عربي
Saturday 27th of July 2024
0
نفر 0

الحب في التشريع الاسلامي


انه اذا كانت بعض التشريعات قد اتخذت \"القوة\" اساساً لها, ومحوراً ومنطقاً وبعضها الاخر جعل \"المادة\" منطلقاً ومحوراً. وبعض ثالث اعتبر \"الحرية المطلقة\" هي المنطق والاساس.. وهكذا..
فان الاسلام.. هذا الدين الخالد, قد نظر الى الانسان نظرة اكثر دقة وشمولاً عندما رفض ان يكون كل ذلك, وسواه اساساً صالحاً للتشريع, او منطلقاً واقعياً للنظم والاحكام..
ونظر الى الانسان بمنظار اخر, يعطيه هويته بما هو انسان, ويلبي احتياجاته بما هو كائن مرتبط بكل ما في هذا العالم, ويفجر فيه طاقاته, ليعمؤه, ويجسد فيه الحياة الفضلى, والعيش الكريم..
فكان ان بنى علاقاته على اساس اخر, يتلاءم مع فطرة الانسان, وينسجم مع طاقاته وقدراته.. لا يجحد حق موجود في سبيل تكريس امتياز لموجود اخر, كما انه لا يلبي احتياجات طاقة على حساب اي من الطاقات الاخرى.
هذا الاساس يمكن تلخيصه بكلمة واحدة, وبكلمة واحدة فقط وهي كلمة \"الحب\"..
وذلك لانه اذا كانت علاقة الانسان بالحياة, وبكل الموجودات الطبيعبة قائمة على اساس \"الحب, والكره\".. بل لقد بلغ حبه للدنيا حداً يجعله يهمل امر الحياة الاخرة \"كلا بل تحبون العاجلة, وتذرون الاخرة\" كما ان حبه العارم للمادة كان حباً جماً.. الى غير ذلك مما يؤكد حبه العارم للمادي مما في هذا الوجود – انه اذا كان كذلك – فان من الطبيعي ان يوظف الاسلام شعوره الفطري والطبيعي هذا, ويوجهه الى تحقيق الاهداف الخيرة والنبيلة, والى الوصول الى القيم والكملات الانسانية الرفيعة كما ان من الطبيعي ان يكرس هذا الحب في مجالات علاقات الانسان الاخرى, التي يهتم الاسلام بالهيمنة عليها. وضبطها والاستفادة منها لاسعاد النسان, وتأدية دوره البناء في الحياة, على النحو الاكمل , والاشمل والافضل.
واذا استثنينا الحديث عن علاقات الانسان بالطبيعة والكون, والتي قلنا انها قائمة على اساس الحب, فاننا نجد: ان علاقاته في سائر المجالات – والتي يلاحظ ان الاسلام قد بناها ايضاً على اساس المودة والحب – يمكن رسمها في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
1- علاقات الانسان اولاً بنفسه.
2- علاقاته بربه, ومعتقداته.
3- علاقاته بغيره من بني الانسان.
ولو اننا حاولنا مراجعة النصوص القرانية وكذلك نصوص السنة عن النبي (ص) واهل بيته لوجدناهما المعين الثر: الذي لايزال يفيض ويفيض كل ايات المحبة والمودة والحنان ومعانيها, وللمسنا في كل اية وفي كل قول ذلك الشمول في الحب الذي اراده الاسلام لمختلف شؤون الحياة ومجالاتها. واذا كان ما لا يدرك كله لا يترك جله. فاننا نكتفي بالاشارة الموجزة لبعض هذه الموارد. وقد نحاول ان نركز بشكل موجز ومحدود على البعض منها, حينما تقتضيه المناسبة, فنقول:
اننا قبل ذلك نود ان نشير الى ان الاسلام قد جعل العلاقة بين الانسان, وبين الحق والخير والايمان قائمة على الحب. فقد قال تعالى: \"ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم, وكره اليكم الكفر, والفسوق والعصيان, اولئك هم الراشدون\".
وقال: \"فيه رجال يحبون ان يتطهروا, والله يحب المتطهرين\".
وقال: \"واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع, مما عرفوا الحق\".
وفي مقام التأكيد على فطرة الانسان على حب الخير, وان كان ربما تطغى على هذه الفطرة بعض المؤثرات الخارجية, قال تعالى: \"وانه لحب الخير لشديد\".
وبعد هذا فاما عن علاقات الانسان بنفسه فجعلها قائمة على اساس الحب والمودة مما لايحتاج الى بيان, او الى اقامة برهان, لانه امر فطري جبلي ومع ذلك لم يترك له الاختيار في تعامله مع نفسه, بل منعه الاسلام من كل امر يضربها وحبب اليه كل امر ينفعها ويصلحها, وجعل اعتداءه على نفسه – بأي لون من الوان الاعتداء – لا يقل بشاعة وفضاعة عن اعتداءه على الاخرين, ولعل اطالة الكلام في ذلك بعد وضوحه مما لا يحسن ولا يجمل. ولا سيما بملاحظة الايات القرانية, والاحاديث الواردة عن النبي, واهل بيته الطاهرين.
واما عن علاقاته بربه, فيكفي ان نشير هنا الى قوله تعالى: \"قل ان كنتم تحبون الله, فاتبعوني يحببكم الله\".
وقله عن المؤمنين: \"والذين امنوا اشد حباً لله\".
وقوله تعالى: (يايها الذين امنوا, من يريد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم, ويحبونه, اذلة على المؤمنين, اعزة على الكافرين, يجاهدون في سبيل الله, ولا يخافون لومة لائم, ذلك فضل الله يأتيه من يشاء والله واسع عليم\".
وقد وردت ايات كثيرة تميز الذين يحبهم الله, عن اولئك الذين لا يحبهم, فهو تعالى يحب التوابين. المحسنين. المطهرين. المتقين. الصابرين. المتوكلين. ...الخ
ولا يحب المعتدين. الظالمين. الخائنين. المسرفين. المستكبرين. الكافرين. ...الخ وستأتي الاية التي تؤكد على ان حب الله ورسوله, والجهاد في سبيله يجب ان يتفوق على كل حب.
وبعد هذا فأننا نلاحظ: انه تعالى لا يقبل من محبيه ان يشاب حبهم له بموالاة اعدائه, بل لا بد من خلوص الحب له, كما لابد من خلوص الدين له \"مخلصين له الدين\". ويدلك على ذلك الكثير من الايات والروايات, بل في بعضها عد موالاة اعدائه كفراً وشركاً قال تعالى: \"ومن يتولهم منكم فأنه منهم\".
وقال تعالى: \"لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الاخر, يوادون من حاد الله\".
وعن الحسين بن علي بن ابي طالب: \"من احب كافراً فقد ابغض الله, ومن ابغض كافراً فقد احب الله\".
وقبل ان نمضي في الحديث نود ان نشير الى امر جدير بالملاحظة هنا, وهو اننا نرى انه تعالى قد بين ان هناك ملازمة بين الاتباع للرسول, وبين حب الله لهم حيث قال: ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..
وذلك لان الذي يحب الله حقيقة لا بد وان يؤثر حبه على كل شيء مما تتعلق به نفس الانسان من اباء, وابناء, وعشيرة, ومال ومساكن الى اخر ما ستأتي الاشارة اليه في الاية 24 من سورة التوبة..
واذا اتبعوا الرسول فانهم سوف يتصفون بكل الصفات التي يحبها الله, ويرضاها ةيامر بها من: التقوى, العدل, والاحسان والصبر والثبات والتوكل والتوبة والتطهر.. وغير ذلك.. لان الله بمقتضى نص القران الكريم يحب المحسنين. الصابرين, والتوابين الى اخر ما تقدمت الاشارة الى بعض منه...
بل ان حب الله يجب ان يثمر ويعطي على نطاق اوسع, فيجب ان يمنع الانسان من ارتكاب اية معصية على الاطلاق.. قال الامام جعفر الصادق: \"ما احب الله من عصاه\" ثم تمثل فقال:
تعصي الاله وانت تظهر حبه هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع
كما انه يجب ان يدفعه حبه هذا للتضحية وبذل المال مهما كانت حاجته ماسة اليه وقد مدح الله تعالى امير المؤمنين واهل بيته بانهم: \"يطعمون على حبه مسكيناً, ويتيماً واسيراً\", لا لشيء الا لاجل حب الله وابتغاء مرضاته, \"انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً\".
واما بالنسبة لعلاقة الانسان بالرسول (ص) فقد بناها الاسلام ايضاً على اساس الحب والمودة.
وقد قال القران لموسى: \"والقيت عليك محبة مني\".
وقال تعالى: \"قل ان كان اباؤكم وابنائكم واخوانكم وازواكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها, وتجارة تخشون كسادها, ومساكن ترضونها, احب اليكم من الله ورسوله, وجهاد في سبيله, فتربصوا حتى يأتي الله بامره, والله لا يهدي القوم الفاسقين\".
وفي معنى هذه الاية عدة روايات اخرى..
فعن الصادق: \"لا يمحض رجل الايمان حتى يكون الله احب اليه من نفسه, وابيه, وامه, وولده, واهلة, وماله, ومن الناس كلهم\".
وعن النبي (ص): انه قال: \"والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى اكون احب اليه من نفسه, وابويه, واهله, وماله, وولده, والناس اجمعين\".
وروي عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع رسول الله (ص), وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب, فقال: والله, لانت يا رسول الله احب الي من كل شيء الا من نفسي, فقال عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من نفسه..
واذن .. فالاسلام يعتبر محبة الله والرسول, والجهاد في سبيل الله هي الاهم والاولى في قبال كل الاشياء الاخرى على الاطلاق.. ويعتبر طغيان حب النفس, والاباء والابناء والاموال, والمساكن – الخ – على حب هؤلاس خروجاً عن الفطرة, وطلماً للحب ان يكون مقدماً ومهيمناً في مختلف شؤون الحياة ومجالاتها.
واذن فحبه لكل شيء يجب ان يكون بمقدار.. وان لايظلم به حباً اخر, ولا على حساب مودة اخرى, والا فانه يكون عرضة للعقاب والانكار ولا سيما بالنسبة لحب الله ورسوله والجهاد في سبيله, لانه يعتبر ذلك هو الاساس في توجيه كل محبة وتوظيفها فيما فيه هذا خير هذا الانسان وسعادته.
ومما يدل على انه يعتبر حب الله هو المعيار والميزان في كل حب ما ورد عن النبي (ص): \"اوثق عرى الايمان الحب والبغض في الله).
وعن الصادق: \"ان من اوثق عرى الايمان ان تحب في الله, وتبغض في الله وتعطي في الله, وتمنع في الله عز وجل\".
وعن الصادق ايضاً: \"لا يبلغ احدكم حقيقة الايمان حتى يجب ابعد الخلق منه في الله, ويبغض اقرب الخلق من في الله\".
الى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه..
واما بالنسبة لعلاقة الانسان, بالقائد بعد الرسول علي وبالائمة من بعده, ائمة الحق. فهي ايضاً قائمة على اساس الحب والمودة.. وذلك لان هذا الرابط العاطفي بالادلاء على الحق, والهداة الى سبيله بعد الرسول (ص), هو من اهم اسباب تحقق القدوة الحسنة, والاتباع باحسان, الذي يقربنا الى الله, ويحببه الينا, ويحببنا اليه..
وقد ورد في ان حب علي \"كرم الله وجهه\" ايمان وبغضه كفر روايات كثيرة عنه (ص) لا مجال لاستقصائها..
وورد ايضاً: ان من احب علياً, فقد احب رسول الله, ومن احب الرسول (ص) رضي الله تعالى عنه.. وعن الزهري انه سمع انس بن مالك يقول: والله الذي لا اله الا هو, سمعت رسول الله (ص) يقول: \"عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابي طالب\".
وقال تعالى بالنسبة الى محبة اهل البيت ومودتهم: \"قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى\".
واما عن علاقات الانسان بالاخرين, فهي اول ما تيدأ بعلاقته بأبويه.. وقد جعل علاقته بهما من جهة, وعلاقتهما به من الجهة الاخرى قائمة على اساس الحب والمودة ايضاً..
فأمرها ببره بعد بر والديهما وجعل له حقوقاً عليهما: كتسميته باسم حسن وتأديبه وتعليمه الكتابة, والوفاء بالوعد له, وتعليمه الطهارة, ومعالم الدين, والقران الكريم, واكرام امه وعدم الاساءة اليها, لان ذلك يوجب حزنه الى غير ذلك مما يضيق المقام عن تعداده..
وخلاصة القول: انه لا بد وان يكون الاساس هو الحب والمودة, ولا سيما في مقام تربية الولد وتهذيبه, ان يشعر بأن ما يلقى اليه صادر عن محبة واخلاص له, لان الانسان بطبيعته يخضع للحق اذا جاءه عن هذا الطريق.
بخلاف ما لو جاءه عن طريق التحدي والغلطة والشدة فانه سوف ينفر ويبتعد عنه, ولو كان حقاً..

أما الانسان في حياته الزوجية.. فلما كان من الواضح: ان الاسرة هي اللبنة الاولى في الهيكل الاجتماعي العام, واللبنة الاولى في الاسرة هذه هي الزوجان.. فمن الطبيعي ان يهتم الاسلام فيها اهتماماً خاصاً, ويوليها عناية خاصة.
وما ذلك الا لادراكه: ان الاسس التي تقوم عليها بناء الاسرة, والعلاقات فيها: اذا كانت تجارية مصلحية شخصية, او تمليها ظروف سياسية, او اجتماعية معينة, فان تلك العلاقات سوف تنتهي بانتهاء تلك المصلحة الشخصية, والبناء سوف ينهار بانهيار ذلك الظرف المعين, وتحقيق تلك الاهداف السياسية او التجارية, او غيرها.. ويكون مصير الحياة الزوجية – من ثم – هو الدمار, والتلاشي والانهيار.
ومن هنا كان نهي الرسول الاكرم (ص) عن زواج كهذا, الزواج الذي ينطلق من هذه النظرة الضيقة, وينتهي الى هذا الواقع المؤلم, حيث نهى (ص) عن نكاح يراد به غير وجه الله والعفة, نهى عن النكاح للرياء والسمعة..
وعن جعفر بن محمد انه قال: \"اذا تزوج الرجل المرأة لحسنها او لمالها وكل الى ذلك, وان تزوجها لدينها وفضلها رزقه الله الجمال والمال, قال الله عز وجل: \"وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم, ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله, والله واسع عليم\".
وعنه : \"انه نهى ان ينكح الرجل المرأة لمالها او جمالها, وقال: مالها يطغيها, وجمالها يرديها, فعليك بذات الدين\".
وعن النبي (ص) انه قال: \"من نكح امرأة حلال بمال حلال, غير انه اراد به فخراً ورياءً وسمعة لم يزده الله بذلك الا ذلاً وهواناً.. الى اخر الحديث\".
وبعد هذا.. فاننا نرى الاسلام في مقابل ذلك قد ارسى قواعد بناء الاسرة على اسس من المحبة والمودة والرحمة. ويكفي ان نذكر هنا قوله تعالى:
\"ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها, وجعل بينكم مودة ورحمة, ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون\".
فقوله \"من انفسكم\" هو بمثابة العلة لقوله \"لتسكنوا اليها\". وذلك لان المراد – وان كان هو ان المراة قد خلقت من جنس الرجل, وليس لها ماهية وحقيقة عنه فيصعب التفاهم والانسجام بينهما – الا ان اختيار كلمة \"من انفسكم\" للتعبير عن هذا التوافق في الماهية, انما هو ليزيد من اظهار هذا الترابط, وليؤكد ذلك الانسجام.. ففيه اشارة الى ان كلاً من الرجل والمراة جزء مكمل لسعادة الاخر ومتمم لراحته. واذا كان الشيء جزءاً ومكملاً للانسان فلا بد وان لا يرتاح بدونه وان يحبه, ويحافظ عليه بكل ما لديه.. اما لو كان غريباً منفصلاً عنه, فقد يشعر ان بالامكان الاستغناء عنه.
وملخص القول في قوله: \"من انفسكم\" انه اشارة الى ان كلاً من الزوجين متمم للاخر, ناقص بدونه, فاذا التأم مع جزئه المكمل له اطمأن وسكن.. ولعل هذا ما يفسر لنا ايضاً ميل كل من الزوجين الى الاخر, على اعتبار ان كل فقير ومحتاج يميل الى ما يزيل فقره, وترتفع به حاجته..
ثم انه تعالى قد عقب ذلك بقوله: \"وجعل بينكم مودة ورحمة\".
والمودة – على ما قيل – هي : الحب الظاهر اثره في مقام العمل. اما الرجمة, فهي: العطف الناشئ عن مشاهدة حرمان الغير ونقصه. الامر الذي يدفع ذلك الرحم الى الاقدام على رفع ذلك النقص عنه, وانجائه من ذلك الحرمان.
واوضح ان في حياة الزوجين لا بد وان يشعر كل منهما بما يفقده الاخر, ويحس بحاجته الى العون والمساعدة, فيرحم كل منهما الاخر, ويوجد الدافع لدى كل منهما ليرفع نواقص الطرف الاخر, ويعملان في سبيل ذلك كل في مجال اختصاصه, وفي حدود قدراته..
واذا لاحظنا من الناحية الاخرى: ان الحقوق والواجبات, التي منحها الشارع لكل من الزوجين تجاه شريكه هي مما لا يمكن معه لاي منهما الاستقلال والاكتفاء عن مساعدة شريكه له.. بحيث لو اراد كل منهما ان يلتزم تجاه الاخر – فقط – بما يجب عليه شرعاً, لم تقم للحياة الزوجية قائمة..
وانما اكتفى فقط بالحث على التعاون والتكافل, بالمقدار الذي لا يجعل ذلك واجباً شرعياً.. ولا يزيد على ان يجعله وظيفة خلقية..
اننا اذا لاحظنا ذلك فاننا سوف ندرك: ان الاسلام اراد ان يجعل التعامل بين الزوجين قائماً على اساس التضحية المتبادلة, التي عي من اهم اسباب توثيق عرى المحبة والالفة, وقد اشار (عليه السلام) الى هذا المعنى عندما قال: \"تهادوا تحابوا\"..
وقد اشتهرت وشاعت قضية معبرة عن هذا المعنى ايضاً, وهي قضية الربيع – على ما أظن – عندما طلب من الخليفة: ان يحب ولده المفضل, فانكر الخليفة ذلك الطلب منه, على اساس ان الحب ليس امراً اختيارياً له, يستطيع ان يمنحه لمن يشاء, ويمنعه عمن يشاء, فطلب منه الربيع ان يعطي الفضل زيهبه اموالاً وضياعاً, فانه اذا فعل ذلك فلسوف يحبه حينئذ.
وقال ابو الحسن المدائني: قلم رجل الى اسد بن عبد الله فسأله, فأعرض عنه, فقال: أما والله, ان لأسألك من غير حاجة. قال: فما يدعوك الى مسألتني اذن؟! قال: \"رأيتك تحب من اعطيته, فأحببت ان تحبني, فأعطاه عشرة الاف درهم\" ويروون عن صفوان بن امية, قال: \"اعطاني رسول الله (ص) يوم حنين وانه لابغض الناس الي فما زال يعطيني حتى صار وانه لاحب الناس الي\".
واخيراً.. فان من المناسب ان نذكر هنا: انه قد جاء رجل الى النبي (ص) فقال: يا نبي الله, لقد عجبت من امر, وانه لعجب!! ان الرجل ليتزوج المرأة, وما راها, وما رأته قط.. حتى اذا ابتنى بها, اصبحا وما شيء احب الى احدهما من الاخر. فقال (ص): وجعل بينكم مودة ورحمة..
واما عن علاقة الانسان بذوي رحمه.. فكونها قائمة على اساس المحبة والمودة مما لا يحتاج الى بيان.. ويكفي ان نذكر هنا: ان الاسلام قد جعل صلة الرحم من الواجبات التي يعاقب الانسان على تركها وتجاهلها..
واما عن علاقة الانسان بجيرانه.. فيكفي ان نذكر ان جبرائيل ما زال يوصي النبي (ص) بالجار حتى ظن انه سيورثه..
ثم تأتي بعد ذلك علاقة الانسان بوطنه, التي عبر عنها الاسلام حسبما ورد عن اهل البيت بأن: \"حب الوطن من الايمان\".
واما عن علاقة المؤمنين بعضهم ببعض في كل مكان.. فاننا نلاحظ: ان الاسلام قد اعتبر الامة المؤمنة المسلمة بمثابة اسرة واحدة, يكون النبي هو المربي لها, ثم وصيه من بعده.. يلاحظ ذلك كل من راجع ايات القران, وأحاديث النبي (ص) وأهل بيته.. فنلاحظ: ان القران بعد ان قرر الاخوة بين المؤمنين, بقوله \"انما المؤمنون اخوة\", قد رتب على ذلك ان هذه الاخوة لا بد وأن تكون مسؤولة ولا بد وان تنتج وتثمر, وتؤثر اثارها على الصعيد العملي, حيث جعل مقتضى هذه الاخوة هو المبادر للاصلاح بين الاخوة, فقال تعالى: \"فاصلحوا بين اخويكم\".
كما ان النبي (ص) قد نقل عنه انه قال \"مثل المؤمنين في توادهم زتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى\".
وعن الصادق, انه قال: \"انما المؤمنون اخوة, بنو اب وام, واذا ضرب على رجل منهم عرق, سهر له الاخرون\".
وعنه : \"المؤمن اخو المؤمن كالجسد الواحد, اذا اشتكى شيئاً منه وجد الم ذلك في سائر جسده.. الى اخر الرواية\".
كما انه تعالى جعل المؤمنين بعضهم من بعض, فقال: \"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض, يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر\".
وفي معناها غيرها.. كما انه تعالى يعتبر غير المؤمنين ايضاً كذلك ولكنهم في مقام العمل والنشاط على العكس منهم حيث قال تعالى \"المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض, يأمرون بالمنكر, وينهون عن المعروف\". كما انه تعالى وصف المؤمنون بأنهم: \"أشداء على الكفار, رحماء بينهم\" الى غير ذلك مما يضيق عنه المقام.
واذا كان الاسلام يعتبر الامة المسلمة المؤمنة بمنزلة الاسرة الواحدة, يكون الكل فيها اخوة متحابين متألفين.. فانه ايضاً يعتبر النبي, والوصي من بعده بمنزلة الاب, والمربي لهذه الاسرة الكبيرة, فقد ورد عنه قوله: \"أنا وعلي ابوا هذه الامة\".
ثم انه تعالى وصف النبي (ص) بالاوصاف التي يجب ان تتوفر في المسؤول عن الاسرة.. فقال عنه: \"لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه عليه ما عنتم, حلايص عليكم, بالمؤمنين رؤوف رحيم\".
ويلاحظ هنا مدى التوافق والانسجام بين هذه الاية وبين الاية المتقدمة من سورة الروم -21, والتي وضعت الاساس لبناء الاسرة الصغيرة, التي هي لبنة في الهيكل الاجتماعي الكبير..
ثم ان ما يلفت نظرنا هنا هو ان هذه الاخوة التي قررها الاسلام, قررها اخوة مثمرة, ومنتجة تتحمل مسؤولياتها كاملة كما تقدم بيانه في الاية المتقدمة, وقد ورد عن النبي (ص) قوله. \"من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم\" وفي معنها روايات مستفيضة.
وسئل الرسول (ص): \"من احب الناس الى الله؟ قال: انفع الناس للناس\".
وعن ابي عبد الله : المؤمن اخو المؤمن عينه, ودليله, لا يخونه, ولا يظلمه, ولا يغشه, ولا يعده فيخلفه\" وفي معناه عدة روايات.
وأخيراً.. فقد جعل المقياس في معرفة الخير في الانسان, هو محبة اهل طاعة الله وعدم محبتهم.. فعن ابي جعفر: \"اذا اردت ان تعلم ان فيك خيراً, فانظر الى قلبك, فان كان يحب اهل طاعة الله عز وجل, ويبغض اهل معصيته, ففيك خير, والله يحبك. واذا كان يبغض اهل طاعة الله, ويحب اهل معصيته ليس فيك خير, والله يبغضك, والمرء مع من احب\".
كانت تلك بعض الامثلة, التي تظهر بوضوح كيف جعل الحب اساساً للعلاقات في الاسلام..
فعن ابي جعفر في حديث له, قال: \"يا زياد, ويحك, وهل الدين الا الحب, الا ترى قول الله \"ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله, ويغفر لكم ذنوبكم\" او لا ترى قول الله لمحمد (ص): \"حبب اليكم الايمان, وزينه في قلوبكم\". وقال: \"يحبون من هاجر اليهم\" فقال: \"الدين هو الحب, والحب هو الدين\".
وعن ابي عبد الله: \"وهل الايمان الا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الاية: \"حبب اليكم الايمان, وزينه في قلبوكم, وكره اليكم الكفر, والفسوق, والعصيان اولئك هم الراشدون\".

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اعتناق بولس للنصرانية
لماذا لم يتزوج الإمام علي عليه السلام في حياة ...
الآثار الدنيوية و الأخروية لقطيعة الرحم
الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة هو الذي أوجد ...
الطائفة الجعفریة الإمامیة
الإخلاص في الحج
آيات بحق أهل البيت عليهم السلام
الاستشفاع بمحمد و آل محمد في الدعاء
لقاء مع الإمام الرضا (ع)
خصائص الحسنين عليه السلام 2

 
user comment