عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الأنفاس القدسية في أسرار الزيارة الرضوية

الأنفاس القدسية في أسرار الزيارة الرضوية

 

 

الأنفاس القدسية في أسرار الزيارة الرضوية

السيد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدّمة[1]

 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آله الأئمة الهداة الميامين.

من المفاهيم الإسلامية التي تستوجب الدقّة وتسليط الضوء عليها أكثر من ذي قبل مسألة زيارة الرسول الأكرم سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمّد (صلى الله عليه وآله) وزيارة أهل بيته الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) ، وأولادهم الكرام وزيارة وريثهم من العلماء الأخيار ، وغيرهم من الصالحين والصالحات.

فإذا رجعنا إلى النصوص النبوية والأحاديث الشريفة الصادرة عن آل محمّد (عليهم السلام) في ثواب زيارتهم وعلوّ الدرجات وسموّ المقام لزائريهم ، لرأينا الشيء العجيب ، والأمر المستصعب الذي لا يتحمّله إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو مؤمن كامل امتحن الله قلبه بالإيمان.

وفي هذه العجالة أودّ أن أطرح بعض أسرار زيارة مولانا وإمامنا ثامن الأئمّة المعصومين الأطهار علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، وذلك من خلال الأخبار الشريفة الصادرة منهم ، فإنّهم أعرف بمقاماتهم وشؤونهم عند الله سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن نعرفهم بمعرفة جمالية وكمالية إلاّ من خلال كلماتهم النورانية وأحاديثهم القدسية ، فإنّ إحاطة المعلول بعلّته والمعلوم بعالمه أمر مستحيل.

أقول مقدّمة : الزيارة ـ لغة واصطلاحاً ـ :

لغةً : تعني حضور الزائر عند المزور ، كما أنّ الذكر بمعنى حضور المذكور عند الذاكر فهو يعكس الزيارة ، وهي تختلف باختلاف المقاصد والمتعلّقات ، فزيارة التاجر لقضايا تجاريّة تكون زيارة اقتصاديّة ، وزيارة رئيس دولة لدولة اُخرى للحديث الثنائي بين الدولتين تكون زيارة سياسيّة ، وهكذا زيارة المأموم لإمامه لتحكيم مباني العقيدة والمبادئ ، وإظهار الولاء والمودّة التي تعني المحبّة مع الإطاعة ، تكون زيارة عقائديّة ومبدئيّة.

واصطلاحاً : الحضور المذكور مع التحيّة والسلام والتبجيل والاحترام ، أو قراءة الزيارة وتلاوتها ولو من بعيد ، والشعور بالحضور الروحاني لا الحضور الجسدي ، وذلك تقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى . ثمّ لا يخفى أنّ زيارة أولياء الله من مظاهر الولاية واتّصال الزائر بالمزور.

وقد وردت الروايات الكثيرة في فضل زيارة الأنبياء والأوصياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وكذلك زيارة العلماء الصلحاء والمؤمنين الأخيار ، لما فيها من الفوائد العظيمة والآثار المعنوية الجسيمة في الدنيا والآخرة ، وما يترتّب عليها من العناية الباطنية حتّى تكاد أن تغيّر جوهرية الإنسان وماهيته ، وتجعله في عداد الملائكة ، وتقلّبه وترفعه من حضيض الحيوانية إلى قمّة الإنسانية والفناء في الله سبحانه ، فكم من طالح فاسق صار بالزيارة مؤمناً وصالحاً ، وانقلب من الشرّ إلى الخير ، ومن الباطل إلى الحقّ ؟ ! وما أكثر الزائرين لمشاهد الأولياء تغيّرت مشاعرهم وأحاسيسهم ، وحسن حالهم وفتحت أبصار قلوبهم وآذانها لتسمع الإلهامات الرحمانية ، وترى الأنوار الإلهية ، كل ذلك من بركات وآثار الزيارة وإنّها من شعائر الله :

(وَمَنْ يُعَظِّم شَعائِرَ اللهِ فَإنَّها مِنْ تَقْوى القُلُوب)[2].

فالزيارة شعار لشعور ولائي صادق ، وإيمان راسخ ، وعقيدة سليمة.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) :

إنّ ولايتنا ولاية الله عزّ وجلّ التي لم يبعث نبيّ قطّ إلاّ بها ، إنّ الله عزّ اسمه عرض ولايتنا على السماوات والأرض والجبال والأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة ، وإنّ إلى جانبهم لقبراً ما لقاه مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، وأجاب دعوته ، وقلّبه إلى أهله مسروراً[3].

ثمّ لا يخفى أنّ قبول الأعمال إنّما يتمّ مع اجتماع شرائط خاصّة ، ومن أهمّها :

1 ـ الإيمان بالله سبحانه ، فإنّ الكفر والشرك ممّـا يوجب حبط العمل كما ورد في الآيات القرآنيّة الكريمة.

2 ـ العلم ، فإنّ عبادة الجاهل لا تنفع ، بل ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( قسم ظهري اثنان ، جاهلٌ متنسّك، وعالمٌ متهتّك ) ، فشرط قبول العمل العلم والمعرفة.

3 ـ التقوى ، كما قال سبحانه : (إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقينَ)[4].

4 ـ الولاية ، وما نودي بمثل ما نودي بالولاية ، فهي روح العمل وأساسه ، ولولاها لا تقبل الأعمال بلغت ما بلغت ، فلو عبد الإنسان ربّه بين المقام وركن حجر الأسود ليل نهار حتّى يكون كالشنّ البالي ، ولم يوالِ أهل البيت (عليهم السلام) فلا قيمة له ، لأنّ الله يريد العبادة بشرطها وشروطها ، وروح الشرائط الولاية ، وما أكثر النصوص القرآنيّة والروائيّة عن النبيّ والعترة الطاهرة تدلّ على ذلك[5].

ومثال هذه الاُمور الأربعة كالسراج ( وهو الإيمان ) ، والفتيل ( وهو العلم ) ، والزيت ( وهو التقوى ) ، والقدّاحة وعود الكبريت ( وهو الولاية ) ، فهي التي تشعل السراج لتنير ما حوله ، وببركة النور ترى الأشياء ، فإنّ النور ظاهر بنفسه ومظهر لغيره ، والمؤمن نوره يسعى بين يديه في الدنيا والآخرة ، فإنّه يحمل شعور ولائي صادق ينير له الدرب والصراط المستقيم ، ولهذا الشعور والمبدأ العقائدي شعائر ، منها الزيارة فهي من آيات الشعور الولائي ، وهي مفتاح الأبواب ، بل هي زرّ لإشعال الضوء في الحياة ، فإنّ الزائر بحضوره عند المعصوم المزور (عليه السلام) أو بقراءة زيارته يرتبط معه عقائديّاً ، ويعلن ولائه وإطاعته واتّباع نهجه والتولّي لأوليائه والتبرّي من أعدائه ، ويحكي عن وجوده وقلبه ، أ نّه سلمٌ لمن سالمكم ، وحربٌ لمن حاربكم.

واختلاف درجات ثواب الزيارات إنّما هي باختلاف المعرفة للإمام (عليه السلام)كاختلاف درجات الجنّات ودرجات الإيمان ، فمنهم من يزور الإمام وله ثواب حجّة واحدة ، ومنهم من يزور وله ثواب ألف حجّة مقبولة.

فزيارة القبور ممّـا ورد عليه الحثّ الإسلامي الشديد ، وكما جاء في زيارة الجامعة :

( أسماؤكم في الأسماء وأرواحكم في الأرواح ، وقبوركم في القبور ، فما أحلى أسماءكم ، وما أعظم شأنكم ).

فإنّ أسماء الأئمة وإن كان بين أسماء الناس ، إلاّ أ نّه عندما يكون مسمّى الاسم ذواتهم المقدّسة يعطى للإسم حلاوة خاصّة ، يوجب السرور والانبساط والبركة والخير ، فإنّها اشتقّت من أسماء الله سبحانه . وكذلك قبورهم فهي بين قبور الناس إلاّ أنّ قبورهم تكون دار الشفاء وتكون بمنزلة عرش الله سبحانه ، كما يذكر ابن بطوطة في رحلته قائلا :

فما أعظم شأن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ؟ !

ولكي نعرف أثر الزيارة في حياة الإنسان ولو على نحو الإشارة والاجمال ، لا بأس أن نقرأ ما قاله المحقّق معلّم الأخلاق الشهير المولى محمد مهدي النراقي قدّس سرّه الشريف المتوفّى سنة ( 1209 ) في كتابه القيّم ( جامع السعادات )[6] في خاتمة الكتاب تحت عنوان ( زيارة المشاهد ) قال : ( في الإشارة إلى بعض الاُمور الباطنة المتعلّقة بزيارة المشاهد :

1 ـ اعلم أنّ النفوس القوية القدسية ، لا سيّما نفوس الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) إذا نقضوا أبدانهم الشريفة وتجرّدوا عنها ، وصعدوا إلى عالم التجرّد ، وكانوا في غاية الإحاطة والاستيلاء على هذا العالم ، فاُمور هذا العالم عندهم ظاهرة منكشفة ، ولهم القوّة والتمكّن على التأثير والتصرّف في موادّ هذا العالم ، فكل من يحضر مقابرهم لزيارتهم يطّلعون عليه ، لا سيّما ومقابرهم مشاهد أرواحهم المقدّسة العليّة ، ومحالّ حضور أشباحهم البرزخية النورية ، فإنّهم هناك يشهدون : (بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقون)[7] ، وبما آتاهم الله من فضله فرحون ، فلهم تمام العلم والاطّلاع بزائري قبورهم وحاضري مراقدهم ، وما يصدر عنهم من السؤال والتوسّل والاستشفاع والتضرّع ، فتهبّ عليهم نسمات ألطافهم ، وتفيض عليهم من رشحات أنوارهم ، ويشفعون إلى الله في قضاء حوائجهم ، وإنجاح مقاصدهم ، وغفران ذنوبهم ، وكشف كروبهم ، فهذا هو السرّ في تأكد استحباب زيارة النبيّ والأئمة (عليهم السلام).

2 ـ مع ما فيه من صلتهم.

3 ـ وبرّهم.

4 ـ واجابتهم.

5 ـ وإدخال السرور عليهم.

6 ـ وتجدّد عهد ولايتهم.

7 ـ وإحياء أمرهم.

8 ـ وإعلاء كلمتهم.

9 ـ وتنكيث أعدائهم.

وكلّ واحد من هذه الاُمور ممّا لا يخفى عظيم أجره وجزيل ثوابه ، وكيف لا تكون زيارتهم :

10 ـ أقرب القربات.

11 ـ وأشرف الطاعات ، مع أنّ زيارة المؤمن ـ من جهة كونه مؤمناً فحسب ـ عظيم الأجر جزيل الثواب ، وقد ورد به الحثّ والتوكيد والترغيب الشديد من الشريعة الطاهرة ، وإذا كان الحال في المؤمن من حيث أ نّه مؤمن ، فما ظنّك بمن عصمه الله من الخطأ وطهّره من الرجس ، وبعثه إلى الخلائق أجمعين ، وجعله حجّة على العالمين ، وارتضاه إماماً للمؤمنين وقدوة للمسلمين ، ولأجله خلق السماوات والأرضين ، وجعله صراطه وسبيله ، وعينه ودليله ، وبابه الذي يؤتى منه ، ونوره الذي يستضاء به ، وأمينه على بلاده ، وحبله المتّصل بينه وبين عباده ، من رسل وأنبياء وأئمة وأولياء.

ثمّ الأخبار الواردة في فضيلة زيارة النبي والأئمة (عليهم السلام) ممّـا لا تحصى كثرة . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام فإنّه يبلغني.

وقال (صلى الله عليه وآله) لأميرالمؤمنين (عليه السلام) :

يا أبا الحسن ، إنّ الله تعالى جعل قبرك وقبرَ ولدِكَ بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ومودّة منهم لرسوله ، اُولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زوّاري وجيراني غداً في الجنّة ، يا علي ، من عمّر قبورهم وتعاهدها فكأ نّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته اُمّه ، فأبشر ، وبشِّر أولياءَك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار
قبوركم ، كما تعيّر الزانية بزناها ، اُولئك شرار اُمّتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي ...[8].

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) :

إن لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه ، كان أئمته شفعاءه يوم القيامة[9].

والأخبار في فضل زيارة النبيّ والأئمة المعصومين لا سيّما زيارة سيّد الشهداء وأبي الحسن الرضا عليهم أفضل التحية والثناء ، وفضل زيارتهما على الحجّ الاستحبابي والعمرة والجهاد ، أكثر من أن تحصى ، وهي مذكورة في كتب المزار لأصحابنا الكرام.

بعد أن عرفنا إجمالا وعلى نحو العموم أثر الزيارة ومقامها الشامخ في حياة المرء ، حان الموعد أن نعرّج إلى ما هو المقصود من عقد هذه الرسالة الموجزة ، وهو الحديث عن أسرار الزيارة الرضوية من خلال الأخبار النبويّة والولويّة ـ الصادرة من النبي والولي (عليهما السلام) ـ والله المستعان.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد
المجالس والبعد السياسي
المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ...

 
user comment