السؤال: ما هی کیفیّة غسل الایدی فی آیة الوضوء؟
الجواب: قال سبحانه: « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » (المائدة 6).
إنّ آیة الوضوء نزلت لتعلیم الامّة کیفیة الوضوء، والمخاطب بها جمیع المسلمین عبْر القرون إلى یوم القیامة، و مثلها یجب أن تکون و اضحة المعالم، مبیّنة المراد، حتى ینتفع بها القریب و البعید و الصحابی و غیره.
لکن اختلف الفقهاء فی کیفیة غسل الیدین، فأئمّة أهل البیت و شیعتهم، على أنّ الابتداء بالمرفقین إلى أطراف الاصابع و انّ هذه هی السنّة، و حجتّهم على ذلک هو ظاهر الآیة المتبادر عند العرف، فإنّ المتبادر فی نظائر هذه التراکیب هو الابتداء من أعلى إلى أسفل، فمثلًا إذا قال الطبیب للمریض: اغسل رجلک بالماء الفاتر إلى الرکبة، یتبع المریض ما هو المتداول فی غسل الرجل عند العرف، و هو الغسل من أعلى إلى أسفل. أو إذا قال صاحب الدار للصبّاغ، أصبغ جدران هذه الغرفة إلى السقف، فیتبع الصبّاغ ما هو المألوف فی صبغ الجدران من الاعلى إلى الاسفل و لا یدور بخلده، أو بخلد المریض من أنّ مالک الدار أو الطبیب استخدم لفظة «إلى» لبیان انتهاء غایة الصبغ والغسل عند السقف و الرجل بل لتحدید المقدار اللازم لهما.
و أمّا کیفیة الغسل فمتروک إلى ما هو المتّبع و المتداول فی العرف، و هوبلا ریب یتبع الاسهل فالاسهل، و هو الابتداء من فوق إلى تحت، و ما هذا إلّا لَانّ المتکلّم بصدد تحدید العضو المغسول، و هو الید مع قطع النظر عن کیفیة الغسل من حیث الابتداء و الانتهاء، فإذا کان هذا هو المفهوم، فلیکن الامر کذلک فی الآیة المذکورة من دون أن نتکلّف بشی ء من الوجوه التی یذکرها المفسرون فی تأیید أحد المذهبین.
نعم، إنّ أساس الاختلاف فی الابتداء بالمرفقین إلى أُصول الاصابع أو بالعکس عندهم إنّما هو فی تعیین متعلّق «إِلَى» فی الآیة الکریمة، فهل هو قید «للَایدی» أی المغسول، أو قید للفعل أعنی: «فَاغْسِلُوا»؟
فعلى الاوّل تکون الآیة بمنزلة قولنا: «الایدی إلى المرافق» یجب غسلها، و إنّما جاء بالقید لَانّ الید مشترک تطلق على أُصول الاصابع والزند والمرفق إلى المنکب، و لما کان المغسول محدداً إلى المرافق قُیّدت الید بقوله «إِلَى الْمَرافِقِ»، لیفهم أنّ المغسول هو هذا المقدار المحدد من الید و لولا اشتراک الید بین المراتب المختلفة و انّ المغسول بعض المراتب لما جاءت بلفظة «إِلَى» فالاتیان بها لَاجل تحدید المقدار المغسول من الید.
و على الثانی، أی إذا قلنا بکونه قیداً للَامر بالاغتسال، فربّما یوحی إلى ضرورة الابتداء من أُصول الاصابع إلى المرفقین، فکأنّه سبحانه قال: «الایدی» اغسلوها إلى المرافق.
و لکن لا یخفى ما فی هذا الایحاء من غموض، لما عرفت من أنّ المتّبع فی نظائر هذه الامثلة ما هو المتعارف و هو الابتداء من الاعلى إلى الاسفل.
أضف إلى ذلک: أنّه لو سلمنا أن حرف الجر قید للفعل، لا نسلم أنّه بمعنى «إلى» الذی هو لانتهاء الغایة، بل یحتمل أن یکون بمعنى «مع» أی الایدی اغسلوها مع المرافق، و لیس هذا بعزیز فی القرآن و الادب العربی.
یقول سبحانه: « وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِکُمْ » (النساء 2).
و قال سبحانه حاکیاً عن المسیح: « فَلَمَّا أَحَسَّ عِیسى مِنْهُمُ الْکُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِی إِلَى اللَّهِ » (آل عمران 52) أی مع اللّه.
وقوله سبحانه: « وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِکُمْ » (هود 52) أی مع قوتکم.
ویقال فی العرف: ولى فلان الکوفة إلى البصرة، أی مع البصرة، و لیس فی هذه الموارد من الغایة أثر.
وقال النابغة الذبیانی : و لا تترکنی بالوعید کأننی إلى الناس مطلیّ به القار أجرب
أراد مع الناس أو عند الناس.
و قال ذو الرمة : بها کل خوار إلى کل صولة ورفعی المدا عار الترائب
و قال امروَ القیس:
له کفل کالدعص لبّده الندى إلى حارک مثل الغبیط المذأبِ
أراد مع حارک.[1]
و على ضوء ذلک فلیست «إِلَى» لبیان الغایة، بل لبیان الجزء الواجب من المغسول سواء أکان الغسل من الاعلى أو من الاسفل.
هذا و الدلیل القاطع على لزوم الابتداء من الاعلى إلى الاسفل هو لزوم اتّباع ما هو المألوف فی أمثال المورد کما سلف.
و قد نقل أئمّة أهل البیت (علیهم السلام) وضوء رسول اللّه (صلى الله علیه وآله و سلم) بالنحو التالی:
أخرج الشیخ الطوسی بسنده عن بکیر وزرارة بن أعین، أنّهما سألا أبا جعفر عن وضوء رسول اللّه (صلّى اللّه علیه وآله وسلّم) فدعا بطست أو بتَوْر[2] فیه ماء، فغسل کفّیه، ثمّ غمس کفّه الیمنى فی التور فغسل وجهه بها، و استعان بیده الیسرى بکفه على غسل وجهه، ثم غمس کفّه الیسرى فی الماء فاغترف بها من الماء فغسل یده الیمنى من المرفق إلى الاصابع لا یردّ الماء إلى المرفقین، ثم غمس کفَّه الیمنى فی الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على یده الیسرى من المرفق إلى الکفِّ لا یردُّ الماء إلى المرفق کما صنع بالیمنى، ثمَّ مسح رأسه و قدمیه إلى الکعبین بفضل کفّیه و لم یجدد ماء.[3] .[4]
مصادر:
[1] - رسائل الشریف المرتضى: الرسالة الموصلیة الثالثة: 214-213.
[2] - التَوْر: اناء صغیر.
[3] - تهذیب الاحکام/ الشّیخ الطوسی: 59/ 1 برقم 158.
[4]- الوضوء على ضوء الکتاب و السنة، الشّیخ جعفر السّبحانی، ص: 15- 18.
مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی
source : .www.rasekhoon.net