عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

صلح الإمام الحسن(عليه السلام)

 تركة ثقيلة يرثها الحسن(عليه السلام):

تسلّم الإمام الحسن(عليه السلام) مقاليد أمور الخلافة بعد استشهاد الإمام علي(عليه السلام)، وورث بذلك تركة ثقيلة حيث كانت البلاد التي يسيطر عليها تعجّ بالفوضى والاضطرابات، وكانت الأنواء والعواصف قد هبّت على هذه الديار من كلّ حدب وصوب، ولا سيما من جانب معاوية بن أبي سفيان، الذي كان قد استأثر ببلاد الشام منذ زمن بعيد وجمع بين يديه أسباب الثروة والقوة. فأعدّ العدّة وجهّز الجيوش لمقارعة الإمام الحسن(عليه السلام)، ولكنّ الإمام(عليه السلام) نهض للأمر بالرغم من ذلك وهو الذي كان قد شارك في العديد من المهام التي كلّف بها من جانب والده، لا سيما بعد ما أصبح خليفة للمسلمين، وذلك عندما انتدبه إلى الكوفة ليمهد الأجواء لخلافته، وهكذا في صفّين وذلك رغم صغر سنه.

أدرك الإمام الحسن(عليه السلام) منذ الأيام الأولى لخلافته أنّ معاوية يضمر له السوء، ويستعد لحربه، ويحاول الإيقاع به، حيث دسّ رجلاً من حَميَر إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة، ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن(عليه السلام) أمره، فكشف(عليه السلام) أمرهما وعاقبهما بالقتل، وكتب إلى معاوية ((أمّا بعد، فإنّك دسسّت الرجال للإحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أوشك ذلك، فتوقعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لا يشمت به ذو الحجى)).

 الخلافة بين الحسن(عليه السلام) ومعاوية:

وإزاء ذلك، قام الحسن(عليه السلام) بحملة واسعة في الأقطار والمناطق التي يسيطر عليها من فارس وخراسان واليمن والحجاز والكوفة والعراق، فبعث بعدد من رسله إلى حكّام هذه المناطق يطلب منهم الاستعداد للقتال، وأرسل إلى معاوية كتاباً آخر ينصحه فيه ويبصره عواقب الأمور، ويدعوه فيه إلى الابتعاد عن الحرب والقتال لحفظ الأمّة وصيانتها من التشقق والتشرذم، وقد جاء في كتابه:

((من الحسن بن علي أمير المؤمنين، إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك. فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد: فإنّ الله جلّ جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين ومنّة للمؤمنين..

يذكّره فيه برسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ونبوته التي يجب أن يلتزم بها، فلا يغتصب الخلافة، وهذا ما عبّر عنه بكلامه:فاليوم فليتعجب المتعجب من توبتك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكتابه...

وفي هذا الخطاب، يكشف الإمام الحسن(عليه السلام) أنّ معاوية إضافة إلى أنّه مغتصب للخلافة، كان يقف في الخط المعادي لنهج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم أهليته لتسلّم مثل هذا الموقع وتماديه في الباطل، ويطلب منه الدخول في طاعته كما هو أمر الناس، وهذا ما كان في قوله(عليه السلام): فدع التمادي في الباطل، وأدخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين)).

وفي هذا دعوة صريحة منه إلى إيثار السلم على الحرب، لأنّ في ذلك حقناً لدماء المسلمين، ولكن إذا ما تمادى معاوية في غيّه فإنّ الحسن(عليه السلام) مستعد للحرب، ((وإن أبيت إلاّ التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين)).

واقع جبهة الحسن(عليه السلام):

ولمّا تبين إصرار معاوية على الحرب، استنفر الإمام الحسن(عليه السلام) الناس للقتال، وأعلن الجهاد في الناس، حيث قال: ((أمّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثمّ قال لهم: اصبروا، إنّ الله مع الصابرين. إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا المسير إليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة، حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون)).

كان معاوية قد أردف تحركه هذا بحملة من التشكيك في نيات الإمام الحسن(عليه السلام) القتالية، وقام بالدسّ إلى القادة والأمراء في جيش الحسن(عليه السلام)، يمنّيهم بالأموال والعطايا، والجاه والمناصب إذا ما ابتعدوا عنه. فقبل هذا العرض كثيرون ونقضوا عهودهم مع الإمام الحسن(عليه السلام)، والتحقوا بمعسكر معاوية.

ويبدو أنّ جيش الإمام الحسن(عليه السلام) كان تعبث به الفرقة والانقسامات، فكان موزع الولاءات بين شيعة له ولأبيه، وخوارج، وأصحاب فتن ومصالح، وأصحاب عصبية، انقادوا لرؤساء قبائلهم وعشائرهم، حتى أنّ جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السرّ، واستحثّوه على المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن(عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به. كان معاوية قد أحكم خطّة في إرباك مخططات الإمام الحسن(عليه السلام) وأحدث بلبلة في صفوف بيته حيث استطاع إغراء عبيد الله بن العباس، ابن عم الإمام الحسن(عليه السلام)، وكان قد بعثه على رأس جيش من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجّه هو بجيش إلى المدائن وأقام معسكره هناك، فأرسل معاوية موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهم (مليون درهم) إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع له نصف المبلغ في معسكره، إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة، فعاش أياماً حالاً من الحيرة والقلق، ولكنّه ما لبث أن حسم أمره والتحق بمعسكر معاوية.

ترك هذا الانسلال أثراً سلبياً على حركة الإمام الحسن، وأحدث إرباكاً في صفوف جيشه، وكان باعثاً على إيجاد حال من التخاذل وعدم نصرة الإمام، وهكذا كانت طريقاً لانسلال عدد من القادة الآخرين مع جنودهم.

استهداف أموي لدور قيس الطليعي:

 حاول قيس بن سعد الذي أوكله الإمام الحسن أن يخلف عبيد الله في قيادة الجيش إن أصيب بمكروه، أن يرأب هذا الصدع، ولكنّ معاوية قام بحملة من التشكيك تناولت قيس ودوره الطليعي في مناهضة معاوية، فنشرت الأجهزة الأموية شائعات تفيد أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية وسار إليه، ووجّه إلى معسكر قيس من يتحدث عن أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه، ووجّه إلى الحسن المغيرة بن شعبة وعبد الله بن كرئذ وعبد الرحمن بن أمّ الحكم فالتقوه وهو بالمدائن، نازل في مضاربه ثمّ خرجوا من عنده وهم يقولون ويُسمعون الناس: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماءّ وسكن الفتنة وأجاب الصلح، الأمر الذي أدّى إلى اضطراب العسكر، وتجرءوا على الحسن، فوثبوا به ونهبوا مضاربه وما فيها.

الصلح وأهم بنوده:

وهنا وجد الإمام نفسه أمام طريقين لا ثالث لهما، فإمّا القتال والتضحية بأولئك الأوفياء المخلصين، وإمّا الرضوخ لشروط الصلح، والصبر على الألم، وأخيراً آثر الصلح الذي كان من بنوده:

ـ تسليم الأمر إلى معاوية، على أن يعمل بكتاب الله وبسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبسيرة الخلفاء الصالحين.

ـ أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن(عليه السلام)، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين(عليه السلام)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.

ـ أن يترك سبّ أمير المؤمنين(عليه السلام) والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكره إلاّ بخير.

ـ أن يكون الناس آمنين حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وشيعته آمنين على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.

ـ  أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غائلة سواء سرّاً وجهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.وما إلى ذلك من أمور وردت في مصادر أخرى.

معاوية ينقض الصلح ويستبد بالسلطة:

ولكنّ معاوية لم يلبث أن نقض وثيقة الصلح حيث جاء في خطابه أمام حشد من العراقيين في موقع النخيلة بالقرب من الكوفة،: (إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها).

أحسّ بعض أصحاب الإمام الحسن بالخيبة والخذلان، واحتجّ كثيرون منهم على قبوله الصلح، وصدرت من بعضهم أقوال غير لائقة، وصلت إلى حد اتهامه (عليه السلام) بإذلال المؤمنين.

وتوجه الإمام وأهله بعد هذه الأحداث نحو يثرب، حيث استقروا هناك، وخضعت الأمصار لحكم بني أمية، بحيث تعرّض أهلها وخاصّة شيعة علي والحسن(عليه السلام) لأشدّ أنواع المعاملة قسوة، ولم يف معاوية بشيء من تعهداته.

وأخيراً عندما أدرك معاوية اقتراب أجله، خشي أن تنتقل الخلافة بعده إلى الحسن(عليه السلام)، فعزم على دسّ السمّ له، ونفّذ بما عزم عليه، ومات الحسن مسموماً، وانصرف معاوية بعد ذلك لإكمال خطته، فأخذ البيعة لابنه يزيد، من أهل الشام أولاً، ثم من أهل مكّة والمدينة، ليضمن بذلك استمرار حكم بني أمية. 

مظلومية الإمام الحسن

المقدمة

كانت نافذة على التاريخ، فتحها على الطلبة جناب الشيخ قاسم الطائي فاستمتعت بالرؤية واستغرقت في الفكرة وكان قد عرضها بشكل موضوعي ومحاكاة واقعية منطلقة من نظرة عرفية ومعاينة حياتية بعيدة عن آراء المؤلفين وأفكار المدونين، فكانت بكراً لم تفتـض .

وقد راقني كما راق زملائي طريقة العرض ومناقشات الفكـرة، وأثار فضولي الموضوع المطروح وقد استحق العرض وحقق بعضاً من الهدف الذي رامه الشيخ، ألا هو رفـع مظلوميـة مولانا الإمام الحسن (عليه السلام )، فكشف شيئاً من مستور التاريخ عن حياته المباركة بعد شهادة أبيه الإمام علي ( عليه السلام )، ورفع الغبار عن نهضته المباركة في صيانة الرسالة المحمدية، وقد فتح بذلك باباً للباحثين وطمعهم في حادث لم يكن غائباً عن أذهانهم بقدر غيابه عن إرادتهم ومسؤوليتهم .

وقد وجدت من الخير للجميع أن أبارك الخطوة وأدافع عن الفكرة فاستأذنته في تقرير هذه المحاضرات البالغة ست محاضرات فأجازني وشكر لي سعيي وهو المأمول منه دائماً سبّاقاً للخير في الحوزة وخارجها، وأرجو أن أوفق في ما كتبته وأن أكون أميناً في ما سطرته معتذراً للمعصوم عليه السلام عن كل تقصير وزلة. وكلي أمل أن لا يردني ويخيب أملي في القبول رب الأرباب يا من لا يخيّب آمله. وإمامنا الحسن المظلوم ( عليه السلام ) .

واقدم مجهودي هذا إلى كل المخلصين في نصرة الحق وأهلـه .

فكرة البحث

مـن المواضيع الـمهمة التـي يذكرها خطباء المنبــر ( جزاهم الله خيراً ) والملفتة للنـظر مظلومية الأمام الحسن (عليه السلام) وذلك من جهتين :-

1- باعتبار التاريخ، حيث لم يعطه حقه .

2- باعتبار شيعته ومواليه، أي باعتبارنا نحن، لأننا أيضاً في مجالسنا وتعازينا وفي ذكرياتنا لم نعطه حقه ومستحقه، لماذا هذا الظلم الذي يتوجه للإمام الحسن ( عليه السلام ) من قبلنـا ؟ فهل بالإمكان رفع هذا الظلم ؟ أم ليس بالإمكان رفع هذا الظلم ؟

إن شدة التركيز على إقامة مجالس التعازي للإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) إلى درجةٍ كبيرةٍ ومركزةٍ ونافعةٍ وعاليةٍ ومنتجةٍ أمر جيد، لكن لا يعني ذلك غض النظر على مناسبات غيره من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام )، خصوصاً مَن هو مثل الحسين، ومَن هو أفضل من الإمام الحسين كرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

ومن الملاحظ في حياتنا وعلاقاتنا مع المعصومين (عليهم السلام ) أننا مقصرون جداً، مع الإمام الحسن (عليه السلام) .

فقد يقال، إن هنالك فرقاً بين الحوادث الحسنية والحوادث الحسينية، فخلود ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) له عدة مبررات يذكرها الخطباء. بغض النظر عن المبرر الأساسي والرئيسي وهو العلاقة بالله سبحانه وتعالى لوضوح أن كل شيء يكون له من الامتداد الزماني بقدر ماله من الارتباط بالله سبحانه وتعالى .

وقد ذكرتُ في عدة مناسبات : أنه قد يلتفت أحدُنا إلى إننا لماذا ندرس كتاب الشرائع وكتـاب اللمـعة مع أن كتاب الشرائع عمـره ( 800 سنة ) وكتاب اللمعة عمرهُ ( 500 سنة ) على أقل التقادير ؟ لماذا ندرس هذين الكتابين ؟

أقول ألا توجد كتب أخرى بمستوى هذين الكتابين من حيث المتانة والسبك والعبارة والإحاطة ؟

أقول : توجد لو بحثنا في المكتبات وربما ببيانات أعمق وأحسن وأفضـل .

ولكن لماذا ندرس هذين الكتابين دون غيرها ؟

الجواب واضح، وهو ربما لدرجة الإخلاص الذي كتب به كتاب الشرائع وكتاب اللمعة، هذهِ الدرجة عالية ومهمة جداً اقتضت بقاء ذكر هذين الكتابين إلى الآن طريّين هما كتابين نظيرين ولم نشعر أبداً بتقادمهما واندراسهما. فنحن ندرس اللمعة وهو غض طري لازال منتجاً نافعاً، وأنا شخصياً دَرَستُ ثمانية أجزاء من اللمعة ودُرِّست ما يعادل دورتين ومع هذا أشعر كلما أقرأ اللمعة وكأن شيئاً جديداً ينفتح ليس هو الشيء السابق المركوز في ذهنـي .

فهذا جانب الارتباط بالله تعالى، ونحن لا نشكك بارتباط الإمام الحسن (عليه السلام ) بالله تعالى كارتباط الإمام الحسين (عليه السلام )، ولا أحد يناقش في هذهِ المقدمة .

والجواب الآخر الذي يذكر لامتداد الذكرى هو شدة مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام )، بحيث لا يُتصور أن هناك ظلامة في التاريخ الإنساني أشدَّ من ظلامته (عليه السلام ) .

وهذا العامل الذي يذكرونه في خلود الذكرى قابل للمناقشة من ناحية اختصاصه بالحسين باعتبار أننا نقول إن الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) أيضاً يكون مظلوماً، لا أقل بدرجة ظلامة الإمام الحسين (عليه السلام) على وجوه سيأتي ذكرها .

علاقة المعصوم (عليه السلام) بالله تعالى

لا يخفى ما لعلاقة المعصوم(عليه السلام)العالية جداً بالله سبحانه وتعالى، والتي لا نفهمها باعتبارها تمثل نحواً من أنحاء الارتباط به تعالى إلى درجة لا يرون لوجودهم وجوداً، ولا لرضاهم رضاً إلاّ رضاه سبحانه وتعالـى، وقد ورد عنهم (عليهم السلام)((رضا الله رضانا أهل البيت ))، وأوضح تفسير له أن ما يرضي الله يرضيهم ولا يكون لهم رضاً في عرض رضاه بل رضاهم في طول رضاه سبحانه وتعالى، وكأن رضاهم فرع رضاه، فلا يتقدمهم إلا رضا الله ولا رضا لهم إلاّ هو .

ولا تختلف علاقة الواحد منهم (عليهم السلام) عن غيره في هذهِ الضابطة المنطبقة عليهم جميعاً، إلا أن واقع الحياة العامة التي يعيشها كل منهم تجعل تطبيق هذه الكبرى عليهم مختلفاً تماماً من واحدٍ إلى آخر بحكم الظروف الموضوعية التي لا يمكن تجاوزها والقفز عليها .

فتتعدد مصاديق الرضا بتعدد ظروفه وملابساته، فقد يختلف ما يرضي الله تعالى في فترة يطبقها المعصوم عن ما يرضيه في فترة أخرى يطبقها غيره، وأوضح صور الاختلاف المنظورة عندنا، اختلاف طريقة التعامل مع الأحداث فيما بين سيِّدَي شباب أَهل الجنة، حيث سار الإمام الحسن (عليه السلام) إلى المسالمة مع خط الرجعية الجاهلية المتمثلة بآل أمية يتزعمهم معاوية بن أبي سفيان، في حين سار الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المقاومة والتصدي بكل حزم وقوة ومهما كانت التضحيات في وجه الطاغية يزيد بن معاوية .

فاستعمل الإمـام الـحـسـن (عليه السلام) الطـريق السياسي (الدبلوماسـي) كما يستعمل هذا اللفظ ساسة العصر واستعمل الإمام الحسين (عليه السلام) الطريق الحربي والمواجهة الصدامية القتالية .

وقد يستشف من بعض الأخبار المنقولة والواصلة أن هذا الدور مما قضى به القضاء الأزلي والحتم الأبدي وإن كان وضوحه على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من وضوحـه على حركة الإمـام الحسن (عليه السلام)، ويمكن استكشافه من قوله(عليه السلام):(( شاء اللهُ أن يراني قتيلاً ))، وعلى ما نقله الطبرسي (رحمـه الله) في الاحتجاج عن الإمام الحسن (عليه السلام ) قوله :(( والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، فوالله لإن اسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، أو يَمُن عليَّ فتكون سُبة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت )).

وبقراءة بسيطة لهذا النص يتضح ما يلي :

أولاً:أنه (عليه السلام ) لم يقل خير من أن أقاتله فيأسرني، بل قـال : (( خير من أن يقتلني )) الظاهرة في أن مناجزة معاوية تجعله قتيلاً لا محالة لما تقتضيه المقابلة بين هذهِ الجملة والجملة السابقة عليها (( إن اسالمه )) .

ثانياً:إن مناجزته مع الأسر سوف تجلب العار على بني هاشم. وتكون المنة لبني أمية عليهم، وفي هذا رمز إلى إذلال الحق عن طريق أهله وانتصار الباطل عن طريق تابعيه، ومثل هذهِ الفرصـة لا يمكن أن يعطيها الإمام الحسن (عليه السلام )، وبهذا المعنى تعطي عن قريب معنى قول الإمام الحسين عليه السلام:(( ولقد خيرني بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة يأبى الله ورسوله لنا ذلك )).

(إذن دفع الذلة هدف مشترك بكل منهما بطريقة مخالفة لطريقة الآخر). ولا معنى له إلا ما تقدم من إعطاء فرصة لاعتلاء الباطل وطريق الشيطان على الحق وطريق الرحمان، ومثل هذهِ الفرصة لا يمكن أن تُعطى من المعصوم (عليه السلام ) .

ثالثاً : يقينية النتيجة عند الإمام ( عليه السلام )، ولذا صدرها بالقسـم (( بالله )) تعالى ومثل المعصوم الذي كلامه حجة وكاشف عن الواقع لا يحتاج إثباته إلى القسم إلاّ لشدة إنكار المخاطب سواء من كان في مجلس الخطاب أومن كان خارجه من المعاصرين والغائبين وفي كل الأزمنة، وبهذا يدافع الإمام(عليه السلام)عن نفسه ضد اعتراض المعترضين وإنكار المنكرين عليه سلمه مع معاوية، وقد بدرت عدة اعتراضات من بعض أفراد جيشه وبعض مواليه كما هو واضح تاريخياً.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شعر الإمام الحسن ( عليه السلام )
كرامات الإمام الحسن ( عليه السلام )
كرم الإمام الحسن ( عليه السلام )
النبي(ص): اللهم إني أحبه فأحبه، وأحِبَّ من يحبه
تفسير الإمام الحسن ( عليه السلام ) للأخلاق الفاضلة
إمامة الإمام الحسن ( عليه السلام )
ولادة الإمام الحسن ( عليه السلام )
حب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للإمام الحسن ( ...
الخصائص الحسنيّة (2)
شهادة الإمام الحسن ( عليه السلام )

 
user comment