عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

وضوء النبي (ص) «القسم الثاني»+تکملة القسم الاول

الأحادیث الدالة علی مسح الأرجل في کتب أهل السنة

1 ـ «عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يتوضّأ ويمسح بالماء علي رجليه»29 .

قال إبن حجر عن رجال سند هذا الحديث: (رجاله ثقات)30.

وروي هذا الحديث في كنز العمال نقلاً عن سنن إبن أبي شيبة ومسند أحمد وتاريخ البخاري ومسند العدني، ومصباح السنة للبغوي، ومسند الباوردي والمعجم الكبير للطبراني، وجامع أبي نعيم31.

في هذا الحديث الذي أذعن إبن حجر (الرجالي المعتمد لدي أهل السنة) بوثاقة رواته، حكي تميم وهو من الصحابة: صورة وضوء رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وجعل منه المسح علي الأرجل.

سؤال: ألا يفهم معني الغسل من كلمة بالماء الواردة بعد كلمة (يمسح)؟

جواب: تقدّم أن المسح والغسل مفهومان متباينان، وقد جعل الحديث المسح بالماء علي الأرجل من الأجزاء الواجبة في الوضوء.

2- «حدثنا إبن عيينة عن عمرو بن يحيي عن أبيه عن عبد اللّه بن زيد أن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين، ومسح برأسهِ ورجليه مرّتين»32 .

ورواة هذا الحديث من الثقات أيضاً، وذلك لأن إبن عيينة من أئمة الحديث المعروفين لدي أهل السنة، وأن عمرو بن يحيي33، ويحيي34 من الثقات، وقد أخرج إبن حجر وهو من أئمة الرجال طرقاً كثيرة علي وثاقتهما.

وفي هذا الحديث يحكي الصحابي عبد اللّه بن زيد صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) وفيه المسح علي القدمين.

ومن الجدير ذكره أن إحدي الروايات المنقولة عن البخاري في غسل الأرجل مروية عن هذا الصحابي أبي عبد اللّه بن زيد، ونلاحظ في كتاب (المصنّف) لإبن شيبة رواية بسند صحيح ينقل فيها عن هذا الصحابي مسح القدمين عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .

3- «حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن عمران قال: دعا عثمان بماءٍ فتوضأ ثم ضحك، فقال: ألا تسألوني ممّا أضحك؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما أضحكك؟ قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) توضأ كما توضأت فمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه»35.

ورواة هذا الحديث من الذين تمّ توثيقهم في الكتب الرجالية المعتبرة لدي أهل السنة، فقد نقل الذهبي وهو من علماء أهل السنة الكبار توثيق ومدح الرجاليين الكبار لكلٍّ من (محمد بن بشر36، وسعيد بن أبي عروبة37، وقتادة38، ومسلم بن يسار39، وعمران)40.

والملفت للإنتباه أن إحدي الروايات التي تقدّم نقلها عن البخاري في غسل الأرجل رويت عن حمران هذا وهو الراوي الخامس في سند هذا الحديث، حيث نقل هناك غسل الأرجل عن عثمان أيضاً في بيان صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) .

4- «الطبري بإسناده: ثنا هشيم قال: ثنا يعلي بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس، قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) أتي سباطة قوم فتوضأ ومسح علي قدميه»41 .

في هذا الحديث يعدّ هشيم42، ويعلي بن عطاء43، وأبوه (عطاء العامري)44 من المقبولين أيضاً.

5- هناك روايات عديدة حول وضوء الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال فيها (عليه السلام): إن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)، كان يتوضأ مثل هذا الوضوء، نكتفي منها بذكر هذين الحديثين:

«حدثنا عبد اللّه حدثني أبو خثيمة وثنا إسحاق بن إسماعيل قالا: ثنا جرير عن منصور عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: صلينا مع عليّ (رضي اللّه عنه) الظهر فانطلق إلي مجلس له يجلسه في الرحبة، فقعد وقعدنا حوله، ثم حضر العصر فأتي بإناءٍ فأخذ منه كفاً فتمضمض واستنشق ومسح بوجهه وذراعيه ومسح برأسه ومسح برجليه، ثم قام فشرب فضل إنائه ثم قال: إني رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فعل كما فعلت»45 .

ورواة هذا الحديث من الثقات المعتبرين أيضاً، ونذكر هنا خلاصة لأقوال علماء رجال أهل السنة بحقّهم:

نقل المزي عن يحيي بن معين بشأن (إسحاق بن إسماعيل):

إسحاق بن إسماعيل: (لا بأس به، صدوق)46 .

وكذلك نقل عن محمد بن سعد بشأن (جرير): (كان ثقة كثير العلم يرحل إليه)47.

ونقل إبن حجر عن داود بشأن (منصور): «كان المنصور لا يروي إلا عن ثقة، قال العجلي: كوفي ثقة ثبت الحديث»48 .

وقال إبن حجر بشأن (عبد الملك بن ميسرة): «قال إبن معين وإبن خراش والنسائي: ثقة»49 .

وقال بشأن (نزال بن سبرة): (قال العجلي: كوفي تابعي ثقة)50 .

6- «حدثنا عبد اللّه حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن عليّ (رضي اللّه عنه) قال: كنت أري أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتي رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يمسح ظاهرهما»51 .

رواة هذا الحديث من الثقات أيضاً، ونذكر هنا خلاصة لتوثيق علماء الرجال لهم:

قال الذهبي عن (وكيع): الإمام الحافظ، محدّث العراق، قال محمد بن سعد: (كان وكيع ثقة مأموناً عالياً رفيعاً كثير الحديث)52.

وقال الذهبي بشأن (الأعمش):(ثقة حافظ)53.

وقال الذهبي بشأن (أبي إسحاق (السبيعي): (ثقة حجة بلا نزاع)54.

وقال إبن حجر بشأن (عبد خير): (قال العجلي: كوفي تابعي ثقة)55.

7- نقل الحاكم النيسابوري في كتاب (المستدرك علي الصحيحين)56 في الجزء الأوّل، الصفحة 241، روايات باسانيد متعددة، يروي فيها الصحابي (رفاعة إبن رافع) عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) وهو يعلم شخصاً جاهلاً كيفية الوضوء، موضحّاً له أن الوضوء بمسح الأرجل هو الوضوء المطلوب والصحيح.

ونكتفي من تلك الأحاديث بحديثٍ نقله الذهبي في التلخيص وقد حكم بصحته علي شرط البخاري ومسلم57:

«الحجاج بن منهال ثنا همام ثنا إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة ثنا عليّ بن يحيي بن خلاد عن أبيه عن عمّه رفاعة بن رافع، إنه كان جالساً عند رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلي فلما قضي صلاته جاء فَسلّم علي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعلي القوم، فقال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعليك، إرجح فصلَّ، فإنّك لم تصلَّ، قال فرجع فصلي، فجعلنا نرمق صلاته ولا ندري ما نعيب منها، فلما قضي صلاته جاء فسلم علي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعلي القوم، فقال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) ويلك، إرجع فصلّ، فإنك لم تصلّ، وذكر ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليّ من صلاتي، فقال: رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إنّها لا تتم صلاة أحدكم حتي يسبغ الوضوء كما أمره اللّه فيغسل وجهه ويديه إلي المرفقتين، ويمسح رأسه ورجليه إلي الكعبين ثم يكبّر ...».

8- «حدثنا عبد اللّه حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه قال لقومه: إجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، فلما إجتمعوا قال: هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إبن أخت لنا، قال: إبن أخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماءً فتوضأ ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه ثم صلي بهم...»58 .

تمّ توثيق رجال هذا الحديث من قبل علماء رجال أهل السنة أيضاً:

قال الذهبي بشأن (محمد بن جعفر (غندر): (محمد بن جعفر الحافظ المجود الثبت .. إتفق أرباب الصحاح علي الإحتجاج به)59.

وقد تقدمت وثاقة سعيد (إبن عروبة) وقتادة في الحديث الثالث.

وقال الذهبي بشأن (شهر بن حوشب): ( كان من كبار علماء التابعين)60.

ونقل عن أحمد بن حنبل ويحيي بن معين والعجلي توثيقه.

وقال الذهبي بشأن عبد الرحمن بن غنم: (الفقيه الإمام)61 .

ونقل وثاقته عن إبن سعد

9- «عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن أبا جبير قدم علي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) مع إبنته التي كان تزوجها رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فدعا رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) بوضوء فغسل يدها فأنقاهما ثم مضمض فاه فاستنشق بماء ثم غسل وجهه ويده إلي المرفقين ثلاثاً، ثم مسح رأسه ورجليه»62.

10- «أخرج الطبراني في الأوسط عن إبن عباس أنه قال: ذكر المسح علي القدمين عند عمر، سعدٌ وعبد اللّه بن عمر، فقال عمر: سعدٌ أفقه منك، فقال عبداللّه بن عبّاس: يا سعد إنّا لا ننكر أن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) مسح، ولكن هل مسح منذ أنزلت سورة المائدة، فإنها أحكمت كل شيءٍ، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن، إلا براءة63، قال: فلم يتكلم أحد»64.

يستفاد من هذا الحديث عدّة أُمور:

الأوّل: أن سعداً كان يؤيّد المسح علي الأرجل، وكان ينسبه إلي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) .

الثاني: يعترف عمر بأن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان يمسح الرجل قبل نزول سورة المائدة، ويري أن سورة المائدة إما ناسخة لحكم المسح أو أنه يحتمل ذلك.

ثبت من خلال البحث حول الآية الشريفة أنها لاتدل علي غير المسح علي الأرجل، وإذا كانت الآية دالة علي غسل الأرجل وأنها ناسخة لحكم المسح، فكان ينبغي بيان غسل الأرجل بشكل صريح، إذ لا يسمح الإجمال والإبهام في الناسخ أبداً، وقد ثبت أن في الآية ظهوراً في مسح الأرجل دون غسلها.

ومن الجدير ذكره أن هذا الحديث المنقول عن الطبراني نقلت الجملة الأُولي فيه طبقاً لنقل السيوطي علي النحو الآتي: (ذكر المسح علي القدمين عند عمر) في حين أنها في المعجم الأوسط نفسه علي هذا النحو: (المسح علي الخفين)، ونقل السيوطي هو الصحيح إذ أنّ المناسب لنزول سورة المائدة هو المسح علي الأرجل، ولا علاقة بالآية الواردة في سورة المائدة بالمسح علي الخفين.

11- حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني قال: حدثنا سوار بن مصعب عن مطرّف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب إن رسول اللّه لم يزل يمسح قبل نزول المائدة وبعده حتي قبضه اللّه 65.

12- حدثنا عبد اللّه الحسين المصيصي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا الهيثم بن حماز وحدثنا العباس بن فضل الأسفاطي ثنا المنجاب بن الحارث ثنا عثمان بن مطر ثنا الهيثم بن جماز عن يحيي بن أبي كثير عن أبي كاهل أنه قال مررت برسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وهو يتوضأ فقلت: يا رسول اللّه قد أعطانا اللّه منك خيراً كثيراً فغسل كفيه ثم تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه ولم يوقت وظهر قدميه ولم يوقت66...

13- أحمد بن القاضي في كتابه مسند عثمان بسند صحيح أنه توضأ ثم مسح رأسه ثم ظهر قدميه ثم رفعه الي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)67 .

14- حدثنا إبن أبي داود قال حدثنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا إبن أبي عن إبن أبي ذؤيب عن نافع عن إبن عمر أنه كان إذا توضأ وفي قدميه يمسح ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يصنع هكذا68.

ولا شكّ في أن التعبير بـ (يمسح ظهور قدميه) يدل علي مسح الأرجل وليس الأخف.

ومع وجود هذهِ الروايات الدالة علي مسح الأرجل هل يبقي من إعتبار للروايات الدالة علي غسل الأرجل؟ وهل يمكن عدّ تلك الروايات سنةً لرسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)؟ الحقيقة، مع وجود هذا الكمّ الهائل من الروايات الصحيحة والمعتبرة في مسح الأرجل لا يبقي للإستدلال بروايات غسل الأرجل أيّ محل من الإعراب، إذ أن تلك الروايات حتي لو كانت متواترة فإنها مع وجود هذه الروايات لا تؤدّي إلي القطع واليقين، فما ظنّك وتواترها غير معلوم، وأن الصحابة قد نقلت عنهم المصادر الفقهية القول بالمسح أيضاًَ، كما تقدمت الإشارة إلي بعض مواردها.

هذا مضافاً إلي إن روايات الغسل مخالفة لظاهر القرآن الكريم، وإن روايات المسح موافقة لظاهر القرآن، كما حقّق فيما تقدّم.

والمسألة الأُخري التي يجب الإلتفات لها هي أن الروايات المنقولة في المصادر الحديثية لدي الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في حكم الأرجل في الوضوء كثيرة ويستفاد منها أن الحكم هو المسح، وقد تقدّم ذكر بعضها، وأن روايات غسل الأرجل تخالفها، وإذا دار الأمر بين أخذ سنة الرسول الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) من أهل بيته أو من الصحابة والتابعين، فالمختار وفقاً للأحاديث القطعية التي رواها أهل السنة أنفسهم هو أخذها من أهل بيته (عليهم السلام) .

حدیث الثقلین

ومن تلك الأحاديث القطعية حديث الثقلين المعتبر عند الشيعة وأهل السنة، وقد قال فيه رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً وأنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».

حيث إشترط هذا الحديث للأمن من الضلال التمسك بكلا الثقلين، وعليه فإنّ عدم التمسك بأهل البيت سيؤدّي إلي الضلال المحقّق، وقد عرِّف أهل بيت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) علي أنهم ملازمون للقرآن الكريم لا ينفكّون عنه ولا يفارقونه، وأن التخلف عنهم هو تخلف عن القرآن الكريم.

وقد روي السيّد هاشم البحراني (قدس سره) هذا الحديث في كتابه (غاية المرام) في الصفحة 2111 بتسعة وثلاثين طريقاً من طرق أهل السنة، ومن الصفحة 217 بإثنين وثمانين طريقاً من طرق الشيعة عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .

كما رواه المير حامد حسين (قدس سره) في (عبقات الأنوار) عن أكثر من مئة وخمسين رجلاً من كبار علماء أهل السنة من القرن الثاني إلي القرن الثالث عشر للهجرة، وقد روي هذا الحديث أكثر من ثلاثين صحابياً وصحابية.

وقال إبن حجر الهيثمي وهو من كبار علماء أهل السنة بشأن هذا الحديث الكلام الآتي:

(إعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيفٍ وعشرين صحابياً، وفي بعض تلك الطرق أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قال ذلك بحجة الوداع بعرفة وفي أخري أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد إمتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أُخري أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قال ذلك بغدير خم، وفي اُخري أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قاله لما قام خطيباً بعد إنصرافه من الطائف ... ولا يتنافي، إذ لا مانع من أنه (صلّي اللّه عليه و آله) كرَّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها إهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة)70 .

وبالإلتفات إلي هذا الحديث القطعي، إذا نقلت عن بعض الصحابة مسألة وكانت مخالفة للروايات المنقولة عن أهل بيت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كانت روايات أهل البيت (عليهم السلام) مقدّمة علي روايات الصحابة.

مناقشة إبن حزم

قال إبن حزم الأندلسي بعد أن رأي دلالة آية الوضوء علي حكم مسح الأرجل: (ومما نسخت فيه السنة القرآن، قوله عزوجل: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ) فإن القراءة بخفض أرجلكم وفتحها كلاهما لا يجوز إلا أن يكون معطوفاً علي الرؤوس في المسح ولا بد .. فلما جاءت السنة بغسل الرجلين صحّ أن المسح منسوخ عنهما)71.

أوّلاً: كما تقدم توضيحه إن الروايات الدالة علي وجوب غسل الأرجل معارضة للروايات الدالة علي وجوب مسحهما، ومع التعارض لايمكن عدّ غسل الأرجل سنة للنبي الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .

ثانياً: إنما يمكن للسنة أن تنسخ القرآن الكريم إذا وردت بعد القرآن، ضرورة تأخر الناسخ عن المنسوخ، فلا يعقل نسخ الشي إذا لم يكن موجوداً، ولا يمكن إحراز تأخر روايات غسل الأرجل في الوضوء.

ثالثاً: بالإلتفات إلي ما ورد بشأن سورة المائدة، فكما قال القرطبي ليس هناك ناسخ لسورة المائدة حيث قال:

(وروي عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) إنه قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس، إن سورة المائدة من آخر ما نزل فاحلّوا حلالها وحرموا حرامها)72.

وقال الزركشي في كتاب البرهان في علم القرآن73 عند بيان ترتيب السور المدنية وجعل المائدة آخر السور:

(وقرأ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) المائدة في خطبة حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن آخر القرآن نزولاً سورة المائدة فاحلوا حلالها وحرموا حرامها).

وعليه لا يمكن لروايات غسل الأرجل في الوضوء أن تكون ناسخة لآية الوضوء (الدالة علي مسح الأرجل).

رابعاً: بالإلتفات إلي أن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) لم يعمّر طويلاً بعد سورة المائدة، فإن المتبادر إلي الذهن هو عكس ما ذهب إليه إبن حزم، أي علي فرض صدور الروايات بغسل الأرجل في الوضوء، فإن الآية الكريمة هي التي نسخت حكمها.

وبذلك تمّ بفضل اللّه تعالي إثبات ما عليه الشيعة الإمامية من وجوب مسح الأرجل في الوضوء،وثبت أن النظريات التي تخالف ما عليه الشيعة الإمامية، مخالفة للكتاب والسنة.

فهرس المصادر

1 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير المتوفي (630 ه )، دار الشعب.

2 ـ الإحكام في أُصول الأحكام، عليّ بن حزم الأندلسي الظاهري المتوفي (456 ه )، دار الجيل، بيروت، سنة الطبع (1407 ه ).

3 ـ إعراب القرآن، النحّاس المتوفي (338 ه )، مكتبة النهضة العربية، ط الثالثة (1409 ه ).

4 ـ الإصابة في معرفة أحوال الصحابة، ابن حجر العسقلاني المتوفي (852 ه )، دار الفكر، بيروت .

5 ـ الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبدالرحمن السيوطي المتوفي ( 911 ه )، طبع أمير، قم، سنة الطبع (1411 ه ).

6 ـ البرهان في علوم القرآن، محمّد بن بهادر بن عبداللّه الزركشي المتوفي (794 ه )، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة ، بيروت، ط الثانية (1391 ه ).

7 ـ تهذيب التهذيب ، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني المتوفّي (852 ه )، دار الفكر، بيروت، سنة الطبع (1404 ه ).

8 ـ تقريب التهذيب أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني المتوفي (852 ه )، تحقيق مصطفي عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية (1415 ه ) .

9 ـ التفسير الكبير، الفخر الرازي المتوفي (606 ه )، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

10 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف المزي المتوفي (742 ه )، دار الفكر، سنة الطبع (1404 ه )؛ ومؤسسة الرسالة، بيروت، ط الرابعة (1406 ه ).

11 ـ جامع أحكام القرآن ، أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الخزرجي الأندلسي المتوفي (671 ه )، دار الفكر، بيروت.

12 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفي (911 ه )، دار المعرفة، بيروت.

13 ـ سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني المتوفي (385ه )، عالم الكتب، بيروت، سنة الطبع (1406 ه ).

14 ـ سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي المتوفي (748ه )، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة الطبع (1410 ه ).

15 ـ شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المتوفي (321 ه )، دار الكتب العلمية، بيروت.

16 ـ صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري المتوفي (256 ه )، دار المعرفة، بيروت.

17 ـ صحيح مسلم، مسلم النيسابوري المتوفي (261 ه )، مؤسسة عز الدين، سنة الطبع (1407 ه ).

18 ـ الصحاح، الجوهري المتوفي (393 ه )، تحقيق أحمد عبدالغفور، دار العلم للملايي، بيروت، ط الرابعة (1407 ه ).

19 ـ الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي المكّي المتوفي (974 ه )، مكتبة القاهرة، سنة الطبع (1385 ه . ق).

20 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني المتوفي (855ه )، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

21 ـ الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني المتوفي (329 ه )، تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط الثالثة (1367 ش).

22 ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، أبو القاسم جار اللّه محمود الزمخشري المتوفي (538 ه )، دار المعروف، بيروت.

23 ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي المتوفي (975 ه )، تحقيق وتصحيح الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة الطبع (1409 ه ).

24 ـ المصنّف، عبداللّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي المتوفي (235 ه )، دار الفكر، بيروت، سنة الطبع (1404 ه )؛ وطبعة دار الفكر، تحقيق سعيد اللّحام، ط الاُولي (1409ه ).

25 ـ مسند أحمد، أحمد بن حنبل المتوفي (241 ه )، دار صادر بيروت.

26 ـ المعجم الأوسط، الحافظ القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفي (360 ه )، دار الحرمين، سنة الطبع (1415 ه )؛ وطبع مكتبة المعارف الرياض.

27 ـ المحلّي، ابن حزم المتوفي (456 ه )، دار الفكر، بيروت.

28 ـ المغني، عبداللّه بن قدّامة المتوفي (620 ه )، عالم الكتب، بيروت.

29 ـ مغني اللبيب، ابن هشام الأنصاري المتوفي (761 ه )، دار الكتب العلمية، بيروت.

_____________________
الهامش

1كنز العمال: ج9 ص443، رقم الحديث 26890 .

2سورة المائدة : الآية 6 .

3وطبعاً هناك بحث في المرفق نفسه وهل يجب غسله أم لا، ولكنه خارج عن هذا البحث.

4سورة النساء: الآية 2 .

6 القعب قدح من خشب مقعّر . الصحاح، الجوهري: ج1 ص204، مادة قعب .

7 الكافي: ج3 ص25 ، باب صفة الوضوء، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط الثالثة 1367 ش .

8 المغني: ج1 ص132، عالم الكتب، بيروت.

9 التفسير الكبير: ج6 ص161، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

10المحلّي: ج2 ص56، دار الفكر.

11 مغني اللبيب: ج2 ص165، دار الكتب العلمية، بيروت.

12الإحكام في أصول الأحكام: ج1 ص510، دار الجيل بيروت، سنة الطبع 1407ه .

13 التفسير الكبير: ج6 ص161.

14كابن حزم والفخر الرازي، وقد تقدمت الإشارة إلي أقوالهما.

15 إعراب القرآن: ج2 ص9، مكتبة النهضة العربية، الطبعه الثالثة 1409ه.

16 مغني اللبيب: ج2 ص490، دار الكتب العلمية، بيروت.

17 مراده التمثيل بـ جحر ضبٍّ خربٍ.

18 يعني عطف النسق، كالعطف بالواو ونحو ذلك.

19 التفسير الكبير، ج81 ص162.

19جامع أحكام القرآن: ج6 ص92 ، دار الفكر.

20 سورة التوبة: الآية 60 .

21 ومن هنا إشتهرت العبارة القائلة: «الفقير والمسكين إذا اجتمعا إفترقا وإذا افترقا إجتمعا» المترجم.

22 الإتقان: ج2 ص 313، طبع أمير، قم المقدسة 1411 ه .

23 الكشاف: ج1 ص326، دار المعرفة، بيروت.

24 الكافي: ج3 ص26 ، باب صفة الوضوء .

28 صحيح البخاري: ج1، ص42، كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين ولا يمسح القدمين .

27 سنن الدار قطني : ج1 ص107، عالم الكتب، بيروت سنة الطبع1406ه.

26 المصدر نفسه: ج1 ص49، باب الغسل والوضوء في المخضب.

25صحيح البخاري: ج1 ص93، كتاب الوضوء، باب المضمضة، دار المعرفة، بيروت.

29مسند أحمد: ج6 ص40، دار صادر، بيروت.

30 الإصابة، ج1 ص185، دار الفكر.

31 كنز العمال، ج9 ص429 ص26822.

32 المصنّف، ابن أبي شيبة: ج1 ص18، دار الفكر، ط الاُولي 1409 ه .

33 تهذيب التهذيب: ج8 ص105، دار الفكر 1404 ه .

34 المصدر السابق: ج11 ص227.

35 المصنف : ج1 ص227، دار الفكر 1404 ه .

36 سير أعلام النبلاء: ج9 ص265، مؤسسة الرسالة 1410 ه .

37 المصدر السابق: ج6 ص413.

38 المصدر السابق: ج5، ص269.

39 سير أعلام النبلاء: ج4 ص510.

40 المصدر السابق: ص182.

41 جامع البيان ج5 ص82، دار المعرفة، بيروت 1409 ه ، المعجم الكبير ج1 ص221.

42 تهذيب التهذيب ج11 ص54، قال إبن سعد: ثقة، كثير الحديث.

43 المصدر السابق ج2 ص378، دار المعرفة، بيروت، ثقة.

44 تهذيب التهذيب: ج2 ص23، مقبول.

45 مسند أحمد: ج1 ص158، دار صادر، بيروت.

46 تهذيب الكمال: ج2 ص 904، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الرابعة 1406 ه .

47 المصدر السابق: ج4 ص540.

48 تهذيب الكمال: ج10 ص278، طبع دار الفكر 1404 ه .

49 المصدر السابق: ج6 ص377.

50 تهذيب التهذيب: ج6 ص377.

51 مسند أحمد: ج1 ص95، طبع دار صادر، بيروت.

52 سير أعلام النبلاء: ج9 ص140 .

53 تقريب التهذيب: ج1 ص392، دار الكتب العلمية.

54 سير أعلام النبلاء: ج5 ص392.

55 تهذيب التهذيب: ج1 ص113.

56 إستدرك النيسابوري في هذا الكتاب الأحاديث التي لم يذكرها الشيخان في صحيحهما.

57 أي أن الشروط التي إعتبر الشيخان توفرها في صحة الحديث موجودة فيه.

58 مسند أحمد: ج5 ص342، طبع دار صادر، بيروت.

59 سير أعلام النبلاء: ج9 ص98.

60 سير أعلام النبلاء: ج4 ص372.

61 سير أعلام النبلاء: ج4 ص45، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط التاسعة 1413 ه .

62 أسد الغابة: ج6 ص46، طبع دار الشعب.

63 المعجم الأوسط:ج 3 ص205 ، دار الحرمين .

64 الدر المنثور : ج2 ص263، دار المعرفة، بيروت .

65 المعجم الأوسط: ج6 ص251 ح5533، مكتبة المعارف، الرياض.

66 المعجم الكبير: ج18 ص360.

67 عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج3 ص240، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

68 شرح معاني الآثار: ج1 ص35، دار الكتب العلمية، بيروت.

69 طبع دار القاموس.

70 الصواعق المحرقة: ص150، طبع مكتبة القاهرة، 1385 هجري.

71 الإحكام في أُصول الأحكام: ج1 ص 510، دار الجيل، بيروت سنة الطبع (1407ه ).

72 الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص31.

73 البرهان في علوم القرآن: ج1 ص194، دار المعرفة، الطبعة الثانية 1391 ه .

5 صحيح مسلم ج1، ص261، كتاب الطهارة، باب صحه الوضوء وكماله، طبع مؤسسة عزّ الدين، عام 1407 ه .

 


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الصيام في روايات اهل البيت عليهم السلام
الامام علی ابن الحسین ( علیه السلام
هل كان للسيدة خديجة زوج قبل زواجها مع رسول الله ...
اعمال ليلة ويوم عيد الاضحى المبارك
المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي (عج) / ...
الشفاعة لا الوساطة
التشيّع في مصر
النارفي کلام أمير المؤمنين
كربلاء نهاية الظالمين
أرض عرفات

 
user comment