يحرم الصوم في عيدي الفطر والأضحى، ولكنه يستحبّ في الجمعة ـ الذي يُعدّ ثالث الأعياد الإسلامية ـ ويكره في أيام مثل عاشوراء(11)، أما في عيد الغدير فقد وردت بخصوصه عبارة يظهر أنها لم تستعمل في غيره وهي:
«وذَلكَ يَومُ صيامٍ وَقيامٍ وإطعامِ الطَّعَام» (12).
بحث فقهي
طبقاً لهذه الرواية يظهر أنّ الصيام وإطعام الطعام كليهما مستحبّان في يوم الغدير، وكما نعلم فإنّه يكره للمضيف (أي من يطعم الطعام) أن يكون صائماً، ومن ثم يبدو أنّ هناك تزاحماً بين صيام هذا اليوم والإطعام فيه.
من جهة أخرى يستحبّ للضيوف أن يكونوا صائمين في هذا اليوم، وههنا سيحصل تزاحم أيضاً بين استحباب الصيام وبين استحباب إجابة دعوة المۆمن الذي عمل باستحباب إطعام الطعام في هذا اليوم (إلا أن نقول لا بأس بنقض الصوم بالاستجابة لدعوة المۆمن).
ولا يمكن حلّ المسألة بأن يصوم الإنسان في نهار يوم الغدير ويطعم الطعام عند الإفطار ودخول الليل، وذلك لأن لليوم إطلاقين أحدهما النهار والليل معاً أي ما مجموعه 24 ساعة، أو أكثر من ذلك كاليوم الأوّل من شهر رمضان الذي يبدأ برۆية الهلال، أو مضاعفة دية القتل التي تبدأ في اليوم الأول من رجب الذي يجري الحكم عليه من غروب اليوم السابق، أما الإطلاق الآخر لليوم فهو النهار كما يقال يستحبّ صيام يوم الغدير، ومن ثمّ فإطلاق يوم الغدير على الوقت من طلوع الفجر حتى غروب الشمس صحيح، أمّا إطلاقه على أكثر من ذلك فخلاف الظاهر. ويمكن أن يقال إنّ حلّ التعارض هو بأن يصوم الشخص ولكن يعطي المال لغيره كي يقوم بالإطعام نيابة عنه، ولكن هذا خارج عن محلّ البحث أيضاً لأن الكلام في أن يباشر المۆمن الإطعام بنفسه. ويعود الجواب النهائي لهذه المسألة برأينا إلى باب التزاحم، فصيام يوم الغدير وإطعام الطعام فيه فضيلتان لا يمكن الجمع بينهما وعلى المكلّف أن يختار أحدهما، أمّا أيّهما الأفضل ليختاره فلذلك بحث آخر.
وردت روايات تدلّ على استحباب صوم يوم الغدير، نذكر منها:
"هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته على المۆمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق"
1ـ عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «قلت: جُعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟
قال: "نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما"، قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: "يوم نصبأمير المۆمنين(عليه السلام) علماً للناس"، قلت: جُعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟
قال: "تصوم يا حسن وتكثر الصلاة على محمّد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتّخذ عيداً"». قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: "صيام ستين شهراً..."»(3).
2ـ عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال: «دخلت على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، فوجدته صائماً، فقال لي: "هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته على المۆمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق"، فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟
قال(عليه السلام): "إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً لله، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم"»(4).
3ـ عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: «صيام يوم غدير خُمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة، ومائة عمرة مبرورات متقبّلات، وهو عيد الله الأكبر»(5).
المصادر:
(1) تهذيب الأحكام، ج3، ص108، باب5، دعاء أول يوم من شهر رمضان المبارك.
(2) وقال بعض بحرمته فيما ذهب قليلون الى استحبابه
(4) ثواب الأعمال: 74.
(5) مصباح المتهجّد: 737.
(6) وسائل الشيعة 10/442.
source : www.tebyan.net