عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

الإمام الهادي (ع) بين المرونة والصلابة في العمل الإسلامي(القسم الثاني)/ تکملة القسم الأول

من مؤلفات الاستاذ راشد الراشد، باحث اسلامي وقيادي في تيار العمل الإسلامي البحريني.

الإمام الهادي (ع) بين المرونة والصلابة في العمل الإسلامي(القسم الثاني)/ تکملة القسم الأول

وتحكي لنا كتب التاريخ عن قصص ومشاهد عديدة تبين لنا بوضوح عن مدی الهوة التي كانت تفصل بين ما جاء في الرسالة المتقدمة التي بعث بها المتوكل إلی الإمام الهادي وبين المواقف الجوهرية التي يتبناها اتجاه الإمام (ع) وإزاء التحرك الرسالي.

فلقد كان المتوكل وهو أحد كبار الخلفاء العباسيين أشد من غيره بطشاً وإرهاباً، إذ لم تعانِ الحركة الرسالية قبله يوماً من الممارسات القمعية ما نالته في عهده، إذ لم يكتف بالأساليب القمعية المألوفة في العهود السابقة من الإرهاب ضد رجالات الحركة الرسالية، وإنما تجاوز ذلك عبر إهانة المقدسات الإسلامية، فقد أمر بهدم قبر الإمام الحسين (ع)(4) وما حوله من الدور، وأصر علی أن يحرث القبر ويبذر ويسقي موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، بل وأصدر أوامره لشرطته أن يقدموا بقتل كل من ثبت أنه أراد زيارة الإمام الحسين (ع)، فحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه.

هذه قصة واحدة من أحداث عديدة توضح لنا طبيعة الصراع القائم حينها في عهد الإمام الهادي (ع). وقد أدركت الأمة الإسلامية تماماً بوعيها الرسالي الثاقب حقيقة الإمامة ودورها اتجاه الإمام (ع).

جاء ذات مرة أحد الوشائين إلی المتوكل وقال له: «أنت جالس في قصرك هنا والأموال تحمل إلی علي الهادي، قال: عجيب، من الذي يحمل الأموال إليه؟

قال الآن ستأتي قافله من "قم" _وهي مدينة في ايران_ ومعها أموال إلی علي الهادي فطلب المتوكل فتح بن خاقان أكبر وزرائه وهو قائد الجيش أيضاً، وقال له: يقال أن قافله تأتي من طرف كذا تدخل سامراء غداً صباحاً، فأيدرك أن تأخذ جيشاً وتأخذ علی القافلة وتری إذا كانت في القافلة أموال محمولة إلی علي تقبضها وتأتي بها إليّ.

فخرج الفتح بن خاقان إلی المهمة لكنه لم ينجح، وعن محمد بن داود القمي و محمد الطلحي قال: _ حملنا مالاً من خمس ونذر وهدايا وجواهر إجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن الهادي (ع) فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول فرجعت إلی قم وأحرزنا ما كان عندنا، فجاءنا أمره بعد أيام أن قد أنفذنا إليكم إبلاً عيراً فاحملوا عليها ما عندكم و خلو سبيلها، قال: _ فحملناها وأودعناها الله فلما كان من قابل، قدمنا عليه، فقال: _ أنظروا إلی ما حملتم إلينا فنظرنا فإذا المنايح كما هي!!

هذه الرواية تدل بوضوح أن الناس كانوا يرتبطون بالإمام (ع) في جميع شئونهم وليس باخليفة، وهناك رواية أخری تدل علی شخصية الإمام القيادية «عن محمد بن الحسم الأشتر العلوي قال كنت مع أبي علی باب المتوكل وأنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي إلی عباسي كلهم حتی دخل، فقال بعضهم لبعض لمن نترجل؟ لهذا الندام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً والله لا ترجلنا له فقال أبو هاشم الجعفري والله لتترجلن له صغره وإذا رأيتموه فيما هو إلّا أن أقبل وبصروا به حتی ترجل الناس كلهم، فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتی ترجلنا».

السؤال الهام الذي يطرح نفسه الآن: كيف كان منهج الإمام في التعاطي مع مثل هذه الظروف والأوضاع المتقلبة؟

لاشك إن جوهر وطبيعة الموقف السياسي إنما تحدده عوامل متداخله ومتشابكة، ومن الخطأ تعيين إتجاه محدد لمعالجة الظروف المتقلبة وربما نستطيع القول إن الموقف النهائي يجب أن يتسم بحالة نسبية في كل الأحوال بالذات في عالم الصراعات الحضارية.

إننا ومن خلال تتبعنا لمسيرة الحركة الرسالية ضمن تاريخها الجهادي والنضالي الطويل نجد الحقيقة التالية مائلة بوضوح في منهج التحرك لدی الائمة الأطهار (ع) هي المرونة في التعاطي مع الأحداث والمستجدات التي تفرضها طبيعة الأوضاع.

إن تعدد أساليب التحرك عند الائمة (ع) يعطينا دلالة فاطمة علی حيوية الفكر الرسالي الذي جاءت به الحركة الرسالية لتغذية أجيال الأمة يحييها ويرفع شأنها بين الأمم.

ولعلنا نفهم إنه من غير الصحيح أن نعين أسلوباً محدداً لخوض الصراع إذا كنا ننشد العمل الحضاري، ذلك لأن كل مرحلة زمينة معينة لها أحداثها وظروفها التي هي بحاجة إلی المواقف التي تتلائم وإياها حجماً وكيفاً، أمّا الأسلوب الواحد لا يمكنه أن يصمد كثيراً أمام الأوضاع التي لاتتسم بالثبات غالباً كما هو شأن الصراعات السياسية والفكرية بل كل الصراعات الحضارية.

الإمام الهادي (ع) كسائر الائمة الأطهار (ع) تميزت استراتيجيته في التحرك بأقصی حالات الدقة في المرونة والصلابة في التحرك.

ونحن كمسلمين نحمل طموحاً عالياً لإعادة بناء صرح حضارتنا التي هدتها معاول الإلحاد والإستكبار وسنوات التخلف المريرة التي عشناها لابد من أن نستلهم درساً بليغاً من حياة قادتنا (ع) وأبرز هذه الدروس كيف ومتی وأين نطبق المرونة في العمل الإسلامي وكيف ومتی وأين _أيضاً_ تطبق الصلابة في العمل الإسلامي؟!

فبين المرونة والصلابة في العمل الإسلامي خيط رفيع، بحاجة إلی فهم أعمق لمناهج التحرك عند الائمة (ع)، وفيها يعيننا علی ترشيد مسيرتنا الإسلامية بما هو صحيح وسليم، إستوحيناه من أبرز مصادرنا الفكرية والتشريعة متمثلاً في حياة وسيرة الائمة الأطهار (ع(.

وهذا هو الإمام الهادي (ع) مثل وقدوة في ميادين الجهاد والنضال، إذ لم يتوانی لحظة عن أداء مهمة مواصلة الإمتدادات الحضارية التي قام صرح الإسلام العزيز عليها. وقد قدمنا ما هو مورد الحاجة بإيجاز مختصر بعضاً مما يكشف لنا جوانب مهمة في حياة هذا الإمام العظيم (ع). والآن نتساءل: ما هو الاسلوب الأمثل لمواجهة خطط الدولة العباسية، هل العنف وحده أم إعلان حالة الرفض الشعبية العارمة أم أساليب أخری بينهما؟

هنا دعنا نقرأ بعض التفاصيل المهمة في مواقف الإمام الهادي (ع) التي تحدد إتجاهاته في التحرك، لتغنينا عن البحث بما هو شائك وصعب جداً عن سيرتهم المباركة.

أولاً: الحركة الرسالية حركة حضارية ولذلك فهي متعددة الأبعاد والجوانب وشاملة هذا سواء في الفكر أو الممارسة.

ثانياً: الحركة الرسالية تنظيم حضاري علی عاتقه مهمة سماوية مقدسة في تقديم نموذج أمثل لرسالة الإسلام العظيمة.

تأسيساً علی ذلك لابد من أن نفهم تحرك كل الائمة مهما بلغ في إتجاه محدد علی أنه أخذ بعين الإعتبار سائر الأبعاد، إنما إذا برز بعد علی آخر إنما هو كاستجابة ملحة للظروف والأوضاع المعاصرة ولا يعني إطلاقاً إلغاء أو إهمال الأبعاد الأخری في التحرك.

روی ابن مولويه عن الكليني، عن علي بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال(5): مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه علی الموت ولم يحرأ أحد أن يمسه بحديده فنذرت أُمه إن عوفي منه أن تحمل إلی أبي الحسن علي بن محمد (ع) مالاً جليلاً من مالها وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلی أبي الحسن فربما كان عنده شيء يفرج الله به عنك، فقال إبعثوا إليه، فمضی إليه الرسول ورجع فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء الورد وضعوه علی الخراج فإنه نافع بإذن الله، فجعل من كان في مجلس المتوكل يهزأ من ذلك، فقال لهم الفتح: وما يمنعكم من تجربة ما قال، فوالله إني لأرجو الصلاح به فأحضر الكسب وديف بماء الورد ووضع علی الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه، فارسلت إليه أم المتوكل عشرة آلاف دينار تحت ختمها، فلما كان بعد أيام سعی البطحاني بأبي الحسن (ع) إلی المتوكل وقال ان عنده اموالاً وسلاحاً، فأمر المتوكل سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما عنده من الأموال والسلاح، ومضی إبراهيم بن محمد يقول: قال لي سعيد الحاجب: فذهبت إلی دار أبي الحسن (ع) بالليل ومعي سلم فصعدت علی السطح ونزلت من الدرجه إلی بعضها في الظلمة ولم أدر كيف أصل الدار، فناداني أبو الحسن (ع): يا سعيد مكانك حتی يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوتي بشمعة فنزلت ووجدت عليه جبة صوف وقلنسوة من صوف وسجادته علی حصيرة بين يديه وهو مقبل علی القبلة، فقال لي دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها وقال لي أبو الحسن (ع): دونك المصلي، فرفعت ووجدت سيفاً في جفنه، فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلی خاتم أمه علی البدرة بعث اليها يسألها عن البدرة فقالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل له من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمي علی الكيس، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم إلی البدرة بدرة أخری وقال لي: إحمل ذلك إلی أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه فحملت ذلك إليه واستحييت منه وقلت له: يا سيدي عزّ علي دخولي دارك بغير إذنك ولكني مأمور، فقال: (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون(.

ومن جهة ثانية كان الإمام الهادي (ع) يحرك الثورات الملتهبة ضد بني العباس. حيث إن الأوضاع كانت بحاجة إلی أحداث جماهيرية تتغذی بها الأمة بالروح الصدامية اللازمة لمواجهة آلية القمع والإضطهاد المفروضة عليهم من قبل السلطة العباسية، ولتعبِّر فيها الأمة عن رأيها حول مجمل الأوضاع.

وأول الثورات العلوية في عهد الإمام الهادي (ع) هي ثورة محمد بن صالح بن موسی بن عبدالله بن الحسن بن الحسن علي بن ابي طالب (ع) وهو من فتيان آل أبي طالب وشجعانهم، وكان قد ثار في "سوبقة" إذ خرجت جموع الناس معه، وخشية من نجاح الثورة وشی موسی بن عبد الله وهو عم الثائر العلوي محمد بن صالح الذي قام بالثورة، أفشی عند المتوكل العباسي بخطة الثورة خشية من النتائج السيئة التي ستعود عليه وعلی مصالحه الشخصية في حال فشلها عند إندلاعها، وقد اقتيد بفعل هذه الوشاية قائد الثورة وألقی به إلی السجن ثم أطلق سراحه قبل سنتين من وفاته(6(.

وأيضاً ثار الحسين بن زيد ومعه محمد بن اسماعيل بن زيد في طبرستان ونواحي الديلم فغلب السلطات العباسية المتواجدة هنالك وربما كان الوحيد الذي انتصر في تلك الفترة، كما ثار محمد بن جعفر بالري إلّا أنه لم يحقق إنتصاراً فحسبه عبدالله بن طاهر بنيشابور حتی مات.

وكان أحمد بن عيسی قد تواری عن الأنظار بعد هروبه من سجن هارون الرشيد فأمر هارون بتفتيش كل دار يتهم صاحبها بالرسالية وطلب أحمد، ذلك لأن أحمد بن عيس‍ی بن زيد بن علي بن الحسين (ع) تواری في بغداد وبعدها انتقل إلی أماكن عديدة وهكذا حتی في تلك الأيام.

وكان ممن تواردا أيضاً عبدالله بن عيسی بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) منذ الخلافة المأمون...ولم يزل عبدالله متوارياً الی أن مات في أيام المتوكل.

فحدثني أحمد بن سعيد قال: حدثني يحيی بن الحسن، قال: حدثنا اسماعيل بن يعقوب قال سمعت محمد بن سليمان الزينبي يقول:

«نعي عبدالله بن موسی إلی المتوكل صبح أربع عشر ليلة من يوم مات، ونعي له أحمد بن عيسی فاغتبط بوفاتهما وسر، وكان يخافهما خوفاً شديداً ويحذر حركتهما، لما يعلمه من فضلهما، وإستنصار لشيعة الزيديه بهما وطاعتهم لهما لو أرادوا الخروج عليه فلما مات أمن وأطمأن، فما لبث بعدها إلّا إسبوعاً حتی قُتِل.

أمّا علی جبهة الفكر والثقافة فقد إنصرف الإمام (ع) شخصياً لرفد الأمة وطلائعها بالفكر الرسالي، كما واجه الإتجاهات المضللة باحتجاجات لطيفة، وفي مقدمة هذه الإتجاهات الأشاعرة والمعتزلة الذين ينمون عادة في ظل الأجواء المتقلبة وإنشغال السلطة بانصرافها التام لمواجهة تيار الحركة الرسالية الواعي في الأمة.

ولما كانت ظروف الإمام (ع) وهو في سامراء شديدة الحرج، كان الرواة والعلماء ينتلهون من علم الإمام (ع) عبر المراسلة والمكاتبة، عدا محاولاتهم المتكررة والدائمة للإتصال به مباشرة عبر بعض الكوادر الرساليين المتسللين في أجهزة الدولة العباسية ممن تسمح لهم الظروف غالباً بالإلتقاء مع قيادتهم الشرعية للإمام الهادي (ع)(7(.

ومن جملة الأمور الفكرية الهامة التي عاجلها الإمام (ع) ووقف بإزاءها (المغالاة). فقد جاء في رواية سهل بن زياد الآدمي أنه قال: كتب بعض أصحابنا إلی أبي الحسن العسكري (ع): جعلت فداك يا سيدي ان علي بن حسكة يدعي بأنه من أولئك وإنك القديم وأنه بابك ونبيك أمرته ان يدعو إليك ويزعم أن الصلاة والصوم والحج كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال إبن حسكة فيما يدعي من البابيه والنبوة، فهو مؤمن كامل الإيمان سقط عن الاستعباد بالصلاة وغيرها من العبادات، وقد مال إليه كثير من الناس، فإن رأيت أن تمن علی مواليك بجوانب في ذلك تنجيهم من الهلكة قال: فكتب (ع) كذب إبن حسكه عليه لعنة الله وإني لا أعرفه في موالي، ماله لعنه الله، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلّا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية. وما دعی محمد إلّا إلی الله وحده لاشريك له وكذلك نحن الأوصياء من ولده عباد الله من لا نشرك به شيئاً إن أطعناه رحمنا وإن عصيناه عذبنا مالنا علی الله من حجة بل الحجة لله علينا وعلی جميع خلقه، أبرأ إلی الله فمن يقول ذلك وأنتفي إلی الله من هذا القول فاهجروهم لعنهم الله وألجئوهم إلی ضيق الطريق فإن وجدتم أحداً منهم فإخدشوا رأسه بالحجر.

أجل!

هكذا ينبغي أن يكون عليه حملة رسالة الإسلام من المرونة في التعاطي مع مفردات الواقع حيث يجب أن تكون الأهداف العليا واضحة، فتتسارع إليها كل الوسائل الممكنة والمتاحة من أجل تحقيقها، فالصلابة في غير مواضعها كمن يشعل النار في داره والمرونة هي الأخر‌ی في غير مضانها كمن تهاون وتخاذل في مواقع الإقدام والمبادرة.

الإمام الهادي (ع) يعلمنا من خلال حياته (ع) أن نبادر إلی الفرصة أينما كانت وأن نركز العمل في الأبعاد الإستراتيجية الهامة من أجل تكريس البعد الحضاري في العمل الإسلامي.

فقد تعرض (ع) لمختلف أنواع الضغوطات السياسية بين مد وجزر، لكنه واجه الظروف المتقلبة بإستراتيجية دقيقة من المرونة والصلابة فلم تستطع محاولات الوشاة(8) الذين كانوا يحاولون بين الفينة والأخری أن يشحنوا سلاطين بني العباس بالحقد علی الإمام الهادي (ع) ليثبتوا بأية وسيلة إخلاصهم وولاءهم التام للعباسيين.

واستمر الإمام (ع) يواصل مسيرة العمل الرسالي بدأب وكفاح مستمرين وعلی كل الأبعاد التنظيمية والجماهيرية والسياسية والفكرية ومساعدة الثوار وكذا إدارة دورة كاملة من الأموال التي إليه من مختلف أصقاع البلاد الإسلامية. فكان يقود الأمة قيادة حقيقية. وخشية من خطر تصاعد الثورات العلوية التي تخظی بتأييد الإمام (ع) وبالتالي جماهير الأمة الإسلامية الموالية لخط أهل البيت (ع)، حيكت المؤمرات تلو المؤمرات لإغتيال الإمام (ع(.

ومن المفيد هنا أن نذكر الإمام (ع) قد تعرض لمحاولات عديدة من قبل لكنها جميعاً باءت بالفشل الذريع. جاء في رواية سهل بن زياد أنه قال: حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن بداره بسر من رأی فجری ذكر أبي الحسن (ع) فقال: يا أبا سعيد أحدثك بشيء حدثني به أبي قال: كنا مع المنتصر وأبي كاتبه فدخلنا والمتوكل علی سريره فسلم المنتصر ووقف ووقفت خلفه، وكان إذا دخل رحب به وأجلسه فأطال القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخری وهو لا يأذن له في القعود ورأيت وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقول: للفتح بن خاقان: هذا الذي تقول فيه ما تقول والفتح يسكنه ويقول: هو مكذوب عليه يا أمير المؤمنين وهو يتلظی ويستشيط غضباً ويقول: والله لا قتلني هذا المرائي الزنديق الذي يدعي الكذب ويطعن في دولته، ثم طلب أربعة من الخزر أجلافاً ودفع إليهم أسيافهم وأمرهم بقتل إبي الحسن إذا دخل وقال والله لأحرقنه بعد قتله وأنا قائم خلف المنتصر من وراء الستار، فدخل أبو الحسن وشفتاه تتحركان وهو غير مكترث ولا جازع، فلما رآه المتوكل رمی بنفسه عن السرير وانكب عليه يقبله بين عينية ويديه، ويقول: يا سيدي يا ابن العم يا أبا الحسن، هذا وأبو الحسن يقول: أعيذك يا أمير المؤمنين بالله من هذا؟ فقال له المتوكل: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ فقال: لقد جاءني رسولك، فقال: كذب ابن الفاعلة إرجع إلی مكانك ثم أمر الفتح وعبيد الله والمنتصر أن يشيعوه، ولما خرج قال للذين أمرهم بقتله: لِمَ لم تفعلوا ما أمرتكم قالوا: لما رأيناه هبناه وامتلأت قلوبنا من هيبته.

وتنقل المصادر التاريخية قصصاً عديدة عن محاولات متكررة قام بها المناوئون للإمام (ع) من أتباع العباسيين حتی أنهم قاموا باعتقاله (ع) وإيداعه السجن مع عدد غير قليل من الكوادر والعلماء الرساليين.

ولمّا لم تنجح محاولات الترغيب ولا الإرهاب الفكري والسياسي من الحد من نشاطات وفاعليات الإمام (ع) جری التخطيط هذه المرة بدقة لإغتيال الإمام (ع)، فمات مسموماً في عهد المعتز العباسي.

أقام الإمام الهادي (ع) بعد استشهاد والده الإمام الجواد (ع) في المدينة أكثر من عشرين عاماً وفي السنة الثانية لوصل جعفر بن محمد بن هارون المعروف بالمتوكل إلی سدة الحكم أي في سنة (233) إستدعی الإمام (ع) إلی سامراء، وبقي فيها طبلة حكم المتوكل والمنتصر (6 أشهر)، المستعين بالله (3 سنين و9 أشهر) والمعتز حيث كانت شهادة الإمام الهادي في عهده مقتولاً بالسم في 25 جمادي الثانية 254هـ.

ويتضح من خلال سيرته المباركة (ع) أن أشد الفترات حساسية التي عاشها الإمام (ع) إنها كانت في عهد المتوكل العباسي حيث كانت مليئة بالحوادث والمتغيرات السياسية، أما السنوات السبع التي قضاها في عهد كل من المنتصر والمستعين بالله والمعتز لم تكن فيها من التحديات بالصورة التي كانت أيام المتوكل فقد إلتقی الحكام الثلاثة بغرض الإقامة الجبرية عليه في سامراء وربما يُعزی ذلك لسيطرة القادة الأتراك علی مقاليد الحكم والسيطرة علی الدولة العباسية فيها.

--------------------------------------

1) تم بناء مدینة خاصة بالجیش سمیت بـ «سر من رأی» لکثرة ما فیها من جنود.

2) في رحاب أئمة أهل البیت /ج4 ص 176.

3) في رحاب أئمة أهل البیت /ج4 ص 177.

4) کان ذلک في سنة 236هـ.

5) توجد هذه الروایة أیضا في الارشاد للمفید. راجع سیرة الائمة الأثنی عشر القسم الثاني/ هاشم معروف الحسني/ ص470.

6) انظر الامام الهادي (ع) قدوة الثائرین لمحمد وصفي/ص 38.

7) للوقوف علی عدد من المکاتبات والمراسلات نحیلک عزیزي القاریء الکریم الی مراجعة الجزء الرابع من الکافي للکلیني، وکذا الجزء الخمسون من موسوعة بحار الأنوار للمجلسي.

8) أبرز الوشاة أو رجال الاستخبارات کما یصطلح علیهم حدیثاً الذین رصدوا لمتابعة تحرکات الامام (ع) هم: علي بن الجهم، محمد بن داوود الهاشمي، أبي السمط، البطحاني وغیرهم.

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تکالیف العباد فی عصر الغیبة
هل تعرف كيف تجامل الناس؟
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
الإمام المهدي خليفة الله في أرضه (عجّـل الله ...
المحطة الأخیرة فی خطّ الإمامة
رئيس مؤسسة آينده روشن: المهدوية سر هويتنا
دعاء الندبة
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
محن وآلام صاحب الزمان (عج)-2

 
user comment