عربي
Thursday 4th of July 2024
0
نفر 0

الامام حسن العسکری (ع)

الامام حسن العسکری (ع)

نسبه الشریف

هو الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) . وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . واُمه اُم ولد يقال لها : حديث1. أو سليل2، وكانت من العارفات الصالحات 3. وذكر سبط بن الجوزي : أنّ اسمها سوسن 4.

 

محل الولادة وتاریخها

ولد الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة (232ه) من الهجرة النبويّة المشرفة في المدينة المنوّرة . ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها . فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة (230ه)5 وقال آخرون إنّها كانت سنة (231 ه )6 أو سنة (232ه)7 أو سنة (233ه)8 . وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل9 أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان10. ولا نري غرابة في هذا الاختلاف ، فربما يعزي إلي إجراءات كان الإمام الهادي (عليه السلام) يقوم بها من أجل المحافظة علي حياة الإمام العسكري (عليه السلام)، أو يكون لغير هذا من أسباب تعزي إلي ملابسات تأريخية خاصة .

 

ألقابه و کناه

اُطلق علي الإمامين عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ (عليهما السلام) (العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمي عسكر11. و (العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام) . وله ألقاب اُخري ، نقلها لنا المحدّثون ، والرواة ، وأهل السير وهي : الرفيق ، الزّكي ، الفاضل ، الخالص ، الأمين ، والأمين علي سرّ اللّه ، النقي ، المرشد الي اللّه ، الناطق عن اللّه ، الصادق ، الصامت ، الميمون ، الطاهر ، المؤمن باللّه ، وليّ اللّه ، خزانة الوصيين ، الفقيه ، الرجل ، العالم12. وكل منها له دلالته الخاصّة علي مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته . وكان يكنّي بابن الرضا . كأبيه وجدّه13، وكنيته التي اختص بها هي : (أبو محمّد)14 .

 

النشأة و ظروفها

نشأ الإمام أبو محمّد (عليه السلام) في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبري ، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب اللّه عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً . وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً : «فللّه درّ هذا البيت الشريف ، والنسب الخضم المنيف ، وناهيك به من فخار ، وحسبُك فيه من علوّ مقدار ، فهم جميعاً في كرم الأُرومة وطِيب الجرثومة كأسنان المشط؛ متعادلون ، ولسهام المجد مقتسمون ، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً ، وسما علي الفرقدين منزلةً ومحلاًّ ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثني فيه بـ «غير» ولا بـ «إلاّ» ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوي الأوّل والتالي ، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم ، واللّه يرفعه ، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم واللّه يجمعه ، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله اللّه ولا يضيّعه»15. لقد ظفر الإمام أبو محمّد بأسمي صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه اللّه وأعلي ذكره ورفع شأنه حيث ( يسبّح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه ...)16، ذلك البيت الذي رفع كلمة اللّه لتكون هي العليا في الأرض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة اللّه . وقطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) لم يفارقه في حلّه وترحاله ، وكان يري فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظم (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، كما كان يري فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والإمامة فكان يوليه أكبر اهتمامه ، ولقد أشاد الإمام الهادي (عليه السلام) بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً : «أبو محمّد ابني أصحّ آل محمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) غريزةً وأوثقهم حجة . وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عري الإمامة وأحكامها»17 ، والإمام الهادي بعيد عن المحاباة والإندفاع العاطفي مثله في ذلك آبائه المعصومون . وقد لازم الإمام أبو محمّد (عليه السلام) أباه طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلي شيعته من صنوف الظلم والإعتداء . وانتقل الإمام العسكري (عليه السلام) مع والده إلي سرَّ من رأي (سامراء) حيث كتب المتوكل إليه في الشخوص من المدينة وذلك حينما وُشي بالإمام الهادي (عليه السلام) عنده، حيث كتب إليه عبد اللّه بن محمّد بن داود الهاشمي : «يذكر أنّ قوماً يقولون إنّه الإمام ـ أي عليّ الهادي (عليه السلام) ـ فشخص عن المدينة وشخص يحيي بن هرثمة معه حتي صار إلي بغداد ، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقّيه ، فرأي تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلي الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلي سُرَّ من رأي»18. ولقد أسرف المتوكّل العبّاسي في الجور والاعتداء علي الإمام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) ففرض عليه الإقامة الجبرية في سامراء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء والفقهاء وشيعته من الاتصال به، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر ، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها19. وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيت (عليهم السلام) أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) بكربلاء ، وأمر بهدم القبر الشريف20 الذي كان مركزاً من مراكز الإشعاع الثوري في أرض الإسلام . وكانت كل هذه الظروف المريرة هي الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمّد العسكري (عليه السلام) آلاماً وأحزاناً فعاش تلك الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسيً وتقطّعت ألماً وحسرة . وكان استشهاد والده (سنة 254ه)21 وتقلّد الإمامة بعده وكانت فترة امامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة نفسيّة وجسديّة . قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف ، إذ كان استشهاده في سنة (260ه) فتكون مدة إمامته (عليه السلام) ست سنين22 . وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدي رعب حكّام الدولة العبّاسية منه ومن دوره الفاعل في الأُمّة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون23. ولا بدّ من الاشارة إلي أنّ المنقول التاريخي عن الإمام العسكري (عليه السلام) في ظل حياة والده الإمام عليّ الهادي (عليه السلام) ومواقفهما لا يتعدي الولادة والوفاة والنسب الشريف وحوادث ومواقف يسيرة لا تتناسب ودور الإمام (عليه السلام) الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل علي إبعاد الأُمّة عن الانحراف ومواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام . غير أنّ مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلي اُمور مهمّة من حياة الإمام العسكري (عليه السلام) ، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلي صعوبة ظرفه بقوله (عليه السلام) : «ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ»24. وهذا شاهد آخر علي حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ (عليهما السلام) والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها، أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجّة به علي الخواص والثقات من أصحابه ، كل ذلك من أجل الحفاظ علي حياته من طواغيت بني العباس . وأنّ ما ورد منه في وفاة أخيه محمّد يعدّ مؤشراً آخر يضاف إلي قول الإمام (عليه السلام) ويدل علي صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمامان وحالة الاستعداء التي كانت تفرضها السلطة عليهما ، فعند وفاة محمّد بن عليّ الهادي (عليه السلام) ـ كما يروي الكليني عن سعد بن عبد اللّه عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس ـ حيث قال : «إنّهم حضروا يوم توفي محمّد بن عليّ بن محمّد دار أبي الحسن (عليه السلام) يُعزّونه وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً سوي مواليه وسائر الناس إذ نظر إلي الحسن بن عليّ (عليه السلام) قد جاء مشقوق الجيب حتي قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) بعد ساعة فقال له : «يابني أحدث للّه عزّ وجلّ شكراً فقد أحدث فيك أمراً» . فبكي الحسن (عليه السلام) واسترجع وقال : «الحمد للّه رب العالمين ، وأنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك وإنا للّه وإنا إليه راجعون» . فسألنا عنه فقيل: هذا الحسن ابنه وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»25. ونلاحظ أنّ سؤال جماعة عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وفي هذه المناسبة الأليمة التي حضرها أعيان الناس دليل قوي علي مدي تكتّم الإمام الهادي علي ولده العسكري (عليهما السلام) ، خصوصاً وهو قد بلغ العشرين من عمره الشريف . * * *

 

مظاهر من شخصیة الامام

لقد مثّل الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) الرسول الأعظم محمّداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في مكارم أخلاقه إذ كان علي جانب عظيم من سموّ الأخلاق ومعالي الصفات، يقابل بها الصديق والعدو، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية ، ورثها عن آبائه وجده رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه ، وقد أثّرت مكارم أخلاقه علي أعدائه والحاقدين عليه ، فانقلبوا من بغضه الي حبّه والإخلاص له كما سيتبين ذلك من خلال البحث . فقد نقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيت (عليهم السلام)، وحقده علي الإمام عليّ (عليه السلام) ، أمر بسجن الإمام العسكري (عليه السلام) والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأي صاحب الحبس سمو أخلاق الإمام (عليه السلام) وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً علي عقب ، فكان لا يرفع بصره الي الإمام (عليه السلام) إجلالاً وتعظيماً له ، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه26.

 

سماحته و کرمه

نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري (عليه السلام) نذكر بعضاً منها : 1 ـ روي الشيخ الكليني والشيخ المفيد عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسي بن جعفر (عليه السلام): قال : ضاق بنا الأمر فقال لي أبي : امضِ بنا حتي نصير الي هذا الرجل ـ يعني أبا محمّد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة . فقلت : تعرفه ؟ قال : ما أعرفه ، ولا رأيته قط . قال : فقصدناه . فقال لي أبي وهو في طريقه : ما أحوجنا الي أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتي درهم للكسوة ومائتي درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة . وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاثمائة درهم ، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، فأخرج الي الجبل . قال ـ أي محمّد بن عليّ ـ فلما وافينا الباب خرج غلامه ، فقال : يدخل عليّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا ، قال لأبي : ياعليّ ما خلفك عنا الي هذا الوقت، قال : ياسيدي : استحييت أن ألقاك علي هذه الحال ، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمائة درهم، مائتان لِلكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال : هذه ثلاثمائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة ، ولا تخرج الي الجبل ، وصر الي سوراء. قال : فصار الي سوراء وتزوج بإمرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار ومع هذا يقول بالوقف 27. 2 ـ وروي إسحاق بن محمّد النخعي قال : حدثني أبو هاشم الجعفري قال : شكوت الي أبي محمّد (عليه السلام) ضيق الحبس وكلب القيد28 ، فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك ، فاُخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال ، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت ، فلما صرت إلي منزلي وجّه إليّ بمائة دينار ، وكتب إليّ: «اذا كانت لك حاجة ، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها تأتك علي ما تحب إن شاء اللّه »29. 3 ـ وعن إسماعيل بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس قال : قعدت لأبي محمّد (عليه السلام) علي ظهر الطريق ، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أنّ ليس عندي درهم، فما فوقه ، ولا غذاء ولا عشاء قال : فقال (عليه السلام) تحلف باللّه كاذباً وقد دفنت مائتي دينار ؟ ! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية ، أعطه ياغلام ما معك ، فأعطاني غلامه مائة دينار ثم أقبل عليّ فقال: إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدق (عليه السلام) ، وذلك أنّي أنفقت ما وصلني به ، واضطررت ضرورة شديدة الي شيء أنفقه ، وانغلقت عليّ أبواب الرزق ، فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرتُ فإذا ابن عمّ لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب ، فما قدرت منها علي شيء30.

 

زهده و عبادته

عُرف الإمام العسكري (عليه السلام) في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه الي اللّه سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة ، حتي أنّه حينما حبس الإمام (عليه السلام) في سجن عليّ بن نارمش ـ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب ـ ما كان من عليّ هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه31. ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان ـ عليّ بن جرين ـ عن أحوال الإمام (عليه السلام) وأخباره في كل وقت فيخبره عليّ بن جرين أنّ الإمام (عليه السلام) يصوم النهار ويصلي الليل32. عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسي بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار33 قال: دخل العبّاسيّون علي صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية علي صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد عليهما السلام . فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الي أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين34. وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه . إنّ سلامة الصلة باللّه سبحانه وما ظهر علي يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير الي المنزلة العالية والشأن العظيم للإمام (عليه السلام) عند اللّه الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّي في إمامته (عليه السلام).

 

علمه و دلائل امامته

وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ودلائل إمامته: 1 ـ عن أبي حمزة نصر الخادم قال : سمعت أبا محمّد (عليه السلام) غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم ، وفيهم ترك ، وروم وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك وقلت : هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتي مضي أبو الحسن ـ أي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ ! اُحدّث نفسي بذلك فأقبل عليَّ فقال: «إنّ اللّه جلّ ذكره أبان حجّته من ساير خلقه وأعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات والأسباب والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق»35. 2 ـ وقال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما الي أبي محمّد (عليه السلام) ، فكتبت أسأله عن القائم اذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّي الربع ، فأغفلت ذكر الحُمّي ، فجاء الجواب : سألتَ عن القائم، وإذا قام قضي بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّي الرُّبع ، فأنسيت فاكتب في ورقة وعلّقه علي المحموم: (يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَي إِبْرَاهِيمَ)36. فكتبت ذلك وعلّقته علي المحموم فأفاق وبري ء37 . 3 ـ وروي الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسي بن جعفر ، قال : كتب أبو محمّد الحسن (عليه السلام) الي أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوماً ، إلزم بيتك حتي يحدث الحادث ، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث ، فما تأمرني ؟ فكتب إليه : ليس هذا الحادث ، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان38. أي أنّ الإمام (عليه السلام) ، أشار الي موت المعتز ، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتي ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمام (عليه السلام) وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم . ومن الطبيعي أنّ موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة . 4 ـ ما حدّث به نصراني متطبّب بالري، يقال له: مرعبدا، وقد أتي عليه مائة سنة ونيف، وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل، وكان يصطفيني، فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده39 ، فاختارني وقال: قد طلب منّي ابن الرضا من يفصده فَصُرّ إليّ وهو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء، فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به، فمضيت إليه فأمر بي إلي حجرة، وقال: كن هاهنا الي أن أطلبك. قال: وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّداً محموداً للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له، وأحضر طشتاً عظيماً ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتي امتلأ الطشت، ثم قال لي: اقطع، فقطعت، فغسل يده وشدّها، وردني الي الحجرة، وقدّم من الطعام الحار والبارد شيء كثير، وبقيت الي العصر، ثم دعاني، فقال: سرّح، ودعا بذلك الطشت فسرّحت، وخرج الدم الي أن امتلأ الطشت فقال: إقطع، فقطعت، وشدّ يده وردّني الي الحجرة، فبتّ فيها، فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال: سرّح، فسرّحت، فخرج من يده مثل اللبن الحليب الي أن امتلأ الطشت، ثم قال: إقطع، فقطعت، وشدّ يده، وقدّم إليّ تخت ثياب وخمسين دينار، وقال: خذها واعذر وانصرف. فأخذت وقلت: يأمرني السيّد بخدمة، قال: نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول، فصرت الي بختيشوع وقلت له القصة، قال: أجمعت الحكماء علي أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً، وأعجب ما فيه اللبن، ففكّر ساعة، ثم مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب علي أن نجد لهذه القصّة ذكراً في العالم فلم نجد . ثم قال: لم يبقَ اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جري ، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال مَن أنت؟ قلت صاحب بختيشوع . قال : أمَعك كتابه ؟ قلت : نعم فأرخي لي زبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته فقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ، قال : طوبي لأمك ، وركب بغلاً، وسرنا ، فوافينا (سُرّ من رأي) وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ ؟ دار اُستاذنا أم دار الرجل ـ أي دار الإمام الحسن العسكري ـ ؟ قال : دار الرجل، فصرنا الي بابه قبل الأذان الأوّل ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال : أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا جعلت فداك، فقال إنزل ، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت الي أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب ، وقد رمي بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم فقال : خذني الآن الي دار اُستاذك ، فصرنا الي باب بختيشوع ، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك ؟ قال : وجدت المسيح وأسلمت علي يده ، قال : وجدت المسيح ؟ ! قال : أو نظيره ، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلي أن مات40. 5 ـ وعن أبي عليّ المطهري: إنّه كتب إليه من القادسية يعلمه انصراف الناس عن المضي إلي الحجّ وإنّه يخاف العطش إن مضي ، فكتب (عليه السلام) : إمضوا فلا خوف عليكم إن شاء اللّه ، فمضي من بقي سالمين ولم يجدوا عطشاً41 والحمدللّه رب العالمين. * * *

 

الاعداد للعصر الغیبة

انتهينا في البحث السابق عن معرفة كيفية طرح الإمام لقضية ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وإمامته وأنّه الخلف الصالح الذي وعد اللّه به الاُمم أن يجمع به الكلم في أصعب الظروف التي كانت تكتنف ولادة الإمام (عليه السلام)، وقد لاحظنا مدي إنسجام تلك الإجراءات التي اتّخذها الإمام العسكري (عليه السلام) في هذا الصدد مع الظروف المحيطة بهما. غير أنّ النقطة الأُخري التي تتلوها في الأهمية هي مهمة إعداد الأُمّة المؤمنة بالإمام المهدي (عليه السلام) لتقبّل هذه الغيبة التي تتضمّن انفصال الأُمّة عن الإمام بحسب الظاهر وعدم إمكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان من أهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية، فقد كان الإمام حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان. فهنا صدمة نفسية وإيمانية بالرغم من أنّ الإيمان بالغيب يشكّل عنصراً من عناصر الإيمان المصطلح، لأنّ المؤمنين كانوا قد اعتادوا علي الإرتباط المباشر بالإمام (عليه السلام) ولو في السجن أو من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسّون بتفاعله معهم، والآن يُراد لهم أن يبقي هذا الإيمان بالإمام حيّاً وفاعلاً وقويّاً بينما لا يجدون الإمام في متناول أيديهم وقريباً منهم بحيث يستطيعون الإرتباط به متي شاءوا. إنّ هذه لصدمة يحتاج رأبها الي بذل جهد مضاعف لتخفيف آثارها وتذليل عقباتها. وقد مارس الإمام العسكري تبعاً للإمام الهادي (عليهما السلام) نوعين من الإعداد لتذليل هذه العقبة ولكن بجهد مضاعف وفي وقت قصير جدّاً. الأوّل: الإعداد الفكري والذهني. الثاني: الإعداد النفسي والروحي. أما الإعداد الفكري فقد قام الإمام تبعاً لآبائه (عليهم السلام) باستعراض فكرة الغيبة علي مدي التاريخ وطبّقها علي ولده الإمام المهدي (عليه السلام) وطالبهم بالثبات علي الإيمان باعتباره يتضمن عنصر الإيمان بالغيب وشجّع شيعته علي الثبات والصبر وانتظار الفرج وبيّن لهم طبيعة هذه المرحلة ومستلزماتها وما سوف يتحقق فيها من امتحانات عسيرة يتمخّض عنها تبلور الإيمان والصبر والتقوي التي هي قوام الإنسان المؤمن برّبه وبدينه وبإمامه الذي يريد أن يحمل معه السلاح ليجاهد بين يديه. فقد حدّث أبو عليّ بن همّام قائلاً: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ الأرض لا تخلو من حجة للّه علي خلقه الي يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال (عليه السلام): إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق، فقيل له: ياابن رسول اللّه فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر الي الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة»42. وحدّث موسي بن جعفر بن وهب البغدادي فقال: سمعت أبا محمّد الحسن (عليه السلام) يقول: «كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما أنّ المقرّ بالأئمة بعد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء اللّه ورسله ثم أنكر نبوّة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، والمنكر لرسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كمن أنكر جميع الأنبياء، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما أنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه اللّه عزّ وجلّ»43. وحدّث الحسن بن محمّد بن صالح البزّاز قائلاً: سمعت الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) يقول: «إنّ ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتي تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت علي القول به إلاّ من كتب اللّه عزّوجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروحٍ منه»44. الي غيرها من الأحاديث والأدعية التي تضمّنت بيان فكرة الغيبة وضرورة تحققها وضرورة الإيمان بها والصبر فيها والثبات علي الطريق الحقّ مهما كانت الظروف صعبة وعسيرة. وأما الإعداد النفسي والروحي فقد مارسه الإمام (عليه السلام) منذ زمن أبيه الهادي (عليه السلام) فقد مارس الإمام الهادي (عليه السلام) سياسة الاحتجاب وتقليل الإرتباط بشيعته إعداداً للوضع المستقبلي الذي كانوا يستشرفونه وكان يُهيئهم له، كما انّه قد مارس عملية حجب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن شيعته فلم يعرفه كثير من الناس وحتي شيعته إلاّ بعد وفاة أخيه محمّد45 حيث أخذ يهتمّ بإتمام الحجّة علي شيعته بالنسبة لإمامة الحسن من بعده واستمر الإمام الحسن (عليه السلام) في سياسة الاحتجاب وتقليل الإرتباط لضرورة تعويد الشيعة علي عدم الإرتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم46، فضلاً عن أنّ الظروف الخاصة بالإمام العسكري (عليه السلام) كانت تفرض عليه تقليل الإرتباط حفظاً له ولشيعته من الإنكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك ليراقبوا نشاط الإمام وإرتباطاته مع شيعته. وقد عوّض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الأضرار الحاصلة من تقليل الإرتباط المباشر بأمرين: أحدهما: إصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب الي حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل الي الإمام (عليه السلام) بشكل مكتوب. وأكثر الروايات عن الإمام العسكري (عليه السلام) هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات47. ثانيهما: الأمر بالإرتباط بالإمام (عليه السلام) من خلال وكلائه الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته. فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر أتباع أهل البيت باستمرار الإرتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه. فكان هذا الإرتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الإمام (عليه السلام). وهكذا تمّ الإعداد الخاص من قبل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لشيعته ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلائم مع مقتضيات الإيمان باللّه وبرسوله وبالأئمة وبقضية الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية والتي تشكّل الطريق الوحيد لإنقاذ المجتمع الإنساني من أوحال الجاهلية في هذه الحياة.

 

مواجهة الفرق المنحرفة

لقد اختلف المسلمون بعد الرسول الأعظم (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وافترقوا إلي فرقتين ، فرقة اجتهدت مقابل النصوص الواردة عنه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وأُخري التزمت النصّ ومنهجه في حياتها ومواقفها وسارت وفقاً له . ومع إمتداد تاريخ الدولة الإسلامية تفرعت كل فرقة الي فروع وظهرت فرق متعددة ، كالمرجئة ، والمعتزلة ، والخوارج التي نشأت بعد قضية التحكيم في وقعة صفين في عهد الحكم العلوي . وقد تصدي الأئمة الأطهار (عليهم السلام) آباء الحسن العسكري (عليه السلام) باعتبارهم حماة الرسالة والعقيدة الإسلامية للفرق الضالة في عصورهم فكان لكل إمام مواقف خاصة مع كل فرقة من هذه الفرق التي كان يخشي من انحرافاتها علي الأُمّة المسلمة . وإليك نموذجين من مواجهة الإمام (عليه السلام) للفرق المنحرفة التي عاصرها في مدة إمامته: أ ـ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والثنوية والثنوية من الفرق التي كانت في عصر الإمام العسكري (عليه السلام) ، وهم: «من يثبت مع القديم قديماً غيره، قيل: وهم فرق المجوس يثبتون مبدأين مبدأ للخير ومبدأ للشر وهما النور والظلمة48. وروي الشيخ الكليني(رضي اللّه عنه) عن إسحاق قال : أخبرني محمّد بن الربيع الشائي ، قال : ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ثمّ قدمت (سرّ من رأي) وقد علق بقلبي شيء من مقالته، فإنّي لجالس علي باب أحمد بن الخضيب ، إذ أقبل أبو محمّد (عليه السلام) من دار العامّة يوم المركب ، فنظر إليّ وأشار بسبّابته : أحد ، أحد ، فرد . فسقطتُ مغشيّاً عليَّ49. وكتب إليه أحد أصحابه يسأله الدعاء لوالديه ، وكان الأب ثنويّاً والاُم مؤمنة فكتب (عليه السلام) : رحم اللّه والدتك ـ والتاء منقوطة بنقطتين من فوق ـ3. ب ـ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والصوفية لقد أوضح الإمام العسكري (عليه السلام) فساد معتقدات الصوفية من خلال بيانه لآرائهم وأساليبهم في التعامل وعلاقاتهم مع الناس، ما يتحلون به من صفات وخصائص ، ونلاحظ ذلك في حديث الإمام العسكري (عليه السلام) مع أبي هاشم الجعفري . حيث قال له الإمام (عليه السلام) : ياأبا هاشم : «سيأتي زمان علي الناس وجوههم ضاحكة ، مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السُّنة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سُنّة ، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر ، اُمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون ، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء ، وأصاغرهم يتقدّمون علي الكبراء ، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ؛ لا يتميزون بين المخلص والمرتاب ، ولا يعرفون الضأن من الذئاب ، علماؤهم شرار خلق اللّه علي وجه الأرض ، لأنّهم يميلون إلي الفلسفة والتصوف ، وأيم اللّه إنّهم من أهل العدول والتحرف ، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا ، فان نالوا منصباً لم يشبعوا من الرشاء ، وإن خذِلوا عبدوا اللّه علي الرياء ، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلي نحلة الملحدين ، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه . ثم قال : ياأبا هاشم : هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن جعفر بن محمّد (عليهم السلام) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله»50.

-----------------------------

 

1. الكافي: 1/503، الإرشاد: 1/313، إعلام الوري: 2/131.

2. عيون المعجزات: 123، إثبات الوصيّة: 244.

3. عيون المعجزات: 123.

4. تذكرة الخواص 2/501.

5. أورده في بحار الأنوار: 50/235، نقلاً عن الإرشاد لكن لم نعثر علي ذلك فإن الموجود في الإرشاد هو سنة 232 ه كما سيأتي.

6. انظر تاريخ مواليد الأئمة لابن الخشاب: 43، المنتظم لابن الجوزي: 5/22، وفيات الأعيان: 2/94.

7. انظر الكافي: 1/503، الإرشاد: 2/313، إعلام الوري: 2/129.

8. انظر الهداية الكبري: 327، دلائل الإمامة: 423.

9. انظر وفيات الأعيان: 2/94، الأئمة الإثنا عشر: 113.

10. انظر في ذلك كل من: الكافي: 1/503، مصباح المتهجد: 767، إعلام الوري: 2/129، وفيات الأعيان: 2/94، وراجع أيضاً بحار الأنوار: 50/235 ـ 238.

11. علل الشرايع: 1/241، وعنه في بحار الأنوار: 50/235.

12. انظر كوكبة من ألقابه الكريمة في دلائل الإمامة: 424، إعلام الوري: 2/129، مناقب آل أبي طالب: 3/523، الهداية الكبري: 325، الفصول المهمّة: 2/1077، مطالب السؤول: 2/148، هذا وقد وردت في أسانيد الروايات بعض الألقاب أيضاً، فقد يطلق عليه الفقيه أو الرجل كما صرّح الأردبيلي في جامع الرواة: 2/462 كما أنّه وردت ألقاب في الأدعية والزيارات أيضاً، فورد في مهج الدعوات بالحسن بن عليّ الطاهر الزكي خزانة الوصيين انظر مهج الدعوات: 399، وورد في المزار: 247 (السلام عليك يا أبا محمّد الحسن الميمون خزانة الوصيين)، وهكذا فالمتتبع للآثار والأخبار يحصل علي ألقاب عديدة جداً للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وراجع للإطلاع حياة الإمام العسكري للطبسي: 23 ـ 28.

13. انظر إعلام الوري: 2/132، مناقب آل أبي طالب: 3/523.

14. كمال الدين وتمام النعمة: 307، مناقب آل أبيطالب: 3/523، مطالب السؤول: 2/148، الفصول المهمّة: 2/1080.

15. الإتحاف بحب الأشراف: 366 ـ 367.

16. النور 24: 36 ـ 37 .

17. الكافي: 1/327 ـ 328، الإرشاد: 2/319، إعلام الوري: 2/135 ـ 136 واللفظ للثاني .

18. تاريخ اليعقوبي : 2 / 484، وانظر الإرشاد: 2/310 ـ 311، إعلام الوري: 2/125.

19. انظر وفيّات الأعيان: 3/272، الوافي بالوفيات: 22/48.

20. انظر تاريخ الطبري: 7/365، الكامل في التاريخ: 7/55، مقاتل الطالبيين: 395.

21. انظر الإرشاد: 2/297، إعلام الوري: 2/109.

22. الإرشاد : 2 / 313، إعلام الوري: 2/129.

23. مناقب آل أبي طالب: 3/523 ـ 524.

24. كمال الدين وتمام النعمة: 222، تحف العقول: 487، وعنه في بحار الأنوار: 75/372، واللفظ للثاني.

25. الكافي: 1/326 ـ 327، الإرشاد: 2/317 ـ 318، إعلام الوري: 2/135، واللفظ للأوّل.

26.انظرالكافي: 1/508، الإرشاد: 2/329 ـ 330 ، إعلام الوري: 2/150 .

27. الكافي: 1/506، الإرشاد: 2 / 326 ـ 327 وعنه في كشف الغمة: 3 / 206، واللفظ للإرشاد.

28. كلب القيد : شدته وضيقه .

29. الكافي: 1/508، الإرشاد: 2/330، إعلام الوري: 2/140 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/208، واللفظ للإرشاد.

30. الكافي: 1/509، الإرشاد: 2/332، إعلام الوري: 2/137 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/209.، واللفظ للإرشاد، وفي بقية المصادر التي ذكرناها أنّ الذي سرق الأموال هو ابنه وليس ابن عمّه.

31. انظر الكافي : 1 / 508، الإرشاد: 2/329 ـ 330، إعلام الوري: 2/150.

32. انظر مهج الدعوات : 330، عيون المعجزات: 125، وعن المهج في بحار الأنوار: 50/314.

33. في الإرشاد أسند الرواية الي محمّد بن إسماعيل ولم يذكر عليّ بن عبدالغفار.

34. الكافي: 1/512، الإرشاد: 2/334، إعلام الوري: 2/150 ـ 151، واللفظ للأوّل.

35. انظر الكافي: 1/509، الإرشاد: 2/330 ـ 331، إعلام الوري: 2/145 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/208، واللفظ للإرشاد.

36. الأنبياء 21: 69 .

37. الكافي: 1/509، الإرشاد: 2/331، إعلام الوري: 2/145 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/208 واللفظ للإرشاد، وحُمّي الرّبع: هو أن يأخذ يوماً ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع، والآية من سورة الأنبياء: 69.

38. الكافي: 1/506، الإرشاد: 2/325 وعنه في كشف الغمة: 3/205، وعنه أيضاً في بحار الأنوار: 5/277 ـ 278، واللفظ للأخير، وقد اختلفت المصادر في اسم الذي قُتل ؛ فبعضها ذكر بريحة وبعضها ترنجة، والأمر سهل.

39. الفصد: شقّ العرق، لسان العرب، ابن منظور: 3/336.

40. الخرائج والجرايح : 1 / 422 ـ 424، وعنه في فرج المهموم: 237 ـ 239، وعنه أيضاً في بحار الأنوار: 5/ 260 ـ 262، وأصل القصة في الكافي: 1/512.

41. الكافي: 1/507 ـ 508، الإرشاد: 2/339، مناقب آل أبي طالب: 3/531، واللفظ للثاني.

42. كمال الدين وتمام النعمة: 409، كفاية الأثر: 296، وانظر الصراط المستقيم: 2/232.

43. كمال الدين وتمام النعمة: 409، كفاية الأثر: 295 ـ 296، وعنهما في بحار الأنوار: 51/160 .

44. كمال الدين وتمام النعمة: 524، الخرائج والجرائح: 2/164، وعن كمال الدين في بحار الأنوار: 51/224.

45. تقدّم ذلك عند ذكر نصوص الإمام الهادي عليه السلام علي إمامة الحسن العسكري (عليه السلام).

46. انظر إثبات الوصية: 272.

47. انظر بعض المكاتبات في: الكافي 1/509، 5/125، 181، 7/461، معاني الأخبار: 188، مناقب آل أبي طالب: 3/527 ـ 528 .

48. مجمع البحرين الطريحي: 1/331 .

49. الكافي : 1 / 511، وانظر الخرائج والجرائح: 1/445، الثاقب في المناقب: 573.

50. كشف الغمة: 3/221، وعنه في بحار الأنوار: 50/294 .

51. حديقة الشيعة: 2/785 ـ 786، وعنه في مستدرك الوسائل: 11/380 .

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الحسن العسكري(ع) سيرته المختصرة
الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام
الإمام الحسن العسكري (ع) في سطور..وانطباعات عن ...
وصايا الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
رسالة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) حول ...
كرامات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
نبذة عن حیاة الإمام العسکري (ع)
سيرة الامام العسکري عليه السلام
الامام حسن العسکری (ع)
مكانة الإمام العسكري ( عليه السلام ) في قلوب الناس

 
user comment