البحث هنا حول مسألة نسبية الأخلاق، وينبغي أن يطرح السؤال بهذا النحو: هل ان الأخلاق مطلقة أم نسبية؟ أي لو قيل عن سجية أو خصلة انها خلقية، فهل تكون كذلك مطلقاً؟ أي أن الصفة الخلقية تكون خلقية دائماً ولكل شخص وفي جميع الأحوال؟ أو أن الفعل يسمى خلقياً بالنسبة إلى جميع الأفراد وفي جميع الأحوال والأزمنة، كما نقول: إن الأربعة ضعف الاثنين أم ليس كذلك وإنما هي نسبية؟ إن قلنا بأنها نسبية فسوف لا نتمكن من وصف أية خصلة أو سجية واي فعل بأنه فعل خلقي بشكل مطلق، وإنه يصدق في جميع الأمكنة والأحوال وعلى جميع الأفراد.
ثم إن هذه المسألة بالخصوص ينبغي أن تطرح بحكم ارتباطنا بالإسلام، إذ إن الدين الإسلامي المقدس كما قال علماؤنا القدماء تكون إرشاداته على ثلاثة أقسام أساسية.
القسم الأول: العقليات أو الفكريات، ويعبر عنها (باُصول العقائد).
القسم الثاني: النفسيات التي يعبر عنها (بالأخلاق).
القسم الثالث: البدنيات أو الفعليات والتي يعبر عنها (بالأحكام).
فهناك في القرآن الكريم سلسلة من الأوامر والإرشادات الخلقية، ومن جهة نجد أن الدين الإسلامي الحنيف له خصوصية وهي الخاتمية ومسألة الخلود، وهذا الأمر يلازم كوننا نرى الأخلاق مطلقة
إن قسم الأخلاق مهم جداً. فهناك في القرآن الكريم سلسلة من الأوامر والإرشادات الخلقية، ومن جهة نجد أن الدين الإسلامي الحنيف له خصوصية وهي الخاتمية ومسألة الخلود، وهذا الأمر يلازم كوننا نرى الأخلاق مطلقة، أو في الأقل نقول بصيغة استفهامية: هل إن أوامر الإسلام في هذا الباب لها جنبة خلود؟ ولازم ذلك أن نقول: إن الأخلاق مطلقة.
فعلينا أولاً أن نقرأ هل أن الأخلاق مطلقة أم نسبية؟ وبعد ذلك نرجع إلى الإسلام، لنرى ما هي وجهة نظره في الأخلاق، وهل هي نسبية عنده أم مطلقة؟ إن لهذه المسألة ارتباطاً قوياً بالمسألة السابقة في باب معيار الفعل الخلقي، فعلى بعض تلك النظريات تكون الأخلاق مطلقة لا نسبية، وعلى بعضها الآخر تكون نسبية، وهناك نظرية أو نظريتان لم نذكرها وسنذكرها هنا أولاً ثم نوضح هذه المسألة.
الاختيار
يعتقد بعض بعدم وجود معيار للفعل الخلقي أصلاً خارج نفس الإنسان، أي لا يوجد معيار لكون الشيء خلقياً خارج اختيار الإنسان، ولابد انكم سمعتم في القديم (في عهد اليونان) كان هناك علماء يقولون: إن الإنسان مقياس كل شيء، وكانوا يرون هذا في مجال العلم والفلسفة، وان معيار الواقعية والحقيقية أيضاً هو الإنسان وما يراه، أي لا يوجد حق واقعي، وإنما الحق الواقعي هو ما يراه الإنسان، فإن رأى أن هذا الشيء حق فهو حق وإن رأى أنه باطل فهو باطل، بالضبط نظير العقيدة التي كانت لدى بعض متكلمي الإسلام (المعتزلة) في باب الاجتهاد، إذ إن كل مجتهد إذا اجتهد في أمر فإن الحق هو ما رآه، وان المجتهد لا يخطئ، وعلى هذا لو استنبط عشرة من المجتهدين عشرة أحكام متباينة فسيغدو للحق عشرة أشكال، وفي مقابلهم المخطئة حيث قالوا: إن الحق شيء واحد ليس إلاّ، والاجتهاد قد يطابق الواقع وقد يخالفه.
قال اليونانيون الكلام نفسه بشأن (الحقيقة) وقالوا: إن معيار الحقيقة هو الإنسان، وليس معيار الإنسان هو الحقيقة، كان بحث اليونانيين في الحقيقة والواقعية والعلوم النظرية، أي ما هو كائن، فإذن لو كنا نقول مثلاً: إن الله موجود، كانوا يقولون: بما أن هذا الإنسان يرى أن الله موجود فإذن هو موجود، ولو قال الآخر: إن الله معدوم يقولون: نعم هو معدوم لأن هذا قال ذلك.
هناك علماء يقولون: إن الإنسان مقياس كل شيء، وكانوا يرون هذا في مجال العلم والفلسفة، وان معيار الواقعية والحقيقية أيضاً هو الإنسان وما يراه، أي لا يوجد حق واقعي، وإنما الحق الواقعي هو ما يراه الإنسان، فإن رأى أن هذا الشيء حق فهو حق وإن رأى أنه باطل فهو باطل
هذا بحث نظري، ولكن ظهرت نظرية في باب الأخلاق في العصر الحديث لا تقول هذا الكلام في باب الحقيقة، بل تقوله في باب الأخلاق، والأخلاق تختلف عن الحقيقة في أن الحقيقة تتعلق بما هو موجود، وأما الأخلاق فإنها متعلقة بما ينبغي أن يوجد، قالوا: بشأن ما ينبغي أن يكون، أو بعبارة أخرى بشأن الخير الخلقي والشر الخلقي، ليس هناك أي معيار غير اختيار الإنسان، وأضافوا: إن مرادنا من الأخلاق الحسنة، والأخلاق المنتقاة والمقبولة، وقالوا: إن معيار ما هو محمود أي منتخب ومنتقى هو أن كل خلق مقبول فهو خلق حسن، إلا أن الاختيار يتغير على مر الأزمنة، وعندما يتغير الاختيار تتغير الأخلاق الحميدة طبعاً، إن الخلق الفلاني كان محموداً في وقت ما ومورد ارتضاء العموم واختيارهم، فإذن كان حسناً، لكنه قد يصير في زمن آخر غير محمود، ويكون الخلق المضاد له محموداً، ان هذا الاضطراب وهذه التغيرات الحادثة في الخلق وكونه حميداً في زمن وغير حميد في زمن آخر مرجعه إلى التكامل ومنشؤه روح الزمان، وبعبارة أخرى روح المجتمع.
source : www.tebyan.net