عربي
Wednesday 13th of November 2024
0
نفر 0

سیرة الإمام زین العابدین(ع)

سیرة الإمام زین العابدین(ع)

سیرة الإمام زین العابدین(ع)

لقد توفّرت للإمام زين العابدين (عليه السلام) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحدٌ سواه، وقد عملت علي تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأوّل من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء علي أداء رسالته.

نشأ الإمام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة، الذي أذن اللّه أن يرفع ويذكر فيه اسمه1، ومنذ الأيام الاُولي من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يتعاهده بالرعاية، ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية.

كما عاش الإمام (عليه السلام) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وسبطه الأوّل، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام (عليه السلام) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) الذي رأي في ولده عليّ زين العابدين (عليه السلام) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه علي بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته.

لقد ولد الإمام زين العابدين (عليه السلام) في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (36 ه )2 يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام عليّ (عليه السلام) لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الي الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (94 أو 95 ه ).

وقد ذكر بعض المؤرخين أنّه ولد في سنة (38 ه ) وفي مدينة الكوفة، حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط (عليه السلام) مع أهله وأبيه (عليه السلام) في هذه الفترة بشكل خاص3 .

مراحل حیاة الامام زین العابدین(ع)

تنقسم حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) ـ كما تنقسم حياة سائر الأئمة (عليهم السلام) ـ الي مرحلتين متميّزتين:

1 ـ مرحلة ما قبل التصدّي للإمامة والزعامة.

2 ـ مرحلة التصدّي وممارسة القيادة حتي الشهادة.

لقد عاش الإمام زين العابدين (عليه السلام) في المرحلة الاُولي من حياته فيظلال جدّه الإمام أمير المؤمنين ، وعمّه الإمام الحسن المجتبي وأبيه الإمام الحسين سيد الشهداء (عليهم السلام) مدة تناهز العقدين ونصف العقد، حيث قضي في كنف جدّه الإمام عليّ (عليه السلام) ما يزيد قليلاً عن أربع سنواتٍ، وما لا يقل عن سنتين لو كانت ولادته سنة (38 ه ) .

بينما قضي عقداً آخر من حياته في كنف عمّه وأبيه (عليهما السلام) حيث استشهد عمّه الإمام الحسن السبط (عليه السلام) سنة 50 هجرية.

كما قضي عقداً ثانياً في ظلّ قيادة أبيه الحسين السبط (عليه السلام) وهي الفترة الواقعة بين مطلع سنة (50 ه ) وبداية سنة (60 ه ) .

لقد عاش الإمام زين العابدين (عليه السلام) فترة المخاض الصعب خلال المرحلة الاُولي من حياته والتي قضاها مع جدّه وعمّه وأبيه (عليهم السلام) ، واستعدّ بعدها لتحمّل أعباء الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه، والصفوة من أهل بيته وأصحابه في ملحمة عاشوراء الخالدة، التي مهّد لها معاوية بن أبي سفيان وتحمّل وزرها ابنه يزيد المعلن بفسقه، والمستأثر بحكم اللّه في أرض الإسلام المباركة.

وأمّا المرحلة الثانية من حياته الكريمة قد ناهزت ثلاثة عقودٍ ونصف عقدٍ من عمره الشريف، وعاصر خلالها كُلاًّ من حكم يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبدالملك بن مروان، ثم اغتالته الأيدي الاُموية الأثيمة بأمر من الحاكم وليد بن عبدالملك بن مروان واستشهد في (25) من المحرّم أو ما يقرب منه سنة (94) أو (95) هجرية عن عمر يناهز (57) سنة أو دونها قليلاً4 فكانت مدّة إمامته وزعامته حوالي (34) سنة.

وفي هذه الدراسة نقسّم المرحلة الثانية من حياة هذا الإمام الحافلة بأنواع الجهاد الي قسمين متميزين من الكفاح والجهاد :

الأوّل: جهاده بعد ملحمة عاشوراء وقبل استقراره في المدينة .

الثاني: جهاده بعد استقراره في المدينة.

وعلي هذا التقسيم سوف ندرس حياته ضمن مراحل ثلاث:

الاُولي: حياته قبل استشهاد أبيه (عليه السلام).

الثانية: حياته بعد استشهاد أبيه وقبل استقراره في المدينة.

الثالثة: حياته بعد استقراره في المدينة.

مظاهر من شخصیة الامام زین العابدین (ع)

الحلم

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون :

1 ـ كانت له جارية تسكب علي يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها علي وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ اللّه عزّوجلّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً : «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام (عليه السلام): «عفا اللّه عنك»، ثمّ قالت: (واللّه يحبّ المحسنين). فقال (عليه السلام) لها: «اذهبي فأنت حرّة»5.

2 ـ سبّه لئيمٌ فأشاح (عليه السلام) بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني... وأسرع الإمام قائلاً: «وعنك اُغضي...» وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل6.

3 ـ ومن عظيم حلمه (عليه السلام): أنّ رجلاً افتري عليه وبالغ في سبّه، فقال (عليه السلام) له: «إن كُنّا كما قلت فنستغفر اللّه ، وإن لم نكن كما قلت فغفر اللّه لك...»7.


السخاء

أجمع المؤرِّخون علي أنّه كان من أسخي الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها:

1 ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام (عليه السلام) ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام (عليه السلام): ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام (عليه السلام): هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتي دفعها له8.

2 ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره9.

3 ـ وكان يعول مائة بيتٍ في السرّ، وكان في كلّ بيتٍ جماعة من الناس10.


الزهد

لقد اشتهر في عصره (عليه السلام) أنّه من أزهد الناس حتي أنّ الزهري حينما سُئل عن أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين11.

نظر عليّ بن الحسين (عليه السلام) سائلاً يسأل وهو يبكي، فقال: «لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي عليها»12.

وقال سعيد بن المسيب: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: «أيّها الناس، اتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد اُوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلي قبرك وحيداً، فردّ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك... فاتّقوا اللّه عباد اللّه ، واعلموا أنّ اللّه عزّوجلّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم اللّه لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ باللّه ، فازهدوا فيما زهّدكم اللّه عزّوجلّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا تركنوا إلي زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من اللّه في خرابها... جعلنا اللّه وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...»13.

الامام زین العابدین (ع) یوم عاشوراء

إنّ أشدّ ما كان يحزّ في نفوس أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) ومحبّيهم ما رواه حميد ابن مسلم، وهو شاهد عيان بعد ظهر اليوم العاشر من المحرّم إثر استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) إذ قال: لقد كنت أري المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها من ظهرها حتي تغلب عليه فيُذهب به منها.

ثمّ انتهينا إلي عليّ بن الحسين (عليه السلام) وهو منبسط علي فراش وهو شديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا له: ألا تقتل هذا العليل؟ فقلت: سبحان اللّه أيقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيٌ وإنّه لما به، فلم أزل حتي دفعتهم عنه.

وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض... من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهن، فواللّه ما ردّ أحد منهم شيئاً14.

وهكذا شارك الإمام زين العابدين (عليه السلام) أباه الحسين السبط (عليه السلام) في جهاده ضد الطغاة، ولكنه لم يرزق الشهادة مع أبيه والأبرار من أهل بيته وأصحابه، فإنّ اللّه سبحانه كان قد حفظه ليتولّي قيادة الاُمّة بعد أبيه (عليه السلام) ويقوم بالدور المعدّ له لصيانة رسالة جده (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من أيدي العتاة العابثين وانتحال الضالّين المبطلين، ومن التيارات الوافدة علي حضيرة الإسلام التي أخذت رقعتها بالاتّساع والانتشار السريع.

ظاهرة الدعاء والمناجات في حیاة الامام زین العابدین (ع)

قال تعالي: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً)15.

قال السيد ابن طاووس رضوان اللّه تعالي عليه في مقام بيان ما تفيده الآية المباركة: فلم يجعل لهم لولا الدعاء محلاًّ ولا مقاماً، فقد صار مفهوم ذلك أنّ محل الإنسان ومنزلته عند اللّه جلّ جلاله علي قدر دعائه، وقيمته بقدر اهتمامه بمناجاته وندائه16.

وفي ضوء هذه الحقيقة القرآنية نجد أنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يدعو اللّه تعالي ويناجيه في كلّ آنٍ وعلي كلّ حالٍ، مجسّداً فقره المطلق إلي اللّه جلّ جلاله، وهو ما يستبطن قدر الإمام ومكانته باعتبار أنّ المقام عند اللّه تعالي علي قدر دعائه ومناجاته أو علي قدر إدراكه لفاقته وحاجته إلي اللّه عزوجلّ، والعمل بما يقتضيه هذا الإدراك من انقطاع تامّ إلي اللّه تعالي والإعراض عن كلّ ما سواه.

ونقتطف هنا بعض النصوص الشريفة من أدعية ومناجاة الإمام (عليه السلام) التي تبيّن ذروة حالات اليقين والغني التي يمكن أن يصلها الإنسان إذا رسّخ في عقله وقلبه حقيقة (أن لا مؤثّر في الوجود إلاّ اللّه تعالي) فلا يتعلّق قلبه بغيره سبحانه، ولا يرجو شيئاً من سواه تعالي، ولا يحبّ شيئاً غيره، ويعمر أوقاته كلّها بذكره تعالي والعمل بطاعته :

قال (عليه السلام): «اللّهمّ صلّ علي محمّد وآله، واجعل سلامة قلوبنا في ذكر عظمتك، وفراغ أبداننا في شكر نعمتك، وانطلاق ألسنتنا في وصف منّتك، اللهمّ صلّ علي محمّد وآله، واجعلنا من دعاتك الداعين إليك، وهداتك الدالّين عليك، ومن خاصّتك الخاصّين لديك يا أرحم الرحمين»17.

إنّه الانقطاع التامّ والكامل فكراً وذكراً وسلوكاً وخُلقاً للّه جلّ جلاله.

وقال (عليه السلام) مناجياً اللّه جلّ جلاله: «كيف أرجو غيرك والخير كله بيدك؟! وكيف اُؤمّل سواك والخلق والأمر لك؟! أأقطع رجائي منك وقد أوليتني ما لم أسأله من فضلك أم تفقرني إلي مثلي وأنا اعتصم بحبلك؟! يا من سعد برحمته القاصدون، ولم يشق بنقمته المستغفرون، كيف أنساك ولم تزل ذاكري؟! وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي؟!»18.

لقد انقطع (عليه السلام) إلي اللّه عزوجلّ كأعظم ما يكون الانقطاع، فلم يأمل في جميع اُموره غيره معتقداً بأنّ الأمل بما في يد غيره سراب.

وناجي ربّه عزوجل بقوله (عليه السلام): «إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك19، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف20 عوائدك21، وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك...

إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إيّاي ثنائي ونشري22.

جلّلتني23 نعمك من أنوار الإيمان حُللاً، وضربت عليّ لطائف برّك من العزّ كللاً24، وقلّدتني مننك قلائد لا تحلّ، وطوّقتني أطواقاً لا تفلّ25، فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلاً عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر إلي شكر؟! فكلّما قلت: لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول: لك الحمد...»26.

وهكذا يعلّمنا الإمام (عليه السلام) كيف نشكر اللّه تعالي علي ما أولانا من جزيل النعم، وأنّ الإنسان مهما بالغ في شكره فإنّه عاجز وقاصر عن أداء الشكر.

وقال (عليه السلام): «اللهمّ احملنا في سفن نجاتك، ومتّعنا بلذيذ مناجاتك، وأوردنا حياض حبّك، وأذقنا حلاوة ودّك وقربك، واجعل جهادنا فيك، وهمّنا في طاعتك، وأخلص نيّاتنا في معاملتك، فإنّا بك ولك ولا وسيلة لنا إليك إلاّ أنت...»27.

وهكذا طلب (عليه السلام) من اللّه تعالي أن يخلص نيّته في معاملته ويبلغه أعزّ أمانيه وهي ابتغاء رضوانه جلّ جلاله.

استشهاد الإمام زین العابدین (ع)

وتقلّد الوليد أزمّة الملك بعد أبيه عبدالملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً28، حتّي طعن عمر بن عبد العزيز الاُموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً29.

وفي عهد هذا الطاغية الجبّار استشهد العالم الإسلامي الكبير سعيد بن جبير علي يد الحجّاج بن يوسف الثقفي أعتي عاملٍ اُموي.

وقد كان الوليد من أحقد الناس علي الإمام زين العابدين (عليه السلام) لأنّه كان يري أنّه لا يتمّ له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين (عليه السلام).

فقد كان الإمام (عليه السلام) يتمتّع بشعبية كبيرة، حتّي تحدّث الناس بإعجاب وإكبار عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأندية بالتحدّث عن صبره وسائر ملكاته، واحتلّ مكاناً كبيراً في قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظي برؤيته، ويتشرّف بمقابلته والاستماع إلي حديثه ، وقد شقّ علي الاُمويين عامّة هذا الموقع المتميّز للإمام (عليه السلام) وأقضّ مضاجعهم، وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك30 الذي كان يحلم بحكومة المسلمين وخلافة الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم).

وروي الزهري: عن الوليد أنّه قال : لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا31.

فأجمع رأيه علي اغتيال الإمام زين العابدين (عليه السلام) حينما آل إليه الملك، فبعث سمّا قاتلاً إلي عامله علي المدينة، وأمره أن يدسّه للإمام (عليه السلام)32 ونفّذ عامله ذلك، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلي خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوي.

وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام) بتجهيز جثمان أبيه، وبعد تشييعٍ حافل لم تشهد المدينة نظيرا له؛ جيء بجثمانه الطاهر إلي بقيع الفرقد، فحفروا قبرا بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وأنزل الإمام الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين (عليه السلام) فواراه في مقرّه الأخير.

من غرر کلماته

الخير كلّه صيانة الإنسان نفسه»33.

«الرضي بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين».

«من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا».

«من قنع بما قسم اللّه له فهو من أغني الناس».

«لا يقلّ عمل مع تقويً، وكيف يقلّ ما يتقبّل»؟

«قيل له: من أعظم الناس خطرا34؟ فقال (عليه السلام): «من لم يرَ الدنيا خطرا لنفسه»35.

وقال بحضرته رجل: اللّهمّ أغنني عن خلقك، فقال (عليه السلام): «ليس هكذا، إنّما الناس بالناس، ولكن قل: اللّهمّ أغنني عن شرار خلقك».

«اتّقوا الكذب، الصغير منه، والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير».

«كفي بنصر اللّه لك أن تري عدوّك يعمل بمعاصي اللّه فيك».

وقال له رجل: ما الزهد ؟ فقال (عليه السلام): «الزهد عشرة أجزاء، فأعلي درجات الزهد أدني درجات الورع، وأعلي درجات الورع أدني درجات اليقين، وأعلي درجات اليقين أدني درجات الرضا، وإنّ الزهد في آيةٍ من كتاب اللّه : (لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)»36.

«طلب الحوائج إلي الناس مذلّة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغني الحاضر».

«إنّ أحبّكم إلي اللّه أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند اللّه عملاً أعظمكم فيما عند اللّه رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب اللّه أشدّكم خشية للّه ، وإنّ أقربكم من اللّه أوسعكم خلقا، وإنّ أرضاكم عند اللّه أسْبَغكم37 علي عياله، وإنّ أكرمكم علي اللّه أتقاكم للّه ».

وقال (عليه السلام) لبعض بنيه: «يابُنيّ، اُنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقال: يا أبه، مَن هم؟ قال (عليه السلام) : إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب، وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه ».

وقال (عليه السلام): «إنّ المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه».

وقال (عليه السلام) : «ابن آدم ، إنّك لا تزال بخيرٍ ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعارا، والحذر لك دثارا38، ابن آدم إنّك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي اللّه جلّ وعزّ، فأعدّ له جوابا».

وقال (عليه السلام): «لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلاّ بتواضعٍ، ولا كرم إلاّ بتقويً، ولا عمل إلاّ بنيّةٍ، ولا عبادة إلاّ بالتفقه، ألا وإنّ أبغض الناس إلي اللّه من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله».

-----------------------------

1. إشارة لقوله تعالي: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالاْصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلا ةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَا ةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ). النور (24) : 36 ـ 37.

2. الإرشاد : 2/137، ومناقب آل أبي طالب : 4/189، والإقبال : 621 ، ومصباح الكفعمي: 511 ، والأنوار البهية: 107 قال: سنة 36 يوم فتح البصرة.

3. تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م 325 : 77.

4. المناقب لابن شهر آشوب 3: 310، بحار الأنوار 46: 8 ـ 15 .

منظور في مختصر تاريخ دمشق: 17/240 ، سير أعلام النبلاء : 4/397 ، نهاية الارب : 21/326 .

6. مناقب آل أبي طالب : 4/171 ، البداية والنهاية : 9 / 105، تهذيب التهذيب 7: 270.

7. الإرشاد 1: 146 عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م 270 ه .

5. أمالي الصدوق : 168 ح 12 ، الإرشاد : 2/146 ، مناقب آل أبي طالب : 4/157، تاريخ دمشق : 36/155 وابن

8. الإرشاد 2: 149، مناقب آل أبي طالب 4: 163، راجع: البداية والنهاية 9: 105، وسير أعلام النبلاء 4: 239.

9. تاريخ اليعقوبي 2 : 259 ط بيروت.

10. مناقب آل أبي طالب: 4/166 عن الباقر عليه السلام وعن أحمد بن حنبل، كشف الغمة: 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء ، وفي الكشف : 2/312، عن الجنابذي، ولكن فيه: 2/304 عنه أيضاً عن الصادق (عليه السلام) قال: كان يعول سبعين بيتاً، التمهيد، لابن عبدالبرّ 9: 158.

11. علل الشرائع 1: 230، بحار الأنوار 42: 75.

12. كشف الغمة : 2/318 عن نثر الدرر للآبي مع اختلاف يسير، الفصول المهمّة 2: 867 .

13. الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، تحف العقول: 249 ـ 252.

14. الإرشاد : 2 / 112 ، وانظر وقعة الطف لأبي مخنف : 256 ، 257، روضة الواعظين: 189، تاريخ الطبري 4: 347 مع اختلاف يسير.

15. الفرقان 25 : 77.

16. فلاح السائل للسيد ابن طاووس : 26، طبعة مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية في قم المقدسة.

17. الدعاء الخامس من الصحيفة الكاملة.

18. الصحيفة السجّادية أبطحي: 406، مناجاة الراجين.

19. طَولك: فضلك.

20. ترادُف: تتابع.

21. عوائدك: جمع عائدة وهي المعروف والمنفعة.

22. نشري: يعني هنا بسط الحديث بالمدح.

23. جَلّلتني: غطّتني، وغمرتني.

24. كللاً: كلل جمع الكُلّة وهي بيت أو خيمة رقيقة تُضرب للمبيت تمنع من الذباب والبَعوض وإنّما ذلك لأرباب النعمة.

25. لا تُفلّ: لا تثلم.

26. الصحيفة السجّادية أبطحي: 410، مناجاة الشاكرين.

27. الصحيفة السجّادية أبطحي: 411، مناجاة المطيعين.

28. مروج الذهب : 3 / 96.

29. تاريخ الخلفاء : 223.

30. هناك من المؤرّخين من يري أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي دسّ السمّ للإمام عليه السلام، راجع بحار الأنوار: 46/153، ويمكن الجمع بين الرأيين فيكون أحدهما آمراً والآخر منفّذاً للجريمة.

31. راجع : حياة الإمام زين العابدين : 678 .

32. بحار الأنوار : 46 / 153 عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 194 .

33. تحف العقول: 278.

34. خطرا: قدرا وشرفا .

35. تحف العقول: 278.

36. الحديد 57: 23 .

37. أسبغكم: أوسعكم .

38. الدثار : ما يتغطّي به النائم .

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ولادة الإمام السجاد ( عليه السلام )
إمامته(السجاد)عليه السلام
في المدينة
الامام السجاد علیه السلام باعث الإسلام من جديد
حلم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وتربيته ...
كرامات علي بن الحسين (عليهما السلام)
مدرسة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الفكرية
سیرة الإمام زین العابدین(ع)
من غرر حكم الإمام زين العابدين(عليه السلام) ...
عتق الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) للعبيد

 
user comment