يؤكد الفكر الانساني بعامة، والفكر الاسلامي بخاصة، على أن الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأساسية، منها يبدأ تكون المجتمع ونموه، حيث تؤمن استمرارية الحياة بإنجاب الأطفال، وتنشئتهم وتربيتهم، فتؤمن بذلك تتابع الأجيال، جيلاً بعد جيل، كما تؤمن تواصلها عن طريق تزويدها بالعقيدة واللغة والأخلاق واتجاهات السلوك والتمسك بالأعراف والعادات والتقاليد، وتأثيرها في اتجاهاتهم النفسية والاجتماعية والفكرية وغيرها، فما موقف الاسلام من الأسرة؟
1 ـ الزواج سبيل تكوين الأسرة:
يقدر الاسلام دور الغريزة الجنسية في حياة الانسان، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتي لم توجد عبثاً، فما أن يبلغ الذكر حتى يجد في نفسه حنيناً إلى الأنثى يجذبه إليها، كما تجد الأنثى في نفسها حنيناً إلى الذكر يجذبها إليه، وتعتبر الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز لدى بني الانسان بحيث إذا ثارت لا تستقر ولا تهدأ حتى يتم إشباعها.
ولما كانت هذه الغريزة الحيوية لا بد لها من الإشباع، فإنها إذا لم تشبع عن طريق مشروع فستشبع عن طريق غير مشروع، لذلك لم يقرر الاسلام الرهبانية والتبتل ووأد الغريزة الجنسية ودوافع البقاء، مخالفاً الطبيعة الانسانية، كما لم يبح إطلاقها على عواهنها، وإنما نظم إشباعها عن طريق وحيد هو الزواج.
والزواج هو التقاء إرادتين (إيجاب وقبول) باختيار حر مباشر، لا إكراه فيه ولا إجبار، بين الرجل والمرأة، وله شروطه التكميلية، من موافقة ولي أمر المرأة المتزوجة ـ خشية الغرر والضرر ـ ومن دفع مهر للزوجة من قبل الزوج، ومن الشهود والإعلان، ومن الشروط الخاصة التي يشترطها كل منهما، وقد أضاف الاجتهاد شرط التوثيق حفظاً للحقوق، والنية في الزواج تقوم على الارتباط الأيدي الذي لا تحده مدة معينة.
وقد أكد الاسلام على الزواج بشكل واضح، فالله سبحانه وتعالى يقول:
(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) النحل/ 72.
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم/ 21.
والرسول (ص) يقول:
(النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
(يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج...).
وقد حفل الشرع الاسلامي بأدق التفاصيل الممكنة في موضوع الزواج وحمايته، وتعميق مفهومه، ورعاية استمراريته، وتقديس الرابطة التي تقوم عليه، وحرم أي نوع من أنواع اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة عن غير طريق الزواج وملك اليمين الذي لم يعد له وجود واقعياً، وتتضح أهمية الزواج فيما يأتي:
1/ 1: أغراض الزواج: وتتلخص في الآتي:
ـ حفظ النوع البشري: ويتضح ذلك من قوله تعالى: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) فبالزواج يتم إنجاب الأطفال، وهؤلاء يكبرون ويتزوجون وينجبون، فتتتابع الأجيال بين بنين وحفدة، وأبناء كل منهم وأحفادهم، ولولا ذلك لاندثر النوع البشري منذ وقت طويل.
ـ تهذيب الغريزة: ويتضح ذلك من قول الرسول (ص)، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، فالغريزة الجنسية غريزة قوية قوة جامحة طاغية، وإذا لم تشبع بطريق مشروع، ألجأت الانسان إلى العدوان، والجنوح والانحراف وهتك الأعراض، وانتشار الأمراض، وتصاعد العداوات إلى غير ذلك، ولكن الزواج يشبع هذه الغريزة ويهذبها، ويحفظها في إطارها السليم.
ـ السكن النفسي: ويتضح ذلك من قوله تعالى (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، فالزواج يحقق استجابة عالية لميل الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل، ويلبي طموح عواطف الحب بينهما، ويعمق التفاهم والرعاية والتذمم بين كل منهما والآخر، ويشعره بالسعادة في ظل الأسرة، وإنجاب الأطفال، والمشاركة في آمال الحياة وآلامها، مما يجعل نفس كل منهما تسكن إلى الآخر، وتستريح إليه، حيث تصبح روابط الزواج أكثر عمقاً ومتانة من أي روابط دنيوية سواها.
ـ حفظ الأنساب: ولا شك أن الزواج الشرعي المتضبط بضوابط الشرع، يوفر طمأنينة نفسية للزوج بأن الأبناء هم أبناؤه، فيحوطهم بالعناية والرعاية، والحنان، ويخلص في تربيتهم وتنشئتهم، وبدون الزواج الشرعي تضيع الأنساب، فلا يعرف الأب إن كان من أنجبته عشيقته أو خليلته منه أو من غيره، فيستبد به الشك، وينال منه القلق، ولا يجد في نفسه دافعاً لحماية هذا الوافد.
ـ تكوين الأسر: فالزواج الشرعي الذي يوفر السكن النفسي، ويحفظ الأنساب، يجعل الأبناء ينشأون في جو مفعم بالود والحنان، تتوافر لهم جميع متطلبات الرعاية والعناية والتوجيه والإرشاد، ينعمون بعواطف الأمومة والأبوة، وبذلك تتكون الأسر المستقرة التي تصبح دعامة متماسكة لبناء مجتمع مستقر ومطمئن وآمن.
1/ 2: أسس الزواج: الأساس الجامع للزواج هو التقاء الإرادتين، إرادة الرجل، وإرادة المرأة، إذ يتم بإيجاب من الرجل، وقبول من المرأة أو وليها، مما يجعله يتم بالتراضي الحر. إلا أنه قبل الوصول إلى الإيجاب والقبول يتم الاختيار، وهذا الاختيار قد يكون عفوياً مرتجلاً، فتكون عاقبته الندامة، وتحطيم الأسرة، وتشريد الأطفال، لذلك وضع الاسلام أسساً تفضيلية للزواج لكل من الرجل والمرأة، يفضل أن يراعيها من يبحث عن شريكة حياته أو من تبحث عن شريك حياتها، وأهمها:
ـ أساس الدين: وهو أساس جامع للعقيدة، والعبادة، والمعاملة، والخلق، فهو وقاية من أي انحراف أو تطاول أو تمرد أو عصيان أو استعلاء، والضمانة الحقيقية من استشراء الخلافات بما يؤدي إلى هدم الأسرة، لأن كلاً منهما ـ ما دام متديناً ـ يرتضي تحكيم الشرع، والشرع واضح في تحديد التفاصيل الدقيقة لعلاقات الزوجين، والتدين يحقق الأمن النفسي للزوج إذا غاب، وللزوجة مهما بعد زوجها، فأي منهما لا يمكن أن يغضب الله ويخون الآخر، وهكذا فإن أساس الدين أساس وثيق لزواج مستقر، ولذلك يؤكد الرسول (ص) للرجل بالحديث المشهور: (... فاظفر بذات الدين تربت يداك) وللمرأة بمخاطبة أولياء أمرها: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...).
ـ أساس الاصطفاء: سبقت مناقشة موضوع الاصطفاء في الوراثة، ون الصفات الجيدة تورث في جميع الأحياء، كما ن الصفات المتدنية تورث، وما من رجل يود أن ينجب أبناءً معوقين، وما من امرأة تود ذلك أيضاً، فإذا دفعت الرغبة والشهوة وعواطف الحب إلى الزواج بدون مراعاة عملية الاصطفاء، وحدث التدني في صفات الأبناء فإن الأسرة تبقي مهددة بمواجهة الفشل، والتأزم النفسي والعاطفي، لذلك فإن الرسول (ص) جعل من متطلبات نكاح المرأة (الحسب) وأمر أهل المخطوبة أن يبحثوا عن الخاطب، وقال (ع): (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).
ـ أساس الاغتراب: وهذا الأساس له جوانب عدة منها أن الزواج من الأقارب يضعف النسل، وقد ثبت ذلك علمياً، وبينا سابقاً وصية عمر (رض) لبني السائب عندما وجد نسلهم أخذ يضعف فأوصاهم بالزواج من الغريبات. ومنها: أن الأقارب بما لهم من دالة على الزوجين، لا يكفون عن التدخل في حياتهما الزوجية فيفسدونها، ومنها: أن الزواج بالغريبات يوسع دائرة التآلف الاجتماعي، وتمتين أواصر العلاقات بالمصاهرة.
ـ أساس الكفاءة: والكفاءة في الزواج متعددة الجوانب، والمقصود منها، أن يكون هناك توافق بين الزوجين لإقامة حياة زوجية مستقرة كفؤة، ففي الكفاءة الدينية مثلاً، يعتبر زواج المنحرف من المستقيمة مخلاً بالكفاءة، ويؤدي إلى تحطيم الأسرة، وفي الناحية العلمية، فإن زواج الأمي عديم الثقافة من لامؤهلة تأهيلاً عالياً ومثقفة ثقافة واسعة، مدعاة لعدم الانسجام والتواؤم الفكري والاستقرار والعكس صحيح، وهكذا بالنسبة للمال والحسب والأصل وغيرها، وزواج كبير السن من صغيرة السن وبالعكس.
الاسرة والزواج في الشريعة الاسلامية
في الشريعة الإسلامية.. الأسرة والزواج ليسا مؤسسة بالمعنى الذي يمكن أن تنتفي الحاجة إليها، وإن كانا يحملان إمكانات التطور الذي تتسع له الأطر التشريعية التي تحكم هذه العلاقة.
إن الأسرة هي ثمرة الزواج الشرعي.. وإذا لاحظنا الإطار التشريعي الذي يحكم العلاقة داخل الأسرة وبين الزوجين، أدركنا انه لا يوجد في التطور الإسلامي أي إمكانية لتجاوز مبدأين أساسيين:
أ_ المبدأ الأول: أن الأسرة قاعدة ثابتة وهي النواة الوحيدة للاجتماع البشري.
ب_ والمبدأ الثاني: أن الأسرة ثمرة العلاقة الزوجية الشرعية حصراً، ولا أسرة خارج العلاقة الشرعية بين الزوجين.
والإسلام حصَّن مبدأ بقاء الأسرة واستمرارها قاعدة للاجتماع البشري، بمبادئ وأحكام ثابتة غير قابلة للتبدل والتغيُّر. نذكر منها على سبيل المثال:
1- قوامة الرجل داخل الأسرة وتحميله مسؤولية النفقة على الأسرة زوجةً وأولاداً.
2- طبيعة نظام الإرث الذي يقوم على أحكام ثابتة، ومنها قاعدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
ذكرنا هذين المثالين لنوضح كيف جاء التشريع الإسلامي في جوانبه الحقوقية ليحافظ على استمرار صيغة الأسرة.
فقوامة الرجل ومسؤليته عن النفقة داخل الأسرة حكم لا يتغير بتغيُّر الأوضاع المالية للرجل والمرأة أي للزوجين، فلو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً لا يسقط وجوب النفقة على الزوج. وفي المجتمع الذي تغدو فيه المرأة منتجة ومستغنية عن نفقة الرجل. فإن هذا التطور لا ينتج تطوراً في مبدأ القوامة الإسلامي، لأن الحكمة من مبدأ القوامة، هو تجنب صيغة الأسرة من التحول والانحلال.
وكذلك قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين. فأن بعض الباحثين ظنَّ أن هذه القاعدة ليست مطلقة، وأنها مرتبطة بنسق اقتصادي معين كانت فيه المرأة عالة على الرجل، فيما الرجل هو العنصر المنتج، فاقتضى أن يكون له من الإرث ضعف ما للمرأة.. أما في حال تساوت المرأة والرجل في إنتاج الثروة، فإنه ـ بناء على هذه الافتراض ـ يجب أن يتغير هذا الحكم. وتغدو الحصص الإرثية متساوية بين الذكر والأنثى.
والجواب عليه: أن الشريعة لم تربط مبدأ التفاوت في الحصة الإرثية بين الذكر والأنثى بظرف تاريخي معين، ولم تورد الشريعة في هذا المبدأ أي استثناءات. وقد جاء النص القرآني في تفاوت الحصص الإرثية بين الذكر والأنثى حاسماً ومطلقاً وغير قابل للتأويل، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن الهدف من الثبات في هذه القاعدة ـ رغم ما يطرأ على المجتمعات البشرية من تطورات ـ مصدره الثبات في صيغة الأسرة كما ينظر إليها الإسلام. وحماية هذه الصيغة من التقلبات والمتغيرات الاقتصادية، وذلك كما يحصل في الغرب اليوم الذي لم يكن لديه شريعة دينية ثابتة في مجال تنظيم الأسرة، فأخضع الأسرة لمفهوم المؤسسة، وجعل يشرِّع لها تحت تأثير المتغيرات، إلى أن وصلت إلى أزمتها الراهنة التي يطرح في شأنها أن الأسرة مؤسسة أدت دورها ويجب أن تنتهي.
نخلص من عرض هذا العنوان.. عنوان (الأسرة قاعدة ثابتة في التصور الإسلامي وليست مؤسسة)، إلى أن الدعوة إلى علمنة الأحكام المتعلقة بالزواج والأسرة في مجتمعاتنا الإسلامية والمسيحية أيضاً، يجب أن يعيد أصحابها والمتحمسون لها النظر فيما يذهبون إليه. ويجب أن ينتبهوا إلى أن فضيلة استمرار الأسرة وتماسكها في المجتمعات الشرقية إزاء الأنهيار المخيف للأسرة الغربية، إنما يعود الشأن فيها إلى التزام مجتمعاتنا بالقواعد الدينية أساساً لصيغة الزواج والأسرة والحفاظ على هذا القواعد.
2-نأتي الآن إلى العنوان الثاني الذي نرغب طرحه في هذه المداخلة وهو: (واقع الأسرة الإسلامية وعلاقة الزوجين فيها، هل هو انعكاس صادق وبصورة دائمة لمفهوم الإسلام للأسرة والعلاقة الزوجية...؟
أن أرقى وأسمى للعلاقة الزوجية هو المفهوم الذي يعبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك آيات لقوم يتفكرون).
فالعلاقة الزوجية في التصور الإسلامي، وأن كانت ثمرة عقد بين الطرفين، وهي تخضع لموجبات هذا العقد في الحقوق والواجبات المترتبة على كل منهما ـ إلا أنها تهدف إلى غايات تتجاوز حدود هذا العقد وموجباته.. فعدا كون الآية الكريمة المتقدمة تحسم موضوع الطبيعة المشتركة للزوجين فهما من نفس واحدة. وأن أحدهما اشتق من الآخر فليس لأحدهما في طبيعة الخلق تميز عن الآخر.. أقول عدا عن وضوح هذه الحقيقة التي كانت محلَّ جدل في الفكر البشري، فإن الإسلام يشتق من هذه الطبيعة الواحدة للزوجين غاية سامية للعلاقة الزوجية، وذلك بأن تغدو هذه العلاقة إطاراً حيوياً يمارس فيه الطرفان السعي الدائم للاندماج والتماهي والتغلب على الاختلافات النفسية والجسدية والتربوية وصولاً إلى تحقيق هذه الزوجية الرحيمة، أي العودة إلى الأصل. إذ هما أصلاً ـ في التصور القرآني ـ من نفس واحدة.
أن هذا التصور الإسلامي للعلاقة الزوجية بحد ذاتها، وبوصفها أساساً لتكوين الأسرة الصالحة، لم يكن يعمل وحده بمعزل عن القواعد الشرعية التي تحكم العلاقة بين الزوجين وفي الأسرة. ولكن ما يجب أن ننتبه إليه، هو أن الممارسة التاريخية في حقل العلاقة الزوجية والأسرة على مستوى المجتمعات الإسلامية ليست بالضرورة تنفيذاً أميناً للأحكام والمبادئ والغايات التي حددها الإسلام.
ففي حين نلاحظ أن قوة الإسلام، عقيدة وشريعة، كانت ذات تأثير فاعل في الحفاظ على مكونات الزواج والأسرة في المجتمعات الإسلامية، ففي وسعنا أن نلاحظ أيضاً أن هذه المجتمعات لم تكن بمعزل عن التأثير بمفاهيم وتقاليد وقيم وعادات غريبة عن الإسلام، أو مفارقة لكثير من مبادئه، وكان لهذا التأثير دوره، حتى في قراءة النصوص الإسلامية وتأويلها.. وتتجلى هذه التأثيرات ـ أكثر ما تتجلى ـ في تضخيم حقوق الرجل والانتقاص من حقوق المرأة الزوجة ـ وفي توسيع دائرة المباح لدى الزوج واستثمارها حتى حدود التعسف... وقبل أن نورد بعض الأمثلة على ذلك، نرى أن نقرر أن قيم مجتمع الذكورة وتغلغلها في أنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي ـ حسب رأينا ـ هي العامل المسؤول عن الانحراف الذي أشرنا إليه؛ فيما الإسلام عقيدة وشريعة يتنافى كلياً مع قيم الاجتماع الذكوري.. يقول الله تعالى: (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم... ). الآية واضحة وحاسمة في المساواة بين الرجل والمرأة، وفي وحدة المعيار للتفاضل بينهما.
وهذه بعض الأمثلة نوردها باختصار تأييداً لما ذهبنا إليه:
1- قيمومة الرجل على المرأة في قوله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء...) هي في اغلب أنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي تتعرض للتأويل الخاطئ من وجهين:
أ_ في إخراج الآية من إطارها المحدود، وهو العلاقة الزوجية وتعميمها على المجتمع كله، فيغدو الرجال في الشؤون الاجتماعية والسياسية وغيرها من الشؤون العامة، هم المقررون دون النساء؛ فيما الآية الكريمة ليست ناظرة إلا إلى دائرة واحدة هي دائرة العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.
ب_ وفي التأويل الخاطئ لوظيفة القوامة من الزوج داخل الأسرة، وفي العلاقة الزوجية، حيث تغدو هذه القوامة شبه مطلقة في سلوك الرجال ونافية للكثير من حقوق الزوجة الشرعية؛ فيما القوامة الشرعية ليست امتيازاً للزوج، بل مسؤولية إدارية داخل الأسرة، مسندة للزوج بسبب كونه مسؤولاً عن الأنفاق، والزوجة معفاة من هذا الواجب.
ويحرص النص القرآني على تأكيد هذه الحقيقة في قول تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة). إنها إذاً حقوق وواجبات متبادلة بين الطرفين... أما الدرجة التي للرجال على النساء فهي درجة مترتبة على وظيفة القوامة التي اختص بها الزوج... وهي حق الطلاق الذي أعطته الشريعة للرجل مقابل مسؤلياته الإدارية، وانسجاماً معها دون أن تمنع هذا الحق عن المرأة بالمطلق بل منحتها هذا الحق في حالات حددتها النصوص الشرعية.
2- حق الرجل في تعدد الزوجات. ونتناول هنا في مظاهر التعسف والانحراف في استعماله وليس في النظر إلى حكمة تشريعه.
أن تعدد الزوجات ـ وفق الشريعة الإسلامية ـ هو في أحسن الحالات أمر مباح للرجل وليس واجباً. وهذا يعني أن الشريعة الإسلامية لحظت حالات خاصة يكون التعدد فيها حلاً لمشاكل العلاقة الزوجية، فأباحت التعدد ولكنها لم تمنع المجتمع الإسلامي عبر هيئاته المختصة بتطبيق النظام من التدخل للحد من استعمال الرخص والمباحات، إذا كان النظام العام يتطلب ذلك.
غياب النظام العام أو ضعفه، كان يدفع إلى استعمال حق تعدد الزوجات بدون ضوابط، وأحياناً بدون أسباب تلجأ إليها الضرورات والحاجات، وربما ما تزال هذه الظاهرة رغم انحسارها نسبياً ـ قائمة بصور متفاوتة في المجتمعات الإسلامية.
أن المرأة المسلمة متضررة من غياب التشريعات التي تحدد مجال تعدد الزوجات للرجل، كما هي متضررة من غياب التشريعات التي تعيد النظر في الحقوق المالية للمرأة داخل الأسرة الزوجية، وهو موضوع المثال الثالث والأخير في هذه المداخلة.
3- أن حقوق المرأة المالية محصورة ـ وفق الأنظمة المعمول بها عامة ـ بحق النفقة والمهر.. وفي حالة الطلاق، فإن المهر نادراً ما يشكل ضمانة مالية للمرأة، لم تجتهد حتى الآن في استنباط أحكام تلزم الرجل بحقوق مالية للزوجة المطلقة، مع توفّر الأسس الشرعية الإسلامية لهذا الإلزام، والذي يمكن بحثه في مجال آخر أوسع من هذه المداخلة.
ننتهي من هذه الملاحظات إلى التأكيد على أن الإسلام والأديان السماوية عموماً لعبت وتلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على بقاء الأسرة وتعزيز مكوناتها، ولكن ذلك لا يكفي لتطوير الأسرة وتحصينها، بل لا بدّ من قيام مؤسسات في الدولة والمجتمع للقيام بهذه المهمة.