في يوم الخامس من شهر شعبان المبارک، سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ولد الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
في ذکرى ميلاد الإمام السجاد عيله السلام _1
وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _
في يوم الخامس من شهر شعبان المبارک، سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ولد الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
وعندما زقت البشرى لجده أمير المؤمين علي بن ابي طالب عليه السلام سجد لله شکرا واسماه (عليا) وکان مقدار له ان يتولى منصب الامامة المبارک، فهو رابع ائمة اهل البيت (ع) وجدَه الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وصيََ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واول من اسلم وآمن برسالته وکان منه بمنزلة هارون من موسى کما صح في الحديث عنه.
وجدته فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) وبضعته وفلذة کبده وسيدة نساء العالمين کما کان ابوها يصفها.
وابوه الامام الحسين (ع) احد سيَديَ شباب اهل الجنة سبط الرسول وريحانته.
الامام علي بن الحسين هو احد الائمة الاثنى عشر عليهم السلام الذين نصَ عليهم النبي الاکرم (ص) کما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما إذ قال (الخلفاء بعدي اثنا عشر کلَهم من قريش).
وعاش سبعة وخمسين سنة تقريبا قضي مايقارب سنتين او اربع منها في کنف جده الامام علي (ع) ثم ترعرع في مدرسة عمه الحسن وابيه الحسين عليها السلام سبطي رسول الله (ص)، وارتوى من نمير العلوم النبوية واستسقي من ينبوع اهل البيب الطاهرين (ع).
وبرز على الصعيد العلمي اماما في الدين ومنارا في العلم ومرجعا لاحکام الشريعة وعلومها ومثلا اعلى في الورع والتقوى واعترف المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وانقاد الواعون منهم الى زعامته وفقهه ومرجعيته.
وکان للمسلمين عموما تعلق عاطفي شديد بهذا الامام الهمام و ولاء روحي عميق له وکانت قواعده الشعبيه ممتدة في کل مکان من العالم الاسلامي ولم تکن ثقة الامة بالامام زين العابدين (ع) (علي اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها) مقتصرة على الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل کانت تؤمن به مرجعا وقائدا ومفزعا في کل مشاکل الحياة وقضاياها، بوصفه امتدادا لآبائه الطاهرين. وکان الامام من اعظم الناس حلما واکظمهم للغيظ.
وقد اتخذ الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام من الدعاء اساسا بدفع الخطر الکبير الذي کان ينخر في الشخصية الاسلامية في حينها ويهزها من داخلها هزا عنيفا ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها ومن هنا کانت الصحيفة السجادية تعبيرا صادقا عن عمل اجتماعي عظيم کانت ضرورة المرحلة تفرضه على الامام عليه السلام إضافة الى کونها تراثا فريدا يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة اخلاق وتهذيب وتظل الانسانية بحاجة الى هذا التراث المحمدي وتزداد اليه حاجة کلما ازداد الشيطان للانسانية إغراء والدنيا فتنة له (السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في مقدمته للصحيفة السجادية).
واتفق المسلمون على تعظيم الامام زين العابدين عليه السلام واجمعوا على الاعتراف له بالفضل وانه علم شاهق في هذه الدنيا، لايدانيه احد من فضائله وعلمه وتقواه وکان من مظاهر تبجيلهم له: انهم کانوا يتبرکون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم (العقد الفريد 2/ 251).
ولم يتقصر تعظيمه على الذين صحبوه او التقوا به وانما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم، فقد رسموا باعجاب وإکبار سيرته وأضفوا عليه جميع الالقاب الکريمة والنعوت الشريفة.
وقد قال الشيخ المفيد في کتابه الارشاد: کان علي بن الحسين افضل خلق الله بعد ابيه علما وعملا، وقال: قد روي عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصي کثرة وحفظ عنه من المواعظ الادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ماهو مشهور بين العلماء.
إمامته
النص على إمامته
يعتبر النص على الإمام ضرورياً عند الشيعة الإمامية في تعيين الإمام، ونفي الريب عنه، وقد تواترت النصوص على إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ونشير إلى بعضها:
1- إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عين أوصياءه وخلفاءه الاثني عشر من بعده، وصرح بأسمائهم، ومنهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) وقد تضافرت النصوص بذلك.
منها ما رواه أبو خالد الكابلي عن علي بن الحسين أن أباه الحسين قال له: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فرايته مفكرا فقلت له: مالي أراك مفكرا؟ قال: إن الأمين جبرائيل أتاني وقال: العي الأعلى يقرئك السلام ويقول قد قضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأعظم وآثار النبوة عند علي بن أبي طالب فإني لا اترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف به طاعتي وولايتي وإني لم اقطع علم النبوة من الغيب من ذريتك كما لم اقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ثم ذكر أسماء الأئمة القائمين بالأمر بعد علي بن أبي طالب وهم: الحسن والحسين أولهم ابنه علي وآخرهم الحجة بن الحسن.
2- إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد نص على إمامة حفيده زين العابدين وذلك حينما حضرته الوفاة فقد أوصى إلى ابنه الزكي الإمام الحسن (عليه السلام) وعينه من بعده ودفع إليه مواريث الأنبياء، وأشهد على ذلك ولده الإمام الحسين ومحمد بن الحنفية وجميع أولاده ورؤساء شيعته وقال للحسين:
إنك القائم بعد أخيك الحسن، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرك أن تدفع المواريث من بعدك إلى ولدك زين العابدين فإنه الحجة من بعدك، ثم أخذ بيد زين العابدين وكان طفلاً وقال له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرك أن توصي بالإمامة من بعدك إلى ولدك محمد الباقر واقرأه من رسول الله ومني السلام).
3- ونص الإمام الحسين على إمامة ولده زين العابدين (عليه السلام)، وعهد إليه بالإمامة من بعده، فقد روى الزهري قال: كنت عند الحسين بن علي إذ دخل علي بن الحسين الأًصغر (يعني زين العابدين) فدعاه الحسين وضمه إليه ضماً، وقبل ما بين عينيه، والتفت الزهري إلى الإمام الحسين فقال له:
(يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فإلى من؟..).
فقال الحسين:
(علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة..).
وروي مثل هذا الحديث عبد الله بن عتبة ويقول رواة الشيعة: إن الإمام الحسين (عليه السلام) لما أراد السفر إلى العراق استودع المواريث التي تسلمها من أخيه الحسن عند السيدة أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمرها أن تدفعها من بعده إلى زين العابدين، ولما رجع الإمام السجاد إلى يثرب بعد شهادة أبيه سلمته أم سلمة الوديعة التي عندها وهي من إمارات الإمامة وولائها، وكثير من أمثال هذه النصوص قد دونتها كتب الشيعة القدامى ولو لم تك هذه النصوص لكانت مثله العليا، وصفاته الرفيعة تدلل على إمامته.
الإمامة في عصره:
أما الإمامة في إطارها الفكري حسب العقيدة الشيعية فإنها لم تتبلور في عصر الإمام زين العابدين (عليه السلام) فلم يك يفهمها أو يدين بها إلا أقل القليل من خواص الشيعة من الذين صهرت نفوسهم تعاليم الإسلام وقيمه، يقول الحسين بن عبد الوهاب: (وصارت الإمامة - في عصر الإمام - مكتومة مستورة إلا ممن اتبعه من المؤمنين).
لقد أحاطت بالإمام مجموعة من العوامل الرهيبة دعته ألا يتمكن من إظهار المعطيات الضخمة للإمامة، وبيان الحق أصولاً وفروعاً إلا لطائفة قليلة من خواصه وشيعته وذكر الكشي في رجمة سعيد بن المسيب أن الفضل ابن شاذان قال: (لم يكن في زمان علي بن الحسين (عليه السلام) في أول أمره إلا خمسة أنفس: سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن جبير بن مطعم، ويحيى بن أم الطويل، وأبو خالد الكابلي، فهؤلاء كانوا يعرفون الإمامة ويدينون بها دون غيرهم).
لقد اعتزل الإمام عن الناس فترة من الزمن كما اعتزل جده الإمام أمير المؤمنين أيام الخلفاء، وصار جليس بيته، وقد ضرب الإمام زين العابدين لنفسه بيتاً من الشعر خارج المدينة مشتغلاً بالعبادة ونشر العلم، وقد حقن بذلك دمه ودماء البقية الباقية من أهل البيت، وأنقذهم من شر ذلك الحكم الأسود الذي امتحن به المسلمون امتحانا عسيراً.
وعلى أي حال فإن المجتمع الإسلامي لم يع الأهداف المشرقة التي تنشدها الإمامة، كما لم يع الصفات الرفيعة التي يجب أن تتوفر في الإمام من العصمة ووفور العلم، والدراية التامة بما تحتاج إليها الأمة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعود السبب في ذلك إلى اضطهاد الشيعة رسمياً، وتصفيتهم جسدياً، وإخلاد الكثير منهم في ظلمات السجون، وحجبهم عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وذلك من قبل الدولة الأموية العفنة التي ما تركت لوناً من ألوان الظلم والجور إلا صبته على المسلمين.
إمامة محمد بن الحنفية:
ووصف المؤرخون محمد بن الحنفية بأنه من رجال الدهر في العلم والزهد والعبادة والشجاعة، وهو من أفضل أولاد الإمام أمير المؤمنين بعد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وكان ورعاً واسع العلم وقد مالت إليه القلوب وقد دانت بإمامته فرقة من المسلمين سميت بالكيسانية، وهي من أقدم الفرق الإسلامية، وقد منحوه لقب المهدي الذي بشر به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهو قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أخبر عنه (صلى الله عليه وآله) بأنه سيخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وكان ممن دان بإمامته الشاعر الإسلامي الكبير السيد الحميري، وقد اعتقد ببقائه حياً، وأنه مقيم بجبل رضوى، وعنده عسل وماء، وقد نظم ذلك في هذه الأبيات الذائعة:
ألا إن الأئمـة مــن قـريش ولاة الحـــق أربعـــة سواء
علـي والثلاثة من بنــــيه هــــم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبــط سبط إيمان وبرٍ وسبط غيـــبته كــربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقــود الخــيل يقدمها اللواء
تغيـب لا يــرى فيهم زمانا برضوى عنده عسل وماء
إلا أنه لما تبين له الحق رجع عن معتقده، ودان بإمامة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وقد أعلن ولاءه للإمام الأعظم جعفر الصادق (عليه السلام) بقوله:
تجعــــــفرت باسـم الله والله أكبر
وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
مع محمد بن الحنفية:
ومن المؤكد أن محمد بن الحنفية كان يدين بالإمامة للإمام زين العابدين (عليه السلام)، ولم يدّع الإمامة لنفسه، وإنما ادعاها الناس له، وحاشا أن يدعي ما ليس له، فقد كان من أشد الناس ورعاً، ومن أكثرهم تحرجاً في الدين، وكان على بينة من أمر الإمامة في أنها ليست بيد أحد، وإنما مرها إلى الله فهو الذي يهبها لمن يشاء من عباده، وهو على يقين أن إمام عصره هو الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ويقول الرواة: أنه جرى بينه وبين الإمام نزاع صوري حول الإمامة فاتفقا على المضي إلى الكعبة ليتحاكما عند الحجر الأسود، وهو الذي يكون حاكماً بينها وإنما اتفقا على ذلك لبلورة الرأي العام، وإرجاع القائلين بإمامة محمد إلى الحق، وسافرا إلى مكة فلما انتهيا إليها توجها نحو البيت الحرام، واستقبل الإمام الحجر الأسود، ودعا بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق البهاء، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق القدرة، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر، السابق، الفائق الحسن النضير، رب الملائكة الثمانية، ورب العرش العظيم، وبالعين التي لا تنام، وبالاسم الأكبر، وبالاسم الأعظم، الأعظم، الأعظم، المحيط بملكوت السماوات والأرض وبالاسم الذي أشرقت به الشمس، وأضاء به القمر، وسخرت به البحار، ونصبت به الجبال، وبالاسم الذي قام به العرش والكرسي، وبأسمائك المقدسات المكرمات، المكنونات، المخزونات في علم الغيب عندك أسألك بذلك كله أن تصلي على محمد وآل محمد..).
وأنطق الله الحجر الأسود، من باب الإعجاز (كما أنطق عيسى بن مريم وهو في المهدي صبي) بأن الإمام هو زي العابدين وهو حجة الله على خلقه، وأمينه على دينه، واستبان بذلك الحق ورجع حشد من القائلين بإمامة محمد إلى الإمام زين العابدين، وقد نظم هذه الحادثة الشاعر الكبير السيد الحميري:
عـلـــي وما كـان مع عمه بـرد الإمامــــة عـطف العنان
وتحكيمه حـجــراً أســوداً وما كـــان من نطقه المستبـــان
بتسليــم عـم بلا مـــرية إلى ابـــن أخ منطـــقا باللسان
شهـدت بـذلك صدقــاً كما شهدت بتصـــــديق آي القرآن
عـلي إمامـي لا أمتــــري وخلـيت قـولي بكـان وكــان
رجوع الكابلي إلى الحق:
وكان أبو خالد الكابلي يدين بإمامة محمد بن الحنفية إلا أنه رجع عن ذلك لما استباه له الحق، ودان بإمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، والسبب في ذلك حسبما يقول الرواة: أنه قال لمحمد بن الحنفية: (جعلت فداك إن لي حرمة ومودة وانقطاعاً، أسألك بحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ألا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه؟).
فأجابه محمد جواب المؤمن الذي لا يبغي إلا الحق قائلاً:
(يا أبا خالد حلفتني بالعظيم، الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) علي وعليك، وعلى كل مسلم..).
وأسرع أبو خالد نحو الإمام علي بن الحسين فاستأذن عليه فأذن له، وقابله بحفاوة وتكريم قائلاً له:
(الحمد الله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي..).
وأسرع الإمام قائلاً:
(كيف عرفت إمامك؟..).
(إنك دعوتني باسمي الذي سمتني به أمي!! وقد كنت في عمياء من أمري، ولقد خدمت محمد بن الحنفية دهراً من عمري، لا أشك أنه الإمام حتى سألته، بحرمة الله، وحرمة الرسول، وحرمة أمير المؤمنين، فأرشدني إليك، وقال: هو الإمام علي وعليك، وعلى الخلق كلهم..).
ونظم السيد الحميري هذه الحادثة بقوله:
عجـبت لكـر صروف الزمان وأمر أبـي خـالد ذي البيان
ومن رده الأمر لا ينـثـنــي إلى السيد الطهر نور الجنان
من دلائل إمامته
كان من دلائل إمامته إخباره بوقوع بعض الأحداث في المستقبل، وقد تحققت بعد عشرات السنين كما أخبر عنها، وتعتبر هذه الظاهرة (عند الشيعة الإمامية) من دلائل الإمامة، فإن الإخبار عن المغيبات من مكنونات علم الله تعالى، ولا يمنحها إلا لأنبيائه وأوصيائهم، ومما يدلل على ذلك أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبر عن كثير من الملاحم، وقد تحققت كلها على مسرح الحياة، فقد أخبر عن مصارع أهل النهروان، ومصرع ذي الثدّية، وأخبر عن زوال دولة بني أمية، وأخبر عن كثير من الأحداث ما لو جمعت لكانت كتاباً، وقد تحقق كل ما أخبر عنه، وهو القائل لأصحابه:
(سلوني قبل أن تفقدوني.. فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء بينكم وبي الساعة إلا أخبرتكم به)..
وقال مرة لأصحابه:
(لو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم، ونوائب زمانكم، وبلاء أيامكم، وغمرات ساعاتكم..).
.. وعلق الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود على ذلك بقوله: (ولم يكن - أي الإمام - يرجم بظن، ولا يستقرئ النجوم، ولا يلتجئ للكهانة، وهو يرى بعينه إلى ما وراء المعلوم المنظور ليأتيهم بشذرة من المجهول المستور.
إنما كان ينطق عن حق لا شبهة فيه لأنه كان عندئذٍ يطلعهم على بعض علم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي اختصه به من دون الناس..).
إن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) طاقات مشرقة من العلوم، وخصهم بمكنونات غيبه للتدليل على إمامتهم وقيادتهم الروحية والزمنية لهذه الأمة، وممن خصّه بهذه الفضيلة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد أخبر عن كثير من الملاحم التي تحققت بعده، وكان من بينها:
1- إخباره عن شهادة زيد:
من الملاحم التي أخبر عنها الإمام (عليه السلام) أنه أخبر عن شهادة ولده الشهيد العظيم زيد، فقد روى أبو حمزة الثمالي قال: كنت أزور علي بن الحسين في كل سنة مرة وقت الحج، فأتيته سنة، وكان على فخذه صبي فقام عنه، واصطدم بعتبة الباب فخرج منه دم، فوثب إليه الإمام، وجعل ينشف دمه، وهو يقول له:
(إني أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة...).
وبادر أبو حمزة قائلاً:
(بأبي أنت وأمي أي كناسة؟...).
(كناسة الكوفة..).
(جعلت فداك أيكون ذلك؟..).
(أي والذي بعث محمداً بالحق إن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية الكوفة مقتولاً، مدفوناً، منبوشاً، مصلوباً بالكناسة، ثم ينزل فيحرق، ويدق ويذرى في البر..).
وبهر أبو حمزة وراح يسأل عن اسم هذا الغلام قائلاً:
(جعلت فداك ما اسم هذا الغلام؟..).
(زيد)..
وتحقق كل ما أخبر به الإمام فلم تمض حفنة من السنين حتى ثار زيد الشهيد الذي هو من ألمع الثائرين الأحرار فقد ثار في وجه الطغيان الأموي مطالباً بتحقيق العدالة الإسلامية، وتحقيق حقوق الإنسان فأجهزت عليه القوى الظالمة فأردته قتيلاً وانبرى بعض أنصاره فدفنه، إلا أن الحكومة الأموية أخرجته من قبره، وصلبته، في كناسة الكوفة، وبقي أربع سنين مصلوباً على جذع وهو ينير للناس طريق الحرية والشرف والكرامة، ثم أنزلوه بعد ذلك وأحرقوه، وذروا قسماً من رماده في ماء الفرات ليشربه الناس حسبما يقول الأمويون.
لقد تحقق جميع ما أخبر به الإمام في شأن ولده العظيم، ومن المؤكد أن ذلك من علائم الإمامة ودلائلها.
2- إخباره عن حكومة عمر بن عبد العزيز:
من الملاحم التي أخبر عنها الإمام (عليه السلام) أنه أخبر عن عمر بن عبد العزيز وأنه سيلي أمور المسلمين ولا يلبث إلا يسيراً حتى يموت وتحقق ذلك فقد ولي عمر الخلافة وبقي زمناً يسيراً ووافاه الأجل المحتوم.
3- إخباره عن حكومة العباسيين:
وأخبر (عليه السلام) عن حكومة العباسيين، وقد استشف من وراء الغيب أن حكمهم يقوم على الظلم والجور وعلى الفسق والفساد، وسيخرجون المسلمين عن دينهم، وستثور عليهم كوكبة من العلويين مطالبين بتحقيق العدل والحق بين الناس، وأنهم سينالون الشهادة على أيدي أولئك الطغاة، وهذا نص حديثه روى الإمام أبو جعفر عن أبيه أنه قال: أما أن في صلبه (أي صلب ابن عباس) وديعة ذرية لنار جهنم وسيخرجون أقواماً من دين الله أفواجاً، وستصبغ الأرض من فراخ آل محمد (صلى الله عليه وآله) تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا، ويصبرون حتى يحكم الله.
لقد ثارت كوكبة من العلويين المجاهدين على طغاة بني العباس، فقد رفع علم الثورة محمد وإبراهيم على المنصور الدوانيقي الذي هو أعتى ملك في تاريخ هذا الشرق، وكذلك ثار الحسين بن علي صاحب واقعة الفخ على الهادي العباسي، وثار على غير هؤلاء من أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد رفعوا راية الحرية والكرامة مطالبين بحقوق المظلومين والمضطهدين، وقد سقوا بدمائهم الزكية شجرة الإسلام التي جهد العباسيون الأقزام على قلعها.
هذه الملاحم التي أخبر الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن وقوعها، وقد تحققت كما أخبر (عليه السلام).
لقد منح الله زين العابدين العلم الذي لا يحد كما وهب آباءه، وكان (عليه السلام) يكتم علومه، ولا يذيعها بين الناس لئلا يفتتن به الجهال وقد أعلن ذلك بقوله:
إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
source : www.abna.ir