما اللذان نشرا معارف الاسلام وثقافته العالية في منطقة عملهما)).
وكتب يقول: ((إن السعي العلني للمسلمين في سومطرة والذي سرى إلى جاوه وكاليمنتان أدى إلى اختلاف شديد بين المسلمين والحكومة الدينية البوذية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين وأدت هذه الاختلافات أخيراً إلى سقوط امبراطورية ((موجوبا هيت)) وعرفت أندونيسيا مركزاً لتبليغ الاسلام في جنوب شرقي آسيا لمدة قرن من الزمان. وكان هذا من أثر الأصول الأخلاقية والروحية الاسلامية المبنية على المحبة والأمانة والعدالة والاخوة والمساواة وسائر الأخلاق الفاضلة وكانت هذه الخصائص ملائمة لطبيعة الناس المحليين وعاداتهم القديمة، فكان أن استقبلوا هذا الدين الجديد برحابة صدر، بعد أن كانوا أتباع بوذا مئات الأعوام! وعلى أثر تقدم الاسلام تقهقرت المذاهب والمعارف البرهمية إلى المناطق الجبلية والقرى والأرياف في شرقي جاوه، وهنا امتزجت العقائد والتقاليد البوذية بعقائد وتقاليد أهالي هذه الأماكن إلا أن الاسلام كان في تقدم دائم لا يعرض في مكان إلا ويحتوي سائر المذاهب المحلية ويجعلها تحت نفوذه.
وكتب المؤلف يقول: ((إن الدكتور سوكارنو كان يقول في خطابه: إن الشرف والصدق والمساواة والأمانة.. هي الخصال التي جاء بها الاسلام هدية لشعب أندونيسيا)).
وجاء في كتاب ((الاسلام صراط مستقيم)) بقلم جماعة من علماء مختلف الدول الاسلامية مقال بعنوان ((الاسلام في أندونيسيا)9 بقلم ب. ا ـ حسين جاجا ونينكرات أستاذ العلوم الاسلامية بكلية الآداب في أندونيسيا يقول:
((إن أقدم سند تاريخي موجود بأيدينا يذكر فيها نتشار الاسلام في أندونيسيا هو خواطر وذكريات رحلة ماركوبولو حيث توقف ـ اثناء رجوعه في عام 692 للهجرة من بلاط (قوبلاي) الصنيني إلى (فينيسيا) إيطاليا ـ في نواحي بالارك (شمال سواحل سومطرة فشاهد أن كثيراً من أهالي تلك المناطق اعتنقوا الاسلام تأثراً بدعوة التجار القادمين إليهم من (ساراسين)..
والرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة المتوفى 779هـ في طريقه إلى الصين عام 746هـ زار (سومطرة) وكان ملكهم إذ ذاك الملك ظهير بن الملك صالح... يقول: ((.. ويمضى على استقرار الدين الاسلامي رسمياً في تلك الديار إذ ذاك قرن من الزمان تقريباً..)) وكتب في كتابه أحاديث عن تواضع وزهد وديانة هذا السلطان الشافعي وأنه رتب مجالس للبحث والجدل في المواضيع الدينية وقراءة القرآن بمحضر العلماء والمتكلمين وأنه كان يذهب لصلاة الجمعة مشياً على الأرض حافياً وكان يجاهد الكفار في حوزته أحياناً...)).
ثم يتحدث في مقالة بشأن الرجال التسعة المعروفين بالمقدسين التسعة الذين قاموا بنشر الاسلام في ربوع أندونيسيا، ويقول: إن أحدهم واسمه (سه سيتي جنار) كان يحمل عقائد تشبه عقائد الحلاج فكان مورداً للطعن من قبل الآخرين ثم يقول:
((إن عقائد (سه سيتي) تشبه عقائد الحلاج تماماً إلا أن هذا لا يصبح دليلاً على أن الاسلام قدم إلى أندونيسيا عن طريق إيران فقط، إلا أن من المسلم به أن الاسلام قدم من إيران إلى الهند الغربية ثم إلى سومطرة ثم إلى جاوة، ويمكن تأييد المدعى هذا بمؤيدات كثيرة، من قبيل أن الشيعة يجلسون للعزاء في اليوم العاشر من المحرم يوم شهادة الحسين بن علي (ع)، وفي أندونيسيا أيضاً يقدم بعضهم إلى بعض طعاماً مطبوخاً باسم (بوبود سورا) الاسم الذي نرجح أن تكون (سورا) هي مصحفة كلمة (عاشوراء) كما يسمون المحرم في جاوه بهذا الاسم (سورا) وبالإمكان مشاهدة النفوذ الشيعي في ناحية (أتجه) الواقعة في شمال سومطرة وهم يسمون شهر محرم (شهر الحسن والحسين). ومما يمكن أن يستدل به على تلقي أندونيسيا الاسلام عن طريق إيران هو أن القراء حين يتعلمون كيفية قراءة الحروف والأصوات العربية الصحيحة يستعملون المصطلحات الفارسية لا العربية... وهناك علامات أخرى من آثار الثقافة الفارسية تجدها من خلال المطالعات المختلفة للآثار الأندونيسية)).
والبروفيسور إسماعيل يعقوب رئيس جامعة سوراباي أندونيسية الذي اشترك في المؤتمر الألفي للشيخ الطوسي (قده) في الأيام الأخيرة من عام 1388 أو أوائل 1389، في حديثه بعنوان ((دور العلماء الإيرانيين في الثقافة والمعارف الاسلامية والتراث العلمي للعالم)) قال ـ وأنا حاضر ـ :
((إن اسم فارس الذي جاء في الحديث النبوي والذي يعرف اليوم بإيران معروف بين مسلمي أندونيسيا بشهرة تامة، فنحن نعرف إن الدين الاسلامي دخل إلى أندونيسيا على لسان المبلغين القادمين إلى أندونيسيا من خارجها ولا سيما من إيران فقد قدم هؤلاء إلى أندونيسيا ونشروا الاسلام في جميع ربوعها حتى أصبحت اليوم تشتمل على مائة وعشرة ملايين نسمة تسعون مليوناً منهم مسلمون)).
ولقد كان انتشار الاسلام في الهند وباكستان رهين مساعي المسلمين الإيرانيين إلى حد كبير.
والأستاذ مظهر الدين الصديقي الأستاذ المساعد ورئيس دائرة التاريخ الاسلامي في جامعة السند في حيدرآباد باكستان في مقال بعنوان ((الثقافة الاسلامية في الهند وباكستان)) من كتاب ((الاسلام صراط مستقيم)) كتب يقول:
((كانت للعرب علاقات تجارية بالهند الجنوبية من قبل ظهور الاسلام واستمرت هذه العلاقات التجارية عن طريق البحر بعد ظهور الرسول (ص) مع التبليغ بالاسلام حينما أصيبت الهند بالاضطرابات السياسية والنزاعات المذهبية اغتنم المسلمون العرب هذه الفرصة فهاجروا إلى سواحل مالابار وأقاموا فيها. وأثرت سماحة الاسلام ووضوح عقائده في أفكار الهنود أثراً بالغاً حتى اعتنق في مدة الخمس والعشرين سنة كثير منهم الاسلام بما فيهم سلطن مالابار. واستمرت تجارة العرب مع الهند عن طريق البحر، إلا أن الاسلام تقدم إليهم في الأكثر عن طريق البر أي ممالك إيران وآسيا المركزية.
وكتب يقول: ((كان الصوفيون أحب إلى الناس والدولة من علماء الدين وذلك لأنهم كانوا يجتنبون التدخل في الأمور السياسية بينما كان علماء الدين أحياناً يفرضون قيوداً على أعمال السلاطين لذلك كان أمراء دهلي من هواة الصوفية. وقد دعا الشيخان الصوفيان سالار مسعود غازي وإسماعيل في القرن الخامس الهجري إلى الاسلام آلافاً من الهنود على الرغم من الحكام غير المسلمين. وقد بنى الصوفي الكبير معين الدين السمرقندي الذي جاء إلى الهند قبيل أسرى الغوريين بنى هذا الشيخ الطريقة الصوفية الجشتية التي لا زالت من إحدى كبريات الطرق الصوفية في باكستان والهند، وقبره في اجمير يزار من قبل المسلمين الهنود. ووجدت طريقة السهروردية في الهند بعد الطريقة الجشتية وكانت تخالف الجشتية من حيث التأكيد الشديد على العمل بالأوامر الدينية وملاحظتها إذا كانت السهروردية تخالف ما تداول في سائر فرق الصوفية من أنواع الرقص والسماع الخاص بالذكر والابتهال! أضف إلى ذلك طريقتين معروفتين باسم القادرية والنقشبندية اللتين كانتا قد قدمتا إلى الهند من قبل المغول ووجدتا لنفسيهما مجالاً للنفوذ كبيراً)).
وكان عموم أو غالبية هؤلاء الصوفية الناشرين للاسلام في تلك المناطق إيرانيين.
ولمعرفة معين الدين الجشتي المذكور سابقاً والأثر الكبير الذي كان لهذا الرجل الإيراني العارف في نشر الاسلام في القارة الهندية ننقل هنا نص ما كتبه العالم المتتبع المحقق الشيخ عزيز الله العطاردي:
((ولد الخواجة معين الدين الجشتي الهروي في القرن السادس الهجري في سيستان وبدأ هناك بتحصيل العلوم ثم هاجر إلى ((هرات)) فاشتغل فيها بالرياضة في ناحية يقال لها ((جشت)) ومن هنا قيل له: ((جشتي)). وبعد إقامة مدة في جشت عزم على السفر إلى طوس وأقام هناك في طابران في خانقاه الخواجه عثمان الهاروني أحد كبار مشايخ الصوفية بخراسان واشتغل هناك بتكميل مقاماته العرفانية والروحية حتى أصبح من مريديه بل أصبح خليفة له بعده في طريقته. ثم سافر من طوس إلى بغداد وأقام بها مدة مستفيداً من مشايخها وهي إذ ذاك من المراكز المهمة للعلوم الاسلامية. حتى اصبح فيها مدرساً ومرشداً يستفيد منه جماعة من مريديه ثم طاف مدة في الحرمين الشريفين ومصر والشام واستجازه خلق كثير من تلامذته ومريديه واستفادوا من مجالسه العلمية والعرفانية.
وفي مفتتح القرن السابع الهجري جر السلطان شهاب الدين الغوري عسكراً جراراً من موطنه الأصلي في ((فيروزكوه)) بين الجبال الغورية في شرقي هراة إلى الهند وبعد أن أخرج لاهور من أيدي أسلاف الغزنويين توجه إلى دهلي ففتحها بعد مدة وجعلها عاصمة له وبعد أن تصرف المسلمون في البنجاب واستقر الحكم وانتشر الاسلام في ربوعه هاجر مجموعة من العلماء والقادة المسلمين لتبليغ الدين الاسلامي إلى البنجاب وراجستان واستقلوا بالنشاط الديني. وفي هذه الأثناء هاجر الخواجه معين الدين مع السلاطين والأمراء الغوريين إلى الهند وسكنوا في بلدة أجمير من منطقة راجستان. وأسس الخواجة مؤسسات إسلامية في أجمير وبنى مدارس ومساجد كثيرة واشتغل بتبليغ وتدريس أسس الاسلام في تلك البلاد.
وكان الخواجة معين يلقى مواضيعه الدينية عن طريق العرفان والتصوف الذي كان يتلاءم والأفكار الهندية، اشتهر في مدة قليلة شهرة عظيمة واهتم به الناس من كل حدب وصوب واستفادوا منه أكبر استفادة.
وكان يحترمه الملوك والأمراء المسلمون احتراماً كبيراً، وتهيأت له جميع وسائل التقدم والاطراد من كل ناحية، وتمكن من هداية الملايين من عبدة الأصنام إلى التوحيد وتقدم الاسلام ببركته إلى غرب الهند وشماله. وأدب معين الدين تلامذة كثيرين وأصبح كل واحد منهم في منطقته مصدراً لخدمات قيمة فكان قطب الدين بختيار وفريد الدين كنج شكر من تلامذته والمتربين على يديه وقد أصبحا مصادر لآثار وخدمات جليلة.
وتوفى خواجة معين الدين بعد فترة من النشاط وتأسيس المؤسسات الثقافية والدينية في مدينة أجمير فبنى المسلمون له مقبرة جليلة وعظيمة لا زالت قائمة بعد ثمانية قرون وهي من أكبر مزارات المسلمين الهنود وقد أسهم في مقبرته سلاطين الهند المسلمون من عهد ناصر الدين الخلجي حتى عهد نظام حيدرآباد، وقد كتب على كتائب الأيوان والأروقة وداخل المقبرة أبيات كثير باللغة الفارسية ـ اللغة الرسمية لمسلمي الهند ـ .
كان سلاطين التيموريين الهنود يقصون معين الدين بكل إرادة واحترام، حتى أن جلال الدين أكبر، جاء إليه مرة زائراً ماشياً من عاصمته اكره إلى أجمير. وله في قلوب المسلمين الهنود من الشيعة والسنة حب عظيم، ويقيمون في شهر رجب من كل عام لذكراه مجلساً عظيماً يشترك فيه مئات الألوف من الأطراف والنواحي، كي يكرموا معين الدين ويشكروا له خدماته وأتعابه في سبيل الاسلام. وقد جاءت ترجمته في عدد من المذكرات التاريخية.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عاشوراء الحكمة والعاطفة
الهجوم على دار الزهراء عليها السلام وما ترتب ...
المؤامرات فی الکوفة
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
خالد بن ولید يقتل الصحابي مالك بن نويرة طمعاً في ...
الغلاة في نظر الإمامية
قبول الخلافة
تأملات وعبر من حياة يوسف (ع) - ج 2
أقوال علماء السنة في المذهب الشيعي
الثورة الحسينية اسبابها ومخططاتها القسم الاول

 
user comment