الفصل الثّاني
الإمام عليّ (ع) في عهد أبي بكر
خطوات السلطة لمواجهة المعارضة:
ما كانت الفئة المسيطرة لتتنازل عن السلطة بعد أن سعت وخطّطت للاستيلاء عليها، فثبتت على آرائها التي روّجتها في السقيفة ودعمتها بشتّى الوسائل والسبل بغض النظر عن شرعيّتها أو صحّتها في المحافظة على سلامة الدعوة الإسلامية، لذا فإنّنا نلاحظ بعض الظواهر والخطوات السياسية التي اتّبعتها هذه الفئة من أجل إبعاد آل محمد (صلى الله عليه وآله) عن الحكم نهائياً والقضاء على الفكرة التي أمدّت الهاشميين بالقوة، بل القضاء على كلّ معارضة محتملة مستقبلاً، وهي :
1 ـ إنّ السلطة الجديدة أخذت على المعارضين أنّ مخالفتهم الخليفة الجديد ليس إلاّ إحداثاً للفتنة المحرّمة في شريعة الإسلام، وكان يدعم إدانتهم للمعارضة هذه أنّ ظروف الدولة الإسلامية كانت غير مستقرّة بعد، وكان الأعداء من خارج البلاد يهدّدون الدولة الإسلامية إضافة إلى أحداث الردّة التي حصلت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) داخل حدود الدولة الإسلامية الفتيّة.
2 ـ اُسلوب الشدّة والعنف الذي اتّبعه الخليفة وحزبه مع الإمام عليّ (عليه السلام) ومن معه بنفس الطريقة التي اتّبعوها مع سعد بن عبادة في السقيفة، فقد بلغت الشدّة منهم أنّ عمر هدّد بحرق بيت الإمام عليّ (عليه السلام) وإن كانت فاطمة(عليها السلام) فيه[1]، ومعنى هذا أنّ فاطمة وغيرها من آل محمد (صلى الله عليه وآله) ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن يتّخذ الجهاز الحاكم الطريقة نفسها معهم.
3 ـ إنّ أبا بكر ومن معه لم يشرك شخصاً من الهاشميّين في شأن من شؤون الحكم المهمّة خشية أن يصل الهاشميّون الى الخلافة[2] ولا جعل منهم والياً على شبر من الدولة الإسلامية الواسعة.
4 ـ إعداد وتهيئة كتلة سياسية ضخمة تنافس آل محمد (صلى الله عليه وآله) وتعاديهم، لنيل الخلافة والمركز الأعلى في الحكم، فإنّنا نلاحظ أنّ الاُمويّين ذوي الألوان والطموحات السياسية الواضحة قد احتلوا الصدارة في المناصب الإداريّة أيام أبي بكر وعمر، وإضافة إلى ذلك أ نّ مبدأ الشورى الذي ابتكره الخليفة الثاني سوف يجعل من عثمان بن عفّان المرشح الأوفر حظّـاً من غيره من المنافسين.
هذه الكتلة السياسية من شأنها أن تطول وتتّسع لأنّها ليست متمثلة في شخص بل في بيت كبير، وبالتالي سوف لن تكون الظروف مهيّئة لصعود آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى سدّة الخلافة بسهولة على أقلّ تقدير.
5 ـ عزل كلّ العناصر التي تميل إلى بني هاشم، فقد روي أنّ أبا بكر عزل خالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي وجّهه لفتح الشام بعد أن أسندها إليه لا لشيء إلاّ لأنّ عمر نبّهه إلى نزعته الهاشمية وميله إلى آل محمد، وذكّره بموقفه المعارض لهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)[3].
6 ـ إضعاف القدرة الاقتصادية للإمام عليّ (عليه السلام) خشية أن يستثمرها الإمام في الدعوة لاستعادة حقّه الشرعي في الخلافة، فقام الخليفة بمصادرة فدك من الزهراء (عليها السلام) لعلمه أنّها (عليها السلام) كانت سنداً قوياً لقرينها في دعوته إلى نفسه، هذا إذا علمنا أنّ أطرافاً سياسية باعت صوتها للحكومة، فمن الممكن أن تفسخ المعاملة إذا عرض عليها ما ينتج ربحاً أكبر، كما وأنّ الخليفة أبا بكر نفسه اتّخذ المال وسيلة من وسائل الإغراء وكسب الأصوات[4].
وإذا أضفنا لذلك أنّ الزهراء كانت دليلاً يحتجّ به أنصار الإمام عليّ (عليه السلام) على أحقّيته بالخلافة نستوضح أنّ الخليفة كان موفَّقاً كلّ التوفيق في مسعاه السياسي لإظهار موقف الزهراء (عليها السلام) الداعم لأمير المؤمنين (عليه السلام) موقفاً محايداً، وذلك باُسلوب لبق وغير مباشر لإفهام المسلمين أنّ فاطمة (عليها السلام) امرأة من النساء ولا يصحّ أن تؤخذ آراؤها ودعاويها دليلاً في مسألة بسيطة كفدك، فضلاً عن موضوع مهم كالخلافة، وأنّها إذا كانت تطلب أرضاً ليس لها بحقّ; فمن الممكن أن تطلب[5] لقرينها الدولة الإسلامية كلّها، وليس له فيها حقّ كما يدّعيه هؤلاء الصحابة الذين رشّحوا أنفسهم لخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيطروا على زمام الأمر.
فقد روي أنّه لمّا استقرّ الأمر لأبي بكر، بعث الى وكيل الزهراء فأخرجه منها واستولى على فدك، واحتجّ بحديث لم يروه غيره، وهو أنّه سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّا معاشرَ الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة فالنبيّ لايورث وإنّما ميراثه في المساكين وفقراء المسلمين[6].
____________________________________
[1] بحار الأنوار: 43/197 ط دار الوفاء.
[2] تأريخ الطبري: 2 / 618، ومروج الذهب على هامش تأريخ ابن الأثير: 5 / 135 .
[3] تاريخ الطبري : 2/586 ط مؤسسة الأعلمي.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد: 3 / 182، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 133،
[5] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 284 ط. المحققة / أبو الفضل إبراهيم وفيه جواب مدرس المدرسة الغربية علي بن الفارقي بهذا المعنى عندما سأله ابن أبي الحديد.
[6] راجع سنن البيهقي : 6 / 301 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 / 218 ـ 224، ودلائل الصدق للمظفر : 3 / 3
source : www.sibtayn.com