"السفلية" كما يتضح من مدلولها اللغوي عودة إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة المتقين والتابعين لهم بإحسان، ورفض كلّ البدع التي استحدثت على مرّ العصور في الدين.
إنها إذن الالتزام بالدين من مصادره النقيّة الصافية والابتعاد عن كلّ ما طرأ عليه من شوائب غريبة عليه.
ولا يصحّ إسلام مسلم مالم يۆمن بمثل هذه السلفية، بل ويمكن أن تكون هذه السلفية معيارا لمدى صحة واستقامة وسلامة كلّ دعوة وحركة ونهضة ترفع شعار الإسلام.
ليس إيماننا بهذا يقوم على أساس تقرير القرآن فحسب، بل إنّ الواقع العالمي المشهود يقدّم لنا بالأرقام الهائلة مدى فداحة الخسارة التي منيت بها البشرية جرّاء ابتعادها عن منهج دين الفطرة.
بهذا المنطق القويم يجب أن نعلن للبشرية بأننا سلفيون، وأن لا سبيل إلى التخلص من المآزق والمآسي القائمة إلاّ بترك كلّ بدع الانحراف عن منهج هذا الدين.
هذه العودة في الواقع لا تعني إدارة عقارب الزمن إلى الوراء، بل تعني الانفتاح على حقيقة قائمة حيّة من حقائق الوجود، وهي حقيقة ثبات متطلبات الفطرة الإنسانية... والإسلام دين الفطرة، وكل خروج عن هذه الفطرة إنما هو خروج عن حقيقة قائمة في النفس الإنسانية، وكل إهمال لهذه الفطرة إنما هو إهمال لحسابات دقيقة ركبت منها نفس الكائن البشري كما ركبت أجهزته العصبية والدموية والهضمية..
سنن التشريع إذن مثل سنن الكون الثابتة، وكل ابتداع في هذه السنن إنما هو سباحة خلاف الاتجاه الطبيعي لتيار الماء فيه "الضنك" و "الإرهاق" و "النكد" و "سوء العذاب".
أردنا بهذه المقدمة أن نفرّق بين المعنى الحقيقي المفهوم من كلمة السلفية وهذا المعنى الاصطلاحي الذي يطلق على تيار من أبناء العالم الإسلامي.
تميّز هذا التيار بقراءة جامدة لنصوص الدين تنأى عن التعقّل والاجتهاد، ولذلك ابتلى بسطحية شديدة، كما اتجه إلى رفض كلّ الجهود العلمية الجبارة التي أثمرت عنها دوحة الإسلام على مرّ العصور بحجّة أن السلف الصالح لم يشتغلوا بها، وهذا ما يركّز السطحية والسذاجة أيضا في فهم الدين والدعوة إليه.
ثم إنّ هذه الطريقة في فهم الإسلام انسحبت على قراءة أحداث الماضي والحاضر والمستقبل. فقد انشدّت نظرة السلفيين بالماضي، وبقيت في الماضي، ورأت أن الرسالة الخاتمة طوت عصرها الذهبي في قرنها الأول، ثم انحدرت، وليس بالإمكان أفضل مما كان!!
وبالنسبة للحاضر ليس هناك اهتمام بينهم على المستوى المطلوب بما يحيط الإسلام من تحديات فكرية وحضارية، وعدم الاهتمام هذا يتجلى في لغة خطابهم ومحتواه، فإنها لم ترتفع إلى مستوى هذه التحديات، ولم تدخل ساحة الفكر العالمي المعاصر لتقول كلمة الإسلام فيها، كما يتجلى أيضا في عدم السعي لتقديم المشروع الإسلامي المتكامل للحياة المعاصرة، وأكثر من كلّ ذلك يتجلى في الانشغال بالخلافات الفقهية الصغيرة أو بالخلافات التاريخية المذهبية الموروثة مما يدلّ بوضوح على عدم استيعاب لمسۆوليات الرسالة الإلهية الخاتمة على الساحة العالمية الراهنة.
وإذا كان الحاضر مهملا في اهتمامات هۆلاء الاخوة فالمستقبل يكاد يكون ملغيا. وأودّ أن أنصف إخواننا السلفيين وأقول إنّ عدم الاهتمام بمستقبل الإسلام لا يقتصر على التيار السلفي بل إنّ عامة الإسلاميين مبتلون به بدرجة وأخرى. لم نسمع بمۆتمر يستشرف مستقبل الإسلام والعالم الإسلامي. وقلّ أن نجد مفكرا إسلاميا يتعرّض لهذه القضية.
مجموع الخصائص المذكورة للتيار السلفي جعلته في كثير من الأحيان يقف موقفا معارضا لدعاة "التقريب".
منطق دعاة التقريب يتجه إلى التعالي على الخلافات الفقيهة الصغيرة وعدم الخوض في النزاعات التاريخية الموروثة والاهتمام بما تتطلبه الرسالة الخاتمة على الصعيد العالمي، وهو منطق لا ينسجم مع التوجه السلفي العاكف على قراءة جامدة لنصوص الدين.
وهنا لابد من التأكيد على أن الطيف السلفي يضمّ فصائل ارتفع بعضها إلى مستوى المسۆولية فكان من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ومن دعاة الوحدة بين جميع المسلمين... ولكن العقدين الأخيرين شهدا أيضا مع الآسف مواقف سلفية تتعارض تماما مع توجّه التقريب .. بل شاهدنا من يستغلّ هذه المواقف لمصلحة سياسية تستهدف تفريق المسلمين.
source : www.tebyan.net