الإمام الخميني قدس سره يتحدَّث عن ولايةأمير المۆمنين عليه أفضل الصلاة والسلام
نحن نعتقد بالولاية، ونعتقد بلزوم تعيين النّبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - لخليفة، وأنه قد عين كذلك (لقد صرح نبي الإسلام - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بخلافة علي - عليه السّلام - في موارد متعددة منها: حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وآية الولاية (عندما تصدق بخاتـمه لفقير ونزلت الآية الكريمة) وحديث غدير خم، وحديث الثقلين. راجع التفسير الكبير ج12 ص28 و53 ذيل الآيات 55 و67 لسورة الـمائدة. وسيرة ابن هاشم ج4 ص520، وتاريخ الطبري ج2 ص319 و322، وكتاب الغدير ج1 و2 و3) .
في جميع بلدان الدنيا الأمر بـهذا النحو، إذ وَضعْ القانون بمجرده لا فائدة فيه، ولا يۆمِّن سعادة البشر، فبعد تشريع القانون يجب إيجاد سلطة تنفيذية.
فهل تعيين الخليفة هو لأجل بيان الأحكام؟ فبيان الأحكام لا يحتاج لخليفة. إذ كان قد بَيّنَها الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بنفسه أو كتبها جميعاً في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا بـه، وكَوْنُ تعيين الخليفة لازماً عقلاً إنـما هو لأجل الحكومة، فنحن نحتاج إلى خليفة لكي ينفذ القوانين، إذ القانون يحتاج إلى مُجرٍ ومُنفِّذ. ففي جميع بلدان الدنيا الأمر بـهذا النحو، إذ وَضعْ القانون بمجرده لا فائدة فيه، ولا يۆمِّن سعادة البشر، فبعد تشريع القانون يجب إيجاد سلطة تنفيذية. ففي التشريع أو الحكومة إذا لم يكن ثمة سلطة تنفيذية يكون هناك نقص. ولذا فالإسلام قام بوضع القوانين وعيّن سلطـةً تنفيذيةً أيضاً، فولي الأمر هو المتصدي لتنفيذ القوانين أيضاً. لو لم يعين الرّسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - خليفة لـما كان قد بلغ رسالته (اقتباس من الآية 67 من سورة الـمائدة) ولـما كان قد أكملها. ولقد كانت ضرورة تطبيق الأحكام، ووجود السلطة التنفيذية وأهميتها في تحقق الرسالة، وإيجاد النظام العادل - الذي هو منشأ لسعادة البشر وراء كون تعيين الخليفة مُرادفاً لإتمام الرسالة.
لم يكن الأمر مقتصراً في زمان الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - على مجرد بيان القانون وإبلاغه، بل كان يقوم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بتنفيذه أيضاً، لقد كان رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - المنفِّذ والمطبِّق للقانون، فقد قام بتطبيق القوانين الجزائية مثلاً: قطع يد السارق، وإقام الحد، ورجم (وسائل الشيعة ج18 ص376 و509) والخليفة مُعَيَّنٌ لـهذه الأمور أيضاً، فالخليفة ليس مُشرعاً، بل الخليفة مُعَيّنٌ لأجل تنفيذ أحكام الله التي جاء بـها الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم -. ومن هنا يجب إقامة الحكومة والسلطة التنفيذية والإدارية. إن الاعتقاد بضرورة تأسيس الحكومة وإقامة السلطة التنفيذية والإدارية جزء من الولاية، كما أن النضال والسعي لأجلها من الاعتقاد بالولاية أيضاً.
أننا إذ نعتقد بالولاية، وبأن الرّسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قد عَيّنَ خليفة، وقد ألجأه الله إلى تعيين الخليفة وولي أمر المسلمين، فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية، ويجب أن نسعى لإقامة السلطة لتنفيذ الأحكام وإدارة الأمور. إنّ النِّضال من أجل إقامة الحكومة الإسلامية لازم للاعتقاد بالولاية.
انتبهوا جيداً فكما يقوم أولئك بترجمة الإسلام وبيانه بشكل سيِّء محاربةً لكم، قوموا أنتم ببيان الإسلام كما هو، وبينوا الولاية واشرحوها كما هي. قولوا: أننا إذ نعتقد بالولاية، وبأن الرّسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قد عَيّنَ خليفة، وقد ألجأه الله إلى تعيين الخليفة وولي أمر المسلمين، فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية، ويجب أن نسعى لإقامة السلطة لتنفيذ الأحكام وإدارة الأمور. إنّ النِّضال من أجل إقامة الحكومة الإسلامية لازم للاعتقاد بالولاية. قوموا بالكتابة حول قوانين الإسلام وآثارها الاجتماعية وفوائدها وانشروا ذلك، سيروا في طريقة ونمط عملكم التوجيهي وأنشطتكم نحو التكامل، وتذكروا أنكم مُكلّفون بتأسيس الحكومة الإسلامية. اعتمدوا على أنفسكم، واعلموا أنكم ستنجحون في هذا العمل. لقد هيأ المستعمرون الأرضية منذ ثلاثة أو أربعة قرون شرعوا من الصفر حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن.
لا تسمحوا لضجيج بعض المتغربين والمستسلمين لخدم الاستعمار أن يخيفكم.
إنّ المستعمرين هم الذين أشاعوا هذه المقولة من لزوم فصل الدين عن السياسة، وعدم تدخل علـماء الإسلام في الأمور الاجتماعية والسياسية.
لنشرع نحن من الصفر أيضاً. لا تسمحوا لضجيج بعض المتغربين والمستسلمين لخدم الاستعمار أن يخيفكم. عرِّفوا النّاس على الإسلام لكي لا تتصور الأجيال القادمة أن رجال الدين قد جلسوا في زوايا النجف وقم يدرسون أحكام الحيض والنفاس، ولا دخل لهم بالسياسة، وأنه يجب فصل الدين عن السياسة. إنّ المستعمرين هم الذين أشاعوا هذه المقولة من لزوم فصل الدين عن السياسة، وعدم تدخل علـماء الإسلام في الأمور الاجتماعية والسياسية. هذا كلام من لا دين لهم. فهل كانت السياسة منفصلة عن الدين في زمان الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل كان البعض رجال دين، والبعض الآخر سياسيين ومسئولين في ذلك العهد؟ وهل كانت السياسة مفصولة عن الدين في زمان الخلفاء - سواء كانوا خلفاء حق أم باطل - وفي زمن خلافة أمير المۆمنين عليه السلام؟ وهل كان هناك جهازان؟ لقد أوجد المستعمرون وعملاۆهم هذه المقولات من أجل إبعاد الدين عن التصرف في أمور الدنيا، وعن تنظيم المجتمع الإسلامي، وفصل علـماء الدين - من خلال ذلك - عن الشعب وعن المناضلين لأجل الحرية والاستقلال، إذ بهذا النحو يمكنهم التسلط على الشعب ونهب ثرواتنا، فهذا هو هدفهم.
حكومة الإسلام هي حكومة القانون. وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله والقانون - الذي هو أمر الله وحُكمه - فقانون الإسلام أو أمر الله له تَسَلُّطٌ كاملٌ على جميع الأفراد وعلى الدولة الإسلامية. فالجميع بِدءاً من الرّسول الأكرم- صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومروراً بخلفائه وسائر النّاس تابعون للقانون - وإلى الأبد - لنفس ذلك القانون النّازل من عند الله، والـمُبلَّغ بلسان القرآن والنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم -.
إذا كان النّبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قد تولى الخلافة، فقد كان ذلك بأمر من الله، إذ أن الله تعالى هو الذي جعله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - خليفة. "خليفة الله في الأرض" لا أنه قام بتشكيل الحكومة من نفسه وأراد أن يكون على المسلمين. كما أنه حيث كان يُحتمل حصول الخلاف بين الأمة بعد رحيله - إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام والإيمان - فقد ألزم الله تعالى الرّسول الكريم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بأن يقف فوراً وسط الصّحراء ليُبَلِّغ أمر الخلافة (إشارة إلى واقعة غدير خم المترتبة على نزول هذه الآية "ياأيها الرّسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته..." سورة المائدة، الآية67 كتاب الغدير ج 1 ص 214 - 229) . فقام الرّسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بحكم القانون واتِّباعاً لحكم القانون بتعيين أمير المۆمنين - عليه السّلام - للخلافة. لا لكونه صهره، أو لأنه كان قد أدى بعض الخدمات، وإنما لأنه - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كان مأموراً وتابعاً لحكم الله، ومُنفذاً لأمر الله.
فالحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون، والقانون وحده هو الحاكم في المجتمع.
أجل، فالحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون، والقانون وحده هو الحاكم في المجتمع.
فحيث أُعطِيَت صلاحيات محدودة للرسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وللولاة، فإنما كان ذلك من الله. وفي كل وقت كان يقوم فيه النّبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ببيان أمر أو إبلاغ حكم، فإنما يكون ذلك منه إتِّباعاً لحكم الله وقانونه. وإتِّباع الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - إنما هو أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى: "وأطيعوا الرّسول" وأتباع أولي الأمر أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء/59). فرأي الأشخاص وحتى رأي الرّسول الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ليس له أي دور في الحكومة والقانون الإلهي، فالجميع تابعون لإرادة الله تعالى.
لم يكن النّبي موسى - عليه السّلام - سوى راعٍ مارس عمله ذاك لسنين طويلة. وعندما كُلِّف بمواجهة فرعون، لم يكن يملك من مساعدٍ أو نصير. لكنه - بما يمتلك من لياقةٍ وصفات وصمود - أزال أساس حكومة فرعون بعصاه. أتظنون أنه لو كانت عصا موسى بيدي أو بأيدي حضراتكم لكان حصل معنا نفس النتيجة؟! إن الأمر يحتاج إلى هِمَّة موسى وجدّيتة وتدبيره لكي يتم القضاء على فرعون. وهذا ليس بمقدور أيٍّ كان. عندما بُعث النّبي الأكرم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بالرسالة، وشرع بالدعوة، لم يۆمن به في البداية سوى طفل في الثامنة من العمر هو: أمير المۆمنين علي بن أبي طالب - عليه السّلام - وامرأة في الأربعين هي: خديجة، ولم يكن لديه سواهما. والمجتمع يعلم كم ناله من أذى ومحاربة وتخريب. لكنه لم ييأس، ولم يَقُل لا نصير لدي، بل صمد، وأوصل - بقدرته الروحية وعزمه القوي - الرسالة من الصفر إلى هذه النتيجة، حيث ينضوي تحت لوائها سبعمائة مليون شخص هذه الأيام.
مذهب الشِّيعة بدأ أيضاً من الصفر. وعندما وضع الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أساسه قُوبل بالاستهزاء، إذ حين جمع الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قومه بداية الدعوة، عرض عليهم دعوته، وسألهم أيهم يۆازره في هذا الأمر ليكون وزيره وخليفته، ولم يجبه أحد سوى أمير المۆمنين -عليه السّلام- -الذي لم يكن قد بلغ سن البلوغ بعد- لكنه كان يحمل روحاً كبيرة أكبر من كل الدنيا. التفت أحدهم إلى أبي طالب، وقال له مستهزئاً: لقد أمرك أن تطيع ابنك وتسمع له (تاريخ الطبري ج2 ص319 - 322).
وفي ذلك اليوم الذي أعلن فيه ولاية أمير المۆمنين - عليه السّلام - على النّاس قُوبل بالبخبخة (بخٍ بخٍ) الظاهرية (التفسير الكبير ج 12 ص 53 وأسد الغابة ج4 ص28 والغدير ج 1 ص 11 - 213)، لكن العصيان والخلاف بدأ منذ ذلك الوقت، واستمر إلى النهاية. لو كان الرّسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - نصبه مرجعاً للمسائل الشرعية فحسب، لما خالفه أحد. لكن نصبه خليفة له، وجعله الحاكم على المسلمين، والمقر لمصير أمة الإسلام، وهذا هو الذي سبب هذه الاعتراضات والمخالفات. وأنتم اليوم إذا جلستم في بيوتكم، ولم تتدخلوا في أمور البلاد، فلن يتعرض لكم أحد. وإنما يتعرضون لكم فيما لو تدخلتم في أمور البلاد فحسب. وأمير المۆمنين - عليه السّلام - والشيعة نالوا كل هذا الأذى، وكل هذه المصائب بسبب تدخلهم في أمور الحكومة وسياسة البلاد. لكنهم مع هذا لم يتخلُّوا عن الجهاد والعمل، إلى أن صار عدد الشيعة اليوم - نتيجة جهادهم وعملهم التبليغي - حوالي مائتي مليون شخص.
(الحكومة الإسلامية ص40:37، 71،72،176،177)
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
source : www.tebyan.net