شهد هذا الاسبوع والاسبوع الماضي جدلا واسعا وردود افعال حادة في الاوساط السياسية والثقافية، وفي الشارع العراقي على خلفية قيام قناة بغداد الفضائية التابعة للحزب الاسلامي العراقي ببث مسلسل "الحسن والحسين ومعاوية" خلال شهر رمضان المبارك.
وقبل الضجة في العراق كان المسلسل قد اثار ضجة في عدة دول عربية واسلامية، بسبب سماحها بعرضه في بعض القنوات التلفزيونية التابعة لها، وهو ما دفع الازهر الشريف في مصر الى المطالبة بأيقاف عرضه .
وكان مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر قد طالب في وقت سابق الجهات المسؤولة بمنع عرض الأعمال الدينية التي يتم فيها تجسيد وعرض آل البيت عليهم السلام أو الصحابة في اشارة الى مسلسل «الحسن والحسين الذي راحت عدة قنوات فضائية عربية تبثه يوميا في شهر رمضان
وحصل المسلسل على إجازة فتوى ببثه من قبل رجال دين يثور بأستمرار الكثير من الجدل بشأن ارائهم وتوجهاتهم مثل يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العام للعلماء المسلمين في العالم، وسلمان العودة.
ولعل اقدام قناة بغداد الفضائية على بث المسلسل نقل النقاش بشأنه من الاروقة والمحافل الفنية والثقافية والدينية الخاصة الى المنابر والاوساط العامة ليحدث لغطا وجدلا واسعين، الامر الذي دفع الامين العام للحزب الاسلامي اياد السامرائي الى دعوة القناة التابعة لحزبه لايقاف بث المسلسل، حيث قال في بيان له قبل عدة ايام "ان قناة بغداد مطالبة بأعادة النظر في قراراها بعرض هذا المسلسل الذي اثار ردود فعل سلبية من قبل فئات من الشعب العراقي، مشددا على ضرورة ان تبتعد جميع القنوات الفضائية عن أي خطاب اعلامي له نفس طائفي ويثير الانقسامات داخل الشعب الواحد، وان تتبنى خطابا اعلاميا يكون عامل توحيد وليس تقسيم".
ولان المرجعيات الدينية في النجف الاشرف قد اوضحت موقفها الرافض حيال هذا المسلسل فأنه من الطبيعي ان يقابل عرضه في اية قناة تلفزيونية عراقية بالرفض والامتعاض من قبل فئات وشرائح واسعة من العراقيين الذين ينتمي غالبيتهم الى مذهب اهل البيت عليهم السلام، ويعتبرون الائمة الاطهار من ذرية النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم من الرموز الدينية المقدسة التي لايجاوز المساس بها او التطاول عليها بأية صيغة، فنية كانت ام سياسية ام ثقافية.
وفي هذا الشأن يشير معتمد المرجعية الدينية وامام الجمعة في مدينة كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي الى "ان مسلسل الحسن والحسين ومعاوية يتعرض الى احداث تأريخية حساسة وحرجة جدا من تأريخ المسلمين، وهي موضع اختلاف كبير وجدل شديد بين الطوائف الاسلامية، وان عرضه سيؤدي الى مزيد من الاختلاف بين المسلمين"، نافيا بشدة الانباء التي روجت لها بعض الجهات من ان المرجعية الدينية وافقت على عرضه.
وتتحدث مصادر مطلعة عن ان اطرافا سياسية ذات توجهات متشددة ولها ارتباطات خارجية دفعت وشجعت على بثه في قناة بغداد، وتعهدت مسبقا بأن تتكفل عملية التصدي لاية محاولات لمقاضاة القناة امام القانون.
واكثر من ذلك نقلت المصادر معلومات مفادها ان الامين العام للحزب الاسلامي تعرض لحملة انتقادات واسعة من قيادات وكوادر حزبه وشخصيات دينية وسياسية سنية متشددة من بينها امين عام مايسمى بهيئة علماء المسلمين في العراق حارث الضاري المطلوب للقضاء العراقي منذ عدة اعوام بتهمة التحريض ودعم الجماعات الارهابية المسلحة، لانه-السامرائي-حث على ايقاف بث المسلسل من على شاشة قناة حزبه.
ولعل اتساع نطاق ردود الافعال الغاضبة وانتقالها من الاروقة والكواليس الخاصة الى الشارع ووسائل الاعلام، جعل الامور تأخذ مسارات واتجاهات بدت خطيرة، وبصرف النظر عما اذا كانت قناة بغداد قد اوقفت بث المسلسل ام لم توقفه، فأن الشركة المنفذة والمنتجة، والجهات السياسية والدينية التي شجعت على الترويج للمسلسل والقنوات التي بادرت الى بثه، وجدت نفسها في موقف حرج، وخسرت اما ماديا او معنويا او كليهما.
ويقول رجل دين واستاذ في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، ان اصحاب فكرة المشروع-المسلسل والممولين له لم يلتفتوا جيدا لما يمكن ان يولده من ردود افعال حادة في داخل مكون لايستهان به في داخل الكيان الاسلامي ، الا وهو المكون الشيعي، وعلى فرض ان مثل هذا المسلسل يمكن ان يجد له ارضيات مناسبة وقبول جيد في دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر ودول اسلامية اخرى غالبية سكانها يعتنقون المذهب السني، الا انه لاوجود بالمرة لارضيات من هذا القبيل في العراق، وخصوصا ان الاحتقانات والتشنجات السياسية الحادة التي شهدها الشارع العراقي قبل اعوام قلائل، بقيت تلقي بظلالها على المشهد العراقي العام حتى الان وان بمقدار غير كبير".
ويضيف رجل الدين واستاذ الحوزة قائلا"كيف يمكن تقبل بث مسلسل فيه الكثير من التلفيقات والتجاوزات في العراق، في الوقت الذي رفض الازهر الشريف بثه بمصر، وفي الوقت الذي شنت بعض الاوساط الدينية والاجتماعية في السعودية حملات ارغمت السلطات السياسية الحاكمة على ابداء تحفظات واعتراضات على بثه في القنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية المحسوبة على المملكة.
وتدور أحداث المسلسل في فترة ما بعد وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان مرورا بتولي الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام الخلافة ثم استشهاده وتولي الامام الحسن عليهم السلام الامامة، واستشهاده، وتولي معاوية ومن ثم ولده يزيد، وحتى استشهاد الامام الحسين عليه السلام في كربلاء.كما يتناول المسلسل أحداث معركتي الجمل وصفين.
ولاشك ان هذه الفترة الزمنية الطويلة نوعا ما تعد من اكثر مراحل التأريخ الاسلامي حساسة وخطورة واثارة للجدل بين بعض المذاهب الاسلامية، وقد تعرضت للتشويه والتزييف من قبل جملة من المؤرخين، وسيناريو المسلسل استند في جانب كبير منه على ذلك التشويه والتزييف، ناهيك عن تعمد الاساءة لائمة اهل البيت عليهم السلام، في مقابل اظهار اعدائهم بمظهر حسن خلاف ما تعارف عليه لدى معظم المسلمين، سواء ما يتعلق بالخلاف بين الامام علي ومعاوية بن ابي سفيان او بالصراع بين الامام الحسين ويزيد بن معاوية الذي تكلل بواقعة الطف ومن ثم بأستشهاد الامام الحسين وعدد من اهل بيته واصحابه، وسبي عيالاته فيما بعد.
قد تبدو محاولات بعض الاطراف السياسية والدينية ذات النزعات الطائفية والمذهبية المتشددة تسييس التأريخ وتوجيهه بأتجاهات معينة تفرضها اجندات خاصة، قد تبدو عقيمة وغير مجدية، لاسيما في العراق الذي يعج بمراقد الائمة الاطهار من اهل البيت وذرياتهم واوليائهم، ويزخر بالثقافة الاسلامية العلوية والحسينية في كل جنباته وزواياه.
source : www.abna.ir